ملاحظات أوليّة في أعقاب قرار الحكم حول "قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل"

قضى قرار الحكم الصادر عن المحكمة العليا في التماس رقم 7052/03- عدالة وآخرون ضد وزير الداخلية وآخرين، يوم الرابع عشر من أيار 2006، والذي يمتد على 263 صفحة ويشمل 11 وجهة نظر منفصلة لقضاة هيئة المحكمة الـ 11، برفض الالتماسات التي طالبت بإبطال قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل (أمر مؤقت)، 2003 (في ما يلي: القانون) لكونه قانونًا غير دستوري.
وجاء قرار الحكم بعد أن ظلّ التماس عدالة عالقًا أمام المحكمة مدة ثلاث سنوات، منذ تقديمه في الثالث من آب 2003.

قضى قرار الحكم الصادر عن المحكمة العليا في التماس رقم 7052/03- عدالة وآخرون ضد وزير الداخلية وآخرين، يوم الرابع عشر من أيار 2006، والذي يمتد على 263 صفحة ويشمل 11 وجهة نظر منفصلة لقضاة هيئة المحكمة الـ 11، برفض الالتماسات التي طالبت بإبطال قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل (أمر مؤقت)، 2003 (في ما يلي: القانون) لكونه قانونًا غير دستوري.

وجاء قرار الحكم بعد أن ظلّ التماس عدالة عالقًا أمام المحكمة مدة ثلاث سنوات، منذ تقديمه في الثالث من آب 2003.

جرى سنّ هذا القانون الذي يمنع منح مكانة في إسرائيل لفلسطينيين من سكان المناطق المحتلة متزوجين من مواطني وسكان إسرائيل، في الحادي عشر من أيار 2002، حيث فرض حظرًا على ما يلي:

- تقديم طلبات جديدة من مواطنين وسكان لنيل مكانة للزوج/ة من سكّان الضفة الغربية وقطاع غزة، باستثناء المستوطنين الذين يسكنون في مستوطنات المناطق المحتلة؛

- منح أيّة مكانة لمن هو من سكان الضفة الغربية أو قطاع غزة إلا إذا كان جرى تقديم الطلب قبل الثاني عشر من أيار 2002؛

- رفع درجة المكانة الممنوحة لمن هو من سكان الضفة الغربية أو قطاع غزة (بما يشمل رفع درجة المكانة إلى إقامة مؤقتة، إقامة دائمة ومواطنة) على الرغم من أنه قد تمّت المصادقة على الطلبات، وأنّ مقدميها استوفوا كافة شروط إجراء رفع درجة المكانة.

لا يوجد في الاستثناءات القليلة التي أُقرّت في القانون وفي تلك التي أضيفت إليه في السابع والعشرين من تموز 2005، ما من شأنه توفير علاج للمسّ الفادح الذي يلحقه القانون بحقوق المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل في الحياة الأسريّة، المساواة وكرامة الإنسان. فهذا القانون يسلب من المواطنين العرب بشكل جارف أيّة إمكانية لترتيب مكانة الزوج/ة من المناطق المحتلة، في إسرائيل. ويجري هذا بما يتناقض مع وضعيّة كل مواطن آخر متزوّج ممن ليس مواطنًا في إسرائيل شريطة ألا يكون فلسطينيًا من سكان المناطق المحتلة، حيث يظل الإجراء التدريجي لمنح مكانة في إسرائيل ساريًا على أزواج مواطني وسكان إسرائيل.

لقد أخفقت المحكمة العليا، برفضها إبطال القانون، في أهمّ امتحاناتها: الدفاع عن حقوق الإنسان في وجه انتهاكها وتوفير العلاج القضائي للمتضرّرين، وذلك في أشد الحالات وضوحًا- قانون عنصري يسلب حقوقًا أساسية دستورية من إنسان على خلفية هويّته الإثنية.

