ردود فعل وتعليقات أولية على فوز باراك برئاسة العمل: "بعث الأموات" إلى الحياة مجدّدًا

* معلق الشؤون الحزبية في "هآرتس": منتسبو "العمل" قرروا كما يبدو عدم المجازفة مجدداً باختيار "مرشح جديد يفتقر إلى الخبرة والتجربة"، في إشارة واضحة إلى فشل تجربة الزعيم العمالي السابق عمير بيرتس في قيادة الحزب * معلق "واينت": باراك سيقف الآن في مواجهة كم لا يحصى من المهام الجديدة، لكون الهدف الحقيقي الذي يتطلع إليه (مقعد رئيس الحكومة) ما زال بعيداً، وذلك لأن جيوب المعارضة لباراك في أوساط الجمهور الإسرائيلي ما زالت واسعة، كما أن مشاعر البغض والكراهية تجاهه ما زالت تمور في صدور ملايين أصحاب حق الاقتراع في إسرائيل *

وصف مراسل ومعلق الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس"، يوسي فيرتر، فوز رئيس الحكومة الأسبق إيهود باراك برئاسة حزب "العمل" في جولة الاقتراع الثانية التي جرت أمس (الثلاثاء 12/6/2007) على المنصب وأعلنت نتائجها النهائية صباح اليوم، على أنه أشبه بـ "بعث الأموات" إلى الحياة مجدداً، في إشارة إلى أن فرصته بالفوز بهذا المنصب كانت تبدو في بداية السباق الانتخابي على زعامة "العمل" قبل ستة أشهر (والذي نافسه في جولتها الأولى مرشحون أقوياء مثل زعيم الحزب السابق عمير بيرتس وأدميرال (قائد) سلاح البحرية ورئيس جهاز مخابرات "الشاباك" الأسبق عامي أيالون، الذي خسر جولتها الثانية أمس أمام باراك بفارق يصل إلى حوالي 4% من أصوات المقترعين من منتسبي "العمل") "سيناريو خيالياً".

وعزا فيرتر في تعليقه أسباب فوز باراك على منافسه عامي أيالون، الذي كانت الاستطلاعات ترجح فوزه، إلى أن منتسبي حزب "العمل" قرروا كما يبدو عدم المجازفة مجدداً باختيار "مرشح جديد يفتقر إلى الخبرة والتجربة" في إشارة واضحة لفشل تجربة الزعيم العمالي السابق عمير بيرتس في قيادة الحزب (الذي شهدت شعبيته تراجعاً كبيراً وتعرضت صفوفه للعديد من الانقسامات والتصدعات وانكفأ دوره القيادي في الحلبة السياسية والاجتماعية بشكل ملموس، خلال العقد الأخير على الأقل، بما في ذلك في ظل زعامة بيرتس للحزب) وكذلك التجربة السابقة لتجربة بيرتس، حين غامر أعضاء الحزب- على رأي فيرتر- بانتخاب جنرال الاحتياط ورئيس بلدية حيفا سابقاً عمرام متسناع لرئاسة الحزب في صيف العام 2002 (استقال من زعامة الحزب واعتزل الحياة السياسية بعد خسارة الحزب برئاسته في الانتخابات الإسرائيلية العامة في ربيع العام 2003 أمام حزب الليكود بزعامة أريئيل شارون). وأضاف فيرتر أن منتسبي "العمل" آثروا في انتخابات الأمس "اختيار الرجل المجرب والمتمرس، المجروح والمصمم على أن يبرهن للأمة ولنفسه بأنه يستحق فرصة ثانية".

