الأمية في إسرائيل

يُعدّ معدّل نسبة الأمية في إسرائيل، وهو 4,6 %، منخفضًا نسبيًّا. جاء تدريج إسرائيل في تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة سنة 2004 في الموقع الـ22 بين 177 دولة قيست فيها نسبة الأمية. إلاّ أن نظرة متعمّقة أكثر إلى ظاهرة الأمية في إسرائيل، تستند إلى تحليل جندريّ وقومي، تظهر أن نِسب الأمية في مجموعات سكانية معيّنة أعلى من المعدّل القوميّ. وتتصدّر النساء العربيات بنسبة أمية مرتفعة بشكل خاصّ، حيث إن 14,7 % من النساء العربيات سنة 2003 كُنّ أميات، مقابل 4,5% من النساء اليهوديات، 6,2 % من الرجال العرب و2,6% من الرجال اليهود فقط

تم إحياء اليوم العالميّ لمحو الأميّة هذا العام في 8 أيلول. كما تقرّر في الأمم المتحدة أن يُعرّف العقد المبتدئ بـ2003 والمنتهي بـ2012 بعقد "معرفة القراءة والكتابة كوسيلة للحرية"- "Literacy as Freedom". وستبذل الدول الأعضاء في هذه المنظمة الدولية خلال العقد الحالي جُهودًا حثيثة في سبيل تخفيض نسبة الأميين في العالم. ويتضح من معطيات إحصائية نشرتها منظمة التربية، العلوم والثقافة التابعة إلى الأمم المتحدة (UNESCO)، أن نحو 20 % من سكان العالم البالغين لا يعرفون القراءة والكتابة. وثُلثا هؤلاء هم من النساء. بالإضافة إلى ذلك، فإن نحو 113 مليون طفل في العالم لا يذهبون إلى المدارس، وبالتالي، فالطريق أمامهم لتحصيل المعرفة الأساسية ومبادئ القراءة والكتابة مسدودة. وتعمل الأمم المتحدة منذ سنين عدّة في محاولة اجتثاث ظاهرة الأميّة في العالم. وقد وصلت هذه المحاولة ذروتها في إعلان النوايا الذي اختتم أعمال منتدى التربية العالمي، الذي عُقد في العاصمة السنغالية، داكار، عام 2000. تعهّدت الدول المشاركة في منتدى داكار بما فيها دولة إسرائيل بتخفيض نسب الأمية في العالم إلى النصف حتى العام 2015. ووَفق التقديرات التي ذُكرت حينها، فإنّه في حال أنّ إعلان النوايا الذي وُقّع في داكار لم يؤتِ ثمارًا ما ولم تنخفض نسب الأميين كما تعهّدت الدول، فسيظلّ 15 % من مجمل سكان العالم البالغين أميين. ومن أجل تحقيق إعلان النوايا الصادر عن منتدى داكار، طُرِح، لأوّل مرّة، في شهر آب من العام 2003 عقد "معرفة القراءة والكتابة كوسيلة للحرية".

يُعدّ معدّل نسبة الأمية في إسرائيل، وهو 4,6 %، منخفضًا نسبيًّا. جاء تدريج إسرائيل في تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة سنة 2004 في الموقع الـ22 بين 177 دولة قيست فيها نسبة الأمية. إلاّ أن نظرة متعمّقة أكثر إلى ظاهرة الأمية في إسرائيل، تستند إلى تحليل جندريّ وقومي، تظهر أن نِسب الأمية في مجموعات سكانية معيّنة أعلى من المعدّل القوميّ. وتتصدّر النساء العربيات بنسبة أمية مرتفعة بشكل خاصّ، حيث إن 14,7 % من النساء العربيات سنة 2003 كُنّ أميات، مقابل 4,5% من النساء اليهوديات، 6,2 % من الرجال العرب و2,6% من الرجال اليهود فقط.

