حرب لبنان الثانية- رؤية لعوامل الفشل والعبر المطلوبة

كشفت حرب لبنان الثانية مجدداً وبصورة قاسية حقيقة أن دولة إسرائيل لا تمتلك رداً ناجعاً إزاء تهديد الصواريخ على اختلاف أنواعها. وعلى الرغم من أن بطاريات صواريخ "حيتس" و"باتريوت" الموجودة في حوزتنا قادرة على اعتراض الصواريخ الباليستية، إلاّ أنها لا تلبي الغرض إذا ما أُطلقت الصواريخ صوب العمق المدني والعسكري في إسرائيل برشقات مكثفة وكبيرة، وفقما يخطط ويستعد الإيرانيون والسوريون. أما بالنسبة للصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى والقذائف الصاروخية، فنحن لا نمتلك حيالها أي رد، على الرغم من أن قدرتها التدميرية مثبتة ومعروفة.

كشفت حرب لبنان الثانية مجدداً وبصورة قاسية حقيقة أن دولة إسرائيل لا تمتلك رداً ناجعاً إزاء تهديد الصواريخ على اختلاف أنواعها. وعلى الرغم من أن بطاريات صواريخ "حيتس" و"باتريوت" الموجودة في حوزتنا قادرة على اعتراض الصواريخ الباليستية، إلاّ أنها لا تلبي الغرض إذا ما أُطلقت الصواريخ صوب العمق المدني والعسكري في إسرائيل برشقات مكثفة وكبيرة، وفقما يخطط ويستعد الإيرانيون والسوريون. أما بالنسبة للصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى والقذائف الصاروخية، فنحن لا نمتلك حيالها أي رد، على الرغم من أن قدرتها التدميرية مثبتة ومعروفة.

إذا افترضنا أن إيران ستمتلك عاجلاً أم آجلاً سلاحاً ذرياً، وأن سورية تمتلك اليوم رؤوساً حربية كيميائية للصواريخ الباليستية وغيرها من الصواريخ الموجودة في حوزتها، فإنه يصبح من الواضح أن الأسلحة الصاروخية الموجودة في حوزة العرب وإيران تشكل الخطر الوجودي الملموس الأكبر الذي تواجهه اليوم دولة إسرائيل ومواطنوها.

هذا التهديد ليس جديداً في الواقع، فإسرائيل تعايشه منذ ستينات القرن الماضي، غير أن أعداءنا لم يمتلكوا في أي وقت مضى كماً ونوعاً من الصواريخ والرؤوس الحربية بالمستوى المتوفر لديهم حالياً، والذي تحول إلى تهديد جوهري من نوع جديد. ولا بد لنا من التنبه أيضاً إلى أن دولاً أخرى في الشرق الأوسط يمكن أن تنقلب أنظمتها وأن تلتحق بمحور الإسلام الراديكالي، بما تمتلكه من أسلحة و صواريخ حديثة. في ضوء كل ذلك تصبح المهمة الأمنية القومية الأولى للدولة الإسرائيلية هي بناء وإعداد رد متعدد المستويات لمشكلة صواريخ أرض- أرض والقذائف الصاروخية على اختلافها، وحتى إزاء أكثرها بدائية، ابتداء من تجهيز وامتلاك وسائل هجوم متطورة للصواريخ الكبيرة في قواعد إطلاقها أو بالقرب منها، مروراً باعتراض الصواريخ في مسافات وارتفاعات مختلفة بواسطة صواريخ ومنظومات تعمل بالليزر أو موجهة رادارياً، وانتهاء بتحصين وتعزيز حماية الجبهة الداخلية. هذا الرد يجب إقامته كمشروع قومي له إدارة وميزانيات خاصة، بما في ذلك تمويل من تبرعات تجمع من يهود العالم. لا بد لهذا المشروع من أن ينفذ على وجه السرعة بالتوازي، بكميات ونوعيات توفر هوامش أمنية واسعة. ولا يجوز أن تطرح هنا، مرة أخرى، مسألة "التكلفة والجدوى" بأي شكل، أثناء مناقشة تمويل المشروع، ذلك لأنه يعتبر بالنسبة لنا مسألة حياة أو موت. تجدر الإشارة إلى أن تنفيذاً ناجحاً للمشروع من شأنه أن يوفّر لإسرائيل قدرة ردع لا تمتلكها حالياً، سواء في مواجهة الفلسطينيين في قطاع غزة، أو في مواجهة أية دولة في المنطقة قد تمتلك قدرة ذرية.