واستطرد المعلق مشيراً إلى أن باراك، الذي سيجلس بعد أسبوعين على كرسي وزير الدفاع في حكومة إيهود أولمرت، الكرسي "الذي كان شاغراً في السنة الأخيرة" ليمسك بزمام قيادة هذه الوزارة (التي فَشِلَ عمير بيرتس لقلة خبرته الواضحة في إدارة دفة قيادتها فبدت "شاغرة" طوال السنة الماضية على رأي يوسي فيرتر وسائر المراقبين) والذي يشكل من ناحية باراك مجرد محطة انتقالية في الطريق للوثب إلى مقعد رئيس الحكومة المقبل. إلى ذلك فقد نجح باراك، حسب تقدير فيرتر (في السباق الأخير لزعامة "العمل") في "عقد التحالفات الصحيحة في الظروف الصحيحة" أولاً مع أوفير بينيس ثم مع داني ياتوم وأخيراُ مع شيلي يحيموفيتش (خاض الأولان الجولة الأولى في انتخابات "العمل" التمهيدية في أواخر أيار الماضي وأعلنا بعد خسارتهما تأييدهما لباراك في سباق الجولة الثانية التي قابل فيها عامي أيالون). وأردف فيرتر: في الأيام المقبلة ستتجه كل الأنظار إلى باراك: فهل سنراه، بعد فوزه، باراك القديم، أم أنه سيظهر حقاً في "نسخة محسنة موديل 2007"، مشيراً إلى أن زعيم حزب "العمل" الجديد سيمتحن ليس فقط في حزبه وفي وسائل الإعلام الإسرائيلية وإنما أيضاً في واشنطن وفي العواصم العربية والأوروبية، مضيفاً أن "كل هؤلاء يدركون أن شيئاً ما حدث أمس- الثلاثاء- في إسرائيل".

واستخلص فيرتر في تعليقه أن "فوز باراك يُؤمِّن لحزب العمل استقراراً نسبياً" إذ سيكون من السهل أكثر على معظم أعضاء كتلة الحزب في الكنيست الوقوف خلف زعامته ومنحه "فترة سماح" وسيكون اختباره الأول والفوري على هذا الصعيد إعادة لملمة صفوف الحزب المشتتة حتى يتمكن من الوقوف بقوة في مواجهة رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، كزعيم لحزب "العمل" وكوزير دفاع مقبل، وتوقع "فيرتر" أن يكون باراك الوزير الأكثر تأثيراً ونفوذاً في حكومة أولمرت المهزوزة، أولاً لأن أولمرت "رئيس حكومة ضعيف" وثانياً لأنه لا يوجد في الحكومة الحالية أي وزير مؤثر، وهو ما يحيل، وفقاً لتوقعات فيرتر، إلى جعل الحكومة حكومة برأسين، وبالتالي سيكون باستطاعتها تحقيق إنجازات ودفع خطوات وتحركات أخفقت وعجزت حكومة أولمرت طوال الفترة الماضية من ولايتها عن دفعها أو تحقيقها لا سيما على صعيد العملية السياسية المتعلقة بالصراع الأقدم في الشرق الأوسط، وإن كانت هذه الحكومة تنطوي أيضاً، على رأي المعلق ذاته، على "طاقة للشلل والعجز".

لكن السؤال المهم، ختم فيرتر تعليقه قائلاً، هو كيف سيكون أداء "الثنائي إيهود" وكم من الوقت سيتمكنان من البقاء معاً وعلى انفراد؟!

باراك على خطى شارون؟!

وتحت عنوان "الواقع ينتظر (باراك) خلف الزاوية" كتب أتيلا شومفلبي، المتابع للشؤون الحزبية، تعليقاً ظهر في موقع "واينت" التابع لصحيفة "يديعوت أحرونوت" على شبكة الإنترنت، مشيراً إلى أن الفائز في انتخابات زعامة "العمل" إيهود باراك حدد هدفه واستطاع أيضاً بلوغه، لكن الهدف الحقيقي (رئاسة الحكومة) ما زال بعيداً.

وأشار المعلق في هذا السياق إلى أن البهجة الحقيقية، الخالصة والعفوية، من النوع الذي يشحذ الهمم والطاقات (كالتي واكبت فوز باراك أول مرة في انتخابات زعامة حزب العمل وانتخابات رئاسة الوزراء في نهاية التسعينيات ومطلع العام 2000) غابت تماماً عن قاعة مقر حزب "العمل" في تل أبيب مساء أمس الثلاثاء، التي تجمع فيها أنصار ومؤيدو باراك ليستمعوا بعد إعلان نتيجة الانتخابات شبه النهائية فجر اليوم إلى خطاب فوزه الذي ألقاه أمامهم بعد منتصف الليل.

وأردف المعلق قائلاً: إذا كانت قد سادت حتى الآن بهجة في حزب "العمل" بدون باراك، فقد كان باراك هذه الليلة (ليلة إعلان فوزه الفائتة) بدون بهجة. وأضاف: بعد إيهود باراك الأول، وعمرام متسناع وعمير بيرتس (الذين تناوبوا على زعامة "العمل" منذ نهاية التسعينيات)، وبعد أحلام محطمة وخيبات أمل لا تعد ولا تحصى، يبدو أن شيئاً ما قد حدث للحزب ونشطائه.

