تحليلات إسرائيلية: تهجمات باراك على ليفني تبعده عن كرسي رئيس الحكومة

وثائق وتقارير

*في الأعوام التي سبقت الانتفاضة كان مبدأ "حالة السلام" هو الأهم في نظر الإسرائيليين بينما أصبح مبدأ "دولة مع أغلبية يهودية" هو الأهم منذ العام 2003*

 أثرت الانتفاضة الثانية، انتفاضة القدس والأقصى، بشكل كبير على الرأي العام الإسرائيلي، في عدة نواح. فهي تعتبر أحد الأحداث المركزية في تاريخ إسرائيل وخصوصا في العقد الأخير. ورغم أن بداية الانتفاضة كانت في 29 أيلول العام 2000، عقب اقتحام رئيس المعارضة الإسرائيلية في حينه، أريئيل شارون، باحات الحرم القدسي، إلا إن نهايتها ليست محددة، رغم أن الكثيرين في إسرائيل يشيرون إلى أنها انتهت في العام 2005 مع بداية توقف العمليات التفجيرية الكبيرة، التي نفذها نشطاء فلسطينيون ضد أهداف إسرائيلية، من مدنيين وعسكريين ومستوطنين.

 

وأصدر "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، الأسبوع الماضي، مجلته الفصلية "المستجد الإستراتيجي" وتم تخصيصها لانتفاضة القدس والأقصى بمناسبة مرور عشرة أعوام على اندلاعها. وتضمنت المجلة عددا من المقالات بأقلام الباحثين في المعهد، الذين تناولوا العديد من الجوانب التي تتعلق بالانتفاضة وأسباب اندلاعها والقرارات التي اتخذت في إسرائيل خلالها وتأثيرها على إسرائيل وخصوصا على الرأي العام في إسرائيل والعبر العسكرية المستخلصة من هذه الفترة.

أحد هذه المقالات تناول "تأثير الانتفاضة على الرأي العام في إسرائيل"، وكتبه الباحث في المعهد وعضو الكنيست الأسبق، الدكتور يهودا بن مائير، والباحثة أولنا بيغانو - مولدوفسكي. ويؤكد الباحثان في مقالهما أنه "كان لأحداث الانتفاضة تأثير كبير على الرأي العام الإسرائيلي بكل ما يتعلق بقضايا الأمن القومي". واستندا في تأكيدهما ذلك إلى مجموعة كبيرة جدا من استطلاعات الرأي التي أجراها المعهد ضمن مشروع كبير لاستطلاع الرأي، واستطلاعات أخرى أيضا تم نشرها في الصحف والمجلات والدراسات ذات الصلة، منذ العام 1985 وحتى العام 2009. وتراكمت أمام الباحثين كمية كبيرة من الاستطلاعات وتمكنا، بعد تحليلها، من الإطلاع على آراء الجمهور، اليهودي فقط، في إسرائيل حيال القضايا السياسية والأمنية ونظرته إلى الفلسطينيين خصوصا والعرب عموما.

ويشير الباحثان، بداية، إلى أن الانتفاضة بدأت في 30 أيلول العام 2000 وانتهت في العام 2005، وأن ذروة الانتفاضة كانت في العام 2002، عندما شنت إسرائيل عملية "السور الواقي" العسكرية في 30 نيسان، التي اجتاحت خلالها قوات الجيش الإسرائيلي الضفة الغربية، وحاصرت الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في مقر المقاطعة في رام الله وقيدت حركة القيادات الفلسطينية.

 

آراء متغيرة

 

وضع بن مائير وبيغانو - مولدوفسكي حدودا لبحثهما. فمن جهة أرادا التوصل إلى إجابات على ثلاثة أسئلة، هي: الأول، هل بالإمكان تلمس وجود تأثير متواصل للانتفاضة على الرأي العام الإسرائيلي؟؛ الثاني، إذا كانت الإجابة عن السؤال الأول إيجابية، فإلى أية جهة أثّرت الانتفاضة وما هي التغيرات التي حدثت في الرأي العام في أعقاب أحداث الانتفاضة؟؛ الثالث، هل التغيرات في الرأي العام التي تم رصدها كانت قصيرة الأمد ومتغيرة، أم أنها كانت تغيرات بعيدة الأمد ولا يزال تأثيرها قائما حتى اليوم؟. ومن الجهة الأخرى ومن أجل الرد على هذه الأسئلة، استخدم الباحثان ردود المشاركين في الاستطلاعات على أسئلة تتعلق بأربعة مبادئ أساسية: "دولة مع أغلبية يهودية"، "أرض إسرائيل الكاملة"، "دولة ديمقراطية"، "حالة السلام".

