ملف خاص: ما هي أوضاع الصحافيين في إسرائيل؟

عرض لثلاثة معالجات حديثة نشرت في مجلة "هعاين هشفيعيت" (العين السابعة) المتخصصة في شؤون الاتصال، عدد تموز/ يوليو 2005 تحت عنوان "صحافة بلا تغطية". وتسلط هذه المعالجات الضوء الكاشف من زوايا متعددة على الأوضاع والشروط القاتمة والمتردية التي يعمل السواد الأعظم من الصحافيين في إسرائيل في ظلها

توطئة...

من المعلوم أن الإعلام الإسرائيلي يمر منذ سنوات بتحولات عميقة وتطورات واسعة، كالخصخصة واللبرلة الاقتصادية والدمقرطة السياسية والتعددية في الإنتاج والبث التلفزيوني والإذاعي، وتعدد المالكين وازدياد حدة التنافس في مجال الصحافة والإعلام ودخول أصحاب شبكات الصحف اليومية (الكبرى) الخاصة (يديعوت أحرونوت، معاريف، هآرتس) إلى مجالات البث التلفزيوني والكوابل والإنترنت التي تدر أرباحاً عالية بتكاليف غير كبيرة. هذه التحولات والتغييرات التي انعكست على مبنى الإعلام وكمية القنوات الإعلامية الإلكترونية، تعكس أيضاً، حسبما أكد د. أمل جمّال في مؤلفه الهّام "الصحافة والإعلام في إسرائيل" [صدر عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" في أيار من العام الحالي] سقوط نماذج "فرن- بوتقة- الصهر" الثقافي في الدولة العبرية، و"تصاعد هيمنة رأس المال الذي يرى في الإعلام مصدر ربح يمكنه استغلال الدمج بين الأيديولوجية القومية التعبوية، من جهة، والثقافة الترفيهية، من جهة أخرى، من أجل تعميق تحكمه بآليات سوق الاستهلاك الإعلامي وضمان الانصياع السياسي في الوقت نفسه".

وبطبيعة الحال فإن مكانة الصحافيين الإسرائيليين وأوضاعهم المعيشية والتشغيلية لم تكن بمنأى عن إسقاطات وتأثيرات هذه التحولات والتطورات الواسعة.

هذا الموضوع، المتعلق بأوضاع الصحافيين الإسرائيليين، يشكل محور تقريرنا التالي، الذي يلخص ثلاثة معالجات حديثة كتبت بأقلام صحافيين ودارسين إسرائيليين ونشرت ضمن محور خاص بهذا الشأن في مجلة "هعاين هشفيعيت" (العين السابعة) المتخصصة في شؤون الاتصال والصادرة مرة كل شهرين عن "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، عدد تموز/ يوليو 2005 تحت عنوان "صحافة بلا تغطية".

وتسلط هذه المعالجات، وهي بأقلام الصحافيين إيال أبراهامي وعميت بن أرويا والباحث يائير ليفي، الضوء الكاشف من زوايا متعددة على الأوضاع والشروط القاتمة والمتردية التي يعمل السواد الأعظم من الصحافيين في إسرائيل في ظلها. ولعل من شأن ذلك أن يبدد الاعتقاد الذي ساد، ولا يزال، لدى أوساط عديدة بأن الصحافيين الإسرائيليين ينعمون بشروط عمل وامتيازات وبحبوحة عيش قد تكون من الأفضل مقارنة مع نظرائهم، ليس في دول الجوار أو دول العالم الثالث وحسب، بل وفي دول العالم الغربي المتقدم الذي تحرص إسرائيل على تأكيد انتمائها له.

تآكل أجور الصحافيين يدفعهم للنظر

إلى عملهم كـ"واجب عسكري"

تحت هذا العنوان تقريباً، كتب إيال أبراهامي تقريراً مطولاً استعرض فيه ظروف تشغيل وأجور العاملين في مهنة الصحافة في إسرائيل.

وجاء فيما كتب:

البحث في أرشيف الصحف عن الكلمتين المفتاحيتين "تآكل" و"أجور" يُحيل إلى بحر من التقارير والأخبار التي تتحدث عن المصير القاتم للعمال والمستخدمين في مختلف الصناعات والمجالات. لكن إضافة كلمة "صحافيون" إلى البحث تقلص النتائج إلى تقرير واحد فقط نشر في صحيفة "غلوبس" في آذار من هذا العام. ومع ذلك فإن تآكل الأجور في الصحافة المطبوعة (خلافاً للألكترونية) يعتبر سراً مفضوحاً.

وأضاف أبراهامي: من الصعب بطبيعة الحال أن نحدد بشكل دقيق إلى أي حد تآكلت أجور الصحافيين، نظراً لعدم توفر معطيات مُركَّزة ومع ذلك فإن التقديرات السائدة، والتي تزكيها المعطيات الواردة أدناه، تُشير إلى أن أجر ذوي المناصب الكبيرة والمراتب الوسطى العليا (في الصحافة المكتوبة) قد تآكل منذ نهاية التسعينيات بدرجة معينة، فيما تآكل أجر سائر الباقين، باستثناء بعض الوظائف القليلة، بنسبة واقعية تراوحت بين 10 إلى 20 في المائة. أما الانخفاض الملحوظ الذي طرأ بصورة خاصة على أجور صغار الموظفين (الصحافيين) فيمكن تعليله في شكل أساسي بوتيرة التبدلات والتقلبات العالية نسبياً في هذه الوظائف وبالأجور المتدنية عموماً التي تُعرض على الموظفين الجدد مقارنة مع سابقيهم.

