عن تأثير الاحتلال المستمر على إعادة تشكيل الهوية وطابع النظام في إسرائيل

أحزاب وحركات سياسية

مؤخرا، قام طاقم الدعاية الإنتخابية في حزب "العمل" بإعداد ملف يحتوي على مجموعة مميزة من التصريحات اللاذعة التي سجلها باسمه رئيس حزب "شينوي" يوسيف (طومي) لبيد، على مدار السنوات الأخيرة. أعد هذا الملف بعدما أدركت أوساط "العمل" أن المستائين من الفساد في "الليكود" يجدون في "شينوي" بالذات عزاء وملاذا لهم.

 

مؤخرا، قام طاقم الدعاية الإنتخابية في حزب "العمل" بإعداد ملف يحتوي على مجموعة مميزة من التصريحات اللاذعة التي سجلها باسمه رئيس حزب "شينوي" يوسيف (طومي) لبيد، على مدار السنوات الأخيرة. أعد هذا الملف بعدما أدركت أوساط "العمل" أن المستائين من الفساد في "الليكود" يجدون في "شينوي" بالذات عزاء وملاذا لهم. وحيث أن "شينوي" يتمثل في شخص زعيمه "لبيد"، فقد توجه أفراد طاقم دعاية حزب "العمل" نحو التنقيب في كتاب لبيد "لا زلت أتكلم" وفي مقالاته وتسجيلات برامج التلفزيون والراديو التي شارك فيها كصحافي وكعضو كنيست، ليستقوا ويقتبسوا منها تصريحاته وتفوهاته المفرطة في حدتها والتي تثير حرجا شديدا.

وبالفعل فإن الإقتباسات والنصوص التي جرى انتقاؤها بعناية تصور لبيد كرجل سوقي، شوفيني، يمقت اليهود الشرقيين ويسخر من الفقراء.

محافل طاقم دعاية "ميرتس" بحثت بدورها أيضا في نفس الأماكن، ووجدت هي الأخرى أن لبيد إنسان متعجرف، وحقود ومسيء، وأن سهامه موجهة ضد الفقراء، حيث اقتبس عنه قوله لإحدى الأمهات خلال نقاش حول الفقر:

"يمكنكِ بالأموال التي تنفقينها على تسريحات شعرك أن تعلمي أبناءك"!، وضد النساء اللواتي يتعرضن للضرب على يد أزواجهن كقوله "لا أعرف من أين جاء هذا الرقم الذي يتحدث عن وجود 200 ألف امرأة يتعرضن للضرب (في إسرائيل)، لعل أحد علماء الإجتماع سمع أن جاره يضرب زوجته فاستنتج من ذلك أنه يوجد في كل بيت زوج واحد على الأقل يضرب زوجته"، وقوله عن الشرقيين، في معرض تعليق له على أغاني المطرب الشرقي عمير بنيون "نحن لم نحتل طولكرم، بل طولكرم هي التي احتلتنا".

"ملفات لبيد" المعدة في "العمل" و"ميرتس" سوقت للصحفيين من جانب طاقمي دعاية الحزبين في نفس الوقت تقريبا، لكنها لم تفلح في ترك أي انطباع على ناخبي "شينوي"، وهذا حسب استطلاعات الرأي العام على الأقل (التي أشارت إلى صعود جديد لحزب "شينوي" ليصل إلى 17 مقعدا حسب توقع استطلاع نشر الجمعة 10 كانون الثاني في "هآرتس")، وكذلك بموجب الردود التي إلى موقع "يديعونت احرونوت" الإخباري على شبكة الإنترنت، في نفس المساء الذي باشر فيه حزب "العمل" هجومه على زعيم "شينوي"، حيث علق أحد المتصفحين للموقع بقوله "هل صرح – لبيد - حقا بكل ذلك؟ الآن أنا متأكد من أنني سأصوت له".

هناك حزب آخر سيحاول الصعود على حساب قوة "شينوي" الإنتخابية في أوساط الجمهور الشاب، وهو حزب "عليه يروق" - الذي يحظى، مثل "شينوي"، بشعبية واسعة في صفوف مصوتي المرة الأولى. حتى حزب "الوسط" الذي أحياه مؤخرا عضو الكنيست دافيد مغين لم يبق على الحياد إزاء التحدي الذي يمثله "شينوي"، إذ ركز في دعايته على مهاجمة طومي لبيد.

