وثائق وتقارير

التقرير يحذر من اعتماد التطور الاقتصادي في إسرائيل على التقنية العالية بالأساس ومن تردي البنى التحتية وشبكة المواصلات وجهاز التعليم ويوصي بتطوير سوق العمل وتجميد ميزانية وزارة الأمن بالنسبة للفرد وزيادة ميزانيات الخدمات المدنية

 "المشهد الإسرائيلي"- خاص

 

حذر تقرير إسرائيلي شبه رسمي، أعده طاقم من كبار المختصين الاقتصاديين في إسرائيل، من أن مستقبل المجتمع الإسرائيلي والدولة برمتها في خطر، طالما لم يتم وضع "استراتيجية وطنية عامة"، تضمن حلولا لقضايا اجتماعية مركزية، ونسبة نمو عالية (6% سنويا) في السنوات العشرين القادمة.

وقاد الطاقم دافيد بروديت، المدير العام الأسبق لوزارة المالية، وإيلي هوروفيتس، المدير العام السابق لشركة الأدوية الإسرائيلية ذات الاسم العالمي، "طيفع"، التي أسسها وحقق لها إنجازات ضخمة جدا على صعيد التطور العلمي والأرباح المالية السنوية، والتي كانت تضرب أرقاما قياسية بشكل دائم.

وقد تم تسليم التقرير إلى رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، ويحذر من خطر محدق في حال لم يتم تبني خطة استراتيجية عليا، على مستويات مختلفة، من اقتصاد وعلوم واجتماع، وتوسيع سوق العمل، وغيرها من المجالات الحيوية، وذلك حتى العام 2028، وهذا من أجل أن تكون إسرائيل حتى ذلك العام من ضمن أغنى 15 دولة في العالم، إذ أنها اليوم تحتل المرتبة 22 في العالم، وأن يرتفع معدل الناتج للفرد الواحد في إسرائيل من 23 ألف دولار حاليا، إلى 50 ألف دولار.

وهذا بالإمكان تحقيقه، حسب التقرير، من خلال نمو اقتصادي بمعدل 6% سنويا، ونمو الناتج للفرد بنسبة 7ر4% سنويا، شرط أن يكون النمو متوازنا، وينعكس على كافة شرائح المجتمع، وتقليص الفجوات الاقتصادية بين هذه الشرائح، خاصة وأن دراسات وتقارير عالمية قالت إن الفجوات العالمية هي من الأكبر بين الدول المتطورة.

ويعدد التقرير سلسلة من المخاطر التي تهدد مستقبل إسرائيل، ومن بين هذه المخاطر أن الاقتصاد الإسرائيلي منقسم عمليا بين اقتصادين، اقتصاد التقنية العالية المتطور والذي ينافس عالميا، واقتصاد تقليدي يعاني من انخفاض معدلات الإنتاج، وهذا يساهم في اتساع التقاطب الاجتماعي. كذلك من بين هذه المخاطر وتيرة النمو البطيئة، إذ يتضح من التقارير أن معدل النمو بالنسبة للفرد في إسرائيل منذ العام 1973 وحتى العام 2007 كان 5ر1% سنوياً، كذلك فإن نسبة المشاركة في العمل تعتبر من الأدنى مقارنة مع الدول المتطورة، وتصل إلى نسبة 55%.

كما يشير التقرير إلى سلسلة من "المشاكل القاسية التي تواجهها إسرائيل" في مجال البنى التحتية- بدءًا من جهاز التعليم غير القادر على تحقيق انجازات، وتدهور مستوى الجامعات والأبحاث العلمية، وانخفاض مستوى العاملين في سلك خدمات الدولة والخدمات العامة، وتراجع حجم الميزانيات المخصصة لشبكات الطرق في البلاد، وانتهاء بمستوى الموانئ البحرية والجوية وغيرها.

ويحذر من أن "التنازل عن الاستراتيجية التي يقترحها التقرير، سيتسبب بأخطار كبيرة وذات قيمة على إسرائيل، وخاصة في ما يتعلق بسلامتها ومستقبلها، فالحفاظ على وضعية الاقتصاد القائمة، والفجوات التي جرى الحديث عنها بين اقتصاد التقنية العالية وباقي فروع الاقتصاد، سيساهم في اتساع الفجوات في المداخيل، ويحطم التكافل والتضامن الاجتماعي، ويمس بالمناعة الوطنية في إسرائيل".