وعند مقارنة أجر الصحافي مع الأجر المتوسط في المرافق الاقتصادية ترتسم صورة أشد قتامة واختلالاً، فالمكانة الاقتصادية للصحافي الإسرائيلي تشهد تراجعاً مستمراً.

ويقدم محررون وموظفون كبار آخرون في الفرع تبريرات وتفسيرات شتى لهذا الانخفاض، ابتداء من انضمام عدد كبير من النساء لميدان العمل الصحفي، مروراً بهبوط التوزيع والإعلانات الدعائية في فترة الركود الاقتصادي خلال السنوات الأخيرة، وانتهاء بالظاهرة العالمية المتمثلة بارتفاع تكاليف الإنتاج التي تُخلخل موازين ومعادلات الصحف المطبوعة. في المحصلة، يمكن القول على وجه العموم إن جميع الصحافيين قد تضرروا بكيفية ما، فقد انخفض أجر العاملين الجدد، وفي الصحف الثلاث الكبرى "هآرتس"، "معاريف"، "يديعوت أحرونوت" إضافة إلى الموقع الإلكتروني للأخيرة ynet، جرت تخفيضات أجور مباشرة وغير مباشرة، وتقليص أو إلغاء عوائد نفقات (مصاريف)، فضلاً عن إجازات إجبارية غير مدفوعة الأجر وغيرها من أساليب التحايل المبتكرة التي أُتبعت تقريباً في كل وسيلة إعلام مكتوبة.

عموماً، وكما هو متوقع فقد سجل الأجر الأدنى في الصحف المحلية ("مكومونيم") التي تصدر عادةً في المدن الرئيسية في إسرائيل مرةً أو مرتين أسبوعياً)، وفي مواقع الصحافة على شبكة الإنترنت يدفعون أجوراً أعلى بقليل (من الصحف المحلية) أما أعلى الأجور فتدفعها الصحف اليومية القطرية وفي مقدمتها "يديعوت أحرونوت". إلى جانب ذلك، فإن الفجوات، في وظائف معينة، ليست كبيرة بين الصحافيين، وعلى سبيل المثال فإن محرراً "صغيراً" في يومية "معاريف" يمكن أن يتقاضى بضع مئات من الشواقل فقط أكثر من نظيره في صحيفة محلية، وفي حالات أخرى نجد أن أصحاب الوظائف في مواقع الإنترنت يتقاضون رواتب أفضل من زملائهم في الصحف اليومية. أما الأجور التي تدفع في الصحافة الروسية والعربية في إسرائيل (والتي لا يغطيها هذا التقرير) فتعتبر الأدنى حتى بالمقارنة مع الصحف المحلية.

تأثير الانتفاضة والركود...

تأثير الانتفاضة والركود الاقتصادي كان ملموساً في الصحف المحلية أكثر من أي مكان أو منبر آخر في وسائل الإعلام والصحافة في إسرائيل. وقد اضطرت الأعمال (المشاريع) الصغيرة المتضررة إلى تقليص أو إلغاء إعلاناتها الدعائية التي تعد إحدى الركائز الاقتصادية المركزية في الصحافة المحلية. في مقابل ذلك، أو نتيجة له، تفاقم اتجاه الهبوط في أسعار نشر الإعلانات، جنباً إلى جنب مع استمرار شبكة الإنترنت في "قضم" إعلانات الصفحات الدعائية الربحية.

إلى ذلك فإن أياً من الصحف المحلية تقريباً لم تكن بمنأى عن سيف التقليصات التي طاولت القوى البشرية (ولا سيما في الصحف المحلية الكبرى) وعددًا من صفحات الجريدة، وأجور العاملين. كذلك أغلقت صحف محلية (أو "وُحِّدت" حسب التعبير المخفف لشبكات الصحف) وأعطي صحافيون إجازات إجبارية غير مدفوعة الأجر... الخ.

محرر إحدى الصحف المحلية الكبرى روى كيف انفجرت إحدى المراسلات بالبكاء أثناء تحدثه معها عن تقرير يتطرق إلى رب عمل دفع لمستخدميه أجراً يقل عن الحد الأدنى، حيث قال "أخرجت- المراسلة- كشف الراتب الذي تسلمته في نفس اليوم والذي يظهر أن راتب شهر العمل الذي تقاضته كان 970 شاقل فقط [ما يعادل 280 دولار أميركي].

صحيح أن ذلك لا يعكس في الواقع أجور المراسلين، لأن الحديث هنا يدور عن مراسلة "فري لانس" تتقاضى حسب التقرير (القطعة)، لكن الأمر يعطي مع ذلك شعوراً بشأن الحد المتدني والمزري الذي انحدر الوضع إليه".