في إسرائيل، عمومًا، يجري التعامل مع ظاهرة الأمية وأساليب مواجهتها لدى السكان العرب بلامبالاة، سواء إن كان ذلك من قبل السلطات أم من قبل منظمات تعمل في مجال التربية والتغيير الاجتماعيّ. غالبًا ما يجيء ذكر المعطيات عن نسبة الأمية في إسرائيل عند تقديم تقارير إلى اللجان مختلفة في الأمم المتحدة فقط، وعندها، أيضًا، لا تكون مرفقة بتفصيل موسّع ولا تُذكر الخطوات المطلوبة لاجتثاث الظاهرة أو العمليات التي يتمّ القيام بها من أجل ذلك. تُذكر في هذه المناسبات، في أحسن الحالات، نِسب مَن يعانون الأمية. كانت المناسبة الأخيرة التي ذُكرت فيها ظاهرة الأمية عند السكان العرب في إسرائيل في مناقشات لجنة الأمم المتحدة لاجتثاث جميع أشكال التمييز ضدّ النساء، التي تفحّصت في شهر تمّوز 2005 التقرير المقدّم لها من قبل حكومة إسرائيل. ولم يكُن الأمر مفاجئًا، أن التطرّق إلى الأمية في التقرير الحكوميّ كان مُقلاًّ إلى أقصى الحدود. فقط التقرير البديل التمهيدي، الذي صاغته منظّمات حقوق إنسان فلسطينية في إسرائيل وتمّ تقديمه إلى اللجنة بموازاة التقرير الحكوميّ، هو الوحيد الذي ملأ النقص ووصف ظاهرة الأمية في إسرائيل حسَب توزيعة قومية وجندرية. كان من المنطقيّ أن نتوقّع من لجنة تعمل في خضمّ عقد "معرفة القراءة والكتابة كوسيلة للحرية" أن تشمل في توصياتها العامّة التي قدّمتها إلى حكومة إسرائيل توصية واضحة تدعو إلى العمل المكثّف من أجل اجتثاث الظاهرة. إنّها توصية ضرورية؛ حيث أن نسبة الأميات لدى النساء العربيات تساوي ثلاثة أضعاف نسبتها لدى النساء اليهوديات الأميات وتساوي ضعفي ونصف ضعف نسبتها لدى الرجال العرب الأميين. إلاّ أن لجنة إزالة جميع أشكال التمييز ضدّ النساء تصرّفت بخلاف ما هو متوقّع منها ولم تتطرّق في توصياتها إلى الحاجة إلى اجتثاث ظاهرة الأمية لدى النساء العربيات. ضمّت مستخلصات اللجنة الأخيرة التي نشرت في شهر تموز 2005 الطلب من حكومة إسرائيل أن تعمل على اجتثاث التمييز ضدّ النساء العربيات في مجالات عدّة، بما فيها في الحياة العامّة، في مجال الصحة، في مجال التعليم، زيادة نسبة النساء العربيات في الجامعات، تخفيض نِسب التسرّب لدى الطالبات العربيات وإعادة فحص كتب التدريس؛ بُغيةَ محاربة أفكار مسبّقة قائمة تتعلق بدور النساء في المجتمع. ومع ذلك، لم تجد اللجنة من المناسب أن تتطرّق إلى نِسب الأمية في إسرائيل كظاهرة بحدّ ذاتها، يستلزم اجتثاثها اتخاذ خطوات علاجيّة ووقائيّة.

طرأت في العالم كلّه تغييرات حادّة في تعريف الظاهرة منذ بدء القرن المنصرم. فقد أقرّت دائرة الإحصاء الأميركية عام 1930 أن الأمي هو كلّ مَن لا يعرف القراءة والكتابة بلغةٍ ما. وفي ستينيّات القرن الماضي عرّفت الأمم المتحدة الأمية بعدم القدرة على قراءة وكتابة جمل أساسيّة بسيطة، ليتمّ، لاحقًا، توسيع التعريف ليشمل بعدًا وظائفياً للظاهرة. فيُعدّ كلّ من لا يستطيع الاندماج في تنفيذ نشاطات اجتماعية، حسَب التعريف المعدّل، أميًّا. بينما وَفق التعريف المتعارف عليه في إسرائيل، يُعدّ كلّ إنسان دون سنّ الـ15 عامًا ولا يعرف القراءة والكتابة بمستوًى يتيح قراءة وكتابة جمل سهلة وقصيرة تتعلق بالحياة اليومية (بما فيها فهم المقروء)، أميًّا.

