وثائق وتقارير

*صدرت "يسرائيل هيوم" لأول مرة في منتصف 2007 كجريدة يومية توزع مجانا وصاحبها هو الثري الأميركي اليهودي شلدون أدلسون الصديق الصدوق لنتنياهو *كبرى الصحف الإسرائيلية تتهم صاحب "يسرائيل هيوم" بأن مهمته هي تسويق نتنياهو *نتنياهو أحبط عدة مبادرات قوانين للحد من ظاهرة "يسرائيل هيوم" التي تفتقر إلى مكانة صحافية *الاستطلاع لم يسأل عن مدى قناعة القراء بالصحيفة ومدى استعدادهم لشرائها *الصحف الكبرى تشكك بالاستطلاع وبمصداقيته *حرب الصحف على نتنياهو ستتأجج*

 

 كتب برهوم جرايسي:

 قال استطلاع أعده معهد TGI الإسرائيلي إن صحيفة "يسرائيل هيوم" اليومية التي توزع مجانا احتلت المكانة الأولى في النصف الأول من العام الجاري من حيث الانتشار، إذ حصلت على نسبة قراء 2ر35% مقابل الصحيفة الكبرى تقليديا "يديعوت أحرونوت"، التي لأول مرة في تاريخ الصحافة الإسرائيلية تحتل المرتبة الثانية بنسبة 9ر34%، وهي توزع بالمباع والاشتراكات.

 وقد أظهر الاستطلاع أن صحيفة "معاريف"، التي كانت على مدى السنين تحتل المرتبة الثانية بعد صحيفة "يديعوت أحرونوت"، قد تلقت ضربة إضافية وهبطت نسبة القراء لديها إلى 5ر12%، وهي التي عرفت في الماضي نسبا في حدود 35%، أما صحيفة "هآرتس" فقد هبطت نسبتها بشكل طفيف، إذ كانت نسبتها 4ر6%، إلا إن هذا الهبوط مرده ارتفاع عدد الذين يقرأون الصحف اليومية في النصف الأول من هذا العام بحوالي 7%، وكما يبدو فإن هذه النسبة تعود إلى توسيع المنطقة التي توزع فيها "يسرائيل هيوم" مجانا.

 أما في نهاية الأسبوع فقد بقيت "يديعوت أحرونوت" تحتل المرتبة الأولى بنسبة حوالي 44%، ولكن بهبوط عن العام الماضي، حيث كانت نسبتها 5ر47%، وحلت في المرتبة الثانية "يسرائيل هيوم"، بنسبة أقل بقليل من 26%، تليها معاريف بنسبة تفوق 16% ثم "هآرتس" بنسبة 4ر7%، وقد بدأت "يسرائيل هيوم" في مطلع العام الجاري، بإصدار عدد سادس أيام الجمعة، بعد أن كانت تصدر لخمسة أيام في الأسبوع.

 

  "يسرائيل هيوم"

 

 وتعتبر الصحف الإسرائيلية التقليدية أن "يسرائيل هيوم" تبقى دخيلة على سوق الصحافة الإسرائيلية، ويملكها الثري الأميركي العالمي اليهودي شلدون أدلسون، ويُعرف عنه أنه من أقرب المقربين من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وحتى حينما كان هذا الأخير رئيس حزب المعارضة الأول، قيل إن هذه الصحيفة صدرت من أجل تسويقه.

 وبدأت الصحيفة تصدر يوميا، لخمسة أيام أسبوعيا، في منتصف العام 2007، لتوزع في محطات شبكة القطارات وفي مدينة تل أبيب ومنطقتها، ثم بدأت توسع مجال توزيعها من منطقة إلى أخرى، ولكنها حتى الآن لا توزع في جميع أنحاء البلاد. وفي مطلع العام الجاري رفع صاحبها كمية الأعداد المطبوعة إلى حوالي 255 ألف عدد يوميا، منها 100 ألف عدد تصل إلى بيوت "مشتركة" بمعنى وافقت على تلقيها مجانا يوميا.

 ومنذ أن بدأت الصحيفة تظهر في استطلاعات الرأي التي تجري مرة كل نصف عام، احتلت مباشرة المرتبة الثانية، متجاوزة الصحيفة الثانية تقليديا "معاريف" التي تواجه في السنوات الأخيرة صعوبات مالية كبيرة، والأهم في هذه النقطة بالذات أن "معاريف" كانت على مدى السنين تعتبر صحيفة اليمين السياسي، وجاءت "يسرائيل هيوم" المحسوبة على نتنياهو شخصيا، لتنافسها في هذه الزاوية بالذات، على الرغم من أن الصحيفة الجديدة تستقطب أقلاما من جميع التيارات السياسية، في محاولة للتغطية على توجهاتها اليمينية.