محرر صحيفة محلية متوسطة أوضح أنه، وحتى يتمكن من الاحتفاظ بالصحافيين الأكفاء العاملين لديه، سمح لهم بالعمل في وسائل إعلامية أخرى غير منافسة. "المراسل الذي يعمل لدي براتب 3500 شاقل لا يستطيع العيش بهذا الراتب (الشهري)، وأنا لا أستطيع أن أدفع له أكثر، ولذلك فإنني أسمح له بالعمل في مكان آخر، كمحطة إذاعية محلية أو تلفزيون بالكوابل أو أن يعمل "فري لانس" في صحيفة قطرية، وهو ما يتيح له تقاضي راتب إضافي يتراوح بين 3000 أو 4000 شاقل. صحيح أن عمله الثاني يأتي على حسابي ولكنه ليس لدي ببساطة من خيار آخر".

تآكل الأجور في الصحف المحلية لم يقفز عن أجر المحررين الرئيسيين ووصل (هذا التآكل) بنسب واقعية بلغت نحو 25%.

في الإنترنت

عندما أُنشأ موقع ynet سنة 2000 اعتبرت الرواتب التي عرضت فيه من الرواتب العالية في الفرع. وكان الهدف من ذلك، حسب أحد المبادرين في إقامة الموقع، هو وكأي وسيلة إعلام جديدة يتم تأسيسها في إسرائيل، اجتذاب أفضل الكفاءات الصحافية للعمل في الموقع، وكان من الواضح أن الرواتب لن تبقى هنا عالية إلى الأبد.

وبالفعل فبعد عدة أشهر من تدشين الموقع بدأت الأجور في ynet بالانخفاض، ولكنها مع ذلك، وحتى بعد تبدد فقاعة فرع الـ"هاي- تيك" واندلاع الانتفاضة، ظلت من الأجور المرتفعة نسبياً. لكن تغييراً ملموساً لناحية خفض الرواتب طرأ بحلول منتصف العام 2002، وبلغ خفض الراتب في وظائف معينة في ynet حوالي 30%. ثم جاء إنشاء الموقع المنافس nrg التابع لشبكة "معاريف" (سنة 2004) ليؤدي إلى ارتفاع طفيف في الأجور في ynet ، لكن الأجر المتوسط في الموقع ما لبث أن عاد إلى مستواه السابق.

وخلافاً لزملائهم في الصحف اليومية والمحلية فقد شعر الصحافيون في الإنترنت بالاطمئنان إزاء استقرار الأجور المدفوعة لهم وعبروا عن ثقتهم بأن استمرار تطور وتنامي هذا الفرع ودخول لاعبين (منافسين) آخرين إليه سيؤدي إلى ارتفاع في أجرهم على المدى المتوسط.

في الصحافة اليومية

تعتبر الأجور في الصحف اليومية هي الأصعب من حيث القدرة على التحديد أو الحصر. ففي الوقت الذي تشغل فيه الصحف المحلية ومواقع الإنترنت قوى بشرية غير كفؤة في الغالب، إضافة إلى تشابه الأجر المتوسط فيها بشكل عام، فإن قسماً كبيراً من العاملين الجدد في الصحف اليومية هم من ذوي الخبرة السابقة وبالتالي فإن أجورهم تُحسب بناء على خبرتهم ودرجة رغبة أو تحمس الصحيفة إلى تشغيلهم. إلى ذلك تكون الفجوات (في الراتب) بين صحافي وآخر (ولا سيما في أجور المراسلين) كبيرة في بعض الأحيان ما يجعل من الصعب تحديد سقف دقيق للأجر المتوسط. وعلى الرغم من ذلك فإن تآكل الأجور يبدو ملموساً في الصحف اليومية أيضاً، والأرقام الوارد ذكرها هنا تتعلق بالعاملين في الهيئات والوظائف الجديدة وليست في ملاحق الصحف.

الهبوط الأكبر في أجر العاملين في الصحف اليومية كان من نصيب العاملين في صحيفة "معاريف". مصدر في الصحيفة قال إن الأرقام وحدها لا تعكس حجم التآكل، وأضاف أنه حتى في الحالات التي التحق فيها أحد الصحافيين بالعمل في أواخر التسعينيات بأجر منخفض نسبياً، فقد كان من المتوقع أن يحصل هذا الصحافي على علاوة خلال أقل من سنة. أما اليوم، تابع الرجل موضحاً، فإن من الصعب جداً الحصول على أية علاوات في الأجر.

لعل من الجدير تفحص أجور رؤساء الأقسام في الصحيفتين الأكبر. في "يديعوت أحرونوت" حافظ الأجر، إلى هذا الحد أو ذاك، على قيمته الواقعية ولم يهبط بأكثر من 5%، في المقابل حافظ الأجر في "معاريف" على قيمته الواقعية في جزء من الحالات فيما هبط في الحالات الأخرى بنحو 20%. وعلى سبيل المقارنة فقد تآكل في صحيفة "هآرتس" أجر رؤساء الأقسام بنسبة مشابهة للتآكل الذي طرأ على أجور المحررين والمراسلين في الصحيفة ذاتها.

