خبايا "مجتمع الحاخامات" وآلية عمله

شكلت سلسلة من "الفتاوى" والتصريحات والتفوهات، التي اطلقتها في الآونة الاخيرة مجموعة من الحاخامات المتطرفين في اسرائيل، مناسبة لاثارة الاهتمام مجددا بأوضاع الاوساط المتدينة او ما يعرف بالمعسكر الديني و" الحريدي" وصراعه مع القطب المضاد، "المعسكر العلماني" الممسك في الظاهر على الاقل بمقاليد الحكم والسلطة السياسية في الدولة العبرية. وتنبئ جملة من الاحداث والتطورات والتقارير التي حفلت بها وسائل الاعلام والصحف الاسرائيلية خلال الاسبوعين الاخيرين ان فتيل هذا الصراع القديم والمستمر ابدا على المحور الديني- العلماني مرشح للاشتعال والتأجج مجددا في الفترة القريبة المقبلة، او على المدى القصير، وذلك على ارضية "الاستحقاقات" السياسية والامنية والاقتصادية (خطة الفصل الاحادية الجانب، والخطة الاقتصادية الجديدة) وما يمكن ان ينجم عنها

ذاكرة المشهد

خبايا "مجتمع الحاخامات" وآلية عمله

إعداد: سعيد عياش

شكلت سلسلة من "الفتاوى" والتصريحات والتفوهات، التي اطلقتها في الآونة الاخيرة مجموعة من الحاخامات المتطرفين في اسرائيل، واثارت ردود فعل وتداعيات لم تنقشع او تسكن تفاعلاتها حتى اللحظة، مناسبة لاثارة الاهتمام مجددا بأوضاع الاوساط المتدينة او ما يعرف بالمعسكر الديني و" الحريدي" وصراعه مع القطب المضاد، "المعسكر العلماني" الممسك في الظاهر على الاقل بمقاليد الحكم والسلطة السياسية في الدولة العبرية.

وتنبئ جملة من الاحداث والتطورات والتقارير التي حفلت بها وسائل الاعلام والصحف الاسرائيلية خلال الاسبوعين الاخيرين ان فتيل هذا الصراع القديم والمستمر ابدا على المحور الديني- العلماني مرشح للاشتعال والتأجج مجددا في الفترة القريبة المقبلة، او على المدى القصير، وذلك على ارضية "الاستحقاقات" السياسية والامنية والاقتصادية (خطة الفصل الاحادية الجانب، والخطة الاقتصادية الجديدة) وما يمكن ان ينجم عنها بالضرورة من مخاضات وتطورات وتغيرات سياسية داخلية، تلك "الاستحقاقات" التي ترجح مختلف الاوساط وكذا التحركات والتقديرات الجارية ان الدولة العبرية مقبلة عليها في غضون الاشهر القادمة او خلال عام واحد من الآن، على ابعد تقدير.

ورغم التساؤلات وعلامات الاستفهام الكبيرة التي تثيرها التطورات والتحركات، سواء الراهنة او المرتقبة في الحلبة السياسية الاسرائيلية، وما تنطوي عليه من تذبذب دائم لبوصلة التحركات والتغيرات الداخلية بحكم نسيج المصالح المعقد والمتشابك الذي يحكم تركيبة السلطة السياسية في اسرائيل، الا ان التفاعلات الاخيرة للاوضاع والتحركات السياسية والامنية حدت بعدد من كبار رجالات الدين والحاخامات المتنفذين في المعسكر الديني – القومي اليميني وفي اوساط المستوطنين اليهود في الاراضي الفلسطينية المحتلة، الى التأهب والشروع بتحركات لحشد التأييد لمواقفهم التوراتية والقومية المتعصبة، وذلك عبر اصدار "فتاوى" وتصريحات تحريضية تحض على التطرف و"التمرد" وحتى على "القتل" ان دعت الحاجة، وكان هذا التحريض في الغالب موجها ضد خطط ونوايا حكومة رئيس الوزراء الاسرائيلي اريئيل شارون بالانفصال الاحادي عن قطاع غزة وتفكيك واخلاء ما فيه من مستوطنات يهودية.