 ولكن الصحيفة، وعلى الرغم من صدورها منذ ثلاث سنوات، وحجم انتشارها، إلا إنها لا تحظى بمكانة صحافية، وهي ليست مرجعا إعلاميا، وحافظت الصحف التقليدية على مكانتها في هذا المجال، وفي الصدارة تبقى صحيفة "هآرتس" على المستوى السياسي والعسكري بشكل خاص، ومعها في الصدارة أيضا صحيفة "يديعوت أحرونوت"، في حين أن التقليصات الكبيرة التي أجرتها صحيفة "معاريف" في العامين الأخيرين انعكست سلبا على مكانتها كمرجع إعلامي في الشارع الإسرائيلي.

  

القلق سياسي

وتجاري

  مع تنامي انتشار "يسرائيل هيوم" لمسنا قلقا كبيرًا على مستوى الصحف التقليدية، التي باتت تخشى من أن يقتنص هذا الانتشار من حصتها في "كعكة" الإعلانات التجارية، لتلحقها الحكومية، فلاستطلاعات الرأي حول مدى انتشار الصحف مكانة هامة في شكل توزيع ميزانيات الإعلانات التجارية، ولهذا ليس صدفة أن الصحف الثلاث الكبرى تقليديا، "يديعوت أحرونوت" و"معاريف" و"هآرتس"، توحدت من دون اتفاق بينها لمحاربة هذه الصحيفة، تحت غطاء أن الصحافة المجانية لا يمكنها أن تنافس الصحف التي تباع في السوق.

 وقد اتخذت محاربة "يسرائيل هيوم" أشكالا عدة، منها بطبيعة الحال محاربة الصحيفة وصاحبها مباشرة، ولكن أيضا كان نتنياهو شخصيا مستهدفا على وجه الخصوص، فمثلا قبل عدة أشهر ظهرت قضية إحدى العاملات في بيت نتنياهو الخاص، التي تقدمت بشكوى إلى المحكمة ضد زوجته، سارة، بسبب سوء معاملتها لها وسلب بعض من حقوقها، ولم تشهد الصحف الإسرائيلية من قبل وحدة الحال هذه بين الصحف الثلاث التي انهالت على نتنياهو وزوجته على مدى أيام طوال، لتحتل هذه القضية عشرات الصفحات من هذه الصحف وغيرها، في حين أن "يسرائيل هيوم" اتخذت خطا معاكسا ويعطي وزنا أكبر لرد سارة نتنياهو على القضية.

 وفي الأسبوعين الماضيين اتهمت الصحف الثلاث بنيامين نتنياهو شخصيا بأنه في مشروع ميزانية العامين المقبلين 2011 و2012، ادخل بندا على قانون التسويات المرافق لقانون الميزانية، وهو قانون يشمل سلسلة من الإجراءات لتطبيق السياسة الاقتصادية، ويقضي البند بإجراء تخفيض جدي على ميزانية الإعلانات الحكومية في الصحف، ويدعو البند ذاته إلى إجراء فحص حول مدى الجدوى من نشر جميع الإعلانات في الصحف، وما إذا يتم إعطاء وزن أكبر لنشر الإعلانات عبر الانترنت في موقع خاص.

 وقالت الصحف الثلاث ومعها قنوات تلفزة وإذاعات تجارية إن هذا البند ادخله نتنياهو إلى قانون التسويات بطلب من صديقه شلدون أدلسون صاحب "يسرائيل هيوم"، كخطوة إضافية في حرب نتنياهو- أدلسون على الصحف التقليدية، والتزم نتنياهو الصمت في هذه القضية بالذات، ولكن ما بات واضحا هو أن هذا البند سيبرز خلال بحث الكنيست له، لدى بحث مشروع الموازنة العامة في الخريف المقبل، ومن المؤكد أن معارضي نتنياهو سيوجهون له نفس التهم.