وتكشف قراءة قرارات الحكم التي وضعها القضاة الذين يصادقون على القانون (وهم نائب رئيس المحكمة حيشين والقضاة ريفلين، غرونيس، ناؤور وعديئيل)، عن أحكام قضائية خطيرة جدًا، تتجاوز كثيرًا مجال قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل.

كذا هو الحكم، الذي يتّفق عليه عدد من القضاة، بأنّه وفقًا لأقوال القاضي ميشيل حيشين، فإنّ الفلسطينيين سكان المناطق المحتلة: "هم بمثابة رعايا عدوّ، وبوصفهم هكذا فهم يشكّلون تهديدًا على مواطني وسكّان إسرائيل".

إسباغ الشرعية على العقاب الجماعي

توجد خطورة خاصة في الشرعية التي أسبغها القاضي حيشين على استخدام العقاب الجماعي في ظروف معيّنة، وذلك في تناقض تامّ مع إحدى القواعد الأساسية للقانون الدولي، التي تحظر العقاب الجماعي بشكل مطلق:

"هناك من يدعي أن الحظر الجارف في قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل يشكّل مسًا بالسكان العرب في إسرائيل كافة بفعل جرائم قام بها قلائل، كان مكان سكناهم سابقًا في المنطقة، وهم يسكنون اليوم في إسرائيل. نحن نتّفق، بالطبع، على أنّ نتيجة المسّ الجماعي قاسية ومضرّة، ومن الأجدر بدولة ديمقراطية أن تمتنع عن اعتماده. رغم ذلك، ففي اعتقادي أنّ هناك حالات لا يمكننا الامتناع عنه فيها. أحيانًا يكون ضرر القلائل سيئًا وقاسيًا إلى درجة تبرير التقييدات الجماعيّة؛ خاصة عندما لا يكون بالإمكان تشخيص أولئك القلائل من مريدي الشرّ والعثور عليهم، في حين أنّ الضرر المتوقّع منهم شديد القسوة والخطورة..".

وهناك مغزى خطير أيضًا في توجّه القاضي حيشين الذي يُدنّي مستوى البرهنة المطلوبة لتبرير انتهاكات حقوق الإنسان حتى امتحان "النزعة السيّئة".

تجدر الإشارة إلى أنّ الأحكام القضائية الخطيرة لم تصدر عن القضاة الذين أيدوا القانون فحسب، بل وردت أيضًا في قرارات حكم القضاة الذين عارضوا القانون، كالتصديق الذي منحه رئيس المحكمة، القاضي أهارون باراك، للمبدأ القطعيّ بشأن التهديد الأمني الذي يبرّر عدم منح مكانة، بل حتى سلب مكانة قائمة، ليس بسبب خطورة نابعة من طالب المكانة فحسب، بل من أحد أبناء عائلته، أيضًا.

هذه الأمثلة هي غيض من فيض الأحكام القضائية الخطيرة الواردة في قرارات الحكم غالبًا، وتترتّب عليها إسقاطات شديدة الخطورة من حيث مفهوم الحماية الدستورية لحقوق الإنسان في إسرائيل، التي تتجاوز كثيرًا حدود مسألة قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل.

على الرّغم مما سبق ذكره، فإنّ القراءة الحذرة لقرار الحكم تبيّن أنّ غالبية قضاة هيئة المحكمة لا يصدّقون على القانون. فغالبيتهم أقرّوا أنّ القانون ينتهك الحقوق الدستورية في الحياة الأسريّة، المساواة وكرامة الإنسان بشكل غير نسبيّ، وهذا على الرغم من أنّ كل قضاة الهيئة أقرّوا أن غاية القانون هي حماية أمن الدولة. حتى أن القاضيين سليم جبران وبروكاتشا يثيران شكوكًا حول ما إذا لم تكن للقانون غاية خفيّة، وهي الغاية الديمغرافيّة. وكان هناك اتفاق واسع على أنّ القانون يصمد في الامتحانين الثانويين الأولين لفقرة التقييد، أي أنّ القانون يضع علاقة عقلانية بين الوسيلة والهدف، ويشكل وسيلة أقل ضررًا، ولكن معظم قضاة الهيئة أقرّوا أن القانون ينتهك حقوقًا دستورية بشكل غير نسبيّ كونه لا يصمد في الامتحان الثانوي الثالث لامتحان النسبية- وهو امتحان العلاقة اللائقة بين الفائدة التي يوفّرها القانون وبين ما يؤدّي إليه من مسّ بالحق.