مصدر في "معاريف" عزا الفجوات في أجر رؤساء الـ"ديسك" في صحيفته إلى الفرق الهائل بين أجور محررين في الصحيفة تمت ترقيتهم، وبين أجور رؤساء "ديسك" أُحضروا من خارج الصحيفة. مصدر آخر في "معاريف" أوضح أن جزءاً من رؤساء الـ"ديسك" حافظوا على القيمة الواقعية لأجرهم بسبب التخوف الدائم في الصحيفتين الأوسع انتشاراً من انتقالهم للعمل لدى منافسين.

الأجر الألكتروني

على عكس الوضع في الصحف المكتوبة، فقد بقيت الأجور في التلفزيون التجاري خلال السنوات الأخيرة بدون أي تغيير تقريباً. مصدر في محطة القناة الثانية قال إن حجم الطلب الضخم على جميع الوظائف تقريباً أدى في الواقع إلى عدم زيادة الأجور، ولكن المنافسة بين القنوات التلفزيونية ضمنت في المقابل أيضاً عدم انخفاض هذه الأجور.

ويتقاضى محقق صحافي يعمل في برنامج صباحي (تلفزيوني) ما بين 5000 إلى 6000 شاقل (غير صاف) شهرياً، ويتقاضى مثيله في برنامج مسائي حوالي 6000 إلى 7000 شاقل شهرياً. ويتقاضى مراسل مبتدىء ذي خبرة صحافية ما بين 9000-11000 شاقل شهرياً، فيما يتقاضى محرر مساعد مبتدىء حوالي 7000 إلى 9000 شاقل. أما الوظائف الأعلى فمن الصعب تحديد سقف الأجور فيها بشكل دقيق. وتُعتبر أجور المراتب الوسطى والعليا في الصحافة الألكترونية أعلى مما هي عليه في الصحافة المكتوبة.

في الراديو أيضاً لم تشهد الأجور أي تغيير ذي بال. معظم الصحافيين في الراديو يعملون في "صوت إسرائيل" (الإذاعة العامة- الحكومية) وذلك بموجب عقود عمل جماعية (خلافاً للوضع في الراديو الإقليمي الذي يعمل قسم كبير من مراسليه على أساس "فري لانس") والتي تُعدَّل بموجبها رواتبهم بموازاة التعديلات في رواتب العاملين في جهاز الدولة. ويعتبر الأجر الأساسي في سلطة البث (الحكومية) متدنياً حتى أن قسماً من الصحافيين في الدرجات المنخفضة يحصلون على ضمان دخل فوق الراتب الأساسي. ويوضح آرييه شكيد، رئيس تحرير الإتحاد القطري للصحافيين، أن الراتب الإجمالي الشهري في الدرجات المتدنية يصل إلى نحو 7000 ولغاية 8000 شاقل غير صاف. ويضيف مؤكداً أن الحديث يدور هنا عن أجور الصحافيين في قسم الأخبار والذين يعملون ساعات إضافية كثيرة، تتراوح ما بين 70 إلى 80 ساعة إضافية في الشهر، تعادل حوالي أسبوعي عمل. في أقسام وشعب أخرى في الراديو، يُعتبر الأجر، على ما أضافه شكيد، منخفضاً بصورة ملموسة. إلى ذلك يتم تشغيل الصحافيين في سلطة البث بموجب عقود شخصية (فردية) أيضاً، وكان هدف هذه العقود في الأصل الحيلولة دون ترك كبار الصحافيين (خاصة العاملين في التلفزيون) لعملهم، لكن صحافيين آخرين وقعوا على عقود شخصية يتقاضون بموجبها رواتب أعلى من زملائهم. هناك طريقة تشغيل أخرى كانت رائجة في سلطة البث، وعمل بمقتضاها صحافيون بشكل حر (فري لانس) بأجور متدنية جداً دون الحصول على أية حقوق أو امتيازات اجتماعية، غير أن المحكمة حظرت قبل حوالي السنة طريقة التشغيل هذه.

تقليصات على حساب المهنية والمهارة

البروفيسور داني غوتوين من جامعة حيفا، والمتخصص في التاريخ الاجتماعي- الاقتصادي، يرى أن تآكل الأجور في الصحافة هو جزء من عملية واسعة تلائم فيها الصحافة نفسها للسوق الحرة وسط تنازل معين عن حقوقها. ويشير غوتوين إلى انعكاسين للتآكل في الأجور بقوله "أحد الأشياء التي يمكن لها أن تضمن للصحافي القدرة على الاضطلاع بدور الشرطي من طرف الجمهور هو أمنه الوظيفي أو التشغيلي". ويضيف "لكن المعيار يتحول إلى فصل تعسفي من العمل، وفي ظل هذا الوضع يفقد الإنسان قدرة الصمود في مواجهة أصحاب المصالح... إذ ما الذي يدعوه للمجازفة والتنازع مع متحدث رسمي أو مع صاحب رأسمال متنفذ قد يضطر في الغد لطلب عمل منه؟".