ابرز فتاوى وتفوهات الحاخامات الاخيرة، ولا سيما المتزعمين او المنتمين منهم لما يعرف بتيار الصهيونية – الدينية ( والمسيحانية)، بدأت قبل نحو ثلاثة اسابيع بحث كبار حاخامات هذا التيار لممثليهم في الكنيست، وزراء ونواب الحزب القومي – الديني (المفدال)، على الانسحاب من الحكومة والائتلاف والاصطفاف الى جانب جناح التطرف اليميني الاقصى المتشبث بعقيدة "ارض اسرائيل – الكبرى- التوراتية" والمعارض بشدة لأي انسحاب او تفكيك لمستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة وبالتالي لخطة رئيس الوزراء الاسرائيلي الاحادية المذكورة، تبع ذلك "الفتوى" التي اصدرتها مجموعة من الحاخامات المتشددين، وفي طليعتهم زعيم مجلس حاخامات المستوطنين في الاراضي الفلسطينية المحتلة، دوف ليئور، واباحت فيها (في بيان نشرته صحيفة "يديعوت احرونوت" على موقعها الالكتروني في السابع من الشهر الحالي) قتل المدنيين الفلسطينيين و"معاملتهم كمسلحين اذا اقتضت الضرورة"، ثم جاءت اخيرا مسألة الـ"تهديدات بالقتل" التي اعلن انها وجهت ضد رئيس الوزراء الاسرائيلي اريئيل شارون واعضاء ما يسمى بـ "مديرية خطة الانفصال" والتي يعتقد ان لحاخامات اليمين المتطرف ضلعًا في الوقوف خلفها، خاصة بعدما اعلن ان الشرطة الاسرائيلية تدرس في هذه الايام مع المسؤولين في النيابة العامة امكانية اتخاذ اجراءات قانونية ضد الحاخام يوسي ديان من سكان مستوطنة "بسغوت" قرب رام الله، في ضوء تصريحات ادلى بها (الثلاثاء 14.9.2004) لمحطة القناة الثانية في التلفزيون الاسرائيلي واعلن فيها استعداده لتنظيم "طقوس دينية" ضد رئيس الوزراء اريئيل شارون يمكن تفسيرها كـ "هدر دم" او "تصريح بالقتل" لليهودي الذي "يخون ويخرج عن العقيدة الدينية اليهودية".

ولفتت صحيفة "هآرتس"(15.9.2004) الانتباه الى ان نفس الحاخام، يوسي ديان، الذي كان يعد في الثمانينيات احد ابرز الناشطين في حركة "كاخ" العنصرية الفاشية المحظورة، و"الساعد الايمن" لمؤسس الحركة، الحاخام العنصري مئير كاهانا، سبق وان نظم مع مجموعة من حاخامات ونشطاء اليمين المتطرف في العام 1995 ذات الطقس الديني الذي يعرف بتسميته العبرية "بولسا دينورا" ومعناه الحرفي "ضُرِبَ بسياط من نار" ( وهو طقس ديني قديم يمارسه المتشددون اليهود عادة لانزال اللعنة بشخص ما منبوذ ويتمنون ويبتهلون خلاله بموت الملعون) ضد رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق اسحق رابين قبل اغتياله على يد ناشط اليمين المتطرف يغئال عمير، ما قاد الى اعتقال الحاخام ديان، خلال العام 1996، بتهمة التحريض على قتل رابين غير ان الشرطة الاسرائيلية اخلت سبيله لعدم تمكنها من توجيه اتهامات محددة ضده.

