حزب "العمل": بين نوايا الإنضمام إلى حكومة "وحدة وطنية" وبين تلويح إيهود باراك بالعودة القريبة

وثائق وتقارير

الحفاظ على المبادئ الشكلية لوحدها لا يضمن وجود الديمقراطية الجوهرية!

 بمبادرة من جمعية حقوق المواطن أطلقت أربع منظمات في إسرائيل، في أيلول الفائت، مشروعًا اسمه "مشروع الديمقراطية" يهدف إلى أن "تشكِّل المحافظة على الديمقراطيّة فرصة كي تصبح القيم الكونيّة مصدرًا للتماثل المشترك من دون التنازل عن الهوية الفرديّة أو الدينيّة أو القوميّة أو الجندريّة أو الطبقيّة أو غيرها". وهذه المنظمات هي: جمعية حقوق المواطن وأجندة- المركز الإسرائيلي للإستراتيجية الإعلامية وشتيل- خدمات دعم ومشورة لمنظمات التغيير الاجتماعي وسيكوي- الجمعية لدعم المساواة المدنية.

 

ومما ورد في بيان التعريف بهذا المشروع، الذي تلقى "المشهد الإسرائيلي" نسخة منه، ما يلي:

كلنا نشعر بذلك: قوانين اللعبة التي تشكِّل قاعدة حياتنا في هذا المكان، والأمور التي كانت بديهيّة حتى ما قبل فترة وجيزة، لم تعد كذلك. ها هي "الديمقراطيّة الوحيدة في الشرق الأوسط" تجلس هناك على منحدر أملس. لكن الآن فإن أسسها - وهي الأسس الديمقراطيّة التي تهمّنا جميعًا- تتعرّض للهجوم، ونحن ننحدر بتسارع شديد نحو واقع أقلّ ديمقراطيّة من ذي قبل. تتخبّطين في ما إذا كان يجدر بك أن تتحدّثي بما تفكّرين، إذ قد يشكّل ذلك عائقًا في القبول للعمل أو في الترقية، أو قد يشكّل مصدرًا للإزعاج في المحيط الاجتماعي. أمّا أنت فتخاف من ردّ فعل عنيف من قبل الشرطة على تظاهرة قانونيّة، وقد تُعتقل. تُطالب بالتنكّر لهويتك ولغتك كي تستطيع السكن في مكان ما، أو كي تحافظ على مكان عملك. لا يكاد يوم يمرّ لا تُنشر فيه أخبار في وسائل الإعلام حول مشاريع قوانين تمسّ بالحريّات: تحديد الأمور التي يُسمح بالتحدّث فيها أو الاحتجاج عليها؛ ثمّة تراجُع في الحق في الخصوصيّة؛ يُحرم الحق في الزوجيّة؛ تعاني الحريّات الأكاديميّة من التهديد. وتلك كلّها مجرّد قائمة جزئيّة. بالأمس جرى الحديث عنها هي، واليوم عنك أنت؛ وعمَّن في الغد؟

نحن الجمهور لدينا القدرة على إيقاف هذا التدهور، وتغيير اتجاه الريح في نهاية المطاف. هنا، في مشروع الديمقراطيّة، يبدأ من جديد النضال من أجل قواعد اللعبة. إن موقع المشروع هو منصة للمعلومات والنقاشات والنشاط الميدانيّ في سياقات الديمقراطيّة المختلفة والرحبة في إسرائيل. انضمّوا إلينا: "كلّ ما هو مطلوب كي ينتصر الشرّ هو أن يقف الناس الفاضلون مكتوفي الأيدي"، ونحن ننوي القيام بعكس ذلك تمامًا؛ أي أّننا نوينا على العمل. وعلى الرغم من التدهور والغوغائيّة والهجمات، فنحن متفائلون. نؤمن بأنّ هناك ما يكفي من الناس الفاضلين الذين سيريدون معًا المحافظة على قوانين اللعبة والمحافظة على حقوق الإنسان، كي تحافظ هي علينا.

 

 

لِمَ نحن قلقون؟

 في السنوات الأخيرة، تشهد إسرائيل تحوّلاً مثيرًا للقلق في مَدارك الجمهور لماهيّة النظام الديمقراطي، وممارسات الدولة تجاه هذا النظام، وتشهد كذلك نزعة مرعبة لتعزُّز العديد من هذه المؤشرات. المعركة الانتخابيّة الأخيرة، وإسكات الأصوات المعارضة وأصوات الاحتجاج، والمضيّ في التشريعات التمييزيّة قُدُمًا واستخدام شخصيات جماهيريّة الخطابَ القومجيَّ والعنصريَّ والتحريضي استخدامًا فظًّا، كلّ هذه تشكّل بالنسبة لنا إشارات تحذيريّة لا يمكن تجاهلها، ونريد تقاسمها معكم. الكثير من منظّمات المجتمع المدنيّ في إسرائيل (وجمعيّة حقوق المواطن من بينها) تقود معًا مشروعَ الديمقراطيّة كي تذكّر بما يلي:

ثمّة قواعد في اللعبة الديمقراطيّة لا يمكن الاستهتار بها، وحريٌّ بنا ألا نعتبرها مفهومة ضمنيًّا.

الفضاء الديمقراطيّ المفتوح هو مصلحة جليّة للجميع.

بمقدورنا النضال من أجل الديمقراطيّة أمام هذه النزعات التي تتهدّدها، وعلينا تحمُّل مسؤوليّة هذا الأمر.

