الليكود والعمل: استبعاد الجنرالات واضمحلال الشرقيين

* الليكود حاول إبعاد صفة التطرف عنه بإقصاء شخصيات عارضت شارون بعنف، والعمل يخرج لأول مرة بعد سنين طويلة بقائمة تطغى عليها الوجوه الجديدة * الحزبان يحاولان الانتقاص من "كديما" كل من جهته السياسية، وهو تناحر قد يصبّ في صالح "كديما"*

أنهى الحزبان التقليديان في إسرائيل، "العمل" و"الليكود"، في الأسبوعين الماضيين تشكيل قائمتيهما للانتخابات البرلمانية القادمة، ورغم الفوارق السياسية بينهما، إلا ان هناك خيوطا مشتركة في تركيبة القائمتين، ومن أبرزها غياب الجنرالات البارزين في الساحة الإسرائيلية عن مقدمة القائمتين، فيما لم يتعد تمثيل اليهود الشرقيين في العشرة الأوائل في كلا الحزبين نسبة 20% ، رغم أن نسبتهم في المجتمع هي في حدود 45%.

ففي حزب "العمل" الذي عرف عنه طيلة عشرات السنوات أنه حزب الجنرالات، فإن الجنرال الأول حلّ في المقعد الخامس، وهو الرئيس الأسبق لجهاز المخابرات الإسرائيلية العامة، عامي ايالون، الذي لم يعد يظهر، أصلا، في حلة الجنرال والعسكري العنيد، بعد أن أعد وثيقة حول رؤيته للحل الدائم بالمشاركة مع البروفيسور سري نسيبة، والجنرال الثاني هو الحاكم العسكري الأسبق للضفة الغربية بنيامين بن اليعيزر، الذي احتل المقعد الثامن.

وبالنسبة للجنرالات فإن الليكود لم يُنتخب أيًا منهم ضمن العشرة الأوائل في قائمته الانتخابية، وجرت العادة في الحلبة السياسية الإسرائيلية على اعتبار أن العشرة الأوائل هم الواجهة الأساسية لكل قائمة وأعضاؤها الأوفر حظا في تولي حقائب وزارية.

وقد حاول زعيم الليكود بنيامين نتنياهو جلب عدد من الجنرالات إلى الليكود وضمان مقاعد متقدمة لهم، ومن بينهم رئيس هيئة أركان الجيش السابق موشيه يعالون، الذي رفض على ما يبدو الانضمام لليكود، نظرا لوضعية الحزب في استطلاعات الرأي التي تدرجه في المرتبة الثالثة في الانتخابات القادمة، وككل رئيس هيئة أركان فإن طموحه في أي عمل سياسي لا يمكن ان يقتصر على كونه عضو كنيست عادي، بل يطمح لحقيبة أمنية رفيعة، ووضعية الليكود الحالية لا تؤهله للحصول على حقيبة كهذه في حال شارك في أي حكومة مقبلة. وبعد تشكيل القائمة حاول نتنياهو استيعاب رئيس هيئة الأركان الأسبق دان شومرون، لإشراكه في الحملة الانتخابية على الأقل، إلا ان الأخير رفض أيضا عرض نتنياهو.

ومسألة الجنرالات هي أمر مؤثر في الحملة الانتخابية كون ان الملف الأمني هو المقرر بالنسبة للأحزاب الكبرى التي تنافس على الحكم. وحزب "كديما" هو الأقوى في قائمة الجنرالات، خاصة وانه على ما يبدو من سيشكل الحكومة القادمة. ففي العشرة الأوائل لديه ثلاثة جنرالات، أولهم وزير الأمن، (الدفاع)، ورئيس الأركان الأسبق شاؤول موفاز، ورئيس جهاز "الشاباك" السابق آفي ديختر، ونائب رئيس "الشاباك" الأسبق، ووزير الأمن الداخلي الحالي (الشرطة) جدعون عيزرا.