هذه التحركات و"الفتاوى" التي تصب في طاحونة "التحريض الديني- اليميني" اخذت تثير اخيرا مظاهر قلق ومخاوف شديدة حيال المدى القريب، في صفوف اوساط رسمية واعلامية اسرائيلية عديدة سواء على مستوى هيئات السلطة السياسية والامنية او على مستوى "المعسكر العلماني" بشكل عام، وهو ما وجد تعبيرا واسعا له في الصحف العبرية اليومية الكبرى خلال الايام والاسابيع القليلة الماضية.

في ضوء ذلك، ومن واقع التزامنا في "مدار" وملحقه الدوري (المشهد الاسرائيلي) برصد ومتابعة التطورات والتحركات والاتجاهات التي تمور بها الساحة الداخلية الاسرائيلية، وبحكم ما ينطوي عليه الموضوع المطروح هنا على بساط البحث بشكل خاص من ابعاد وارهاصات قد تكون لها انعكاسات بالغة الاثر والاهمية على المدى القريب، سنحاول من خلال هذا التقرير تسليط الضوء على مكونات وخبايا وآلية عمل "مجتمع الحاخامات" الذين باتوا يشكلون في السنوات الاخيرة على وجه الخصوص قوة متنامية (في اسرائيل) تحيط بها مؤسسات وهياكل تتمتع بنفوذ مالي وسياسي واسعين.

من هم الكبار في "مجتمع الحاخامات"؟

بطبيعة الحال فان استخدام هذا الاصطلاح ("مجتمع الحاخامات") هو استخدام مجازي هنا، ذلك لأن من المعلوم ان المجتمع او الجمهور الديني في اسرائيل ليس بالكتلة الواحدة المتجانسة، بل هو مجتمع منقسم الى درجة التشرذم الشديد غالبا وهو بالتالي متعدد المرجعيات والمواقف والتوجهات الدينية والسياسية والحزبية ..الخ، فهناك المجتمع الديني المتزمت (الحريدي) بجناحيه الرئيسيين الاشكنازي (المهيمن) والسفاردي- الشرقي (المغبون) والمجتمع الديني القومي او ما يعرف بتيار الصهيونية – الدينية المنقسم بدوره الى عدة تيارات .. ومن هنا تتفاوت التقديرات بشأن اهمية ومركز ونفوذ المرجعيات الحاخامية المتعددة في اوساط المجتمع الديني اليهودي في اسرائيل، هذا فضلا عن ان هناك مرجعيات حاخامية تقيم في الخارج (كتلك المقيمة في الولايات المتحدة بشكل اساسي) لكنها تؤثر تأثيرا حاسما على قرار وتوجهات التيارات التابعة لها في الدولة العبرية.

وتفاديا لأي تشعب او بلبلة سنستعرض قائمة حديثة نشرتها صحيفة "معاريف" في ملحقها الاسبوعي "سوف شبوع" بتاريخ 13.8.2004 وتضمنت القائمة ترتيبا لأهم ما اعتبرته الصحيفة عشرين حاخاما في اسرائيل وذلك بناء على "مدى تأثيرهم الفعلي على الحياة في الدولة" وليس فقط نفوذهم داخل الجمهور الحريدي والديني، اي بناء على ابعاد وانعكاسات تأثيرهم على عامة الجمهور اليهودي في شؤون علاقات الدين والدولة والنزاع الديني – العلماني والخطاب العام في اسرائيل.

واشارت الصحيفة في تصنيفها لـ "قائمة العشرين"، والتي سنكتفي باستعراض اهم دزينة حاخامات بارزين ورد ذكرهم فيها، الى ان القائمة تتألف من 15 حاخاما اشكنازيا و(5) حاخامات شرقيين، وبين هؤلاء العشرين هناك 13 حاخامًا "حريديًا" و(7) حاخامات متدينين – وطنيين يتمتعون بنفوذ كبير في صفوف تيار "الصهيونية – الدينية" او التيار القومي الديني الذي يحسب عليه معظم المستوطنين اليهود في الاراضي الفلسطينية المحتلة.