الانعكاس الآخر حسب غوتوين يتمثل في طمس الحدود بين الصحافة والدعاية. ففي الوقت الذي يحتفظ فيه أصحاب المصالح المختلفة، الاقتصادية والسياسية، بمهارة وكفاءة إعلامية عالية، نجد أن مهارة ومهنية الصحافيين تتعرض للضرر والأذى بسبب تبديل أو تغيير نابع في حد ذاته من الأجر المتدني. "عندما تقوم بتطفيش الكفاءات وتحويل الصحافة إلى محطة انتقالية فإن أداء جهاز الرقابة سيصبح أقل جودة"، يقول غوتوين قبل أن يضيف ملخصاً "الصحافي الجائع أو المُجَوَّع يتحول إلى صحافي ودودٍ وأليف".

أوساط هيئات تحرير الصحف لا تُبدي انزعاجاً كبيراً حيال مكانة الصحافي وأوضاعه، لكنها توافق على أن تآكل الأجور له تأثير ينعكس في انخفاض سن الصحافيين، والذي يظهر بشكل خاص في الأقسام التي تعمل فيها نسبة عالية من المحررين الشبان ممن أنهوا خدمتهم في الجيش أو الدراسة الجامعية.

مسؤول كبير في صحيفة "هآرتس" قال إنه لا يرى في ذلك أي غضاضة، لكنه يتفق بأن وتيرة التبديل العالية للموظفين الصحافيين تخلق وضعاً تكون فيه وظائف القسم مشغولة دائماً بمحررين أقل خبرة وكفاءة. في المقابل، يقول أحد المراسلين في "معاريف" إن تأثير قلة الخبرة هو من الأمور التي يمكن مُصادفتها يومياً... ويسود في هيئات تحرير الصحف توافق على أن تآكل الأجور يخلق صعوبات أمام تجنيد قوى بشرية نوعية.

إسكافيون حُفاة...

الصحافيون خير من يدافع عن قطاعات تتضرر حقوقها الأساسية، لكنهم سيئون جداً، حسبما يتضح، عندما تكون حقوقهم وأوضاعهم هم هي المستهدفة

تحت عنوان "إسكافيون حفاة" كتب الباحث يائير ليفي، وهو طالب جامعي يدرس لنيل الدكتوراة في الاقتصاد والفلسفة في جامعة تل أبيب، تقريراً تناول فيه من زوايا أخرى الأوضاع الاقتصادية والمعيشية السيئة التي يعيشها الصحافي في إسرائيل، حيث أنشأ يقول:

في فترات الركود الاقتصادي تمتلىء صفحات الجرائد ونشرات الأخبار عادة بالتقارير التي تتحدث عن حملات التسريح والمُسَرَّحين (المفصولين) من العمل. بيد أن "الوضع" لا يَقفز أيضاً عن وسائل الإعلام في إسرائيل، هذا فضلاً عن أن التغييرات البنيوية التي يمر بها الفرع تُفاقم أكثر الأزمة المالية التي يُعانيها أصلاً، وتشكل موجات الفصل والتسريح الواسعة للصحافيين إحدى الوسائل التي يلجأ إليها الناشرون للتغلب على المشكلة.

فما الذي يحدث عندما ينهال سيف التقليصات على رقاب الصحافيين أنفسهم؟ من الذي يُسمع عندئذٍ صرخة أبواق الشكوى والاحتجاج؟!

"الصحافيون خير من يدافع عن قطاعات تتضرر حقوقها الأساسية، لكنهم سيئون جداً، حسبما يتضح، عندما تكون حقوقهم وأوضاعهم هم هي المستهدفة"، هذا وفقاً لما قاله أحد الصحافيين الذين أُقيلوا في الآونة الأخيرة من صحيفة "معاريف"، مضيفاً "بسبب اعتبار الكرامة الذاتية تجدهم يمتنعون عن الاحتجاج على المس بهم ويذهبون إلى بيوتهم بصمت وهدوء".

أوري أرزي، مراسل ميداني في منطقة "الشارون"، والذي فُصِلَ (مع 42 صحافياً آخر من زملائه في "معاريف") بعد 18 عاماً من العمل في الصحيفة لا ينوي حزم أمتعته والمغادرة مطأطىء الرأس مسدود الفم. غير أن أرزي كان يتولى منصباً آخر في "معاريف" كَلَّفه في نهاية المطاف- حسب قوله- خسارة وظيفته في الصحيفة وهو ما يجعل من قصة إقالته حكاية شاذة وغريبة!

يقول أرزي، الذي كان خلال العامين الأخيرين رئيساً للجنة الصحافيين في الصحيفة، إن اللجنة المنتخبة طلبت منه تولي رئاستها ظناً منها أنه سيكون قادراً على التوصل إلى تفاهم مع الإدارة يحول دون إقالات "لا يحتمها الواقع". لكن آماله بالتعاون (مع الإدارة) خابت وتبددت، حسب قوله، إذ جرت عمليات إقالة وفصل لزملائه دون التشاور مع اللجنة وحتى دون إعلامها مسبقاً. في أوج موجة التسريح الأولى، عَبَّرَ "أرزي" أمام المستويات العليا في الصحيفة عن مواقف حازمة ضد ما بدا في نظره مساً تعسفياً بالعاملين، غير أن نضاله العنيد من أجل زملائه الصحافيين، كما قال، قاد إدارة الصحيفة إلى الاستنتاج بأن من الجدير "التخلص" منه، وهكذا فَقَدَ وظيفته.

مصادر مطلعة على ما يجري في الصحيفة، فضلت عدم الكشف عن هويتها، قالت إن حالة (قصة) أرزي لا تختلف عن قصة صحافيين كثيرين وجيدين آخرين فُصلوا بصورة تعسفية. غير أن إدارة الصحيفة نفت كلياً ما أورده "أرزي" في روايته لخلفية إقالته مرجعة سبب الإقالة إلى تراجع أدائه المهني. وقال رئيس التحرير في "معاريف"، أمنون دانكنر، في معرض تعقيبه "مزاعم أرزي هي من أسخف المزاعم التي سمعتها في حياتي". وأضاف "إن أية إدارة في أي مصنع أو مشروع لم تكن تستطيع أن تتمنى لنفسها رئيس لجنة عمال مريح، بل وغير قائم عملياً، أكثر من أرزي". وأردف دانكنر معللاً: لقد أقلناه لأنه لم يعمل كما يجب. كان يتعين علينا الالتزام بهدف التقليص الذي فرض علينا، وقمنا بوضع القائمة (قائمة الصحافيين المرشحين للإقالة) بعد تفكير متأن ومن خلال تقييم ونظرة جوهريين لمساهمة كل واحد من الصحافيين.

قضية أرزي، الذي كان دانكنر ذاته قد منحه سنة 2002 شهادة تفوق عن عمله، سينظر فيها من قبل محكمة العمل، لكنه ليس هناك من داع لأن تجتمع هيئة قضاة كي تقرر أن الدفاع عن حقوق الصحافيين يعتبر في عصر عقود العمل الشخصية الحالي مهمة صعبة... إن على من يؤمن وينادي باستقلالية الصحافة وصيانة قدرتها على ممارسة النقد أن ينظر بقلق بالغ إلى ضعف المكانة المهنية للصحافي وقدرته على أداء دوره وهو متحرر من شبح الناشر.

يقول يوسي بار- موحا، مدير عام رابطة الصحافيين الإسرائيليين، إن "الواقع الراهن يسحب البساط من تحت أقدام الصحافيين". ويُضيف "الناشر يتحكم بالصحافي ويستطيع فصله من عمله برسالة في الفاكس. عملياً الصحافي هو رهينة في قبضة ناشره. فمن يكتب شيئاً لا يحظى بإعجاب الناشر- الذي هو أيضاً رجل أعمال في مجالات أخرى- أو يكشف شيئاً يمس بأحد من مقربيه قد يجد نفسه بلا عمل. اليوم يفكر الصحافي مرتين قبل أن يكتب شيئاً يمكن أن يغضب ناشره. وهذا ليس التهديد الوحيد المحيق بمكانة الصحافي. فظروف تشغيل الكثير من الصحافيين تعتبر مزرية".

ما الذي تفعله الرابطة للدفاع عن الصحافيين؟

حول هذا السؤال قال بار- موحا: في نطاق الاتفاقيات نجحنا في الحصول من "معاريف" على تعويضات بنسبة 240% للصحافيين المقالين، ولكننا لم نحصل من "يديعوت أحرونوت" على تعويضات (للمقالين) سوى بنسبة 170 إلى 180% فقط. كذلك نجحنا في منع إقالة عدد ضئيل من الصحافيين بعد مفاوضات. وأضاف المسؤول في الرابطة أن رابطته تنوي دفع سن تشريع يحد من قدرة الناشرين على إقالة الصحافيين ويحدد تسعيرة حد أدنى لتشغيلهم.

وبالرغم عن أن "يديعوت أحرونوت" لا تزال تعتبر "محمية طبيعية" محروسة نسبياً للصحافيين، إلا أن اتفاق العمل الجماعي لا يشمل سوى 80 من أصل حوالي 400 صحافي يعملون في الصحيفة، إضافة إلى وجود صراع داخلي يدور حالياً في الصحيفة- التي تعتبر الأفضل حالاً من ناحية الوضع الاقتصادي- حول نية الإدارة تقليص نحو 10% من قيمة أجور الصحافيين. وعلى ما يبدو فإن معارضة لجنة الصحافيين في "يديعوت أحرونوت" هي التي تُعيق لغاية الآن هذه الخطوة، ما يدل على وزن اللجنة التي تعد قوية نسبياً. غير أن قوة اللجنة ضَعُفَت بالمقارنة مع قوتها في الماضي، وقد بدأ هذا الضعف عندما أجبر عاموس شوكن، ناشر صحيفة "هآرتس"، أول صحافي في جريدته على توقيع عقد عمل شخصي. وكما هو متوقع من صحيفة كانت الأولى (أي "هآرتس") في خرق إطار التشغيل الجماعي فإن لجنة الصحافيين فيها لا تعدو كونها "نمرًا من ورق". تقول أرنا كزين، عضوة اللجنة "نحن هيئة رمزية مجردة من القوة... ليس لنا وجود رسمي وشوكن لا يعترف بهذه اللجنة، حتى أنه لا يرد على رسائلنا".

وكانت جميع الأقسام في الصحيفة قد شهدت موجة إقالات واسعة، فضلاً عن تقليص أجور المراسلين فضلاً عن أن توسع صحيفة The Marker الاقتصادية (التابعة لشبكة شوكن، والتي بدأت بالصدور في مطلع العام 2005 كبديل للملحق الاقتصادي لصحيفة "هآرتس") قد تم على حساب أجزاء أخرى في "هآرتس".

عروض تسريح مغرية

عندما يُواجه الناشرون صعوبة في التسريح فإنهم يعثرون على طرق أخرى، غير مباشرة، للتخلص من "الوزن الزائد". وعلى سبيل المثال، فقد عرضت سلطة البث مؤخراً شروط تسريح (تقاعد) مبكر تعتبر مغرية، بغية تقليص بنية التشغيل المعقدة في المؤسسة. لكن النتيجة كانت تقاعداً جماعياً وليس انتقائياً لنحو 130 موظفاً من مستخدمي السلطة تركوا فراغاً ونواقص في ملاك الطاقة البشرية. وقد اتضح أن شروط التسريح لم تكن في الحقيقة مريحة كثيراً، لكن الاشمئزاز من الطريقة التي تدار بها سلطة البث في عهد يوسيف بارئيل (المحسوب على حزب "الليكود") كان الحافز الحقيقي لقرار الكثيرين من المستقيلين الخروج إلى التقاعد.

"تايلنديو" وسائل الإعلام!

يستعرض الصحافي عميت بن أرويا في تقرير له ما يصفه بـ"أعمال المقاولات" في الصحافة ووسائل الإعلام مستهلاً بسرد قصة ذات دلالة لتشغيل إحدى الصحافيات، جاء في ملخصها:

"ش" صحافية في الثلاثين من عمرها، توجهت في الفترة الأخيرة للعمل في شركة الإعلام "ريطينغ مغازينيم" (يمتلكها عوفر نمرودي- ناشر معاريف- وتامي موزس من أفراد العائلة المالكة لـ"يديعوت أحرونوت") وذلك بعدما قررت الشركة إصدار عدة مجلات جديدة. بعد فترة من الانتظار تلقت "ش" اتصالاً هاتفياً قبيل منتصف الليل من محرر في الشركة وسألها إذا كانت تستطيع البدء بالعمل صبيحة اليوم التالي. وبعد عدة أسابيع كان على شركة الإعلام أن تدفع لها حوالي 2000 شاقل لقاء عملها...

تقول الصحافية "ش": "بعد أن أنهينا يوم العمل أرسلوا لنا عقد تشغيل للتوقيع عليه، فوقعت عليه وأرسلته. إحدى المنتجات قالت إن نموذج العقد لم يصلها. فقمت بإرساله ثانية، ولكن بعد اتصالات وترك بلاغات عديدة عادت المنتجة لتقول إنها لم تجد ولم تتسلم النموذج، طالبة مني الاتصال في اليوم التالي ؟؟ وهكذا بدأت قصة تسويف ومماطلة طويلة، حالت دون استلامي لحوالة الراتب طوال أربعة أشهر على التوالي". في نهاية المطاف ذهبت "ش" بنفسها إلى مكاتب الناشر لتسلم عقد التشغيل بصفة شخصية مباشرة... سأل المدير العام (عزرا كوهين) في البداية إذا كانت لا تزال تعمل لدى الشركة، فأجابت بالنفي، عندئذٍ قال المدير إن دفع مستحقاتها سيتم بعد شهر!. "ولكن كان من المفروض أن تدفعوا لي قبل عدة أشهر... لماذا هذا التسويف؟ هذا شيء مهين... لماذا تفعلوا ذلك مع الناس؟ بأي حق؟"، قالت "ش" بغضب وقد بلغت حافة البكاء. وتتساءل "ش" عن الأسباب التي جعلت مثل هذه الإجراءات والمعاملة تتحول إلى عرف شائع في سوق الإعلام، وتجيب بنفسها بالقول إنها لا ترى سبباً آخر عدا عن استغلال القوي للضعيف وإمكانية استبقاء المال في جيب الناشر لبضعة أشهر أخرى.

بصورة عامة يجري العمل في مثل هذه الشركات الإعلامية بدون عقود عمل. والشيء الوحيد الذي يبقى للصحافي هو "الالتزام الكلامي" من صاحب العمل.

من الصعب تقدير عدد "العاملين بالمقاولات" في وسائل الإعلام الإسرائيلية. فهذه المكانة أضحت منتشرة أكثر فأكثر خلال السنوات الأخيرة وذلك بسبب الطابع الخاص لسوق الصحافة. فهناك الكثيرون من المراسلين (خاصة المتواجدين في الخارج) والمصورين والعاملين في الصحف المحلية ومحطات التلفزيون يعملون بطريقة "العمل الحر" أو ما يدعى باللغة العبرية الصحيحة "مشاركون أحرار". والمبدأ هو تمكين الصحافي من تسويق بضاعته لكل من يطلب دون أي التزام مستقبلي تجاه هذا الصحافي.

وقد منح العرض الكبير، من جانب الشبان المعنيين بالعمل في وسائل الإعلام، قوة غير محدودة تقريباً للناشرين وأصحاب شبكات البث الإذاعي والتلفزيوني. وفي ظل غياب تقدير حقيقي للخبرة والتجربة الصحافية تطور ميل لدى شركات الإعلام نحو قبول (تشغيل) جيل الشبان الطموحين بشروط قاسية ورديئة للغاية، ما يمكن بالتالي هذه الشركات من تقليل وإضعاف قوة العاملين في الفرع. وكما كتب في مجلة "هعاين هشفيعيت" [العين السابعة] فإن "الاندفاع نحو ولوج سوق مشبعة يؤدي إلى استغلال مريع يتيح أيضاً عملاً بدون أجر نهائياً ... " من هنا فقد نشأت سوق واسعة من الصحافيين الذين يعملون على أساس ثابت ويومي، والذين ينظر إليهم قانونياً كـ"فري لانسريم ثابتين"، أي كأُجراء مجردين من الحقوق يدفع المشغلون عنهم رسوم التأمين الوطني وضريبة الصحة فقط.

أحد الأمثلة، وهي كثيرة، تتعلق بالعاملين في برنامج "عيرف حداش" [مساء جديد] في التلفزيون التعليمي (الرسمي)، فالمحققون الصحفيون الذين يعملون لحساب البرنامج، لمدة خمسة أيام في الأسبوع بوظيفة كاملة، يوقعون عند بداية تشغيلهم على عقد ورد فيه نصاً بأنه لا يحق لهم الحصول على حقوق اجتماعية. ولسبب ما يسجل في كشوف رواتب هؤلاء المحققين الصحافيين 18 يوم عمل فقط، على الأكثر، على الرغم من أنهم يعملون فعلياً عشرين يوم عمل في الشهر.

شروط مهينة في الراديو

تعتبر شروط التشغيل في سلطة البث موضوعاً شائكاً، يحاول المخرج دورون تسباري تسليط الضوء عليه في فيلم يعكف الآن على إعداده. ويسود في سلطة البث على نطاق واسع نظام "العمل الحر"، الذي يقدم العاملون بموجبه عملاً صحافياً بالمقاولة. غير أن الكثيرين منهم يعملون بشكل حصري ويومي مع سلطة البث دون أن يتمتعوا بأية حقوق اجتماعية.

يقول روعي شارون، الذي عمل سابقاً في محطة "راديو دون توقف"، والذي يحرر حالياً قناة اليهودية في موقع "معاريف" (nrg) على شبكة الإنترنت، إن "الأجور في الراديو تعد بمثابة فضيحة. فقد كنت أتقاضى عن (تحرير) برنامج استغرق مني خمس ساعات عمل يومياً مبلغ 140 شاقل غير صافي لليوم. أي 2800 شاقل في الشهر. عملت في الراديو لمدة ثلاث سنوات دون حقوق اجتماعية، باستثناء دفع رسوم التأمين الوطني وضريبة الصحة".

وتقول عينات برزيلاي، التي تقدم تقارير لبرنامج تلفزيوني في محطة القناة الأولى (التلفزيون العام) وكاتبة أعمدة في صحيفة "مكور ريشون" وموقع nrg ، إنها تواجه صعوبة في كسب عيشها من عملها في وسائل الإعلام.

وعلى سبيل المثال فقد كانت في منتصف حزيران تنتظر تلقي مستحقات عمل نفذته في شهر شباط (قبل أربعة أشهر) لحساب محطة القناة الأولى. في قسم المحاسبة بسلطة البث قالوا لها إن عليها الانتظار إلى حين "دخول أموال ضريبة رسوم التلفزيون".

ويلخص الصحافي ران أدليست، وهو "فري لانسر" قديم يقدم خدماته لوسائل إعلامية عديدة، أوضاع الصحافيين المضطرين للعمل بموجب هذه الطريقة الواسعة الانتشار في وسائل الإعلام الإسرائيلية المختلفة، بقوله: قبل عدة سنوات كان الـ"فري لانسر" يعيش كالملوك... أما اليوم فقد أصبح كـ"الهومليس"... وفي الظروف الراهنة، فإن وسائل الإعلام التي باتت مُتخمة بالناس وإلى حد الانفجار، تلتزم أولاً وقبل كل شيء تجاه العاملين المثبتين".

ويشبه أدليست نظام السوق الحرة في العمل الإعلامي بقانون الغاب الذي لا يسمح ببقاء سوى الأقوياء.