إذًا، فقد أقرّ غالبية قضاة هيئة المحكمة أنّه لا يمكن لكافة الوسائل تبرير الغاية الأمنية، التي عرضتها الدولة وكأنّها الهدف الوحيد للقانون. والحقيقة أنّه على الرّغم من ذلك لم تتوفّر الغالبية المطلوبة لإبطال القانون، مما يجعل إخفاق المحكمة في توفير علاج للمتضرّرين من القانون أشدّ خطورة.

وقد قال القاضي باراك في قرار حكمه:

"الديمقراطية لا تسلك هذا السلوك. الديمقراطية لا تفرض حظرًا جارفًا لتفصل بالتالي بين مواطنيها وبين أزواجهم، ولا تسمح لهم بإدارة حياة أسرية؛ الديمقراطية لا تفرض حظرًا جارفًا وتضع مواطنيها بالتالي أمام خيار العيش فيها من دون الشريك الزوجي أو مغادرة الدولة بغية ممارسة حياة أسريّة سليمة؛ الديمقراطيّة لا تفرض حظرًا جارفًا وتفصل بالتالي بين الأهل وأولادهم؛ الديمقراطية لا تفرض حظرًا جارفًا وتميّز بالتالي بين مواطنيها بخصوص تحقيق حياتهم الأسريّة. بل إنّ الديمقراطية تتنازل عن إضافة معينة في الأمن من أجل تحقيق إضافة أكبر بما لا يقارن في الحياة الأسرية والمساواة. هكذا تتصرّف الديمقراطية في فترة السلام والهدوء، وهكذا تتصرّف في فترة الحرب والإرهاب. ففي هذه الفترات العصيبة بالذات تتبدّى قوّة الديمقراطية.. في الأوضاع العصيبة التي تعيشها إسرائيل اليوم بالذات، تقف الديمقراطية الإسرائيلية أمام الامتحان".

"الضرورة الأمنية"- التسويغ الأساسي

ارتكزت الدولة في ادعاءاتها أمام المحكمة العليا على تسويغ أساسيّ واحد وهو أنّ القانون يشكل ضرورة أمنية. في ردّها على الالتماس ادعت النيابة أنّ القانون يشكل وسيلة حيوية لمواجهة التهديد الأمني الكامن في "الضلوع الآخذ بالازدياد" لفلسطينيين من سكان المناطق المحتلة ممن نالوا مكانة في إسرائيل عبر لمّ شمل العائلات، في "النشاط الإرهابي". وادعت الدولة أنه منذ بدء الانتفاضة الثانية وحتى سنّ القانون في تموز 2003، كان هناك 20 فلسطينيًا ضالعًا في "دفع عمليّات"، ممّن نالوا مكانة في إسرائيل عن طريق لمّ شمل العائلات. لقد قدّمت الدولة معطيات جزئيّة لا غير للمحكمة، وحتى في هذه الحالة اقتصرت المعطيات على ستة من أولئك "الضالعين". خلال الإجراء القضائي، اعترفت الدولة أن الحديث يدور حول من تم التحقيق معهم، وليس من تمّت إدانتهم، لكنها ادّعت أنه جرى التحقيق حاليًا مع ستة مشتبهين إضافيين وأنّ هناك معلومات استخباراتيّة حول ضلوع فلسطينيين إضافيين في نشاط ضد أمن الدولة، ممن كانوا قد نالوا مكانة في إسرائيل عبر لمّ الشمل.

ادّعت الدولة أنّه: "توجد في الوقت الراهن ضرورة أمنية لمنع دخول سكان المنطقة إلى إسرائيل- بغض النظر عمّن كانوا- لأنّ دخولهم... إلى إسرائيل وتحركهم بحرية في مناطق الدولة عبر تلقي أوراق ثبوتية إسرائيلية، من شأنه أن يشكل تهديدًا بشكل ملموس جدًا على سلامة وأمن مواطني وسكّان الدولة...".