الكبار

· الحاخام يوسيف شالوم اليشيف/ اشكنازي/ 94 عاما/ يسكن في حي "مئه شعاريم" في القدس الغربية وهو زعيم الجمهور "الليطائي" [يهود ليتوانيا بالأصل]. يلقب بـ "علامة افتاء العصر"، ويحظى بتقدير هائل لدى مختلف تيارات واوساط الجمهور الديني .. يتمتع بمركز نفوذ يتيح له ان يكون صاحب الكلمة الفيصل في كل ما يتعلق بالسياسة الدينية الحريدية الداخلية وطريقة سلوك المجتمع الحريدي في مواجهة "اسرائيل العلمانية". وتحظى قرارات ومواقف واراء الحاخام اليشيف باحترام (كلمته مسموعة) حتى لدى حركة "شاس" الدينية الشرقية.. يحسم في مسائل مثل : دخول او عدم دخول احزاب الحريديم، في ائتلاف مع احزاب يغلب عليها الطابع العلماني (شينوي- ميرتس)، وتجنيد الحريديم، بأي شكل، للجيش الاسرائيلي او الخدمة الوطنية، ويقال انه يولي جل اهتمامه للتعلم والتبحر في شؤون الدين ولا يخصص وقتا لقيادة الجمهور الديني.

· الحاخام عوباديا يوسيف / 84 عاما/ الزعيم الروحي لحركة "شاس".. يتخذ مواقف سياسية واضحة وقوية. ويمتثل له وزراء ونواب "شاس" بالمطلق ودون جدال. فتاويه في الشؤون الدينية – والحياتية (الدنيوية) تحظى برواج واحترام واسعين في صفوف عامة الجمهور وخاصة الديني – الشرقي .. يتفق الجميع على اعتباره "فنومن" (فذ او فريد من نوعه). هناك سببان يحولان دون تصدره للقائمة، الاول: رفض المتدينين الاشكناز، وخاصة "الليطائيين"، الاعتراف بمكانته المرموقة ونفوذه الواسع. ثانيا: خشية الحاخام يوسيف نفسه من معارضة او تحدي كبار حاخامات التوراة الاشكناز في الميدان الاهم ميدان "وجهة النظر". يؤخذ عليه تفوهاته المثيرة للجدل احيانا، والطريقة التي تسلكها وتدار بها حركة "شاس" تحت زعامته خلال السنوات الاخيرة.

· الحاخام مردخاي الياهو/ 75 عاما/ شرقي/ الزعيم الروحي للحزب القومي- الديني "المفدال" والصهيونية الدينية عموما. شغل منصب الحاخام الاكبر الشرقي سابقا، ومن هنا يتمتع بمكانة دينية مرموقة لدى اوساط واسعة وينشط في الشؤون العامة والسياسية. يكمن نجاحه في قدرته على ان يصبح زعيم قطاع واسع من المتدينين الاشكناز، ويتميز بمواقفه السياسية المتطرفة التي تتبنى ايديولوجية "أرض اسرائيل الكبرى" ورفضه "التنازل عن اي شبر" ويعد من المؤثرين جدا في صياغة نهج الصهيونية الدينية المتشدد، والوقوف وراء ظهور التيار الحريدي- القومي.

· الحاخام يعقوب آرييه ألتر /70 عاما/ إشكنازي/ يلقب بـ "الادمور ماغور"، وهو الزعيم الحسيدي الأكثر تأثيراً ونفوذاً بكونه زعيم أهم ساحة حسيدية في العالم الحريدي "حسيدوت غور"، كما ويعتبر ضمن قائمة "الأثرياء" في إسرائيل. ويولي إهتمامه الأساسي للشؤون الداخلية، ويوصف بأنه "الرجل القوي" في حزب "أغودات يسرائيل"(يهدوت هتوراة) الحسيدية المكونة من "الأغوداة" وقائمة "ديغل هتوراة" الليطائية. ويترأس القائمة المشتركة (يهدوت هتوراة) عضو الكنيست يعقوب ليتسمان المحسوب كممثل للحاخام التر.

