مشروع قانون يقيد انسحاب إسرائيل من القدس والجولان

وثائق وتقارير

* تغطية لوقائع ندوة حول "التربية السياسية في إسرائيل"* اتخاذ موقف سلبي من السياسة يجعل الديمقراطية رسمية وتقنية وخالية من الشرعية الاجتماعية والحضارية *

 شكلت مسألة التربية السياسية في إسرائيل ودور مؤسسات المجتمع المدني محور ندوة بادر إليها مؤخرًا "المعهد الإسرائيلي للديمقراطيّة" في القدس الغربية، وشارك فيها مختصون في مجال التربية والتعليم، وممثلون عن مؤسّسات المجتمع المدني الساعية إلى إدخال هذا المصطلح إلى المدارس الإسرائيليّة.

 

هنا بعض وقائع هذه الندوة:

 

استهلّ البروفيسور إيال نافيه، وهو باحث كبير في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية ومحاضر في قسم التاريخ في جامعة تل- أبيب، النقاش بوصف الفترة الحالية في جهاز التعليم على أنها مليئة بالإشكاليّات والتحديات، وأحياناً تدعو إلى اليأس.

 

وتطرّق إلى الحاجة لتأهيل وإعادة إصلاح التربية السياسية بعد أن تمّ الفصل بين التربية والسياسة عند تأسيس جهاز التربية الحكومي، وكان الإدعاء أنّه يجب تحييد المدارس الحكوميّة من السياسة الأيديولوجيّة والحزبيّة. وبناءً عليه تمّت المبادرة خلال العقد الأول من قيام الدولة لإقصاء التيارات الحزبيّة والأيديولوجيّة من المدارس التي قيل إنها يجب أن تتسم بالحياديّة في مجال التوجه السياسي.

 

نافيه يعتقد أنه بعد خمسة عقود يتضح أنّ موقف وزارة التربية والتعليم إزاء الفصل ما بين التربية والسياسة أدى إلى نتائج سلبيّة، موضحاً أنّ ذلك كان السبب وراء تعامل الشباب الإسرائيليين مع السياسة على أنها تمثل الفساد والزيف وتفتقر إلى الجانب الأخلاقي، بالإضافة إلى أنّهم لا يعتبرون أنّ السياسة هي مركب جوهري في تحديد هويتهم. وفي محصّلة ذلك نشأ في إسرائيل جيل أو جيلان يفضّلان الهرب من السياسة، وفي ذات الوقت يتوقان إلى شخص قوي بإمكانه أن يفرض نظام.

 

ويشير نافيه إلى الحاجة لإجراء تأهيل أيضاً في السياسة باعتبارها الضمان الوحيد لبقاء الديمقراطيّة. ويقول إنّ اتخاذ موقف سلبي من السياسة يجعل الديمقراطية رسمية وتقنية وخالية من الشرعية الاجتماعية والحضارية. ويشترط إحداث إصلاح في السياسة لإصلاح الديمقراطيّة. ويكون هذا الإصلاح بواسطة التربية التي يجب أن تقوم على المشاركة والتدخل وأخذ المسؤوليّة والإدراك أنّ السياسة هي عالم يضم في داخله منظومة مصطلحات نقديّة وكذلك إدراك الجانب الأخلاقي باعتباره بمثابة كابح للفساد وأنّ القيمة الأساسيّة في السياسة هي تفضيل الحوار والنقاش بين مجموعات مختلفة على استعمال العنف، وأيضاً على التربية السياسية أن تقوم على أساس أنّ الشأن العام هو جزء من هويّة الفرد. ويضيف أنّ على وزارة التربية والتعليم أن تسد الفراغ النّاتج عن الفصل بين التربية والسياسة، وأن تبادر إلى إصلاح ذلك. وقد أبدى أسفه لأن مؤسسات المجتمع المدني التي تحاول سد هذه الفجوة تطلق على عملها مختلف التسميات مثل التربية المدنيّة أو الديمقراطيّة أو المجتمعيّة لكن تتجنب مصطلح تربية سياسية.

 

من جانبه عرض السيد نير ميخائيلي، رئيس قسم التربية في كليّة "سيمنار هكيبوتسيم" [تل أبيب]، الأزمة التي مرّت بها التربية السياسيّة داخل جهاز التربية والتعليم الحكومي في الفترات التاريخيّة المختلفة.

