وثائق وتقارير

 تُظهر تحليلات مستجدة للمشهد السياسي الحزبي في إسرائيل، في أعقاب نشوء قضية رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، واتهامه بتلقي رشى مالية من المليونير الأميركي اليهودي موريس تالانسكي، أن القوى السياسية الرئيسة، المتمثلة في أحزاب كديما والعمل وحتى الليكود، أصبحت متكتلة الآن ضد وزيرة الخارجية، تسيبي ليفني، التي تظهر استطلاعات الرأي العام أنها الأوفر حظا للفوز برئاسة كديما وخلافة أولمرت.

 وكتب محلل الشؤون الحزبية في صحيفة هآرتس، يوسي فيرتر، قبل أيام قليلة، أن عضو الكنيست رؤوفين ريفلين، الذي كان رئيسا للكنيست في دورته الماضية، هاتف أولمرت (وكان خصمه اللدود عندما تواجد الاثنان في حزب الليكود)، صبيحة يوم 5 كانون الثاني 2006، بعد أن غرق رئيس الحكومة أريئيل شارون في غيبوبة عميقة، "وقلت له إنه من أجل شعب إسرائيل أتمنى لك النجاح. ولديّ فقط أمر واحد لأقوله لك: احذر من ليفني. لأن باطنها ليس مثل ظاهرها". وبعد شهور قليلة جرت الانتخابات العامة في إسرائيل وأصبح أولمرت رئيسا للحكومة وعيّن ليفني وزيرة للخارجية وقائمة بأعماله، أي في أهم منصبين بعد رئاسة الحكومة وإلى جانب وزارة الدفاع.

 

وبعد الكشف عن تفاصيل من التحقيق الجنائي ضد أولمرت، من خلال إفادة تالانسكي أمام المحكمة مؤخرا حول منحه مغلفات مليئة بمبالغ نقدية، اجتاحت الحلبة السياسية الإسرائيلية عاصفة في أعقاب دعوة رئيس حزب العمل ووزير الدفاع، إيهود باراك، لأولمرت بالتنحي عن منصبه وإجراء انتخابات تمهيدية داخلية في كديما لاختيار خليفة لأولمرت، وإلا، هدد باراك، فإن حزب العمل سيعمل على إسقاط الحكومة والتوجه إلى انتخابات مبكرة.

 

وكان معروفا للقاصي والداني، عندها، أن باراك لا يريد انتخابات عامة الآن لأن وضعه في الاستطلاعات سيء، وإنما يريد تشكيل حكومة بديلة برئاسة من يختاره حزب كديما في رئاسته. وبعد يوم واحد من إعلان باراك، أعلنت ليفني أن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر وينبغي استبدال أولمرت من خلال إجراء انتخابات تمهيدية في كديما، ما يعني مطالبتها أولمرت بالتنحي. وتجمع التحليلات على أن أولمرت لن يدعم ليفني للوصول إلى رئاسة كديما. واعتبرت دعوة باراك وليفني عندها أن الاثنين نسقا خطواتهما. لكن يتضح الآن أن الصورة مختلفة وثمة شك كبير حول هذا التنسيق.

 

وبحسب المحللين الإسرائيليين، فإن باراك لا يريد أن تفوز ليفني برئاسة كديما، وإنما أن يفوز بهذا المنصب وزير المواصلات، شاؤول موفاز. وذلك لأن موفاز يحمل أفكارا يمينية مطابقة لأفكار حزب الليكود. وكديما برئاسة موفاز سيكون بمثابة "ليكود ب"، ومع اقتراب موعد انتخابات عامة سيفضل الكثيرون من مصوتي العمل السابقين، الذين انتقلوا إلى كديما لدى تأسيسه، العودة إلى حزبهم الأم. وبالمقابل، فإن كديما برئاسة ليفني من شأنه أن يضعف العمل أكثر وحتى أن بعض التقديرات تشير إلى احتمال انخفاض عدد المقاعد البرلمانية التي سيفوز بها العمل إلى أقل من 15 مقعدا. ونقل محللون عن مقربين من باراك قولهم إن "موفاز هو أملنا الكبير. ومن يعتقد أن باراك يريد فوز ليفني وأنه ينسق خطواته معها، فإنه لا يعرف عما يتحدث".

 

من جهة ثانية، يرى رئيس الليكود، بنيامين نتنياهو، أن موفاز ليس شخصا لامعا "ولن يبدو أبدا على أنه الأمل الأبيض الكبير أمام الليكود". ويعتبر أنه بعد انتخابات عامة يخوضها كديما بزعامة موفاز، سيحسب كديما على كتل اليمين. ويأمل نتنياهو أيضا أن يتمكن من جر موفاز للعودة، مع قسم كبير من كديما، إلى الليكود مقابل، مثلا، تعيينه وزيرا للدفاع. وفي المقابل، يرى نتنياهو أن ليفني ستُضعف، بالحساب النهائي، كتل اليمين بعد الانتخابات.