إدعت نيابة الدولة، أيضًا، أنّ الغاية الأساسية للقانون هي تقليص خطر المسّ بحق مواطني إسرائيل وسكانها في الحياة، وأنّه من واجب الدولة حماية مواطنيها، وبهذا فإنّ القانون هو بمثابة دفاع عن النفس.

ولقد قدّمنا للمحكمة ردًا مفصلاً على إدعاءات الدولة.

قراءة قرار الحكم تترك انطباعًا بأنّ جاهزية غالبية قضاة هيئة المحكمة للإقرار بأنّ ضرر القانون غير نسبي رغم عرضه كضرورة أمنية، قد جاءت بعد أن تيقّن القضاة من مدى ضعف الاعتبار الأمني في هذه الحالة ومدى الصعوبة في جعله مقنعًا.

لقد تمّ عرض الاعتبار الأمني في تفسير اقتراح القانون. ومنذ ذلك الحين لم ينجح ممثلو الدولة في جلب معطيات جديّة تثبت ذلك. ووفقًا للمعطيات التي عرضتها الدولة، فكلّ من تمّ التحقيق معهم بشبهة الضلوع في المسّ بالأمن يشكلون أقلّ من واحد بالألف من مجمل الفلسطينيين الذين نالوا اقامة في إسرائيل بفعل لمّ الشّمل. لقد سعى المبادرون لسن القانون إلى البحث في ذلك الرقم الضئيل بالذات بهدف تحديد مدى الخطر المتأصّل في كلّ الفلسطينيين الذين نالوا مكانة، لمجرد كونهم فلسطينيين، ومن ثم جعل ذلك مبدأ قطعيًا. لقد أرادوا عبر مبدأ الخطورة الواهي هذا، أن يبرّروا فرض الحظر الجارف على لمّ الشمل، وتحويل فحص كلّ حالة بحدّ ذاتها إلى مسألة زائدة.

بعض وقائع تفحص "الاعتبار الأمني"

ما يثير الاهتمام بشكل خاصّ هو الطابع النقدي الذي أجرت فيه القاضية بروكاتشا فحصها للاعتبار الأمني. فهي تتوقّف عند الضّعف الشّديد للاعتبار الأمنيّ وتقرّ: "لديّ تحفّظات بخصوص قوّة هذا الاعتبار إزاء المعطيات التي قدّمتها الدولة وتحليلها على خلفية سياسة الحكومة في مجالات ذات صلة".

تطرّقت القاضية بروكاتشا في قرار الحكم الذي وضعته إلى طابع سلوك المحكمة سابقًا في تعاطيها مع ادّعاءات بوجود حاجة أمنيّة، وإلى طابع سلوكها الحالي. ووفق ما قالته:

"إنّ إدعاء "الحاجة الأمنية" الذي نسمعه من الدولة ليس بمثابة معادلة سحرية، يبرّر طرحه المصادقة عليه دون تحقيق أو مساءلة.. في أيام ماضية، كان يتم قبول ادّعاء الدولة بخصوص الحاجة الأمنية دون فحص لمعناه ووزنه. هذه الأيام قد مضت، ومنذ سنين طويلة تُفحص ادّعاءات السلطة بخصوص الحاجة الأمنية، كلاً على حدة، في المحاكم ضمن سياقات مختلفة. صحيح أنّ المحكمة تعتمد بشكل عام انضباطًا بخصوص فحص الاعتبارات الأمنية لدى السلطة ولا تسارع إلى التدخّل فيها، ولكن، رغم ذلك، فحين يكون تطبيق السياسة الأمنيّة منوطًا بالمس بحقوق الإنسان، يتوجّب على المحكمة فحص معقوليّة اعتبارات السلطة ونسبية الوسائل التي تبغي استخدامها".