كيف تستعيد الذراع البرية كفاءتها القتالية؟

المهمة الأمنية القومية الثانية على سلم الأولويات الملحة تقع على كاهل الجيش الإسرائيلي، وهي العمل من أجل استعادة الذراع البرية لكفاءتها التنفيذية. ففشل الحرب البرية في لبنان كشف الكثير من أوجه الخلل والثغرات على مختلف الأصعدة- أثناء القتال البري نفسه، على الصعيد القيادي في كل المستويات، في جهاز (جيش) الاحتياط، في الناحية اللوجستية وفي التعاون والتنسيق بين مختلف وحدات وأذرع الجيش- الأمر الذي لم يترك مفراً من الاستنتاج أن الحديث يدور هنا عن إخفاق شامل في أداء الذراع البرية للجيش الإسرائيلي. هذا الإخفاق لم يحدث بطبيعة الحال نتيجة لقصد أو تعمد، وإنما نتيجة تشابك أو مزيج قاتل خلال السنوات الست الماضية بين حرب ضارية في المناطق الفلسطينية وتقليصات واسعة جداً في ميزانية الأمن، مع استثمار ضخم وزائد عن الحد، في الوقت ذاته، في مشاريع ديجيتالية (رقمية) وعالية التقنية في الذراع البرية للجيش لم تسهم إلا بشكل هامشي جداً في تحسين القدرة القتالية.

لعل الضرر الأشد الناجم عن القتال في المناطق (الفلسطينية) والتقليصات المالية خلال السنوات الأخيرة يتمثل في مستوى الترهل والوهن الذي أصاب القيادة العسكرية، بدءاً من قائد السريّة وحتى قائد اللواء والفرقة. كلهم يعرفون جيداً تخطيط عملية اعتقالات في الضفة الغربية أو إيجاد موقع جيد لدبابة في نطاق الحملة العسكرية في قطاع غزة، ولكنهم لم يعودوا يعرفون، وربما لم يعرفوا أبداً، كيف يصاغ "أمر قتال" واضح ومفهوم لتنفيذ هجوم أو احتلال هدف أو موقع محصن. ربما نسوا أيضاً كيف تخطط وتدار معركة كلاسيكية من هذا النوع.

ليس هناك ما يدعو للدهشة أو الاستغراب إذن من أن جميع الأعمال البطولية تقريباً خلال الحرب الأخيرة (على لبنان) جرت أثناء إنقاذ المصابين، وليس أثناء السعي لتنفيذ المهمة.

لذلك فإن عملية استعادة كفاءة الذراع البرية للجيش يجب أن تبدأ بالقادة في جميع المستويات والرتب، ومن ثم في سلسلة التدريبات والمناورات الهجومية والدفاعية لقوات المدرعات والمشاة والمدفعية والهندسة من مستوى السريّة وحتى الفرقة والجيش، وبما يشمل سائر الوحدات النظامية والاحتياط.

لا بد من الإقرار، في هذا السياق، بأن عملية خصخصة ومحاولة تحويل الجهاز اللوجستي العسكري ومستودعات الطوارئ إلى ما يشبه الهيئة الاقتصادية المركزية التي تدار وفق اعتبارات التكلفة والجدوى، قد باءت بالفشل أيضاً. فالجهاز اللوجستي ومستودعات الطوارئ هما جزء لا يتجزأ من القتال وبالتالي يجب إعادة وضعهما تحت سيطرة ومسؤولية الأطر المقاتلة.

نحو أساليب جديدة لتقنين الخسائر

المهمة الأمنية الثالثة في سلم الأولويات، وتقع هي الأخرى ضمن مسؤولية الجيش الإسرائيلي، هي: تطوير وتطبيق أساليب قتال ووسائل حماية جديدة للقوات المنقضة (المهاجمة). وهذا يشمل سلاح المدرعات وسلاح المشاة والمروحيات المساندة، وذلك بما يحقق للقوات البرية قدرة أفضل على الصمود وتنفيذ المهام الملقاة عليها في ميدان القتال المشبع بالصواريخ المضادة للدبابات والطائرات والألغام والعبوات الناسفة.

من المحتمل أن يصطدم الجيش الإسرائيلي، بعد عدة سنوات، في قطاع غزة ولبنان وهضبة الجولان بمشاكل مشابهة وربما حتى بأخطر وأعوص من المشاكل التي واجهتها الدبابات والطائرات المروحية في لبنان. لذا يجب تفحص ودراسة الأمور واتخاذ القرار المناسب بشأن متى وأين يمكن وما مدى جدوى استخدام الدبابات من عدمه، وكذلك الحال فيما يتعلق باستخدام قوات المشاة والمروحيات والطائرات الحربية.