 وأصلا فإن معركة الصحف الثلاث انتقلت إلى الكنيست منذ عدة أشهر، من خلال عدة مبادرات لمشاريع قوانين تستهدف صحيفة "يسرائيل هيوم"، ومنها ما يقيد مسألة توزيع الصحف مجانا، وقانون آخر يهدف إلى منع أجنبي من إصدار صحيفة في إسرائيل طالما لا يحمل جنسيتها، ولم يتوان نتنياهو عن التدخل شخصيا في هذه القوانين وضغط على اللجنة الوزارية لشؤون التشريعات لرفض هذه المشاريع والسعي لإسقاطها في الهيئة العامة للكنيست، إلا إن الصحف قالت بعد صدور هذا الاستطلاع إن مشاريع القوانين ستطرح مجددا في الأشهر المقبلة، لإحراج نتنياهو شخصيا في هذه القضية.

  

ردود فعل حادة

 وأدى صدور الاستطلاع إلى ردود فعل حادة في وسائل الإعلام الإسرائيلية من المعنيين، في الوقت الذي أعلنت فيه "يسرائيل هيوم" احتفالها بنتيجة الاستطلاع، ولكن غالبية ردود الفعل بقيت بهويات "مجهولة" في هذه الصحيفة أو تلك، ولكن من قرر أن يشن معركة مفتوحة كان الصحافي من "معاريف" بن كسبيت، الذي قال لموقع انترنت "إن من يمنح استطلاع معهد TGI وزنا وقيمة، ويساوي بين الصحف التي تباع وبين تلك التي توزع مجانا، لا يعرف ما الذي يفعله". وأضاف "إن انتشار يسرائيل هيوم متعلق فقط بالأموال التي مستعد شلدون أدلسون صرفها شهريا، من أجل دعم صديقه، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو".

وهذا ليس كلاما عابرا، فمن يعرف ماضي بن كسبيت، يعرف أيضا أنه كان أشبه بناطق لنتنياهو في صحيفة "معاريف"، فهو محسوب على اليمين، ولكن بشكل خاص على نتنياهو، إلا إنه وكما يبدو على خلفية الحرب على "يسرائيل هيوم"، فإن بن كسبيت أخذ على عاتقه محاسبة رئيس الحكومة.

 فمثلا في اليوم التالي لسقوط المروحية العسكرية الإسرائيلية في رومانيا ومقتل ستة ضباط إسرائيليين فيها، نشر بن كسبيت تقريرا قال فيه إن نتنياهو أقام حفل عيد ميلاد لنجله البكر في البيت الرسمي لرئيس الحكومة بحضور مدعوين كثيرين، على الرغم من معرفته بحادث سقوط الطائرة، لتنشغل وسائل الإعلام في ذلك اليوم بنشر رد مكتب نتنياهو، ومحاولة نفي التهمة والادعاء أن رئيس الحكومة عرف بالحادثة متأخرا، وكما يبدو فإن الحرب على نتنياهو ستتصاعد في الفترة المقبلة.

 وقال مصدر في "يديعوت أحرونوت" ردا على الاستطلاع "من المؤكد أن هذا الأمر ليس لطيفا، ولكن يجب التعامل مع هذا الاستطلاع بتحفظ، فالحديث يجري على صحيفة مجانية، التي من الممكن في لحظة ما أن يقرر صاحبها الثري شلدون أدلسون أن يزيد طباعة أعدادها".

 وتقول الصحف التي تباع إن نسبة انتشارها مرتبطة بأشخاص يشترون هذه الصحيفة أو تلك، أو أنهم مشتركون فيها، في حين أن مقياس انتشار الصحيفة المجانية هو الكمية التي تطبعها.

 ولا تترك "يديعوت أحرونوت" الأمر من دون رد فعل عملي، فقد أطلقت في الأيام الأخيرة حملة دعائية في الصحيفة ذاتها، وفي لوحات الشوارع الإعلانية، وفي وسائل الإعلام الالكترونية، تحت عنوان، "فقط الصحافة الحرة هي صحافة حقيقية"، و"فقط الصحافة الحرة هي صحافة صادقة".

  

معطيات أخرى

 واستعرض استطلاع TGI جوانب أخرى في سوق الصحافة الإسرائيلية، فعلى صعيد الصحف الاقتصادية حافظت صحيفة "ذي ماركر" التابعة لصحيفة "هآرتس" على المرتبة الأولى من دون منافس من حيث الانتشار، بنسبة 2ر7% في النصف الأول من هذا العام، رغم أن هذه النسبة تشكل تراجعا عن 6ر7% في العام الماضي- 2009، وفي المقابل فإن صحيفة "كالكاليست" التابعة لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، حققت نسبة 6ر4% بارتفاع عن العام الماضي، حيث كانت النسبة 3ر4%، وفي المقابل فإن صحيفة "غلوبوس"، التي تصدر كصحيفة اقتصادية بشكل مستقل، تراجعت نسبة انتشارها بشكل حاد، من 5ر3% في العام الماضي، إلى 5ر2% في النصف الأول من هذا العام.

