إسرائيل دفيئة للمتهربين من دفع الضرائب في أوساط يهود العالم

وثائق وتقارير

بعد مرور عشر سنوات على اندلاع انتفاضة القدس والأقصى، لا يُجمع الإسرائيليون على رأي واحد فيما يتعلق بنتائجها. وما زالوا يتساءلون حول ما إذا كان الجيش الإسرائيلي قد انتصر في هذه "الحرب" أم لا! وفيما يقول البعض إنه انتصر، فإن البعض الآخر يقول إنه لا يمكن الانتصار على منظمات المقاومة، التي يصمها الإسرائيليون بـ "الإرهابية". وثمة من يقول إن الانتفاضة اندلعت بقرار من القيادة الفلسطينية، بينما يقول آخرون إن القيادة الفلسطينية "ركبت على الموجة". ويرى البعض أن الانتفاضة أدت إلى نزع شرعية إسرائيل في العالم بسبب استخدامها القوة المفرطة، الأمر الذي دفع رئيس حكومة إسرائيل الأسبق، أريئيل شارون، إلى تنفيذ خطة فك الارتباط والانسحاب من غزة، بينما البعض الآخر يقول إن الانسحاب من غزة كان تكتيكيا من أجل الحفاظ على مستوطنات الضفة والقدس. كذلك فإن الجميع يعرف متى بدأت الانتفاضة، لكن التكهنات كثيرة حيال موعد انتهائها وفيما إذا انتهت فعلا، والبعض في إسرائيل يقول إن الحرب على غزة كانت استمرارا لها. والأهم من ذلك، أن التقديرات في إسرائيل، وفقا لتصريحات قادة أجهزتها الأمنية، هي أنه في حال فشل المفاوضات المباشرة، فإن احتمالات اندلاع انتفاضة ثالثة تتزايد بشكل كبير. وخلال هذه التقييمات والتقديرات يعترف جنود إسرائيليون، شاركوا في هذه "الحرب"، بجرائم قتل بشعة ارتكبوها بحق الفلسطينيين خلال خدمتهم العسكرية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وفي موازاة ذلك يبرر قادة الشرطة الإسرائيلية ما لحق بالمواطنين العرب من أعمال قمع قتل خلال "هبة أكتوبر".

 

وتناولت ملاحق الصحف الإسرائيلية الصادرة يوم الجمعة الماضي، الأول من تشرين الأول، الذكرى السنوية العاشرة لاندلاع الانتفاضة. واعتبر المحللان في صحيفة هآرتس عاموس هارئيل وآفي سخاروف، فيما يتعلق بتأثير الانتفاضة، أن "الانتفاضة أعادت بلورة الخريطة السياسية في إسرائيل، فمعسكر اليمين صحا من حلم أرض إسرائيل الكاملة، ومعسكر اليسار صحا من الثقة بالعرب. وكان اليمين محقا في شكوكه تجاه رغبة القيادة الفلسطينية في السلام، واليسار كان محقا في ادعائه بأن الاحتلال مصيره الفشل، لأن العالم لن يسلّم به وسوف يقوض الدولة من الداخل".

ولفت المحللان إلى أنه منذ انتهاء الانتفاضة أخذ يضعف في وعي الجمهور الإسرائيلي الاعتراف بمدى ضرورة تطبيق سياسة اليسار، الذي فقد قسما كبيرا من قوته البرلمانية. "فالجيش الإسرائيلي والشاباك والجدار لم يبعدوا الإرهاب عن الإسرائيليين في وسط البلاد فحسب، وإنما أبعدوا المناطق [الفلسطينية] عن وعي الإسرائيليين أيضا. وما يحدث هناك بالنسبة لغالبيتهم، يبدو كما لو أنه يحدث في الجانب المظلم من القمر، وإن كانت هذه المناطق تقع على بعد نصف ساعة سفر فقط من بيوتهم... إن ذاكرة الرأي العام قصيرة. وربما ليس لطيفا الاعتراف، لكن بدون عمليات تفجيرية ينتقل الانتباه إلى مناطق أخرى، بعيدة قدر الإمكان عن الصراع مع الفلسطينيين".