· الحاخام أهارون ليف، شطاينمن /92 عاما/ من سكان "بني براك" قرب تل أبيب، ثاني أهم زعيم للجمهور الحريدي الليطائي، ويعتبر صاحب القرار الأول (بتوجيه من الحاخام اليشيف) والحاسم في جميع الشؤون المتصلة بالمدارس الدينية (اليشيفوت) وأبناء المدارس الدينية، ويشار له كوريث للحاخام اليشيف.

· الحاخام أبراهام شابيرا /91 عاماً/ حاخام إسرائيل الأكبر الإشكنازي الأسبق، وهو الزعيم الروحي للصهيونية – الدينية، ويعتبر إلى جانب الحاخام الياهو، من أبرز حاخامات الصهيونين المتدينين. ويترأس حالياً مدرسة "مركاز هراب" التي تعتبر الدفيئة التي نشأت وترعرعت فيها التيارات القومية الدينية (المسيحانية) المتطرفة مثل "غوش إيمونيم"، وله تأثير حاسم على مواقف المستوطنين أعضاء الصهيونية الدينية.

· الحاخام حاييم كنيابسكي /75 عاماً/ "ليطائي". ويعد المنافس الرئيسي للحاخام عوباديا يوسيف في الوقت الحالي في مجال الفطنة وسعة الإطلاع الديني.

· الحاخام يششكار دوف روكح /65 عاما/ زعيم حسيدوت "بعلز" التي تسيطر على جهاز "كشيروت" وجهاز تعليمي ومدارس دينية (يشيفوت) مستقلة. يتجسد تدخله في الشؤون السياسية والعامة في إسرائيل بواسطة موفده إلى الكنيست والساحة الإعلامية عضو الكنيست الحاخام يسرائيل آيخلر.

· الحاخام إسحق قدوري /تجاوز المئة من عمره/ ويلقب بـ "كبير المكوباليم" [بمعنى ضليع فيما يسمى بـ "الصوفية – الباطنية – اليهودية"]. له أحياناً تأثير على التوجهات والمواقف السياسية لحركة "شاس" ويتمتع بتأثير واسع في صفوف عامة الجمهور الشرقي التقليدي والحريدي.

· الحاخام دوب ليئور /69 عاماً/ حاخام مستوطنة "كريات أربع" ورئيس "يشيفات ههسدير" في المستوطنة. ويعتبر من أبرز رموز التيار الديني – القومي المتطرف (الصهيونية الدينية) وهو الذي يعطي شرعية دينية لقسم من متطرفي اليمين، وهو أهم حاخام بين حاخامات "يشع" [المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وقطاع غزة].

· الحاخام شلومو أبينار /71 عاماً/، حاخام مستوطنة "بيت إيل" ورئيس مدرسة "عطيرت كوهانيم" الدينية المتطرفة الناشطة في إستيطان وتهويد القدس القديمة وما حولها، ويوصف بأنه من أبرز "منظري" الصهيونية – الدينية، كما ويعزى له تأثير واسع في صفوف هذا التيار، لا سيما فيما يتعلق بـ "الصراع على أرض إسرائيل".