تراجع التمثيل الشرقي

وظهر في تركيبة "العمل" و"الليكود" تراجع واضح لتمثيل أبناء الطوائف اليهودية الشرقية في العشرة الأوائل، فكلا الحزبين اكتفى باثنين في مقدمة العشرة، أما في "كديما" فإنهم ثلاثة، وإذا بدا الأمر ليس ملفتا للنظر فإن حركة "شاس" الأصولية اليهودية الشرقية ستهتم بإبراز هذا الجانب في حملتها الانتخابية.

ففي حزب "العمل"، ورغم ان رئيس الحزب والقائمة هو الشرقي ابن المغرب العربي عمير بيرتس، إلا أن الشرقي الثاني في القائمة يحتل المركز الثامن، وهو اليهودي العراقي بنيامين بن اليعيزر. أما في الليكود فإن الشرقيين الوحيدين في العشرة الأوائل يحتلان المركزين الثاني والثالث، ثم يتلوهما سبعة من الأشكناز، وقد يؤثر هذا بشكل ملحوظ على فرص الليكود، الذي كان حضوره قويا بين الشرقيين في الانتخابات السابقة.

وبعد أقل من ثلاثة أسابيع ستبدأ في إسرائيل الحملة الانتخابية الرسمية، وكما شهدنا في السنوات العشرين الماضية بالأساس، فإن العامل الطائفي سيظهر بقوة، أو كما اصطلح على تسميته في إسرائيل "شيطان الطائفية سيرفع رأسه من جديد"، وسنشهد منافسة شديدة على "كسب عطف" الشرقيين، وهذا الأمر لمسناه جيدا في اللحظات الأولى التي انتخب فيها عمير بيرتس رئيسا لحزب "العمل"، فكانت الكلمات الأولى التي نطق بها في "خطاب النصر": "علينا إخراج شيطان الطائفية من داخلنا"، وردد هذه العبارة كثيرا، ولم يكف عن ترديدها في الأيام الأولى لانتخابه، وهذا لأنه فاز بزعامة الحزب الذي عرف عنه أنه حزب الأشكناز، الذي حكم إسرائيل في سنواتها التسع والعشرين الأولى، فإن هذا الحزب بالذات هو الذي وضع ورسخ سياسة التمييز ضد اليهود الشرقيين، وكان سبق بيرتس في هذا المنصب في العام 2002 بنيامين بن اليعيزر، العراقي الأصل، ولكنه لم يصمد في منصبه لأكثر من عشرة أشهر.

لقد تخوف بيرتس من جنوح مصوتي الأشكناز إلى أحزاب أخرى بسبب تزعمه الحزب، وراهن المحللون على أن بيرتس سيعوض من أصوات الشرقيين الذين سيرون به قائدا، وحتى الآن لم ينعكس هذا المشهد على استطلاعات الرأي، ولكن حزب "العمل" سيدخل من خلال عمير بيرتس إلى أحياء الفقر التي "بناها" بسياسته، ويطلب أصواتهم.

إن العامل الطائفي هو عامل مساعد في حسم نتيجة القوائم، وعلى ما يبدو فإن أحد أسباب تراجع الليكود في استطلاعات الرأي هو أيضا تراجع قوته بين مجموعات اليهود الشرقيين، الذي دعموا الليكود بسخاء، خاصة منذ العام 1977 وحتى الانتخابات الماضية التي جرت في مطلع العام 2003.

تركيبة الليكود

لقد تم انتخاب قائمة الليكود من خلال اللجنة المركزية للحزب، التي تضم حوالي 3 آلاف عضو، ورغم انشقاق اريئيل شارون عن الحزب، وتشكيله الحزب الأقوى، حاليا، في إسرائيل، إلا ان نسبة الذين شاركوا في الانتخابات فاقت 90%، وهذا يعني واحدا من اثنين، فإما أنه لم يخرج مع شارون الكثيرون من اللجنة المركزية، أو أنهم سكتوا إلى حين انتخاب قائمة الحزب ليتجهوا بعد ذلك إلى الحزب الأقوى- "كديما".