وفيما يتعلق بتأثير الانتفاضة على الجانب الفلسطيني، فقد أشار المحللان إلى "تزايد قوة حماس وفي أعقاب ذلك حدث الانشقاق الكبير بينها وبين فتح. وأدى تفكك السلطة الفلسطينية في إثر الهجوم الإسرائيلي المضاد وبعد ذلك فك الارتباط عن غزة إلى ارتفاع مكانة حماس، التي تعتبر في نظر الأغلبية الفلسطينية أنها نجحت في طرد المستوطنين والجنود من القطاع. وقاد هذا الإنجاز إلى الفوز في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني في كانون الثاني من العام 2006 وإلى طرد فتح بالقوة من القطاع في حزيران العام 2007. ويصعب اليوم رؤية كيف سيكون بإمكان المحادثات بين فتح وحماس أن تقود إلى اتفاق مصالحة. وحتى في حال التوقيع على اتفاق سلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، فإن غزة ستبقى خارج المعادلة. وبهذا المفهوم فإن حل ’ثلاث دول للشعبين’ أصبح واقعيا بالفعل. ومن الجهة الأخرى، وبإيحاء من صدمة الطرد من غزة، فإن فتح تداركت نفسها أيضا وبدأت تمارس حكما قويا ومنظما في الضفة اليوم أكثر من أي مرحلة خلال الـ 17 عاما الماضية. ورئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، ورئيس الحكومة، سلام فياض، نفذا ما لم يجرؤ عليه أبدا [الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر] عرفات القوي: أنهيا الانتفاضة وأعلنا الحرب على حماس في الضفة".

وحول احتمالات اندلاع انتفاضة جديدة، أشار المحللان إلى أقوال رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، غابي أشكنازي، قبل أسبوعين، بأنه من دون التقدم في المفاوضات السياسية فإن "عنف الفلسطينيين قد يتصاعد". فيما توقع رئيس الشاباك، يوفال ديسكين، مؤخرا، حدوث تدهور أمني خلال عام. كذلك حذر خبراء أمنيون إسرائيليون من إمكانية اندلاع انتفاضة ثالثة خلال فترة قصيرة، وأكدوا أن هذا الاحتمال مرتبط ارتباطا وثيقا بوضع المفاوضات. لكن الخبراء الأمنيين يشيرون من الجهة الثانية إلى أن عودة العمليات التفجيرية قد تتم على خلفية سعي حماس إلى إفشال المفاوضات. ورأى المحللان في هذا السياق أنه "تمر على سكان الضفة في السنوات الأخيرة عملية مشابهة لما مر على الإسرائيليين: التركيز على الفرد على حساب العام. ففي الحديث اليومي للفلسطينيين في الضفة، يحتل الاقتصاد الآن مكانا أوسع بكثير مما يحتله الحديث في شؤون الحرب والسلم".

رغم ذلك، كرر المحللان تحذيرات خبراء أمنيين إسرائيليين من أن إقدام مستوطنين أو عناصر يمينية متطرفة في إسرائيل على تنفيذ عمل تخريبي في أحد الأماكن الإسلامية المقدسة من شأنه أن يشعل الأراضي الفلسطينية وبشكل واسع. ومن الجهة الأخرى فإنه "من الجائز أن الانتفاضة ساهمت، بصورة غير مباشرة، في جعل قسم من القيادة [في إسرائيل] يعترف بحدود القوة وعدم إمكانية الاستمرار في الوضع الحالي إلى الأبد. وهذا القسم، بدوره، أدى إلى حدوث اعتدال معين في مواقف التفاوض لدى رؤساء حكومات ترعرعوا في اليمين الأيديولوجي، مثل ايهود أولمرت وحتى بنيامين نتنياهو".

هل انتصرت إسرائيل في الانتفاضة؟ يرى المحللان أن إسرائيل حققت انتصارا جزئيا فقط، وأن "ما ربحته إسرائيل في الضفة، من خلال كبح العمليات ونشوء حكم فلسطيني جديد يظهر أن معارضته للإرهاب صادقة أكثر من سابقه، خسرته [إسرائيل] في قطاع غزة، حيث نشأت هناك جمهورية إسلامية". كذلك أشارا إلى مقتل قرابة 1100 إسرائيلي وإلى الأضرار الاقتصادية والمعنوية والأخلاقية الكبيرة. ولفت المحللان إلى أن أحد الأضرار التي لحقت بإسرائيل هو وضعها في الساحة الدولية وتراجع مكانتها فيها بسبب استخدام القوة المفرطة ضد الفلسطينيين.