إزاء قرار الحكم هذا، وبعد التأمّل في طابع تعاطي المحكمة مع التماسات إضافية حتى في الفترة الأخيرة، كقضية جدار الفصل، وأوامر منع مغادرة البلاد، تبدو ملاحظة القاضية بروكاتشا بمثابة المنشود وليس الموجود.

تشير القاضية بروكاتشا إلى أنّه من الصعب العثور على خط سياسيّ عقلاني في تعاطي الدولة مع التهديد الأمني الناجم، وفقًا لما تدعيه، عن طالبي لمّ الشمل:

"في تعاطيها المختلف مع مجموعات تهديد فيها ما يوحّدها وما هو مشترك بينها.. فهي توافق على وجود مخاطر تفوق تلك المتوقّعة من زوج فلسطيني، من غير فرض حظورات جارفة، لكنها لا تمتنع عن الشطب المطلق تقريبًا للمّ الشّمل، بشكل لا يتّفق مع نسبية الخطر المتوقع من ذلك. إنّ تمحور القانون في مجموعة الأزواج من المنطقة لا تتّفق مع سياسة الدولة تجاه عوامل لا تقل خطرًا عن ذلك، بل ربّما تفوق تلك الناجمة عن لمّ الشمل. في سياقات أخرى، تشتمل على مخاطر جديّة، فإن الدولة تمتنع عن المسّ الجارف. وهي تسعى لتبديد الخطر بشكل عقلاني ونسبيّ قدر الإمكان. لكن الوضع ليس كذلك في ما يتعلق بطالبي لمّ الشمل".

تتطرق القاضية بروكاتشا هنا إلى المقارنة التي أجراها الملتمسون بين الحظر الجارف المفروض على طالبي لمّ شمل العائلات وبين السياسة التي تسمح بدخول عمّال فلسطينيين وتجّار، بالاستناد إلى فحوصات أمنيّة فردية.

وتواصل القاضية بروكاتشا التأكيد على أنّ: "الأمر يثير الخشية من أنّ الهدف الحقيقي للقانون لا يتطابق بالكامل مع الهدف الأمني المزعوم، وأنّ قوة الاعتبار الأمني ليست جديّة كما تمّ الإدعاء".

في المقابل، فإن الرئيس باراك لا يشكّ في صدق الاعتبار الأمني لكنّه يقرّ: "إنّ الإضافة الأمنية التي يوفرها الحظر الجارف ليست نسبية إزاء إضافة الضرر الحاصل للحياة الأسريّة والمساواة للأزواج الإسرائيليين. صحيح أنّ احتمال زيادة الأمن عبر الحظر الجارف ليس "ضعيفًا ونظريًا". مع هذا، وبالمقارنة مع المسّ الفظّ بكرامة الإنسان، فإنّ التعاطي غير نسبي. لقد أجاد (القاضيان) روبنشطاين ومدينا حين أشارا إلى أنّ "الوسيلة المعتمدة ليست "نسبية" بشكل قاطع، بسبب طابعها الجارف في الأساس". وبروح شبيهة أشار (القضاة) دافيدوف، يوفال، سبان ورايخمان إلى أنّ "الضرر وقواعد الخطورة التي يراكمها القانون الجديد تؤلّف مسًا فظًّا لا بل لربما مسًا فادحًا، بحقوق أقرب ما تكون إلى "نواة" كرامة الإنسان، وذلك من دون وجود أيّ مبرّر لائق مصدره السلوك والخطر العيني الذي يشكّله المتضررون من القانون. من الصّعب في وضع كهذا رؤية كيفيّة توفر تعاطٍ نسبي ما بين المسّ الفظ المتجسّد في القانون وبين الهدف المفترض الذي جاء القانون كي يحقّقه. في هذه الظروف، وحين تكون قدرة القانون على تحقيق هدفه واهية، بينما يكون ضرره مؤكدًا وقاسيًا، يصبح البون بين الفائدة وبين الضرر طيّ القانون الجديد، غير نسبي. وإذا ما كانت هناك حالة وحيدة وشاذة تتطلب بشكل واضح تفعيل امتحان النسبية بالمعنى الضيق- فيبدو أنّ هذه هي الحالة".