ولكن النتيجة الحاصلة لا تخدم بالضرورة "كديما"، كون ان أعضاء الليكود أبعدوا عن القائمة غالبية النواب الذين عارضوا رئيس الحكومة اريئيل شارون بعنف كلامي، وتسببوا بقلاقل في الكتلة البرلمانية خلال الدورة البرلمانية المنتهية، وعلى رأسهم ثلاثة نواب وهم إيهود ياتوم وميخائيل راتسون وحتى النائب أيوب القرا، الذي لم يسعفه حفل عشاء ضخم أقامه بمناسبة بلوغ ابنه "سن الرشد" ذبح فيه "إكراما" لضيوفه، وقسم منهم من المستوطنين، 57 كبشا، "على عدد سنوات إسرائيل"، كما صرّح بذلك لوسائل الإعلام.

والأمر الملفت للنظر أنه حتى زعيم كتلة المتمردين على شارون في الكنيست، الوزير السابق عوزي لنداو، الذي تنازل عن المنافسة على زعامة الليكود لصالح نتنياهو، وجد نفسه مرميا في المقعد الرابع عشر. وقال المقربون منه في مطلع الأسبوع الجاري إنه بات يشعر "بخيبة أمل"، وعلى ما يبدو فإنه قد يجعل مصيره السياسي في خانة المجهول. أما زملاؤه ياتوم وراتسون والقرا، فقد قيل إنهم يفكرون في تشكيل قائمة يمينية منفصلة عن الليكود، وإنهم يفاوضون النائب السابق ميخائيل كلاينر، الذي خاض الانتخابات السابقة على رأس قائمة حيروت، التي دعمتها حركة "كهانا" الإرهابية والمجموعات المنبثقة عنها، لكن مصير قائمة كهذه سيكون على الأغلب السقوط وعدم اجتياز نسبة الحسم، اعتمادا على تجربة الانتخابات السابقة، وانحسار قوة اليمين المتطرف، نوعا ما في هذه المرحلة، وأيضا نظرا لوجود قائمة يمينية لا أقل تطرفا، هي قائمة "هئيحود هليئومي".

والمشهد الحاصل أن نتنياهو الذي ارتكز بداية في معركته أمام شارون داخل الحزب على الجناح اليميني المتطرف، سارع للتنصل منه بعد انتخابه، لا بل بذل نتنياهو كل جهد لعدم ترشيح زعيم المتطرفين موشيه فيغلين، الذي اختار عدم الترشح أصلا في الانتخابات الداخلية. وليس هذا فحسب بل سعى نتنياهو لإبعاد ثلاثة وزراء تركوا حقائبهم الوزارية للتو بأمر منه، عن واجهة القائمة وحصلوا على مقاعد متأخرة، وتقول مصادر إعلامية إنهم يتوعدونه.

وعلى ما يبدو فإن الأزمات في الليكود لم تنته بانشقاق شارون، وعاد العراك السياسي بين نتنياهو ووزير الخارجية المستقيل سيلفان شالوم، الذي استبعده نتنياهو عن الطواقم الانتخابية الأساسية، فأقام طاقما انتخابيا خاصا به، ودخلت إلى خط المواجهة أيضا وزيرة التعليم ليمور ليفنات، التي وجدت نفسها مهمشة، واحتلت المقعد العاشر في القائمة بفضل حجز المقعد للنساء، بينما نتيجتها جاءت متأخرة أكثر.

ورغم محاولة الليكود إبعاد صبغة التطرف عنه، إلا أن البرنامج السياسي الذي سيعتمده نتنياهو والليكود في الحملة الانتخابية القادمة هو مهاجمة حزب "كديما" من جهة اليمين، وسيدعي ان "كديما" يسعى للانسحاب إلى حدود العام 1967، وأنه سيعيد تقسيم القدس. ويقول قادة الحملة الدعائية في الليكود إن نتنياهو يريد "إخافة" الجمهور من "كديما"، وهذا التعبير ليس مفهوما، أمام سلسلة من استطلاعات الرأي الإسرائيلية، التي دلت على أن الغالبية الساحقة من الجمهور الإسرائيلي تريد انسحابا واسعا من الضفة الغربية، حتى أن 63% من اليهود الإسرائيليين "على استعداد" للانسحاب من الأحياء العربية في القدس المحتلة.