 وعلى مستوى الإذاعات، فقد واصلت إذاعة الجيش احتلال المرتبة الأولى بنسبة 3ر43%، بتراجع طفيف عن العام الماضي، كما أن التراجع طال الإذاعة الرسمية الإخبارية "الشبكة الثانية"، بنسبة 5ر39%، فيما جاءت في المرتبة الثالثة إذاعات المنطقة شبه الرسمية، إذ إن نسبة انتشارها بلغت حوالي 33%.

  

ارتفاع ميزانيات

الإعلانات التجارية

 

وفي موازاة ذلك، قال تقرير صادر عن اتحاد المعلنين إن ميزانيات الإعلانات التجارية الكبرى سجلت في النصف الأول من العام الجاري ارتفاعا بنسبة 20%، بعد أن تراجعت هذه الميزانيات في العام الماضي- 2009 - بنسبة 6ر13% بسبب الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالاقتصاد الإسرائيلي لعدة أشهر، إذ إن هناك شركات كبرى في إسرائيل ضاعفت ميزانياتها هذا العام، وبشكل خاص شركات المواد الغذائية، كذلك يوضح التقرير أن شركات الدعاية الكبرى تواصل توسعها على حساب شركات الدعاية الصغيرة.

 وبلغت ميزانية الدعاية لأكبر 20 شركة توظف ميزانيات ضخمة لتسويق ذاتها في النصف الأول من العام الجاري حوالي 182 مليون دولار، وفي مقدمة هذه الشركات نجد مجموعة شركات "شتراوس" المتخصصة بأصناف معينة من الألبان والأجبان والبوظة، إذ كانت ميزانيتها في النصف الأول من هذا العام حوالي 7ر14 مليون دولار، تليها شبكة صيدليات "سوبر فارم"- 8ر13 مليون دولار، ثم مجموعة شركات مصنع الأغذية "أوسم- 3ر12 مليون دولار، وهناك شركة "تنوفا" للألبان والأجبان التي وظفت 5ر11 مليون دولار.

 والغالبية الساحقة من هذه الشركات رفعت ميزانياتها بنسب تتراوح من 1% وحتى 99%، إلا إن بنك ديسكونت، وهو البنك الثالث في إسرائيل، قرر هذا العام زيادة ميزانية دعايته بأكثر من سبعة أضعاف، من 860 ألف دولار في النصف الأول من العام 2009 إلى 5ر6 مليون دولار.

 لكن في المقابل هناك شركات ومؤسسات خفضت ميزانيات الدعاية لديها، وأبرزها شركة الهواتف الخليوية بيليفون بنسبة 30%، ومؤسسة اليانصيب الخيري الرسمية بنسبة 40%.

 

وبحسب التقرير، فقد كان مجموع ميزانيات الدعاية التي بحوزة أكبر 20 شركة للدعاية في إسرائيل في النصف الأول من العام الجاري 456 مليون دولار، وهي أعلى بنسبة 20% عن النصف الأول من العام الماضي.

 وحافظت شركة "مكان أريكسون" على المرتبة الأولى إذ كانت ميزانيتها 79 مليون دولار، تليها في المرتبة الثانية شركة أدلر خومسكي بميزانية 5ر53 مليون دولار، ثم شركة باومن بار رفياني بميزانية 6ر48 مليون دولار.

 

أما شركة الإعلانات الحكومية، وهي التي تجمع ميزانيات الإعلانات من كافة الوزارات والمؤسسات الرسمية والشركات الحكومية، فقد خفضت ميزانيتها من 84ر13 مليون دولار إلى 1ر12 مليون دولار، وكما ذكر سابقا هنا فإن حكومة نتنياهو تسعى إلى تخفيض إضافي في هذه الميزانية.

 

الملفت للنظر في السنوات الأخيرة هو أن الكثير من شركات الدعاية قررت التوحد في ما بينها، وهذا ما يبرز من أسماء الشركات التي بغالبيتها الساحقة، إن لم تكن كلها، أصبحت تجمع عدة أسماء في اسم الشركة الواحدة، وهي أسماء الشركات قبل دمجها في شركة واحدة، وهذا من أجل تعزيز قوتها في المنافسة على عطاءات ميزانيات الدعاية التي تطرحها الشركات المُعلنة.