 

"دعوا الجيش ينتصر"

 

قبل أيام قليلة من إحياء الذكرى السنوية العاشرة لاندلاع الانتفاضة صدر في إسرائيل كتاب بعنوان "دعوا الجيش ينتصر - الشعار الذي حقق نفسه"، من تأليف المحاضر في قسم التاريخ في جامعة بن غوريون في مدينة بئر السبع، البروفسور زاكي شالوم، والمحاضر في قسم التاريخ في جامعة بار إيلان، الدكتور يوعاز هندل. واعتبر الاثنان في مقابلة أجرتها صحيفة يديعوت أحرونوت معهما، أن انتفاضة القدس والأقصى هي أقسى حرب خاضتها إسرائيل، علما أن حجم الخسائر البشرية التي فقدتها إسرائيل في حرب العام 1973 أو في حرب العام 1948 كانت أكبر بكثير من الخسائر خلال الانتفاضة الثانية.

ويوضح شالوم أنه "رافقت حرب الانتفاضة مميزات زادت من حقيقة أنها كانت أخطر من جميع الحروب التي عرفناها، مثل أن العدو ليس واضحا تماما، وأن عرفات كان عدوا أم شريكا؟ ثانيا، انعدام الإجماع لدى الجمهور حول عدالة الحرب. والأمر الثالث هو أن الجيش نفسه لم يؤمن أنه بالإمكان الانتصار في الحرب على الإرهاب". لكن الاستنتاج الأساسي في الكتاب هو أن "جيش دولة بإمكانه الانتصار على منظمة إرهابية".

وأشار شالوم إلى أنه في أعقاب اتخاذ شارون القرار بشن عملية "السور الواقي" العسكرية التي تم خلالها اجتياح الضفة الغربية، "سقطت حواجز نفسية كثيرة [لدى الجيش الإسرائيلي]، مثل الخوف من الدخول إلى مخيمات اللاجئين وإلى قلب القصبات في المدن. وقد دخل الجيش إلى هناك واتضح أن الأمر ليس مخيفا كثيرا. وفجأة أيقنت إسرائيل أنه بالإمكان الدخول إلى معاقل الفلسطينيين والخروج بثمن معقول".

من جانبه قال هندل "إننا ننطلق من فرضية أنه يوجد منطق عقلاني لدى الخصم الفلسطيني، وهو يعمل وفقا لاعتبارات التكلفة والفائدة. ولذلك فإنه إذا تمكنت من التوضيح له أن تكلفة العمليات مرتفعة جدا بالنسبة له، فإنه سيمتنع من تنفيذها. وبرأيي فإن هذا الردع حصل... فقد نجحنا في جعلهم يفهمون أن العنف ليس مجديا لهم. لقد أدخلنا عندهم هذا الإدراك".

لكن القائد السابق لفرقة غزة العسكرية الإسرائيلية، العميد في الاحتياط شموئيل زكاي، يختلف مع استنتاج شالوم وهندل، وقال ليديعوت أحرونوت إنه "لا يمكن النظر إلى الحرب من جانبها العسكري الضيق. صحيح أننا تمكنا من اجتثاث عمليات الانتحاريين بشكل مطلق تقريبا، لكن ماذا يكمن في ذلك؟ هل أصبح وضعنا أفضل؟ هل وضعنا في العالم بات أفضل؟ أنا لا أعتقد أن هناك رجلا عسكريا واحدا يعتقد أنه بالإمكان القضاء على الإرهاب من خلال عملية عسكرية، مهما كانت شديدة".

هبة أكتوبر

 

خلال الأيام الثمانية الأولى من شهر تشرين الأول من العام 2000 سقط 13 شهيدا من المواطنين العرب في إسرائيل بنيران قوات الشرطة الإسرائيلية خلال مظاهرات عارمة. وقال أليك رون، الذي كان قائد الشرطة في منطقة الشمال، التي سقط فيها غالبية الشهداء، لصحيفة هآرتس، يوم الأحد، إن "نتائج أحداث أكتوبر كانت مأساوية، لكن الأمر بمواجهة مثيري أعمال الشغب كان مطلوبا على ضوء الوضع الخطر الحاصل: فقد قتل مواطن يهودي نتيجة إلقاء حجر عليه وتم سد طرق مركزية. وأنا ما زلت مقتنعا بقرار استخدام القناصة". وزعم أنه "لم يقتل أحد جراء نيران القناصة. فهم أصابوا وجرحوا [متظاهرين] بصورة خطيرة لكنهم لم يقتلوا". ويشار إلى أن "لجنة أور" الرسمية التي حققت في أحداث هبة أكتوبر أكدت في تقريرها أن عددا من الشهداء سقط بنيران قناصة الشرطة.