ويتبين من مطالعة استطلاعات الرأي أن آراء الجمهور اليهودي في إسرائيل في العام 2009 كانت قريبة جدا من آرائه في العام 1998، رغم أنه خلال هذه الفترة وقعت أحداث أمنية بالغة الأهمية: الانتفاضة، خيبة أمل الإسرائيليين من تنفيذ خطة فك الارتباط، حرب لبنان الثانية، إطلاق الصواريخ من قطاع غزة باتجاه جنوب إسرائيل، والحرب على غزة أو ما يعرف في إسرائيل بعملية "الرصاص المصبوب".

ورأى الباحثان أنه "إذا كان هناك تأثير للانتفاضة، فإن هذا كان بالأساس باتجاه تعزيز مركزية الاعتبار الديمغرافي". ففي الأعوام التي سبقت الانتفاضة، كان مبدأ "حالة السلام" هو المبدأ الأهم بنظر الإسرائيليين، بينما أصبح مبدأ "دولة مع أغلبية يهودية" هو الأهم منذ العام 2003. وتزايدت أهمية هذا المبدأ إلى درجة أنه في العام 2006 اعتبره أكثر من نصف الإسرائيليين أنه المبدأ الأهم على الإطلاق. وقد كان الموضوع الديمغرافي مركزيا في تفسير الحاجة، بالنسبة لإسرائيل طبعا، إلى تنفيذ فك الارتباط الأحادي الجانب في قطاع غزة. ونجم اهتمام الإسرائيليين بالموضوع الديمغرافي عن عدة أحداث، وشدد الباحثان على أن الانتفاضة كانت أحدها.

وكان الرأي العام الإسرائيلي مختلفا خلال ذروة الانتفاضة، في العامين 2001 - 2002، وبرز ارتفاع معين في أهمية مبدأ "أرض إسرائيل الكاملة". لكن باستثناء هذين العامين، فإن نسبة الإسرائيليين الذين يعتبرون هذا المبدأ على أنه الأهم تتراوح ما بين 7 إلى 11 بالمئة. كذلك فإنه باستثناء العام 2002، فقد تم تدريج هذا المبدأ طوال السنين الماضية على أنه الأقل أهمية بين المبادئ الأربعة.

وكتب الباحثان أنه كان للانتفاضة تأثير معين على انخفاض مبدأ "دولة ديمقراطية" الذي يعني "حقوقا سياسية متساوية للجميع". ففي العام 1999 رأى 27 بالمئة من الإسرائيليين أنه المبدأ الأهم وفي العام 2000 رأي 32 بالمئة أنه الأهم. لكن منذ العام 2002 تراجع التأييد لهذا المبدأ الذي أخذ يتراوح ما بين 14 - 18 بالمئة. وهو ما يعني تعاظم المشاعر السلبية لدى الإسرائيليين تجاه العرب، وبضمنهم العرب في إسرائيل، في أعقاب أحداث الانتفاضة.

 

الدولة الفلسطينية

 

يظهر من تحليل الباحثين لمعطيات استطلاعات الرأي، على مدار عشرين عاما، معطى مثير للانتباه يتعلق بمدى تأييد الإسرائيليين لفكرة قيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة. فقد أيد 21 بالمئة قيام دولة فلسطينية في العام 1987. وارتفعت هذه النسبة في العام 2006 إلى 61 بالمئة. وتراجعت هذه النسبة بعد ذلك، لكن لا تزال الأغلبية تؤيدها. فقد بلغت نسبة الذين يؤيدون قيام دولة فلسطينية 55 بالمئة في العام 2007 و53 بالمئة في العام 2009. وتراوح تأييد الإسرائيليين لقيام دولة فلسطينية بين السنوات 1999 - 2009 ما بين خمسين إلى ستين بالمئة، وبضمن ذلك خلال سنوات الانتفاضة، باستثناء العام 2002 الذي انخفضت فيه النسبة إلى 49 بالمئة.

وأشار الباحثان إلى أنه "يصعب ملاحظة تأثير حقيقي لأحداث الانتفاضة على استعداد الجمهور اليهودي في إسرائيل لتأييد قيام دولة فلسطينية في إطار تسوية دائمة تؤدي إلى إنهاء الصراع. والانخفاض في تأييد الدولة الفلسطينية في العامين 2007 و[بداية العام] 2009 ليس مرتبطا بالانتفاضة وإنما بأحداث وقعت في هذه السنين [سيطرة حماس العسكرية على قطاع غزة والحرب على غزة]. وفي العام 2009 أيد 64 بالمئة من الجمهور حل ’الدولتين للشعبين’ وذلك قبل خطاب رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، [في جامعة بار إيلان] في حزيران 2009".