· بالإضافة إلى هذه الأسماء تشمل قائمة أبرز الحاخامات المؤثرين في صفوف تيار الصهيونية الدينية كلا من الحاخام زلمان ملمد، والذي يتوقع قيامه بدور نشط في تحريض الجنود الإسرائيليين على عصيان وعدم إطاعة أية أوامر عسكرية بإخلاء مستوطنات أو مستوطنين في نطاق خطة الإنفصال أو أية تسوية سياسية مستقبلية. إضافة إلى الحاخامات أهارون لختنشطاين وحاييم دروكمان واليعزر ملمد وإيلي سدان، رئيس كلية التأهيل قبل العسكري (مخصصة للشبان المتدينين الذين يتجندون للخدمة في الجيش الإسرائيلي) ويعتبر بمنزلة "المرشد الروحي" و "الموجه الأعلى" لمئات الضباط المتدينين في الجيش الإسرائيلي، وهناك أيضاً الحاخام يهودا عميطال وديفيد دودكوبيتش الذي يوصف بأنه حاخام "شبيبة التلال" وهم المستوطنون الذين أخذوا على عاتقهم خلال السنوات الأخيرة مهمة الإستيلاء على عشرات التلال الإستراتيجية في أنحاء الضفة الغربية وإقامة مواقع استيطانية فوقها.

المرجعية وآلية إتخاذ القرار ...

وفقاً لتقارير ومعلومات مختلفة، جمع ونشر بعضها في فترة سابقة، تخضع عملية صنع القرار واتخاذ الموقف في الأوساط الحريدية (المتدينة) إلى آليات مختلفة تماماً عما عليه الحال في الأوساط العلمانية. إذ يتزعم ثلاثة من الحاخامات مجالس ما يسمى بـ "كبار علماء التوراة" في حركتي "شاس" و "ديغل هتوراة" وهم الذين يتولون مسؤولية اتخاذ القرارات الخاصة بحركتيهما اللتين تعدان أكبر الحركات الحزبية وأوفرها نفوذاً في أوساط المتدينين المتزمتين (الحريديم) في إسرائيل.

ففي حركة "ديغل هتوراة" التي تمثل المتدينين الغربيين (الإشكناز) في الغالب، يبرز الحاخام الأدمور ماغور والحاخام شطاينمن، فيما يمسك الحاخام عوفاديا يوسيف بزمام الأمور في حركة "شاس" التي تعبر عن المتدينين الشرقين (سفارديم).

ومن المعتاد أن ينسق هؤلاء الثلاثة فيما بينهم الخطوات والقرارات المشتركة، خاصة في مسائل التشريعات الدينية والقوانين المتعلقة بما يوصف بـ "الوضع القائم" ("الستاتوس كفو") ويشير هذا المصطلح إلى سياسة مراعاة التوازنات الداخلية في المجتمع الإسرائيلي بين توجهات المعسكرات المتدينة ومكتسباتها من جانب وما يتعلق بالعلمانيين من جانب آخر.

ويُلاحظ أن الأوساط الحريدية مصطفة خلف قائمة محددة من الإتجاهات والمطالب بفضل التنسيق بين شقيها الغربي والشرقي، ويتجلى هذا الإنسجام بشكل خاص عندما يكون الأمر متعلقاً بمجلس كبار علماء التوراة الغربيين (الإشكناز).

فصاحب القرار الأول والأخير في معسكر الحرديم (الإشكناز) الأدمور ماغور لا يلتقي شخصياً مع علمانيين، وكذلك الحال مع الحاخام شطاينمن، وهما يقيمان صِلاتهما بالعالم الخارجي عن طريق "الوسطاء" العاملين في ما يسمى بـ "البلاط المقدس" والذين يتولون مهام مستشارين أو رؤساء مكاتب لكبار الحاخامات. و"المستشارون" الذين يعملون على مدار الساعة مع "حكماء التوراة" هم المسؤولون عن المعلومات الخارجية الواردة إلى "البلاط المقدس" التي تبدو لهم ضرورية لمساعدة الحاخامات على إصدار التعليمات المناسبة للجمهور الواسع من أتباعهم، خاصة وأنهم (الحاخامات الكبار) لا يقرأون الصحف ولا يستمعون للإذاعة أو يشاهدون التلفاز، باستثناء الصحف الناطقة بإسم تياراتهم.