ويتابع التقرير "إن استمرار تدهور جهاز التعليم والتعليم العالي سينهي التفوق الوحيد لإسرائيل في عالم تنافسي، كما أن الفقر الذي يقسم المجتمع سيحفز ذوي القدرات والمداخيل العالية على الهجرة ومغادرة إسرائيل".

 

اقتراحات لحل المشاكل

 

 

يطرح التقرير سلسلة من الاقتراحات لمختلف جوانب الاقتصاد والحياة العامة، باعتبار أنها الخطة الاستراتيجية الوطنية الشاملة "لإنقاذ إسرائيل" من مستقبل سوداوي يتوقعه معدو التقرير.

ويحدد التقرير مبدأ أساسيا لنجاح إسرائيل مستقبلا وهو بناء اقتصاد تنافسي، بإمكانه مواجهة التطور الاقتصادي العالمي، وهذا إلى جانب زيادة ميزانيات الخدمات الأساسية من خلال تجميد ميزانية الأمن (الجيش ووزارة الأمن- الدفاع)، بالنسبة للفرد، بمعنى زيادتها بنفس نسبة التكاثر السكاني بالمعدل، مقابل زيادة ميزانيات الفروع المدنية في الموازنة العامة.

 

ويقترح التقرير أن تزداد ميزانية الدولة من العام 2009 وحتى العام 2012 بنسبة 5ر2% سنويا، بدلا من نسبة 7ر1%، وأن ترتفع من العام 2013 وحتى العام 2015 بنسبة 5ر3%، ومن العام 2016 وحتى العام 2019 بنسبة 5ر4%، ومن العام 2020 وحتى العام 2028 بنسبة 5ر5%.

إلا أن هذا التوجه يتناقض بشكل تام مع توجه وزارة المالية، التي تطالب بلجم زيادة الموازنة العامة سنويا، من خلال التخفيض المستمر للضرائب، وهو ما يضر بالشرائح الفقيرة والضعيفة ومشاريع البنى التحتية.

كما يوصي التقرير بتخفيض الدين العام من نسبة 84% من مجمل الناتج العام، إلى نسبة 60%، وهي النسبة المتبعة في العالم المتطور، على أن يتحقق الهدف حتى العام 2018، وهذا مطلب متنام في إسرائيل، وأيضا طالب به البنك الدولي سابقا، ولكن التقرير يضيف مطالبا بتخفيض النسبة إلى 45%، وذلك حتى العام 2028.

 

وفي ما يلي نستعرض بعض اقتراحات الخطة:

 

أ- سوق العمل: الهدف هو رفع نسبة المشاركة في سوق العمل من 55% اليوم إلى نسبة 74% بعد 20 عاما، ومن أجل تحقيق الهدف يوصي التقرير بإعادة إقامة وزارة العمل كوزارة مستقلة وليست تابعة لوزارة الصناعة والتجارة كما هي الحال اليوم، وهو ما تم فعله قبل نحو خمس سنوات، وبذل جهود أكبر لتطوير جهاز التعليم ورفع المستوى التعليمي، خاصة في ما يتعلق بالبالغين، وفتح المجال للدراسة أمام جميع الأعمار.

وأيضا يوصي التقرير بتخفيض نسبة العمال الأجانب، من مجمل القوى العاملة في إسرائيل من 5ر8% اليوم إلى 3%، وذلك من خلال تقليل جدوى تشغيل عمال أجانب، مثل إلزام المشغلين بدفع أجور الحد الأدنى من الراتب وغيرها.

ب- الاندماج في السوق العالمية: يطرح التقرير سلسلة من الاقتراحات لإقامة شركات إسرائيلية ضخمة جدا على مستوى عالمي، على أن تكون مبيعات كل واحدة من هذه الشركات بقيمة مليار دولار، وأن تصل ثلاث شركات على الأقل إلى حجم مبيعات سنوية بقيمة 5 مليارات دولار لكل واحدة منها، وذلك خلال 20 عاما.