وظهر في استطلاعات الرأي، التي أجريت خلال سنوات الانتفاضة، مدى تأثير الانتفاضة على مبدأ "الأرض مقابل السلام". وفي العام 2000 وافق 50 بالمئة على هذا المبدأ، مقابل 36 بالمئة عارضوه. لكن تبين أنه كلما طالت الانتفاضة، تراجعت شعبية هذا المبدأ بين الإسرائيليين. وفي العام 2002 كانت النتيجة معاكسة، فقد أيد 37 بالمئة هذا المبدأ وعارضه 50 بالمئة. ومثلما هي الحال بشأن المبادئ الأخرى، فإنه في هذه الحالة أيضا كان هناك تغير في الرأي العام الإسرائيلي. وبعد أن رأى الإسرائيليون أن الانتفاضة أخذت تتراجع وتخبو تدريجيا، ارتفعت في موازاة ذلك نسبة التأييد لمبدأ "الأرض مقابل السلام". وفي العام 2005 أيده 48 بالمئة وعارضه 38 بالمئة. كذلك اعتبر الباحثان أن تراجع تأييد الإسرائيليين لهذا المبدأ بين السنوات 2006 - 2009 ليس مرتبطا بالانتفاضة وإنما بأحداث أخرى: خيبة أمل الإسرائيليين من تنفيذ خطة فك الارتباط، فوز حماس في الانتخابات التشريعية، حرب لبنان الثانية، سيطرة حماس على القطاع، تصعيد إطلاق الصواريخ من القطاع باتجاه جنوب إسرائيل والحرب على غزة.

وأشار الباحثان في هذا السياق إلى ارتفاع نسبة تأييد الإسرائيليين لقيام دولة فلسطينية من جهة، ومن جهة أخرى انخفاض نسبة المؤيدين لمبدأ "الأرض مقابل السلام"، رغم أن هذا المبدأ يعني بالضرورة الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967. وفسرا هذا التناقض بأن "الغالبية العظمى من الجمهور الإسرائيلي خاب أملها من نتائج الانسحابات الأحادية الجانب من لبنان وغزة، ولذلك فقد مبدأ الأرض مقابل السلام من مصداقيته. ولم يعد الجمهور مقتنعا بأن انسحابا من أراض، بحد ذاته، سيجلب السلام. ورغم ذلك، فإنه يعي المشكلة الديمغرافية والحاجة إلى إيجاد حل للصراع - وإن كان متشائما جدا حيال احتمال تحقيق حل كهذا - والرغبة في الانفصال عن العرب. ولذلك، فإنه إذا كان الحديث يدور على حل دائم، فإن الأغلبية مستعدة لتأييد قيام دولة فلسطينية".

وتطرقت الاستطلاعات إلى موضوع إخلاء مستوطنات في إطار حل دائم للصراع. وتبين أن مواقف الإسرائيليين في هذه الناحية تغيرت خلال السنوات العشر الماضية. ووفقا للباحثين، فإن معطيات الاستطلاعات تدل على أن تأثير الانتفاضة في هذه الناحية كان محدودا للغاية. ففي أوج الانتفاضة، في العامين 2001 - 2002، كان معارضو إخلاء مستوطنات بأي حال من الأحوال أكثر من مؤيدي الإخلاء. لكن في السنوات 2003 - 2005 عادت النسبة إلى ما كانت عليه قبل الانتفاضة، أي ما بين 54 بالمئة و73 بالمئة. وينبغي الإشارة إلى أن أغلبية مؤيدي إخلاء مستوطنات كانت تتحدث عن إخلاء مستوطنات صغيرة ومعزولة، بينما الأقلية بينهم أيدت إخلاء جميع المستوطنات.