 

كبح انتخابات تمهيدية داخل كديما

  

ويبدو في هذه الأثناء أن حدة العاصفة السياسية داخل كديما قد خفّت بعد مرور أسبوعين على إفادة تالانسكي. ومما لا شك فيه أن سفر أولمرت إلى واشنطن وتركيز وسائل الإعلام الإسرائيلية على أن محادثاته مع الرئيس الأميركي، جورج بوش، ستتركز على الموضوع الإيراني، والأنباء عن احتمال توجيه ضربة عسكرية لإيران، وتصاعد التهديدات بتنفيذ عملية عسكرية واسعة ضد قطاع غزة، ساهمت في إزاحة قضية التحقيق الجنائي ضده عن العناوين الرئيسة لوسائل الإعلام الإسرائيلية.

 

واستباقا لحراك سياسي مضاد، من المتوقع أن يحدثه الاستجواب المضاد لتالانسكي، ذكرت الصحف الإسرائيلية، بعد عودة أولمرت من واشنطن، في نهاية الأسبوع الماضي، أنه تم لجم احتمال إجراء انتخابات داخلية تمهيدية في حزب كديما لانتخاب رئيس للحزب خلفا له.

 

فقد أظهرت اتصالات أجراها رئيس لجنة التوجيه في كديما ورئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، تساحي هنغبي، مؤخرا، أن ثلاثة مرشحين لرئاسة كديما، هم الوزراء شاؤول موفاز ومائير شيطريت وآفي ديختر، يعارضون إجراء انتخابات تمهيدية سريعة، فيما بقيت ليفني وحدها المعنية بإجراء هذه الانتخابات التمهيدية في أسرع وقت ممكن. ويعني هذا التطور توجيه ضربة لليفني. ويأتي هذا التطور في أعقاب تقارير تشير إلى عدم وجود أغلبية في الكنيست تؤيد مشروع قانون لحل الكنيست والتوجه لانتخابات مبكرة، حتى لو أيّد هذا القانون حزب العمل.

 

ونقلت صحيفة هآرتس (5.6.2008) عن الوزير شيطريت قوله إنه "لا ينبغي على كديما منح أحد إمكان تحديد الجدول الزمني لإجراء انتخابات مبكرة، أو موعد إجراء الانتخابات التمهيدية داخل كديما". وهذا الكلام موجه مباشرة إلى باراك. وأضاف شيطريت أنه "لا مكان للخوف من تهديدات باراك". وقدّر شيطريت أنه لن تجري انتخابات تمهيدية في كديما في الفترة القريبة.

 

وفي موازاة ذلك، تدعو ليفني إلى إجراء انتخابات تمهيدية بأسرع وقت ممكن بعدما أعلنت قبل أقل من أسبوعين أنه يتوجب تدارك الوضع الناشئ في أعقاب إفادة تالانسكي. ولتحقيق ذلك تجري اتصالات مع أعضاء كنيست من كديما لحثهم على تأييد خطوتها هذه. وقال أحد أعضاء الكنيست، من كديما لهآرتس، إن ليفني اتصلت به وأبلغته بأنه لا يجوز انتظار تطورات قد تحدث في الحلبة السياسية ويتوجب تحديد موعد لإجراء انتخابات تمهيدية فورا وأن خطوة كهذه وحدها من شأنها "إنزال باراك عن الشجرة" التي صعد إليها، أي أن يتراجع عن التهديد بالتوجه لانتخابات عامة مبكرة.

 

من جانبهم، يوضح المرشحون الثلاثة الآخرون أنهم لا يعتزمون الاستسلام لتهديد باراك. وقالوا لهنغبي إنه يتوجب انتظار الاستجواب المضاد، الذي سيجريه محامو أولمرت ضد تالانسكي. وشددوا أيضا على أن تقديم موعد إجراء انتخابات تمهيدية يجب أن يتم بالاتفاق مع أولمرت، وفق ما ينص عليه دستور حزب كديما. ويعتبر موفاز وشيطريت وديختر أن تهديد باراك فارغ من أي مضمون، لأنه يسعى لاستبدال أولمرت في رئاسة الحكومة وحسب، ولا يريد انتخابات مبكرة. إذ تظهر استطلاعات الرأي العام أن حزب العمل سيفقد من قوته لصالح حزبي كديما والليكود في حال جرت انتخابات مبكرة. كذلك اتهم موفاز "باراك ومستشاره الإستراتيجي الإعلامي رؤوفين أدلر بأنهما يسعيان لتفكيك كديما". ويذكر أن تقارير صحافية تحدثت عن أن أدلر هو أيضا المستشار الاستراتيجي السري لليفني.