* "جبهة قومية إشكنازية"

وفيما عدا الأحزاب العلمانية، فأن "التحالف" الغريب ضد "شينوي" يشمل أيضا خصمه القديم، حركة "شاس"، إضافة إلى "يهدوت هتوراه" التي انضمت مؤخرا إلى هذا التحالف ضد "شينوي". ولعل سلوك الأحزاب الحريدية تجاه "شينوي" يدل على جدول الأعمال الخفي في حملة الإنتخابات الحالية، والذي يركز على مسألتي : الوضع القائم (الستاتوس كفو) بين المتدينين والعلمانيين، والمسألة الطائفية.

تقول رئيسة طاقم الردود في حزب "العمل" الوزيرة السابقة يولي تمير: "أقر صراحة بأن شينوي غيّر تعاطي حزب العمل مع موضوع الدين والدولة". وتضيف إن "شينوي أيقظ المؤسسة السياسية في هذا الصدد، وبفضل هذه الصحوة تخلى حزب "العمل" عمليا عن الستاتوس كفو ليتقدم باقتراحات راديكالية في موضوع الدين والدولة". ويلاحظ الآن أن قائمة تعهدات حزب "العمل" لناخبيه العلمانيين باتت تشمل مواضيع مختلفة مثل الزواج المدني، وتسيير المواصلات العامة أيام السبت وفصل الدين عن مؤسسات الحكم وإلغاء وزارة الأديان. حتى شمعون بيريس، الذي يعتبر من أنصار التحالف التاريخي مع أحزاب "الحريديم"، صرح مؤخرا بأنه يشعر بخيبة أمل من "الحرديم" الذين تحولوا إلى مواقع اليمين المتطرف، حسب قوله، ولذلك - أردف بيريس - فإن "الخيار الأمثل في هذه اللحظة هو حكومة وحدة باشتراك الليكود والعمل وشينوي".

وحسب "تمير" فإن حزب "العمل" ينافس شينوي في مسائل جوهرية من قبيل تقديم جواب ملائم في مواضيع الدين الدولة، وفي المقابل يهاجم "العمل" حزب "شينوي" بهدف كشف القناع عن وجهه الحقيقي كـ "حزب مزاجي بالمعنى السيء، لا يمتلك القدرة على إحداث تغيير، ولا يجيد سوى إثارة الكراهية والأحقاد فقط".

ويسعى "العمل" من خلال حملته ضد "شينوي"، إلى توجيه رسالة مؤداها أن من العبث هدر وتبديد الأصوات لصالح حزب ليس من الواضح من هم الناس الذين تتألف منهم قائمته، وكيف سيصوت هؤلاء في مواضيع السياسة والأمن.

ويتحدث درور شترنشوس، مدير حملة حزب "ميرتس" عن برامج دعاية إبداعية ضد "شينوي"، مشيرا إلى أن إحدى الدعايات تصور عرضا للأزياء تعرض فيه قمصان حسب آخر التقليعات: في السبعينات قميص حزب "داش" ("الديمقراطية والتغيير")، وفي الثمانينات قميص "تسومت"، وفي التسعينيات قميص حزب "الوسط"، وفي سنة 2003 - قميص حزب "شينوي"، وذلك في إشارة إلى أن جميع هذه الأحزاب ما هي إلا أحزاب مزاج، عابرة، حلقت في لحظة في سماء السياسة ثم ما لبثت أن اختفت في خيبة أمل ناخبيها. ويعتقد شترنشوس أن نسبة المصوتين الذين خسرهم "ميرتس" لصالح "شينوي" ليست كبيرة، غير أن أوساط "ميرتس" قررت هذه المرة التوجه إلى جمهور مصوتين واسع ومنوع قدر المستطاع بما في ذلك مصوتي "الليكود" و "العمل" و "شينوي". كذلك استعدت أوساط "ميرتس" لاحتمال أن يحاول "شينوي" مهاجمة زعيم "ميرتس" يوسي سريد على رده السلبي القاطع على سؤال بشأن ما إذا كان سيجلس مع "شاس" في حكومة واحدة.

يشرح سريد في شريط الدعاية الإنتخابية بأنه صرح بتلك الأقوال بعد الإنتخابات وليس كتعهد قطعه للناخبين، مثلما يحاول لبيد تصوير ذلك، ويطلق زعماء "ميرتس" بين الحين والآخر تصريحات ضد "شينوي" ولبيد على أمل أن يترك ذلك في نهاية الأمر أثرا ما في وعي الناخبين. وعلى سبيل المثال فقد وصف سريد "شينوي" كحزب خطير لعدم التزامه بشيء، كذلك حاول سريد التحرش بـ لبيد حينما قال الأسبوع الفائت بأن لبيد يتهرب من مناظرة تلفزيونية معه، لكن لبيد الذي لم يقع في ما بدا له كفخ، رد على ذلك بقوله: "الآن عندما وجد سريد نفسه في وضع صعب وحرج، أصبح بحاجة لمناظرة محاولا استغلالي.. لن أمنحه هذه الفرصة..".