 

تأثير كبير للانتفاضة

 

بالإمكان تلمس التأثير الكبير للانتفاضة على الرأي العام في إسرائيل من خلال الإجابات عن أسئلة في الاستطلاعات تتعلق باستيعاب الغير، مثل القول إن "أغلبية الفلسطينيين تريد السلام". في العام 1999 كان 63 بالمئة من الإسرائيليين يعتقدون أن "أغلبية الفلسطينيين تريد السلام". لكن بعد ثلاث سنوات، أي في أوج الانتفاضة، انخفضت هذه النسبة إلى 37 بالمئة. غير أن هذا الموقف تغير، وفي العام 2005 قال 56 بالمئة من الإسرائيليين إن "أغلبية الفلسطينيين تريد السلام". ويظهر من المعطيات أن انخفاض التأييد لهذا القول بين الإسرائيليين في السنوات 2006 - 2009 نابع، في هذه الحالة أيضا، من الأحداث التي وقعت في هذه السنوات.

ويظهر توجه مشابه لدى الإسرائيليين لدى سؤالهم حول "نوايا وتطلعات العرب". والسؤال هنا لم يتطرق إلى الفلسطينيين فقط وإنما إلى العرب بشكل عام. وقد تم طرح أربعة أجوبة أمام المستطلعين: إعادة قسم من الأراضي المحتلة في العام 1967، إعادة كل المناطق المحتلة، احتلال دولة إسرائيل، احتلال البلاد والقضاء على قسم كبير من السكان اليهود في دولة إسرائيل. وتبين من تحليل الباحثين لأجوبة المستطلعين أن الإمكانيتين الأولى والثانية [الانسحاب من الأراضي المحتلة] تعكسان تطلعات شرعية من جانب العرب، بينما تعكس الإمكانيتان الثالثة والرابعة [احتلال إسرائيل والقضاء على قسم من اليهود] تطلعات غير شرعية وسلبية للغاية.

وتشير ردود المستطلعين في السنوات 1998 - 2000 إلى انقسام الإسرائيليين بشأن تطلعات العرب، بينما في العام 2000 رأى 47 بالمئة إن تطلعات العرب سلبية أقل و53 بالمئة اعتبروها سلبية للغاية. أما في العام 2002 فقد اعتبر 32 بالمئة أن تطلعات العرب سلبية أقل، مقابل 68 بالمئة اعتبروا أن العرب يتطلعون إلى القضاء على دولة إسرائيل. لكن في العام 2005 عادت النسب إلى ما كانت عليه في العام 1998.

ودلت الاستطلاعات المتعلقة بالمزاج القومي واستيعاب التهديدات لدى الإسرائيليين على أن الجمهور اليهودي في إسرائيل نظر إلى الانتفاضة، وخصوصا في أوجها، على أنها "أحداث أمنية خطيرة للغاية". ولفت الباحثان إلى أن الإسرائيليين شعروا في العام 2002 بأعلى درجة من التهديد لأمنهم القومي، وبتدهوره إلى حضيض غير مسبوق، وحتى اليوم لم يعد تقدير الإسرائيليين لمستوى أمنهم القومي إلى المستوى الذي كان عليه قبل الانتفاضة، على الرغم من تحسن "المزاج القومي" بين السنوات 2003 و2009.

كذلك تدل الاستطلاعات على أن الشعور بالأمن الشخصي لدى الإسرائيليين تراجع بعد اندلاع الانتفاضة بشكل كبير، وتحسن في أعقاب خفوتها. كما أن الانتفاضة أثرت على مدى تفاؤل الإسرائيليين بالمستقبل. ففي العام 1999 عبر الإسرائيليون عن تفاؤلهم بمستقبلهم الشخصي وبمستقبل دولتهم، لكن في العام 2002 تدنى هذا التفاؤل إلى الحضيض، ولم يعد في العام 2009 إلى المستوى الذي كان فيه قبل عشر سنوات. ومنذ العام 2005 وحتى اليوم لا يزال 80 بالمئة من الإسرائيليين يتخوفون من تجدد "الإرهاب"، أي استئناف العمليات المسلحة التي ينفذها نشطاء فلسطينيون.

وخلص الباحثان إلى أن الانتفاضة الثانية تسببت بتغيرات في الرأي العام الإسرائيلي خلال حدوثها، لكن الغالبية العظمى من هذه التغيرات كانت غير ثابتة. وأدت الأحداث الأمنية التي وقعت لاحقا، مثل حرب لبنان الثانية والحرب على غزة، إلى تشويش تأثير الانتفاضة بقدر كبير. وتدل المعطيات على أنه لا يمكن ملاحظة وجود تأثير دائم وغير متحول للانتفاضة على الرأي العام في إسرائيل. وفي الوقت الذي تراجع فيه الشعور بالأمن القومي والشخصي، تعززت، في الوقت نفسه، قناعة الإسرائيليين بغياب نية حسنة لدى الفلسطينيين ولدى الدول العربية على حد سواء.