يلائم مقياس الأمية الذي تبنّته إسرائيل التعريف الضيّق لظاهرة الأمية. وحسَبه، مجمل مَن يعانون الأمية لا يعرفون قراءة وكتابة جمل أساسية وبسيطة للغاية. يجب عدم الاكتفاء بوضع مقياس ضيّق إلى هذا الحدّ لتعريف ظاهرة الأمية ويجب تبنّي التعريف الأشمل، الذي يتضمّن بعدًا وظائفياً، كذلك الذي تمّ تبنّيه في الولايات المتحدة. إنّ تبنّي التعريف الموسّع خطوة مطلوبة، إثر العلاقة المتبادَلة القائمة بين الوضع الاجتماعي- الاقتصادي والقدرة على تلقّي تعليم أساسي وابتدائي. إنّ عدم تلقّي التعليم في مستواه الأساسي جدًّا هو سبب ظاهرة الأمية. فكلّما كان الوضع الاجتماعي- الاقتصادي لمجموعة سكانية ما أدنى تكون نسبة الأمية لديها، حسَب التعريف الأوسع، أعلى. يشمل هذا التعريف، أيضًا، أناسًا يعيشون تحت خطّ الفقر، الذين تكون نشاطاتهم الاجتماعية والاقتصادية محدودة. ويتضح من تقارير الفقر التي نشرتها مؤسسة التأمين الوطني في السنتين الأخيرتين، أن نحو 60 % من العائلات العربيات تعيش تحت خطّ الفقر، مقابل 30,8 % من العائلات اليهودية. وعمليًّا، نسبة العائلات العربية التي تعيش تحت خطّ الفقر أعلى من النسبة المذكورة في تقارير مؤسّسة التأمين الوطني، حيث لا تشمل تلك معطيات عن الفقر لدى مجموعات سكانية معيّنة، مثل البدو سكان القرى غير المعترف بها.

إن نِسب الأمية العالية لدى النساء العربيات ليست مفاجئة، ومن الجدير أن تُعزى إلى الأدوار الاجتماعية الملقاة على عواتق النساء العربيات. لكن يجب عدم الاكتفاء بذلك. فعلى الدولة تحمّل مسؤولية كبيرة لمكانة النساء العربيات، ومسؤولية أكبر لاجتثاث جميع أشكال التمييز ضدّهنّ، سواء أكان ذلك على مستوى القانون المحليّ أم على مستوى القانون الدوليّ. ليس هذا فحسْب، بل ملقاة على الدولة مسؤولية اجتثاث مظاهر أخرى تتعلّق بالأمية بشكل مباشر أو غير مباشر، مثل تسرّب الطالبات العربيّات من المؤسّسات التعليمية وظاهرة زواج القاصرات. في كثير من الحالات، تتسرّب القاصرات اللاتي يتزوّجن ويبنين عائلة من المؤسّسات التعليمية، فأيضاً هذه الظاهرة تساهم في زيادة نِسب الأمية لدى النساء العربيات.

ينعكس تنصّل الحكومة من مسؤوليتها عن تحسين وضع النساء العربيات بسلب حقّين أساسيين ممنوحين لمواطني الدولة كافّة حسَب القانون المحلّيّ: الحقّ في التعلّم والحقّ في التعلّم المجانيّ، وكلاهما مثبّت في قانون التعليم الإلزاميّ، 1949. إن حقّ كلّ إنسان في التعلّم ليس قائمًا بحدّ ذاته، فإن ممارسته هي أساس لممارسة حقوق أخرى، مثل الحقّ في الحرية والتحرّر، الحقّ في الكرامة وتحقيق الذات، الحقّ في التعبير عن الرأي والحقّ في المشاركة في الحياة العامّة، والقائمة بالتأكيد، ليست نهائية. ومنذ سنة 1928 ربط القاضي الأميركي كاردوزو بين الحقّ في التعلّم والحقّ في الحرية.

إن الإخلال بحقّ من الحقوق، الحقّ في التعلّم، يؤدّي إلى تقييد حقّ آخر، الحقّ في الحرية. إن ظاهرة الأمية التي هي بحدّ ذاتها نتيجة للإخلال بالحقّ في التعلّم، هي أحد التقييدات الأكثر إشكالية على الحقّ في الحرية التي أثّرت على الدول النامية. هذه هي الحال في الهند، حيث اتخذت الدولة خطوات عاجلة لاجتثاث الظاهرة، التي عانت منها النساء في الأساس من أجل تحسين القدرات الأساسية الإنسانية لدى مَن يعانون الظاهرة. إن سدّ الطريق أمام مَن يريد تلقّي التعليم يحدّ من المعرفة التي من شأن الفرد أن يكتسبها في حياته. وبذلك تكون فرص الاختيار المتاحة للفرد محدودة، فتكون النتيجة تقييد تحرّره وحرية نشاطه.