تأثير الإعلام الحريدي

تتمتع الصحف الدينية مثل "هموديع" (المخبر) و"يتيد نئمان" (وتد أمين) و"اليوم السادس" بقوة تأثير خاصة لدى مجتمع الحريديم، فهي بمثابة "هوائيات" لنقل المعلومات في الأوساط الحريدية، فضلاً عن تأثيرها الواسع في عدد من جوانب الحياة الداخلية للحريديم. إذ يمكن لسلسلة مقالات يكتبها الحاخام غروسمن، رئيس تحرير صحيفة "يتيد نئمان" أن تتسبب في إنهاء المستقبل السياسي لعضو كنيست من تيار ليطا الذي يمثله حزب "أغودات يسرائيل" وقائمة "ديغل هتوراة" [حالياً ينضوي الحزبان في قائمة مشتركة "يهدوت هتوراة"]، خاصة إذا ما إتهمته هذه المقالات بالخمول أو الإفتقار إلى الإخلاص اللازم لمبادىء وتوجهات الحركة، التي يمثلها. وهكذا فإن تقريراً أو موقفاً "غير موضوعي" لهذه الصحيفة الدينية أو تلك قد يؤثر بشكل حاسم أو جزئي على أية قضية، حتى لو كانت ذات طابع سياسي أو أمني، حيث تتحول مواقف كتل المتدينين من هذا القرار السياسي أو ذاك تبعاً للتقارير المنشورة في صحفهم، بما يشكل ضغطاً قوياً على الحكومة.

مرجعيات حاخامية بعيدة عن الأضواء

هناك شخصيات دينية ليست معروفة على المستوى الإعلامي، ولا تحتل مكانة رسمية في أحزاب وحركات المتدينين، لكنها صاحبة رأي مسموع وتأثير قوي في قرارات وقضايا معسكر الحريديم.

ويبرز من هذه الفئة التي تتمتع بنفوذ واسع في معسكر المتدينين الإشكنازي الحاخامات يعقوب ليتسمن، يوسف أوفراتي، وموشيه فريدمان، وأبراهام دايتش، ويحزقيل اسحق، وحاييم اسحق هكوهين.

وبدوره منح الزعيم الديني الأدمور ماغور الحاخام ليتسمن حرية التصرف واتخاذ القرار في القضايا السياسية اليومية.

أما في حركة "شاس" السفاردية فإن زعيمها الروحي المتنفذ الحاخام عوباديا يوسيف ليس وحده الذي يمسك بالزمام التوجيهي للأتباع، مع التأثير الكبير للحاخام قدوري الطاعن في السن. فإذا كان الحاخام يوسيف يملك سلطة صنع قرارات "شاس" بلا منازع تقريباً، فإن الحاخام قدوري الذي تجاوز الـ 100 ، يمثل ما يشبه "المعمد"، الذي يجب أن يعطي ما يشبه "لمسة التقديس" والتبريك الأخيرة لقرارات الحركة، لا سيما إذا تعلقت بتحديد مواقف "شاس" في مسائل وقضايا سياسية وتشريعية هامة أو مثيرة للجدل.

وكان الحاخام آرييه درعي قد تولى، حتى إدخاله السجن، تأدية معظم المهام التنفيذية لحركة "شاس" بما فيها رئاسة التمثيل السياسي والبرلماني والإعلامي لها. ويبدو واضحاً أن خلفه الحاخام الشاب إيلي يشاي، الذي يترأس مكتب "شاس" السياسي، لم ينجح حتى الآن في سد الفراغ الكبير الذي تركه درعي.

ويقول الصحافي المنتمي إلى معسكر الحريديم يسرائيل كاتسوفر إنه يجب التعامل بحذر كبير مع الإدعاء الذي يتجاهل كون الحاخامات "الصغار" والمساعدين مقياساً شبه معتمد لإتجاه الريح في أوساط الحريديم، خاصة وأنهم المسؤولون عن دقة وصحة المعلومات والإنطباعات التي ينقلونها إلى زعمائهم الروحيين، هذا على الرغم من أن القرارات الهامة تصدر في نهاية المطاف عن كبار الحاخامات ورؤساء المدارس الدينية.