يوسي بيلين أيضا، والذي يحتل المكان الحادي عشر في قائمة "ميرتس"، وصف "شينوي" بأنه ظاهرة خطيرة، وقال أن انتخاب هذا الحزب يشكل تعبيرا عن عمق اليأس، لا سيما في صفوف الشبان. ويضيف بيلين، يجب أن يعرف الجمهور بأن شينوي "حزب يضم أناس مجهولين" وأنه "سيعيق أي تحرك سياسي.. فخلف الصورة الليبرالية المزعومة، تقبع حقيقة شينوي كجبهة قومية إشكنازية تضم عناصر ومكونات تقترب من العنصرية".

ويرد لبيد على ذلك بقوله: إن بيلين إنما يفاقم بذلك فقط من وضع "ميرتس" الصعب أصلا.

* محافل "شاس" تغذي الكراهية

على العكس من التحدي الذي يمثله "شينوي" بالنسبة للأحزاب العلمانية التي تنافسه على مستودع الأصوات نفسه، فإن أوساط "شاس" تعتقد أنه كلما ازدادت قوة "شينوي"، ستزداد طرديا قوة "شاس" (وهو ما برهنت عليه الإستطلاعات الأخيرة التي سجلت انتعاشا في نسبة التأييد لحركة "شاس"). وقد عبر هذا الرأي عن نفسه إلى درجة أن المتحدث باسم "شاس"، إسحق سودري، بات ينعت لبيد بأنه "الحجاب الذي يحمي شاس"، ويقول سودري موضحا إن لبيد ونظريته نجحا في إثارة ناخبي "شاس" الذي ينتمون إلى الجمهور الذي يحمل أوزار وأعباء التمييز على خلفية دينية وطائفية، سواء من الماضي أم من الحاضر.

ليس سرا أن محافل "شاس" تغذي الكراهية تجاه لبيد، الذي يصور في صورة من يهدد بمحق الديانة اليهودية برمتها. ويرى "سودري" أن لبيد نجح في تكتيل جمهور "الحرديم" ضد من يرون أنه عدو يسعى لمحق الثقافة التقليدية الشرقية. ويضيف الناطق بلسان "شاس" إن الخوف الذي يعتري صفوف جمهور واسع إزاء ما يمثله لبيد - سيدفع هذا الجمهور بأكمله للتصويت لصالح شاس" في الإنتخابات الوشيكة.

وكانت أوساط "شاس" قد خصصت جزءا من برامجها الدعائية لمهاجمة لبيد شخصيا، غير أنها قررت في هذه الأثناء عدم بث هذه الدعاية، والتركيز بدلا من ذلك على بث برامج دعاية أكثر عمومية توضح أن التصويت لصالح "شاس" يسهم في إنقاذ الدولة من براثن الخصم العلماني. ويقول "سودري" إنه إذا تقرر بث الدعاية التي تهاجم لبيد شخصيا، فإن لبيد سيقدم بصفة من يكره الشرقيين.

ولعل ما يثير قلق "شاس" بالفعل هو حقيقة أن حزب "شينوي" جعل الليكود يظهر ابتعادا عن "الحرديم"، إضافة إلى الإفتراض بأن شارون قد يفضل إشراك "شينوي" في حكومته المقبلة (إذا أعيد انتخابه في 28 يناير) وهذا يعني استبعاد "شاس" من الإئتلاف الحكومي.

من جهتها لا تعير محافل "الليكود" اهتماما خاصا لظاهرة "شينوي"، على الرغم من أن الأخير يكتسب قوته على حساب "الليكود" أيضا.

يقول ليئور حوريف، عضو الطاقم الإستراتيجي لحزب "الليكود": "نحن ننظر إلى هذه الإنتخابات باعتبارها اختيارا حاسما بين برنامج شارون السياسي وبرنامج متسناع السياسي. فمتسناع هو الخصم، ولا داعي لأن تختلط علينا الأمور. الأصوات التي قد يأخذها شينوي من الليكود لن تكون ذات أهمية أو قيمة كبيرة".

أما السؤال حول ما إذا كان "شينوي" سينجح في نهاية المطاف في كسر التحالف الإئتلافي التقليدي مع "الحرديم"، فإن الإجابة عليه ستبقى مفتوحة لكل الإحتمالات.

من جهته فإن لبيد يدرك بأنه لن يكون هناك خيار أمام شارون، سوى اختيار التحالف مع "شينوي" في الحكومة المقبلة التي يرى لبيد أن حزب "العمل" سينضم إليها في نهاية المطاف.