من المتعارف عليه التمييز بين مفهومين اثنين أو بُعدين للديمقراطيّة: الديمقراطيّة الشكليّة والديمقراطيّة الجوهريّة. يقتصر تعامل البعد الشكليّ على طرائق اتخاذ القرارات في الدولة؛ وبحسب المفهوم الشكليّ فإنّ الديمقراطيّة هي نظام يقترع فيه جميع المواطنين (من سن معيّنة) بحريّة، مرّة كل بضع سنوات، ليختاروا ممثّليهم في السلطة؛ في الفترات الواقعة بين دورة انتخابات وأخرى يدير الممثلون شؤون الدولة بناء على حسم الأغلبيّة. حكم الأغلبيّة هو القيمة العليا في الديمقراطيّة الشكليّة، المحدودة. أمّا حقوق الإنسان (ولا سيما تلك التي تخصّ الأقلّيّة)، فتتعلّق - إلى مدى بعيد- بحسن نيّة الأغلبيّة.

لكن الحفاظ على المبادئ الشكليّة لوحدها لا يضمن وجود الديمقراطيّة الجوهريّة. نما مفهوم الديمقراطيّة الجوهريّة وتَبَلْوَرَ من وجهة النظر القائلة إنّ الدولة قائمة من أجل الناس الذين يعيشون فيها، لا العكس. تنصّ هذه الوجهة على أنّ القاعدة الأخلاقيّة للنظام الديمقراطيّ مشروطة بتحقيق قيم حقوق الإنسان والمواطن- من خلال الاعتراف بقيمة الإنسان وكرامته، وبكونه مخلوقًا حرًّا، وبالمساواة بين بني البشر، وبأنّ لكل إنسان حقوقًا أساسيّة، لكونه إنسانًا. يتعامل المنهج الجوهريّ مع الذود عن حقوق الإنسان كعنصر أساسيّ في النظام الديمقراطيّ. وبحسب هذا التوجّه، فإنّ الصراعات بين الذَّوْد عن الحقوق وحسم الأغلبيّة هي تعبير طبيعيّ وجوهريّ عن عنصرين ديمقراطيّين حيويّين.

ينضاف إلى ذلك أنّ الربط بين حقوق الإنسان والديمقراطيّة هو شأن ثنائي الاتجاه. فمن ناحية، ثمة حقوق إنسان تُعتبر المحافظة عليها شرطًا ضروريًّا لوجود النظام الديمقراطيّ، كحريّة التعبير، وحريّة استقاء المعلومة، والحقّ في التنظُّم، والحقّ في الانتخاب والترشّح، وغير ذلك. وبدون إتاحة الفرص المتساوية لتطبيق هذه الحقوق، لن تكون هناك ديمقراطيّة (حتّى بالمفهوم الضيّق والشكليّ)، إذ كيف سيبلغ المواطنون حسمًا ما لأغلبيّة بدون إجراء نقاش جماهيريّ حقيقيّ ومفتوح؟ هكذا، وبدون بعض حقوق الإنسان، تستحيل أي ديمقراطيّة؛ حتّى الشكليّة المحضة. من ناحية أخرى، فإنّ حماية حقوق الإنسان مستوجبة كاشتقاق من المفهوم الديمقراطي الجوهري، كما ذُكر أعلاه؛ لذا فإنّ انتهاك المبادئ الديمقراطيّة، مثل إجراءات التشريع اللائقة أو فصل السلطات، يُفسد القدرةَ على حماية حقوق الإنسان أو يشوّهها.

من المبادئ الأساس في الديمقراطيّة الجوهريّة حماية حقوق الأقلّـيّات مقابل استبداد الأغلبيّة. علاوة على ذلك، فإن الديمقراطيّة الجوهريّة تحمي حقّ الأقلّيّات في المحافظة على هويّتها القوميّة والدينيّة والثقافية. من بين المبادئ الأساسية للديمقراطيّة، نَذْكر فصْلَ السلطات (الذي يحدّ من قوّة السلطة مقابل الفرد)، والمحافظةَ على حرّيّة التعبير (التي تتيح - في ما تتيح- إسماع وسائل الإعلام والمجتمع المدنيّ النقد على أفعال السلطة). تتعامل الدولة الديمقراطيّة مع جميع مواطنيها على نحوٍ مُنْصِف، وتمتنع عن أيّ تعبير عن العنصريّة تجاه أيّة من المجموعات السكانيّة، وذلك أنّه يُحظر على الدولة الديمقراطيّة أن تعبّر عن مواقف عنصريّة، حتّى لو كان من حقّ المواطنين - في إطار حريّة التعبير- أن يعبّروا عن مواقف كهذه.

حين تتدهور المعايير وتضمحل المبادئ الديمقراطيّة، فإن أوّل المتضرّرين هو مجموعات الأقليّة أو المجموعات المسحوقة. لكن التآكل في الحقوق هو ظاهرة آخذة بالاتساع، من حيث عدد المجموعات المتضرّرة، ومن حيث حجم الحقوق المنتهكة. بالإضافة إلى ذلك، فإن كلاً منّا ينتمي (أو قد ينتمي) - في أي وقت من الأوقات- إلى مجموعة أقليّة: أقليّة سياسيّة، أو أقليّة قوميّة، أو مكانة اجتماعيّة- اقتصاديّة مسحوقة، أو إلى مجموعة قادمين من بلاد معيّنة. إن الحفاظ على حقوق الإنسان وعلى الديمقراطيّة يحافظ علينا؛ وإذا تصدّعت هذه فالجميع يواجه الخطر، وقد نجد أنفسنا جميعًا في وضع تُنتهك فيه حقوقنا.