المهمة الأمنية الرابعة هي مأسسة وتكريس آلية واضحة لاتخاذ القرارات وتحديد مجالات المسؤولية في أوقات الحرب، خاصة في المنطقة الرمادية أو "منطقة التماس" بين المستويين السياسي والعسكري.

المهمة الخامسة تستدعي مراجعة وإعادة صياغة الميثاق الاجتماعي غير المكتوب بين الجمهور والجيش الإسرائيليين. يجب إعادة النظر في العُرف المشّوه الذي نشأ في السنوات الأخيرة، والقائل بأن "حياة أبنائنا" (أي الجنود في ساحة المعركة) أغلى من حياة المواطنين الذين من المفترض أنهم (أي الجنود) يدافعون عنهم. جزء كبير من الإخفاقات في حرب لبنان الثانية، وخاصة إخفاقات مستوى متخذي القرارات في الحكومة والجيش، نبع من الخشية من تكبّد خسائر في الأرواح أثناء القتال. وقد نتجت عن ذلك حالة تخبط وبلبلة كبيرة، حين أُلقيت ثم أُلغيت، ثم أُلقيت مجدداً مهام عسكرية على القوات العاملة في الميدان، وبشكل تسبب في وقوع إصابات وخسائر أكبر من المتوقع فيما لو كانت المهمة الأصلية قد نفذت بسرعة وحزم بالحجم الملائم من القوات.

قادة الجيش وظاهرة التملق...

ينبغي أيضاً تفحص مدى مبرر وشرعية تدخل عائلات الجنود ووسائل الإعلام في الشؤون العسكرية، وإلى أي حدّ يؤدي ذلك إلى شلّ وتعطيل قدرة القادة على اتخاذ القرار والتنفيذ، الأمر الذي يترك أثره فيما بعد على ساحة القتال أيضاً.

هل من المُبرّر حقاً قيام آباء وأمهات الجنود بالاتصال هاتفياً مع قائد الكتيبة ليملوا عليه كيفية معالجة مخالفة انضباطية ارتكبها ابنهم، وحتى عن طريق التهديد ضمناً في بعض الأحيان بأنهم سيتوجهون في هذا الخصوص إلى عضو كنيست من معارفهم؟ أو أن يحاولوا مثلاً ممارسة ضغط على قائد لواء بواسطة وسائل الإعلام، كي يعفي من العقوبة جنود وحدة فرّوا من الخدمة أو أهملوا في واجبهم؟ هل من المبرر حقاً أن تقوم عائلات ثكلى بإرباك الجيش دون حدود بتحقيقات أجريت من طرفها حول حوادث ميدانية أو حوادث تدريب، تحقيقات لا تتمخض في الغالب عن أية معلومات جديدة؟ الموقف المتسامح والمشجع الذي يقفه المجتمع الإسرائيلي إزاء هذه الظواهر يؤدي بقسم كبير من القادة إلى تملق عائلات الجنود ووسائل الإعلام، ويفقدهم القدرة على اتخاذ قرارات جوهرية وموضوعية.

وهناك تساؤلات أخرى تطرح نفسها في هذا السياق، مثل: هل هو مبرر ومشروع أن يذهب رئيس هيئة الأركان العامة وغيره من كبار القادة العسكريين في معمعان الحرب، كمراعاة لسلم القيم الإسرائيلي والاستقامة السياسية، لزيارة عائلات ثكلى والإدلاء دون توقف بمقابلات وتصريحات لوسائل الإعلام، بدلاً من أن يكرسوا كل جهدهم ووقتهم لإدارة القتال والمعارك؟ هذا ناهيكم عن ظواهر تسييس الجيش والعلاقة غير السوية بين ترقية وتقدم العديد من الضباط وبين العلاقات التي تربطهم برجالات السياسة والصحافة.

هذه التساؤلات وغيرها تتطلب من المجتمع والجيش الإجابة عليها، فضلاً عن ضرورة معالجة هذا الموضوع برمته من جانب لجنة الفحص الحكومية (برئاسة القاضي إلياهو فينوغراد) المكلفة بالتحقيق في مجريات حرب لبنان الثانية، وذلك حتى لا تتكرر الإخفاقات والتقصيرات في الحرب المقبلة.

[ترجمة "مدار"]

__________________________

* رون بن يشاي- معلق في الشؤون العسكرية. (المصدر: موقع "واينت" الإلكتروني).