إن اجتثاث ظاهرة الأمية واجب مُلقًى على كاهل الدولة، ليس كمشتقّ من واجبها القاضي بتوفيرِ التعليم لمواطنيها فحسب، وإنّما، أيضًا، كمشتقّ من واجبها القاضي بالعملِ على تقليص الفروق الاجتماعيّة والتطلّع إلى تنمية مواطنيها تنمية بشرية. ليس من الممكن تحصيل ذلك من دون رفع التقييدات عن الحريات، التي تُبقي الأفراد رهائنَ حدّ أدنى من إمكانيّات الاختيار. إنّ الفرق القومي والجندريّ في مستوى المعيشة، الموصوف في التقارير الرسميّة لمؤسّسة التأمين الوطني، يستلزم اتخاذ وسائل حيويّة وفوريّة لاجتثاث الظاهرة. إن التزام الدولة جانبَ الصمت في هذا السياق والتقاعسَ في تطوير خطط ما لاجتثاث الظاهرة ليسا مفاجئين، إذا ما أخذنا في الحسبان هُويّة مَن يعانونها. فليس الحديث عن تقاعس عفويّ أو غير مقصود. فجهاز التعليم، مثلاً، يرسم خططًا ويخصّص موارد لاستيعاب طلاّب من القادمين الجدد أو يتمّ تخصيص موارد خاصّة لاكتشاف طلاب نوابغ وتنميتهم. أنا لا أعبّر بهذا عن تحفّظٍ ما من هذا التخصيص للموارد، كما أنّه من اللائق أن نبارك كلّ محاولة إثراء و/أو تنمية لطلاب يحتاجون إلى مساعدة، لكن هذه الجهود لاكتشاف مجموعات تستحق التنمية وتخصيص الموارد لهذا الهدف يجب أن تبذل بشكل متساوٍ بين جميع المجموعات السكّانيّة.

إضافةً إلى ذلك، يجب ألاّ يتمّ تجاهل تعليمات القانون الدوليّ والمواثيق التي تلزم الدول الموقعة عليها بمنح التعليم المجاني والمتساوي للجميع. إن الاعتراف بالحقّ في التعليم المتساوي والاعتراف بالحقّ في التعليم المجانيّ تمّ إقرارهما في الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان منذ سنة 1948. وقد تطرقت مواثيق لاحقة وقعّت عليها دولة إسرائيل وصدّقتها، بشكل أوضح، إلى هذا الحقّ الأساسيّ، مثل المعاهدة الدولية ضدّ التمييز في التعليم من سنة 1960؛ المعاهدة الدولية للحقوق الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية من سنة 1966؛ المعاهدة بشأن إزالة جميع أشكال التمييز ضدّ النساء من سنة 1979 والمعاهدة بشأن حقوق الطفل من سنة 1989. من الجدير أن نذكر في هذا السياق الإعلان العالميّ لاجتثاث الأمّية، الذي صاغته منظمة التربية، العلوم والثقافة (UNESCO) التابعة إلى الأمم المتحدة في مؤتمرها العام سنة 1964. يتطرّق هذا الإعلان أيضًا إلى العلاقة القائمة بين الحقّ في التعلّم وبين حرّية الفرد والحقّ في التطوّر الإنسانيّ ويؤكد على أهميّة معرفة القراءة والكتابة والتعليم الأساسي لتحقيق النظام والعدالة الاجتماعية- الاقتصادية.

وللتلخيص نقول، إذا كان اجتثاث ظاهرة الأمية سيؤدّي إلى تطوير التعليم المقدّم للنساء، وإلى تنميتهنّ وإلى تحسين مستوى حرّيتهنّ وتحرّرهنّ، فإنّه سيؤدّي، أيضًا، إلى زيادة وعيهنّ لتحقيق الذات. وهو ما سيساهم بدوره في انهيار الجدار الفاصل بين الحيّز الشخصيّ والمنزليّ، المحفوظ للنّساء في داخل مجتمع هرميّ أبويّ، وبين الحيّز العامّ المحفوظ للرجال.

________________________________

(*) الكاتبة محامية في "عدالة"، المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل