رياح عكسية تَهُب من الرقابة على "حرية" الصحافة في إسرائيل

إسرائيل "الديمقراطية الوحيدة" التي تملك الدولة فيها صلاحية إغلاق صحيفة! وتستند الرقابة الرسمية الممأسسة في جوهرها إلى تشريع (قانون) موروث من عهد الإنتداب البريطاني في فلسطين، يخول الرقابة صلاحية إغلاق صحف وفرض عقوبات عليها بصورة تعسفية.

يطيب لحكام إسرائيل منذ قيامها وحتى اليوم التفاخر بـ "مزايا نظام حكمها الديمقراطي" الذي "يحترم ويجّسد مبادىء الحرية والعدل والمساواة والسلام...الخ". وقد راحوا يتغنون على هذا المنوال بلا توقف بشعارات وعبارات مألوفة مثل "إسرائيل واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط" و"الدولة الوحيدة في المنطقة التي تكفل وتصون حرية الرأي والتعبير..." وما إلى ذلك من شعارات صارت مستهلكة وممجوجة بمرور الزمن لكثرة ما استخدمت.

مؤخراً فقط طفت على سطح المشهد الإسرائيلي قضية تضرب على عصب ومفصل "حسّاس" من مفاصل "دولة الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير"، تُحيل هذه المقولة، وبالأخص شقها الثاني، الى سلسلة "الأساطير الصهيونية المؤسسة" التي بان زيفها وتهاوت الواحدة تلو الأخرى في إمتحان التجربة والواقع، ونقصد بذلك قضية "الرقابة العسكرية على الصحف ووسائل الإعلام" في إسرائيل.

وقد أثيرت هذه القضية أخيراً- وليست هذه هي المرة الأولى التي تُثار فيها- على خلفية تحرك رسمي يهدف إلى توسيع صلاحيات الرقابة العسكرية على ما ينشر في الصحافة الإسرائيلية المقروءة والالكترونية، وخاصة ما يتعلق بشؤون "البقرة المقدسة"، في إسرائيل، أي "الأمن".

ونظراً لما تثيره هذه القضية الحساسة في الآونة الأخيرة، في الساحة الإسرائيلية والأوساط الصحافية خاصةً، من تجاذب وجدل ساخن وتداعيات لم تسكن تفاعلاتها وأصداؤها بعد ، فقد رأينا أن من الأهمية بمكان تقديم هذا العرض والمتابعة للسجال والتجاذب الدائرين حول هذا الموضوع من على صفحات الجرائد الإسرائيلية.

الخلفية والقانون

طُرحت قضية الرقابة العسكرية على المنشورات في إسرائيل مجدداً على بساط البحث في ضوء ما وصف على أنه حملة تقودها الرقيبة العسكرية الرئيسية (لأول مرة منذ قيام الدولة العبرية تتبوأ إمرأة هذا المنصب) الكولونيل ميري ريغف، لتشديد قبضة الرقابة على ما يُنشر في وسائل الإعلام والصحف الإسرائيلية من أخبار ومعلومات وتقارير تتعلق بشؤون الأمن على وجه الخصوص.

وقد سعت ريغف إلى مأسسة تحركها هذا عندما قامت في شهر تشرين الثاني الماضي بتعيين لجنة برئاسة القاضي المتقاعد إلياهو فينوجراد عهد إليها بمهمة "إعادة فحص دور الرقابة العسكرية ومكانتها". وبحسب العديد من المراقبين الإسرائيليين فإن تعيين اللجنة والمهمة الموكلة إليها يندرجان بلا مواربة في نطاق توجه و"سياسة" الرقيبة الرئيسية الجديدة لتشديد وتوسيع صلاحيات "مقص" الرقيب العسكري، حيث أكدت تقارير نُشِرت في الصحف الإسرائيلية خلال الأيام القليلة الماضية أن الرقيبة الرئيسية الكولونيل ريغف "بدأت منذ تسلمها لمنصبها بممارسة سياسة نشطة لتطبيق دقيق وصارم لإتفاق الرقابة بين وسائل الإعلام والدولة" وقد وجدت هذه "السياسة" تعبيراً لها في "كثرة توجيه الرقيبة الرئيسية لرسائل التحذير إلى الصحف لعدم رفعها مواد لفحص الرقابة" قبل نشرها، و"تهديدات بإقامة دعاوي" ضد وسائل الإعلام في اللجنة الخاصة التي تُعنى بمخالفات الرقابة.

هذه السياسة والتوجهات من جانب الرقيبة "ريغف"، توجت بالعمل على مسارين في نفس الآن، يكمل ويرفد أحدهما الآخر، الأول تشكيل لجنة فينوجراد وإتجاه المناقشات فيها إلى ناحية توسيع صلاحيات الرقابة، والثاني رفع وتحريك دعاوي من طرف الرقيبة العسكرية الرئيسية ضد بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية لنشرها مواداً دون تقديمها لفحص الرقابة مسبقاً، يُضاف إلى ذلك، وربما يصب فيه من حيث الهدف والمآل النهائي، الإقتراح الذي قدمته النيابة العامة للدولة لإجراء تعديل على قانون الصحافة الإسرائيلي. كل هذه الأمور وَلدّت قلقاً ومخاوف شديدة لدى العديد من الأوساط الإسرائيلية المهتمة بـ "الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير"، ولا سيما لدى هيئات تحرير الصحف ومحطات البث والتلفزة الإسرائيلية، التي أكد مسؤولون فيها مؤخراً أنه "يوجد لديهم إحساس في الأسابيع الأخيرة بالعودة إلى الوراء" لأن "الرقابة العسكرية التي بدت إزعاجاً قضى نحبه، انبعثت من جديد، وهي تثقل قبضتها الآن على الصحافة الحرة في إسرائيل"، حسبما كتب الصحافي والمحرر المعروف ألوف بن، في صحيفة "هآرتس" مطلع الشهر الماضي.

قانون وتاريخ

لعل من المفيد هنا، قبل الإستطراد في عرض شتى وجهات النظر وردود الفعل والمداخلات المتعلقة بهذا الموضوع المرشح لمزيد من السخونة والتجاذب على المدى القريب، العودة إلى الوراء وإنعاش الذاكرة في شأن الأساس والإطار القانونيين اللذين تزاول الرقابة العسكرية الإسرائيلية عملها بموجبهما.

تستند الرقابة الرسمية الممأسسة في إسرائيل في جوهرها إلى تشريع (قانون) موروث من عهد الإنتداب البريطاني في فلسطين، يخول الرقابة صلاحية إغلاق صحف وفرض عقوبات عليها بصورة تعسفية. وتُطبق الرقابة في إسرائيل بواسطة مؤسستين: مجلس الرقابة على الأفلام السينمائية والمسرحيات (قلصت صلاحياته بدرجة كبيرة منذ العام 1989) والرقيب الرئيسي للصحف ووسائل الإعلام، والأخير هو ضابط في الجيش الإسرائيلي من سلاح الإستخبارات برتبة عقيد أو عميد يعينه وزير الدفاع، ومهمته: فحص المنشورات من صحف وكتب وتقارير إذاعية أو تلفزيونية، بهدف شطب أية معلومة تتضمنها يمكن أن تمس بأمن الدولة أو سلامة الجمهور أو النظام العام... تعيين ومهام الرقيب الرئيسي يتمان بموجب البنود 86-101 من أنظمة الدفاع لحالات الطوارىء من العام 1945، وهناك صلاحيات أخرى يتمتع بها الرقيب مستمدة من قانون العقوبات الصادر عام 1977 ومن أوامر مختلفة. وعلى سبيل المثال هناك أمر خاص صدر عام 1972 يُلزم بتقديم أي كتاب يتعلق بأمن الدولة لمراقبة الرقيب الرئيسي، ومن هنا فإن الرقابة تتمتع عملياً بحرية عمل واسعة وبحصانة كبيرة أمام رقابة المحاكم أو جهاز القضاء. وبمرور السنوات، وفي أعقاب العديد من حالات التصادم بين وسائل الإعلام والرقابة العسكرية، أقرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بضرورة تصحيح هذا الوضع. وقد تمت الخطوة الأولى عام 1949 عبر التوصل لإتفاق بين الرقابة وبين لجنة رؤساء تحرير الصحف، ينظم علاقات العمل بين الجانبين ويحدد سبل ووسائل تسوية أية مشكلات تنشأ بينهما.

وينص جوهر الإتفاق، الذي جرى تحديثه في تموز 1966 وأيار 1996، على التزام طوعي من جانب وسائل الإعلام بتقديم أية مواد تندرج ضمن سلسلة من المواضيع المحددة للرقابة، مقابل تعهد الرقابة بالحد طوعاً من الصلاحيات الممنوحة لها حسب القانون وحصر نشاطها في المجال الأمني. وفي حال نشوء خلافات يُصار إلى البت فيها لدى محكّم خاص. وفي عام 1989 أصدرت محكمة العدل العليا الإسرائيلية قراراً مبدئياً يقضي بأن من حق الرقيب أن يشطب أو أن يمنع نشر معلومة أو خبر فقط "إذا كان هناك شبه يقين بمس حقيقي بأمن الدولة". وقد شكّل هذا القرار منذئذٍ مصدر استناد في هذا الموضوع.

"لجنة فينوجراد":

خلافات حولها وداخلها!

استناداً للحيثيات والوقائع الآنفة فيما يتعلق بقانون عمل وصلاحيات الرقيب العسكري وما أدخل عليهما في السنوات الماضية من تعديلات لجهة التخفيف، استشعر العديد من كبار محرري ومسؤولي الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية بأن سياسة وتوجهات الرقيبة العسكرية الرئيسية واللجنة التي شكلتها قبل عدة أشهر، تنطوي على خطر النكوص والإرتداد بحرية النشر والعمل الصحافي إلى الوراء، إلى عهد "المركزية الصارمة" و"الستار الحديدي" و"التكتم الشديد" على "بقرات إسرائيل المقدسة" وفي مقدمتها "الأسرار الأمنية والعسكرية" وما يتعلق منها في شكل خاص "بقدرات إسرائيل النووية" التي شكلت على ما يبدو بعض "التسريبات" حولها في الفترة الأخيرة، محركاً رئيسياً للتوجه الجديد في سياسة الرقابة العسكرية.

هذا الأمر عكسه الوف بن في مقاله بصحيفة "هآرتس" حيث كتب يقول: "تسعى- الرقيبة العسكرية- ميري ريغف الآن للرجوع إلى المركزية... فهيئات تحرير الصحف مطالبة بأن ترفع إلى الرقابة كل شيء... من رسائل القراء والأخبار عن سفر الوزراء وشكاوي الفلسطينيين عن ممارسات الجيش الإسرائيلي "... وأضاف بن: تريد ريغف أن تعيد للرقابة أنيابها... ولذلك فهي تقترح تعديل الإتفاق-بين الدولة والصحف- بحيث يكون بوسع المحكم أن يفرض على وسيلة الإعلام غرامات باهظة". ويستطرد "بن" في تعليقه قائلاً: "إن طاقة ريغف ومساعديها تضيع هباء على التوافه... حيث يبدد هؤلاء وقتهم بشطب كلمات مثل "سلاح نووي" واستبدالها بـ "قدرة نووية"، أو الزام الصحف بإقتباس معلومات عن مصادر أجنبية". وكل ذلك لأن الرقابة في إسرائيل "ترى بأن كل ما ينشر في وسائل الإعلام الإسرائيلية يؤخذ كتأكيد رسمي وككشف لسر". ويعتبر "بن" أن هذا الأمر ربما كان صالحاً في عهد الإنتداب البريطاني وبن غوريون "أما اليوم فلا يوجد مبرر لأن تكون وسائل الإعلام أداة لخدمة سياسة (الغموض النووي) أو أية قرارات سلطوية أخرى".

وكان أعضاء مجلس الصحافة قد تلقوا مؤخراً وثيقة يتضح منها أن "لجنة فينوجراد" التي شكلت بإيعاز من وزارة الدفاع تنوي التوصية بتوسيع صلاحيات الرقابة، وتقديم مشروع قانون تحقيقاً لهذا الغرض، يهدف فيما يهدف أيضاً، إلى تجاوز السابقة المتمثلة بالقرار المبدئي الذي اتخذته المحكمة الإسرائيلية العليا عام 1989، والذي أشرنا إليه في مكان سابق من هذه المعالجة. وقد شكل هذا القرار أساساً جوهرياً للإتفاق الذي وقع بين وزير الدفاع ووسائل الإعلام في العام 1996، والذي تمارس الرقابة منذ ذلك الحين عملها بروحه وليس بموجب أنظمة الدفاع الإنتدابية.

لكن "رياحاً جديدة بدأت تهب في عهد الرقيبة العسكرية الحالية" كما عنونت صحيفة "هآرتس" مقالها الإفتتاحي يوم الجمعة (4/3/2005) والذي كرسته لتوجيه انتقادات شديدة لتوجهات وسياسة الرقيبة "ريغف"، مشيرة إلى أن الأخيرة تبدي نهجاً ناشطاً يتمثل، ضمن أمور أخرى، بإلزام وسائل الإعلام برفع مواضيع عديدة لفحص الرقابة، بما في ذلك مواضيع نشرت من قبل جهات في خارج البلاد، واعتبرت الصحيفة في تعليقها الإفتتاحي أن "الرقابة بشكل عام والرقابة العسكرية بشكل خاص، لا تتناسب وعصر حرية النشر والمعرفة الذي نعيشه".

"هآرتس" التي تُبحث ضدها حالياً شكوى رفعتها الرقابة العسكرية بسبب تقرير نشرته الصحيفة (بعد نشره في صحف أجنبية) دون رفعه لفحص الرقابة حول صفقة لبيع طائرات صغيرة بدون طيار أُبرمت بين إسرائيل والصين، استهجنت في تعليقها قرار الرقيبة ريغف تشكيل لجنة فينوجراد بهدف فحص إمكانية توسيع صلاحيات الرقابة، وحذّرت الصحيفة من أن إقرار أية توصية ترفعها اللجنة تحقيقاً لهذا الغرض "سيمس بالنسيج الحساس بين حرية التعبير والنشر وبين أمن الدولة".

من جهته اعتبر أمنون دنكنر، رئيس تحرير صحيفة "معاريف" ورئيس لجنة رؤساء تحرير الصحف الإسرائيلية، أن صلاحيات الرقابة الحالية "كافية وربما زائدة عن الحد" وأضاف "لا أعتقد أن فكرة توسيع صلاحيات الرقابة فكرة صائبة أو ملائمة".

أما رئيس تحرير صحيفة "هآرتس" دافيد لنداو فقال في تعليق ذي دلالة: هذا يذكرني بأسطورة بريطانية قديمة ومعروفة عن الملك "كانوت" الذي حاول إيقاف أمواج البحر، حيث أخذ عرشه وجلس على شاطىء البحر وأمر أمواج البحر بعدم الإقتراب من عرشه...!

إنقسام في صفوف اللجنة!

هذه التفاعلات وردود الفعل المعارضة لتوجهات الرقيبة العسكرية، إنعكست كما يبدو على عمل لجنة فينوجراد وآراء أعضائها الثلاثة، القاضي إلياهو فينوجراد، البروفيسورة غبريئيلا شيلو والبروفيسور آسا كاشير، إذ بدت اللجنة منقسمة على نفسها بين مؤيد ومعارض لفكرة توسيع صلاحيات الرقابة، حسبما ظهر ذلك أخيراً على صفحات الجرائد العبرية.

فمن جهته أعلن البروفيسور آسا كاشير عن مساندته لتوسيع صلاحيات الرقابة، حيث صرّح أثناء مشاركته في جلسة للجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، إن اللجنة التي يشغل عضويتها (لجنة فينوجراد) تفكر برفع توصية بسن مشروع قانون يوسع صلاحيات الرقابة، مسوغاً ذلك بقوله: الرقابة ليست عاراً... ونحن نخوض منذ أربع سنوات على الأقل حرباً مستمرة، مما يقتضي التعامل بشكل مغاير مع الأسرار والمعلومات!

أما البروفيسوره غبريئيلا شيلو فقد صرحت تعقيباً على ذلك إن البروفيسور كاشير عبر على ما يبدو عن رأيه الشخصي وهذا لا يمثل رأي اللجنة. وأضافت معبرة عن موقف معاكس لموقف زميلها في اللجنة: "حسب علمي لم تبلور اللجنة بعد أية استنتاجات، وليس لديها موقف يقضي بوجوب توسيع صلاحيات الرقابة... فمن الممكن بالتأكيد أن نوصي بإلغاء الرقابة نهائياً...".

ويُشار إلى أن رئيس اللجنة القاضي المتقاعد فينوجراد عمل في السابق رئيساً للمحكمة المركزية في تل أبيب وأصدر عدة قرارات جعلته متماثلاً مع نهج "الرقابة الصارمة" الذي وضع حرية التعبير في مكانة متدنية، كقراره مثلاً بإلزام الصحافي أرييه أفنيري بإطلاع عضو الكنيست الحريدي أبراهام شابيرا على كتاب كتبه عنه، قبل نشره، وهو قرار نقضته المحكمة الإسرائيلية العليا.

في حين يعرف عن البروفيسور كاشير تماثله التام مع المؤسسة الأمنية والعسكرية. الرقيبة الرئيسية الكولونيل "ريغف" أكدت مراراً في أحاديث خاصة، تأييدها لنهج "الرقابة الصارمة" الذي تمارسه منذ تسلمها لمهامها، مدعية أنها "توازن في الوقت ذاته بين حرية التعبير وأمن الدولة".

مذكرة من المعهد الإسرائيلي للديمقراطية

وفي سياق آخر على صلة وثيقة بالموضوع ذاته (حرية الصحافة) قدمت مؤخراً د. تهيلا شفارتس ألتشولر، الباحثة في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، مذكرة بإسم المعهد تناقش فيها إقتراح النيابة العامة للدولة بإجراء تعديلات على قانون الصحافة المعمول به في إسرائيل.

وتؤكد الباحثة تهيلا في مذكرتها أن إسرائيل هي "الدولة الديمقراطية الوحيدة التي تملك فيها الدولة صلاحية إغلاق صحيفة مكتوبة".

وتقول: إن الخشية الأساسية التي تنشأ عن السماح بصلاحيات مفرطة للمس بحرية الصحافة من جانب السلطة، تتمثل في الخشية من إساءة استخدام القوة السلطوية من أجل قمع وإخماد آراء لا تتساوق وآراء السلطة.

وتضيف "تهيلا" مشددة على أن المس الأكثر خطراً من جانب الدولة بحرية الصحافة يكمن في تخويل جهة أو هيئة سلطوية بالحظر التام لإصدار صحيفة، مشيرة إلى أن هذه الصلاحية قائمة في إسرائيل ومثبتة في البند الرابع من أمر الصحافة الإنتدابي (واجب ترخيص الصحف) وفي البند 94 من أنظمة الدفاع لحالات الطوارىء (صلاحية رفض إعطاء ترخيص لصحيفة وسحب ترخيص أعطي لصحيفة أخرى، وإغلاق صحيفة لفترة زمنية غير محددة أو للأبد) وكذلك في البنود 6 و 19 من أمر الصحافة الإنتدابي (صلاحية إغلاق صحيفة في حال توفر أسباب وذرائع مختلفة). وأكدت أن هذه التشريعات لا تزال قائمة في النظام القضائي الإسرائيلي منذ عهد الإنتداب ولم يتم إلغاؤها البتة. واستطردت باحثة المعهد الإسرائيلي للديمقراطية مؤكدة أن هذا الوضع غير قائم في أية دولة ديمقراطية أخرى في أنحاء المعمورة، وقالت: "من بين سائر بلدان العالم الديمقراطي، إسرائيل هي الدولة الوحيدة المسلحة بمثل هذه الصلاحيات (إغلاق صحف) فيما يتعلق بالصحافة المكتوبة".

وحول دواعي كتابة المذكرة ومشروع القانون المقترح، أوضحت د. تهيلا: في العام 1996، وبعد سَّن قانون اساس "كرامة الإنسان وحريته" قدمت جمعية حقوق المواطن إلتماساً للمحكمة دعا في جوهره إلى إلغاء أمر الصحافة الإنتدابي، بكونه تشريعاً يمس بحق حرية التعبير. وكان رد الدولة على الإلتماس بأن من الجدير بالفعل تعديل صيغة "الأمر" واستبداله بتشريع عصري يراعي الحق في حرية التعبير. وفي العام 1996 أيضاً أوصت لجنة رسمية برئاسة وزير العدل الأسبق حاييم تسادوق، بإلغاء أمر الصحافة الإنتدابي، إضافة إلى توصيات أخرى تتعلق بمسألة حرية الصحافة في إسرائيل. وفي تشرين الأول 2004، قدمت شعبة الإلتماسات في نيابة الدولة إلى جمعية حقوق المواطن مسودة مشروع قانون الصحافة المعدل.

وقالت د. تهيلا إن مذكرتها كانت رداً على مشروع القانون المعدل، موضحة أن انتقاداتها للمشروع تتناول ثلاثة مسائل: ترك الصلاحية بإغلاق صحف في يد المحاكم، إلقاء واجبات مشددة بالشفافية وكشف مصادرة المعلومات على عاتق شركات الصحافة وناشري الصحف، وولاية أصحاب وظائف أدينوا بتهم جنائية.

وعلى ما يبدو فإن التجاذب حول هذا الموضوع- موضوع حرية الصحافة في إسرائيل- لن يؤول قريباً إلى نهاية أو مستقر لجهة الحسم، واقله ليس في صالح حرية ما يوصف بـ "صاحبة الجلالة" أو "السلطة الرابعة" في بلدان الديمقراطية الحقيقية، وذلك طالما ظلت أبواب الإحتلالات والصراعات والحروب و"التهديدات" مشرعة على/أو في الدولة العبرية.