لقد أدركوا كما يبدو أن عليهم، عوضاً عن الاستغراق في نشوة فوزه، أن ينظروا إلى الواقع بأعينهم، ومن نافل القول إن هذا الواقع ليس بالسهل أو البسيط، سواء بالنسبة للدولة أو بالنسبة للحزب.

ورأى شومفلبي في استطراد تعليقه أن الإنجاز السياسي الذي حققه إيهود باراك (بفوزه الأخير) يستحق الثناء وربما حتى البحث المعمق.. لماذا؟ لأن باراك الذي يُعد حسب رأي المعلق "أحد السياسيين المكروهين في الساحة السياسية الإسرائيلية عامة وفي ساحة حزبه بشكل خاص، نجح في عمل ما لا يصدق في غضون بضعة أشهر، بتحوله إلى مرشح منتصر" ولعل ما ساعده في ذلك الظروف والواقع الناشئان في أعقاب حرب لبنان الثانية، التي تسببت بحصيلتها الفاشلة بزلزال مدو في إسرائيل ما زالت تداعياته تهز المجتمع الإسرائيلي وطبقاته السياسية والأمنية النافذة في صناعة القرار.

غير أن باراك، أضاف المعلق، سيقف الآن في مواجهة كم لا يحصى من المهام الجديدة، لأن الهدف الحقيقي الذي يرنو إليه (مقعد رئيس الحكومة) ما زال بعيداً، ذلك لأن "جيوب المعارضة لباراك في أوساط الجمهور الإسرائيلي ما زالت واسعة، كما أن مشاعر البغض والكراهية تجاهه ما زالت تمور في صدور ملايين أصحاب حق الاقتراع في إسرائيل" بعدما خيب أملهم بشدة ولم يحقق تقريباً أياً من التعهدات التي وعدهم بها خلال ولايته الأولى لرئاسة الحكومة (دامت أقل من سنتين بين 1999-2001).

ورأى المعلق أن رئيس حزب العمل الجديد يحتاج إلى بذل جهود جبارة قبل أن يتمكن من التمتع بثمار الفوز التي قطفها الليلة الماضية، فهو يحتاج: أولاً لأن يبرهن على أنه قادر على تحويل حزبه إلى "بديل" حقيقي للزعامة الهشة والواهنة الممسكة حالياً بزمام دفة قيادة البلاد، وأن يبرهن ثانياً أن لديه خططا سياسية واقتصادية واجتماعية تستجيب لتطلعات ورغبات الأكثرية الإسرائيلية التي ازدادت مرارة خيبة أملها في ظل زعامة إيهود أولمرت وحزبه "كديما"، الضعيفة والعاجزة عن تحقيق أي إنجاز يذكر.

وشكك المعلق في قدرة باراك- الذي هوت زعامته ووعوده بسقطة مدوية على أرض الواقع في ولايته القصيرة الأولى لرئاسة الحكومة- على إعطاء نوع من المضمون أو المحتوى للشعارات التي حفل بها خطاب فوزه الليلة الماضية.

ولذلك، رجح المعلق في ختام مقالته، أن يؤثر باراك السير في الطريق التي سلكها الزعيم اليميني ورئيس الوزراء السابق أريئيل شارون، والتي اتسمت بـ "خطى بطيئة، هادئة وبغموض شديد" وكان من أبرز وأهم تتويجاتها السياسية والأمنية تنفيذ خطة الانسحاب الأحادية الجانب وإزالة المستوطنات اليهودية من قطاع غزة وفي الوقت ذاته المضي قدماً وبشكل حثيث في مخططات بناء جدار الفصل والتوسع الاستيطاني وعزل "القدس الشرقية" في الضفة الغربية وسط تكريس وتوسيع انتهاج سياسة القوة والقمع الدموية بحق الشعب الفلسطيني وسياسة تغييب وشطب "دور الشريك الفلسطيني" وهي السياسات التي بدأها ووضع لبناتها الأولى إيهود باراك نفسه في ولايته السابقة لرئاسة الحكومة، خاصة في أعقاب فشل محادثات السلام مع القيادة الفلسطينية في مؤتمر كامب ديفيد صيف العام 2000، ومن ثم في مواجهة الانتفاضة الثانية التي فجر شارون شرارتها بزيارته الاستفزازية للمسجد الأقصى كزعيم للمعارضة اليمينية في أيلول من نفس العام.