رغم ذلك اعترف رون بأنه بعد مرور عشر سنوات على تلك الأحداث فإن "الكثير من الأمور لم تتغير وإن الكثيرين من اليهود والعرب مذنبون في ذلك. من جهة أولى، فإن قيادة الدولة لم تعمل خلال السنين الماضية على منح المواطنين العرب شعورا بأنهم مواطنو الدولة، ويجب القيام بكل شيء من أجل الحفاظ على الدولة التي تم تعريفها منذ قيامها بأنها دولة الشعب اليهودي وأنها دولة ديمقراطية أيضا حتى بالنسبة للأقليات التي تعيش فيها. ومن جهة أخرى أنا لا أتوقع من العربي أن ينشد ’هتيكفا’ [أي النشيد الوطني الإسرائيلي] لكني كيهودي متعصب لا يمكنني تحمل حرق علم الدولة. يجب احترام العلم. كذلك فإني أعارض الاحتلال بشدة ويجب إنهاؤه. وأنا أؤيد مبادرة جنيف والمساواة في الفرص ودعم الأقليات في مجال التعليم والعمل، وأعتقد أنه لا يوجد تناقض بين هذه الأمور كلها".

ورفض رون اعتبار المظاهرات في أكتوبر 2000 تعبيرًا عن احتجاج "وإنما أعمال شغب... وفي تقديري فإن رؤساء لجنة المتابعة للعرب في إسرائيل لم يقدروا في تلك الأيام أو لم يتوقعوا الأحداث وهم مذنبون في أنهم أخرجوا المارد من القمقم".

ورغم أن "لجنة أور" أوصت بعدم تولي رون مناصب في الشرطة في أعقاب دوره في الأحداث، وخصوصا إصدار الأوامر لقوات الشرطة باستخدام النيران الحية والقناصة، إلا إنه قال "لم تتم إقالتي أو فصلي. وحتى أني مددت خدمة لسنة إضافية بسبب لجنة أور، التي قررت أنه لا يمكنني تولي منصب آخر مثل المفتش العام للشرطة. لكني قلت للجنة إنه كان هناك فشل استخباراتي من جانب الشاباك والشرطة في تلك الأيام".

وأضاف رون أن الشرطة أصبحت اليوم تواجه المظاهرات بصورة أخرى بعد أن تم رصد ميزانيات لها وأنه لو توفرت لديه في حينه أدوات غير قاتلة أصبحت موجودة بحوزة الشرطة اليوم لكان استخدمها. لكنه رفض إمكانية التحدث مع قادة الجمهور العربي أو الامتناع من الدخول إلى المدن والقرى العربية لمنع الاحتكاك بين المتظاهرين والشرطة.

وادعى رون أنه لا يمكن الآن، بعد انقضاء عشر سنوات على الأحداث، إعادة فتح ملفات التحقيق ضد أفراد الشرطة الذين اتهموا بقتل المواطنين العرب. وقال إنه "لا يمكن القيام بذلك وإثباته".

من ناحية أخرى نشرت صحيفة هآرتس أمس الاثنين أن بحثا شاملا أعده أستاذ القانون في الجامعة العبرية في القدس البروفسور مردخاي كريمنيتسر والمدعية السابقة في منطقة حيفا المحامية لينا سابا وسيصدر قريبا عن "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" أكد أن جهاز القضاء أغلق ثلاثة ملفات ضد شرطيين إسرائيليين قتلوا مواطنين عرب خلال المظاهرات التي جرت في المدن والقرى العربية قبل عشر سنوات. وكان الاستنتاج الرئيس في البحث أن إغلاق الملفات ضد أفراد الشرطة جاء بسبب أداء مغرض من جانب النيابة العامة الإسرائيلية في تحليل الأدلة. وعمل الباحثان على متابعة مجرى التحقيق وقرار المستشار القانوني السابق للحكومة الإسرائيلية مناحيم مزوز قبول توصية النيابة العامة بشأن ملفات التحقيق في مقتل المواطنين رامي غرة وأحمد جبارين ومصلح أبو جوهر، وقد اطلع الباحثان على عشرات الأدلة التي تراكمت في ملفات التحقيق. وتبين من بحثهما أن إغلاق هذه الملفات لم يكن مبررا وأن قسم التحقيقات مع أفراد الشرطة، التابع لوزارة العدل الإسرائيلية، والنيابة العامة لم يستنفدا التحقيق حتى نهايته.