تركيبة حزب "العمل"

من الصعب على من تابع حزب "العمل" منذ سنوات طوال أن يتعرف بسرعة على قائمة حزب "العمل"الحالية، التي انتخبها أكثر من 60% من أعضاء الحزب البالغ عددهم 120 ألفا، باعتبار أنها بالفعل تمثل حزب "العمل" التاريخي بشخصياته التاريخية والتقليدية، وسيعتقد للوهلة الأولى انه أمام قائمة انشقاقية عن الحزب، فالوجوه الجديدة كثيرة، وقسم جدي منها انتسب في اللحظة الأخيرة للحزب، بمعنى أنه لم يتأسس ويتبلور سياسيا في هذا الحزب.

ففي العشرة الأوائل لم يبق من الرعيل السابق في الحزب سوى بنيامين بن اليعيزر، وهناك ثلاثة من الجدد الذين انتسبوا للحزب حديثا، بالإضافة إلى عمير بيرتس الذي عاد إلى الحزب قبل عام، والنائبة (يولي تمير) التي ظهرت لأول مرة في قائمة الحزب في الانتخابات الماضية.

وهناك وجوه تقليدية في "العمل" تراجع تمثيلها إلى المقاعد الخلفية، ومن بينهم افرايم سنيه وغيره. ولأول مرّة من 34 عاما يغيب عن قائمة الحزب شمعون بيريس، الذي ظهر لأول مرة في قائمة الحزب في العام 1959، ثم انفصل عن الحزب في دورتين في سنوات الستين، حينما انضم إلى دافيد بن غريون. كما اختفى عن القائمة لأول مرّة منذ 24 عاما الوزير السابق حاييم رامون، فبيريس ورامون ومعهما داليا ايتسيك جنحوا نحو حزب "كديما" حيث سيحظون بمواقع ووظائف متقدمة.

وليس من الواضح إلى أية درجة ستساعد التركيبة الجديدة للحزب في تحقيق نتائج أفضل من تلك التي تتنبأ بها له استطلاعات الرأي، فبعد ثلاثة أيام من ظهور نتائج الانتخابات الداخلية في "العمل" توقعت الاستطلاعات ارتفاعا للحزب، من 17 مقعدا إلى 21 مقعدا، وهذا تحسن بعد ستة أسابيع تراجع فيها الحزب في استطلاعات الرأي من 29 مقعدا، في شهر تشرين الثاني إلى 17 مقعدا حتى منتصف الشهر الجاري.

من الناحية السياسية، فإن حزب "العمل" بزعامة عمير بيرتس، يحاول إظهار تميزه عن "كديما" من ناحية "يسارية" صهيونية، فلم تسعف الحزب مقولة أن "كديما" تبنى عمليا برنامج "العمل"، لأن الجمهور أصبح على قناعة بأنه حتى وإن كان هذا برنامج "العمل" فإن الطاقم المنفذ موجود في "كديما"، ولهذا فإن مهمة "العمل" اليوم هي إضفاء تفاصيل أكثر قد تحرج "كديما" في الحملة الانتخابية.

إلا أن بيرتس وفي خطابه الأول بعد فوزه بزعامة "العمل" كرر الثوابت التي وضعها شارون، مع إضافة بعض المتغيرات النسبية، وهي الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الكبرى، ورفض حق العودة للاجئين، وإبقاء القدس محتلة عاصمة لإسرائيل. وفي الأيام الأخيرة تشجع "العمل" من بعض استطلاعات الرأي حول القدس، وسبق ذكرها هنا، وبدأ الحديث عن أن العمل "مستعد" للانسحاب من الأحياء العربية في القدس المحتلة.

حتى اللحظة، فإن "كديما" لا يزال يستفيد من طروحات حزبي "العمل" و"الليكود" بظهوره وكأنه حزب الوسط، ولكن المزيد من التفاصيل في كلا الحزبين قد تسهم في تغيير الوضع القائم، الذي من المفترض أن يبدأ بالوضوح أكثر مع تقديم القوائم للجنة المركزية للانتخابات في الثامن من الشهر القادم ومع انطلاق الحملة الانتخابية الرسمية في أعقاب ذلك.