لنساء الحاخامات وأبنائهم دور أيضاً ...

رغم الإنطباع الخاطىء الذي يتوهم أن دور نساء الأدمورات والحاخامات ورؤساء المعاهد الدينية محصور داخل بيوتهن، تمشياً مع القول التوراتي بأن "كرامة إبنة الملك في الداخل" [أو في بيتها]، فإن الواقع مختلف تماماً. فنساء الحاخامات السياسيون فاعلات مثل أزواجهن في قضايا الحريديم، ولعل الفارق الوحيد بينهن وبين النساء العلمانيات يتمثل في إنكشاف الأخيرات لوسائل الإعلام، في حين يتم نشاط النساء الحريديات بعيداً عن الأنظار وأضواء وسائل الإعلام التي لا تأبه به.

وبينما يشار إلى عدد من الزعماء الروحيين والسياسيين في أوساط الحريديم بوصفهم من "الحمائم" فقد عرف عن نساء زعماء وقادة الأحزاب المتدينة بأنهن من "الصقور". ويشير مقربون من بلاط الحاخام عوباديا يوسيف الزعيم الروحي لحزب "شاس" المعروف عنه تواجده في "الوسط" أن زوجته المتوفاة مرغليت حرضته باستمرار على اتخاذ مواقف أكثر تطرفاً، وأن قرارات هامة اتخذت في حالات عديدة بضغط منها وأحياناً حتى تحت تهديدها، كأن تضرب الطاولة بقبضتها!.

ويشار إلى الدور الكبير الذي تلعبه بعض نساء الحاخامات والسياسيين المتدينين في التعيينات السياسية والتنسيق داخل الهيئات، كما أن بصماتهن واضحة في بلاط الأدمورات والحاخامات. وتشترك النساء في الأحاديث الداخلية التي تجري في بيوت الحاخامات والأدمورات، وخاصة أحاديث السياسة التي تعتبر النساء في مجتمع "الحريديم" أكثر إلماماً بها من أزواجهن. فهن يقرأن الصحف أكثر من الرجال، ويستمعن للإذاعة أثناء تأدية أعمالهن اليومية. ومن المعروف أن معظم زوجات الحاخامات خريجات معاهد المعلمات، ولديهن قابلية لإتخاذ مواقف حاسمة وواضحة أكثر من الرجال الحريديم في القضايا الحساسة أو المصيرية. كما أن للنساء دوراً أكبر في الحد من الصراعات الداخلية في مجتمع الحريديم.

أما أبناء الحاخامات فيحظون بنفوذ أقوى من النساء في مجتمعهم الحريدي، إذ يوصف هؤلاء بأنهم "الصيغة الدينية المعدلة لأمراء العلمانيين" من أبناء أصحاب القرار ومراكز النفوذ في المجتمع الإسرائيلي الأوسع. ويُطلق على أبناء الأدمورات أو رؤساء المعاهد الدينية في مجتمع "الحريديم" لقب "أبناء القديسين". وهم مشاركون بصفة مباشرة في القضايا محل البحث في بلاط آبائهم، خاصة وأنهم يجلسون في المناسبات الدينية والإجتماعية قريباً من آبائهم البارزين أو بجوار الأدمور المتزعم للطائفة.

ويشق معظم أبناء الحاخامات طريقهم في الحياة على خطى تقاليد آبائهم في تعلم التوراة، بما يؤهلهم بعد ذلك ليرثوا في غالبيتهم العظمى آباءهم في وظائفهم ومراكزهم بعد موتهم. ويتمتع هؤلاء بحكم تواجدهم في بلاط الأدمورات، بدور مؤثر وكبير في تنسيق المواقف في حملات الإنتخابات الإسرائيلية.