وأضاف الباحثان أن أداء النيابة كان مغرضا في تحليل الأدلة بحيث أنه عندما تم تسليم النيابة معطيات من شأنها تعزيز القرائن ضد أفراد الشرطة المشتبهين بالقتل، تجاهلتها كليا أو أنها سارعت إلى رفضها بادعاء وجود تفاصيل عدم دقيقة وقبل استيضاح انعدام الدقة مع الشهود. وتابع الباحثان أنه عندما كان الشهود يدلون بعدة روايات كانت النيابة تختار ومن دون أي تفسير الرواية التي تبرر الادعاء بعدم وجود أدلة.

وشدد الباحثان على أن النيابة العامة اختارت الاعتماد على الأدلة الضعيفة من أجل تحديد استنتاجاتها وحتى أنها اختارت جملا من الشهادات التي من شأنها الدفع باتجاه إغلاق الملف، وأحيانا أخرجت النيابة العامة هذه الجمل من سياقها وامتنعت عن التعامل بشكل متساو مع الأدلة التي تم جمعها.

 

اعترافات

 

أدلى العديد من الجنود الإسرائيليين باعترافات حول ممارساتهم في الأراضي الفلسطينية خلال الأعوام الأخيرة. وقد سعت حركة "فلنكسر الصمت" إلى جمع العديد من هذه الاعترافات، التي تضمنها تقرير للصحافية عميرة هاس نشرته هآرتس يوم الجمعة الماضي. ووصف عدد من الجنود، الذين أنهوا الخدمة العسكرية في هذه الأثناء، سلوكهم وتصرفات زملائهم بأنها كانت "صبيانية وغبية". وتحدثوا عن إطلاق النار بشكل مكثف من دون وجود حاجة إلى ذلك، لمجرد إظهار القوة.

وكتب نوعام حيوت، وهو ضابط سابق في الجيش الإسرائيلي، في كتابه "سرقت محرقتي" أنه "في الشهر الأول للمواجهات [أي الانتفاضة]... وقبل فترة العمليات التفجيرية، بشّرنا القائد بأن النتائج الأولية هي 100:0، أي أننا قتلنا مئة فلسطيني بينما لم يقتل أي من جنودنا... كنا فخورين جدا".

وأشارت هاس إلى أن المنافسة لم تكن بين الجيش والفلسطينيين فقط، وإنما أيضًا بين الجنود أنفسهم وبين الوحدات العسكرية وذلك حول من يقتل فلسطينيين أكثر. وقال حيوت إن "زملائي وأنا كنا منشغلين، مثل الجميع، في تعداد الإكسات (X)، أي القتلى الفلسطينيين. وهناك وحدات كان الجنود فيها يكتبون X على مشط الرصاصات الذي تم إطلاق الرصاصات منه. وأنا أذكر بوضوح أني كنت أحسد زملائي الذين تجندوا بعدي. فقد كان لكل رصاصاتهم إكسات. وعندما يكون هناك جنود أصغر منك وخدموا وقتا أقصر، يقتلون ويذهبون إلى أصدقائهم لرواية ما حدث، وأنت تمل من الوقوف بالقرب من مدرعة، فإن هذه هي إهانة كبرى".

ووفقا للشهادات التي جمعتها حركة "فلنكسر الصمت" فقد كان هناك جنود حزنوا لمقتل أطفال فلسطينيين بنيران الجنود، لكن جنودا آخرين كانوا يضحكون من ذلك ويقولون: "حسنا، الآن سنرسم بالونا أو ابتسامة مكان الإكس".

وبعد ثلاث سنوات من انتهاء الخدمة العسكرية لحيوت توجه إلى أحد زملائه الجنود لأخذ شهادة منه لصالح "فلنكسر الصمت"، لكن صديقه رفض في البداية التحدث، وبعد إصرار حيوت قال الصديق: "أنتم منشغلون بالحواجز والإغلاق والإهانة [بحق الفلسطينيين] وبأمور تافهة أخرى، ونحن لم نشارك في كل هذا. فالقصص التي لديّ تتعلق بحياة البشر. هل تفهم ما أقوله لك؟ إنني أتحدث عن أعمال قتل، نعم قتل".