 

وعلى إثر هذه المواقف، يميل هنغبي إلى عدم عقد اجتماع للجنة التوجيه وانتظار جلسة المحكمة المركزية في القدس التي سيجري خلالها الاستجواب المضاد لتالانسكي، والتي تم تعيينها ليوم 17 تموز المقبل. وكان أولمرت ومحاموه قد اعتبروا في أعقاب إفادة تالانسكي أمام المحكمة، الأسبوع قبل الماضي، أنها تضمنت مبالغات واختلاق ادعاءات.

 

من جهة أخرى، أفادت تقارير صحافية بأن أولمرت أوضح، عشية سفره للولايات المتحدة، لأحد قادة كديما، أنه يعارض إجراء انتخابات تمهيدية في المستقبل القريب وسيعمل على منع إجرائها، وأنه لا يؤيد أيضا ترشيح موفاز لرئاسة الحزب.

 

وقال مقربون من أولمرت إن حقيقة عدم إعلان الأخير عن رأيه حيال فكرة الانتخابات التمهيدية نابع من رغبته في تهدئة الأجواء داخل كديما والتحالف الحكومي. وأوضح المقربون في رسائل شفهية وجهوها إلى قياديين في كديما أن أولمرت يعتزم أن يحارب على مكانته ومنصبه، كرئيس للحكومة وللحزب.

 

رامون يعتزم الاعتزال

 

 

ذكرت تقارير صحافية أن مقربين من النائب الأول لرئيس الحكومة، حاييم رامون، أصبح لديهم انطباع عقب أحاديث مع رامون بأن الأخير سيعتزل الحياة السياسية بعد انصراف أولمرت. ونقل المقربون عن رامون قوله إنه حتى لو شكل حزب كديما الحكومة المقبلة فإنه لن يكون جزءا منها في حال شكلتها ليفني. وبحسب رامون فإنه لن ينتظر أبدا خارج مكتب ليفني لتقول له بدورها أية وزارة ستمنحها له. عدا ذلك، فإن رامون مقتنع بأن نتنياهو هو الذي سيفوز برئاسة الحكومة وهو الذي سيوزع الحقائب الوزارية، "لا ليفني. وبالتأكيد ليس باراك".

 

من جهة أخرى، يقول المقربون من رامون، إن الأخير لا يفهم الخطوة التي أقدم عليها باراك، عندما دعا أولمرت للتنحي أو التوجه لانتخابات مبكرة لا يريدها. ويرى رامون أن الضرر الأكبر الذي أحدثه باراك هو أنه تسبب بشل أولمرت، سياسيا وعسكريا. إذ يعتقد رامون أن رئيس الحكومة قادر على القيام بمهامه وحتى على تحريك مفاوضات سياسية أو خطوات عسكرية. لكن المشكلة تبقى أن أي خطوة يقوم بها الآن سيتم تفسيرها على أن هدفها هو بقاؤه في كرسيه. ولذلك هو بحاجة إلى باراك للقيام بذلك. وباراك، بعد دعوته أولمرت للتنحي، لن يتمكن من دعم خطوات رئيس الحكومة.

 

أولمرت يستعد للاستجواب المضاد

 

 

في غضون ذلك، ورغم أن أولمرت تمتع بأسبوع من الهدوء النسبي في أثناء زيارته لواشنطن، عقد صباح أول من أمس، الأحد، اجتماعا مع محاميه للتداول في التحقيق الجنائي بشبهة حصوله على رشى. ونقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن محاميه قولهم إن الأسئلة الصعبة لم يتم طرحها على تالانسكي خلال إفادته أمام المحكمة. واعتبر المحامون أن الاستجواب المضاد سيغير صورة الوضع.

 

ويظهر من هذه المداولات أن أولمرت ومحاميه مختلفون حول موعد الاستجواب المضاد، أو الأصح حول فكرة تقديم موعد الاستجواب المضاد، إذ طالب أولمرت أن يتم تقديم هذا الموعد قائلا "يجب تقديم موعد الاستجواب المضاد وأنا لم أعد أتحمل الحملة ضدي". إلا أن المحامين اعترضوا على طلبه هذا وقالوا إنه "من الناحية القضائية فإن تقديم موعد الاستجواب المضاد ليس قرارا صائبا. إذ يتوجب استغلال التأجيل (إلى 17 تموز) من أجل دراسة كل المواد والوصول إلى المحكمة مستعدين قدر الإمكان". كذلك قال المحامون إنهم يبحثون عن تناقضات في إفادات تالانسكي وإنهم وجدوا فروقا بين روايته التي قالها أمام المحكمة وبين أقواله خلال تحقيقات الشرطة، وبين إفادات أشخاص آخرين متورطين في القضية وبينهم إفادة شريك أولمرت السابق في مكتب محاماة وصديقه، المحامي أوري ميسر.