تحذّر القاضية بروكاتشا من الخطر "المتربّص الكامن في المسّ الجارف ببشر ينتمون إلى جمهور معين عبر إلصاق وصمة التهديد بالخطر دون تمييز، ومن الخشية الكامنة في توظيف ادّعاء الأمن كمبرّر لشطب عام لجمهور بأكمله". وهي تشير إلى قرار الحكم في قضية Korematsu، حيث رفضت المحكمة العليا التدخل إزاء العقوبات الجارفة التي تم فرضها على مواطنين أميركيين من أصل يابانيّ خلال الحرب العالمية الثانية، كمثال على خطأ دستوريّ خطير يجب الاحتراس منه:

"نذكر حالات من التاريخ وقع فيها الأمر، وتمّ الاعتراف بخطئها بعد تفكير دستوريّ لاحق. يكفي إحضار مثال واحد على ذلك من القضيّة المعروفة بخصوص U.S. v. Korematsu, 323 U.S. 214 (1944) وفيها جرى اقتياد سكان ومواطنين من أصل ياباني، ممّن يعيشون في الولايات المتحدة، إلى الحجز في دولتهم، في فترة الحرب العالمية الثانية، حين حاربت الولايات المتّحدة ضدّ اليابان. كان هناك أفراد من ذلك الجمهور مشتبه بهم بعدم الولاء للدولة. في أعقاب ذلك تمّ فرض عقوبة عامة باحتجاز جمهور بأكمله. تمّت المصادقة على هذه الوسائل الجارفة بغالبية الآراء في المحكمة العليا الأميركية، وكان للأقلية رأي آخر. وقد عبّر القاضي Black عن تبرير استخدام وسائل الأمن هذه لدى الأغلبية، في أقواله التي تذكّر بالجوانب المبدئية لادّعاءات الدولة أمامنا.. يعتبر قرار حكم أغلبية قضاة المحكمة العليا الأميركية في قضية Korematsu، بنظر كثيرين، أحد المشاهد الأكثر قتامة في التاريخ الدستوري لدول الغرب.. إنّ ظروف تلك القضية تختلف جوهريًا عن تلك المطروحة أمامنا، لكنّ الريح التي تهب في خلفيّة وجهة النظر الدستورية التي سادت رأي الأغلبية ليست غريبة عن الادعاءات التي سمعناها من الدولة في القضية المطروحة أمامنا. فلنحترس من ارتكاب أخطاء شبيهة. لنمتنع عن المسّ الجارف بجمهور بأكمله يعيش بيننا ويستحق الحماية الدستورية لحقوقه؛ لندافع عن أمن حياتنا بواسطة وسائل رقابة فردية حتى لو كان من شأن هذا تحميلنا عبئًا إضافيًا، وحتّى لو كان معنى الأمر إبقاء هوامش محتملة معيّنة للخطر. فبذلك لا ندافع عن حياتنا فحسب بل، أيضًا، عن قيم حياتنا".

يبدو أنّ غالبية قضاة هيئة المحكمة العليا لم يصغوا إلى تحذير القاضية بروكاتشا.

وإنّ ألوف الأزواج المفصولين رغمًا عنهم منذ ما يزيد عن أربع سنوات، وألوف الأطفال الذين يعيشون في انقطاع عن أحد والديهم، والعائلات الكثيرة التي تعيش معًا سرًا تحت وطأة رعب التهجير الذي يهدّدها، هؤلاء جميعًا لا تكفيهم وجهة نظر غالبية قضاة هيئة المحكمة التي أقرّوا فيها أنّ القانون ينتهك الحقوق بشكل غير نسبيّ، بل هم بحاجة، بشكل طارئ، إلى علاج قضائي فعّال، وهو العلاج الذي لم توفّره لهم المحكمة العليا في قرار حكمها هذا.

___________________________

(*) الكاتبة محامية من مركز "عدالة"- المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل.

Terms used:

باراك