جـ- تشجيع زيادة إنتاجية العمل: يجري الحديث بالأساس حول زيادة الإنتاجية في الفروع التقليدية في الاقتصاد الإسرائيلي، إضافة إلى التطوير التكنولوجي لفروع الاقتصاد التقليدية.

د- استمرار تشجيع التقنية العالية: يحذر التقرير من أي إهمال لاقتصاد التقنية العالية الذي حقق إنجازات للاقتصاد الإسرائيلي، رغم أنه يستقطب 6% فقط من القوى العاملة في إسرائيل، وتطوير هذا الفرع الاقتصادي يحتاج أولا إلى تطوير الأبحاث العلمية ذات الشأن، وهذا يتطلب رصد ميزانيات خاصة وملائمة، ويركز التقرير على صناعات تقنية عالية متعلقة بالفضاء والطاقة البديلة والزراعة والمياه وعلم الأحياء وغيرها.

هـ تطوير الرفاه الاجتماعي: في هذا الإطار يضع التقرير سلسلة من الاقتراحات لتقليص دائرة الفقر، تعتمد بالأساس على توسيع وتطوير سوق العمل.

و- يخصص التقرير حيزا كبيرا لمجال التعليم، الذي يعتبره أساس تطور المجتمع وتعزيز مناعته وتأقلمه مع التطور العالمي، ويوصي التقرير بتطوير المنهاج الدراسي الأساس في إسرائيل، وأن لا تمول الدولة مدارس لا تلتزم بالمنهاج الدراسي، وهذا موجه بالأساس لمدارس المتدينين الأصوليين (الحريديم)، الذين يفرضون على المدارس التابعة لهم منهاجا تطغى عليه التوجهات الدينية التوراتية، واستبعاد المواضيع العلمية وغيرها.

ز- البنى التحتية: يدعو التقرير إلى إقامة إطار حكومي عام، يركز كل مشاريع البنى التحتية على أن تكون بحوزته ميزانيات لعدة سنوات، يسيطر على شكل صرفها. ويدعو التقرير إلى تخصيص ميزانية لا تقل عن 490 مليار شيكل، أي ما يعادل 137 مليار دولار وفق سعر الصرف الحالي، تصرف على مدار 20 عاما، على مشاريع تنموية بعيدة المدى، على أن يُصرف 350 مليار شيكل منها على شبكة المواصلات البرية، و20 مليار شيكل على المواصلات البحرية والجوية، و80 مليار شيكل على الطاقة، و40 مليار شيكل على شبكات المياه والمجاري.

ح- يقترح التقرير تخصيص 5ر1% من مجمل الناتج العام في إسرائيل لجودة وحماية البيئة، ما يعني رصد حوالي 4ر2 مليار دولار سنويا لهذا الغرض.

 

وكما يظهر فإن التقرير يرتكز في مسألة زيادة الميزانيات المدنية على مبدأ وضعه لنفسه، وهو تجميد ميزانيات الأمن، بمعنى كل ما يتعلق بالجيش والتسلح والصناعات الحربية وغيرها، وهذا ما يجعله تقريرا صعب التطبيق، بسبب العقلية الأساسية التي توجه المؤسستين السياسية والعسكرية في إسرائيل على مدار عشرات السنوات.

وكما هو معروف فإن ميزانية الأمن في إسرائيل متعددة، فهناك المباشرة التي توجه إلى الوزارة المعنية، وزارة الدفاع، وتتراوح نسبتها ما بين 17% إلى 18% من مجمل الميزانية العامة، بينما هناك ما بين 12% إلى 15% من الميزانية العامة يصرف من خلال وزارات ومؤسسات أخرى، على قضايا الأمن والاحتلال والاستيطان، مثل وزارة الأمن الداخلي، وميزانيات الأجهزة الاستخباراتية السرية، وميزانيات تصرفها وزارة البنى التحتية على بناء جدار الفصل العنصري وشبكات الطرق في هضبة الجولان السورية المحتلة والضفة الغربية المحتلة، وميزانيات وزارة الإسكان التي تصرف على توسيع المستوطنات في جميع المناطق المحتلة وغيرها.