 

الفترة الأولى هي الفترة الاستيطانية قبل إقامة الدولة والتي امتازت بوجود تربية سياسية مجنّدة، قامت بها التيارات السياسيّة المختلفة التي سعت إلى الحصول على تأييد لها داخل المدارس، هذه التربية كانت تخلو من التفكير واتخاذ المواقف المستقلّة، إلا أنّها لم تخلُ من السياسة والفعاليّة والمشاركة. وكان يمكن لمس ذلك داخل الصف، إذ كان واضحاً للجميع أنّ السياسة هي جزء من الحياة. وجاءت الفترة الثانية مع سن قانون التربية والتعليم الحكومي بعد قيام الدولة، وتمّ فيها تحييد السياسة كلياً عن حياة الطلاب التربويّة داخل المدارس، وذلك من خلال إخراج الحركات الشبابيّة من المدارس ومنع المربين من التعبير عن مواقفهم أمام الطلاب ثمّ الفصل بين التربية والتعليم، وتمّ الشّروع بذلك فقط في المدارس الحكوميّة العلمانيّة. إلا أنّ ميخائيلي يعتقد "أنّه في العقدين أو الثلاثة الأخيرة، نحن موجودون في فترة ثالثة جديدة، وهي فترة الخصخصة التي تمتاز بمبادرة العديد من المؤسسات التربوية الخارجيّة للدخول إلى جهاز التربية الرسمي والمدارس الحكوميّة. إلا أنّهم لا يتداولون في السياسة إنّما في سياسة اللاسياسة. وهم يعملون على عدم تطور الوعي الاجتماعي السياسي والرؤية الشاملة لدى الطلاب. وإنّما على عكس ذلك يحاولون التركيز على الأنا والهويّة الشخصيّة وتحقيق الذات وليس الشأن العام والجماهيري والنقد الاجتماعي".

 

ويقول ميخائيلي إنّ هذا الواقع يثير المشكلات نظراً لأنّ ما ينتج عنه هو كينونة اجتماعيّة تنظر إلى السياسة على أنّها نبذ وعار. ويلفت إلى أنّه تحت كنف هذه التربية الموضوعيّة هناك تربية سياسية، إذ يتم تمرير مواد سياسيّة معيّنة، إلا أنّها تمرّر كحقائق ومن باب التعليم والمعرفة مما يؤدي إلى عدم فهم الطالب للصورة الكاملة التي تساعده على أن يفكّر بشكل آخر وينتقد ويعبّر عن موقف ما. أمّا المدرسة فهي منقطعة عن المستجدّات اليوميّة وعن جدول الأعمال الاجتماعي.

 

وتطرّق ميخائيلي إلى نظريّتين بارزتين فيما يخص التربية السياسة في أيامنا.

 

النظريّة الأولى وتدعى "التنوّر السياسي" وتهدف إلى تكوين ميل للسياسة. ووفق ذلك فإنّ دور المرّبي هو عرض كل التّوجهات مع الأخذ بعين الاعتبار أن يوازن فيما بينها من دون تبنّي أو إبراز أي موقف أو توجّه. وهذه النظريّة مفضّلة لدى جهاز التربية والتعليم الرسمي ومؤسسات المجتمع المدني. أمّا النظريّة الأخرى ولا نجدها كثيراً في المستوى العملي، فتدعى "التربية النقديّة" وهي تدعو إلى التحليل والتفكير النقدي وإلى تحرير الطلاب من الوعي السائد، وهي تشكّك بكل موقف وكل قول وكل أيديولوجيا. ويتطلّع ميخائيلي إلى تبنّي نظريّة أخرى تقوّض الحاجز الذي وضع بين التربية والتعليم وتعتبر أنّ التربية قائمة بالأساس على القول ويترتب على ذلك أن يعبّر المربّي عن موقفه ورأيه الشخصي وأن يتجسّد نموذج الإنسان السياسي في شخص المعلم. ولا يرى ميخائيلي أنّ ذلك من شأنه أن يجند الطلاب.

 

وقال السّيد مايك فريشكر، مؤسّس ومدير عام معهد "مرحافيم" لتطوير المواطنة المشتركة في إسرائيل، إنّ الديمقراطيّة تلزم تعدّد الجهات المسؤولة عن التربية ولا يجب أن يكون ذلك حكراً على الدولة وأن تتم الموازنة ما بين وزارة التربية والتعليم والمؤسّسات غير الحكوميّة. ويرى فريشكر أنّ التربية المدنية يجب ألا تكون منشأة علمانيّة وألا تقوم على مصطلح المساواة. وهو يعتبر أنّ التربية المدنية لا تعني الإجماع الشامل على كل الأمور، بل تعني عدم الإجماع من دون أن يقتل أحدنا الآخر.

 

المطلوب تربية في ظل الديمقراطية لا للديمقراطية

 

 

من جهته تحدّث السّيد إيال رام، مدير "دفيئة المبادرة التربويّة" في معهد التربية للديمقراطية، عن كيفيّة تطبيق التربية الديمقراطية. وقال إنّ هذا يكون حين نربي في ظل الديمقراطية وليس للديمقراطيّة عن طريق الانتقال من دائرة إلى دائرة أكثر اتساعاً، فعندما يستطيع الطالب أن يختار كيف يوجّه حياته سيتحوّل إلى الخارج ويكون عضوًا فعّالا في محيطه وبيئته الخارجية ويحدّد لنفسه هدفاً ليس فردياً فقط، وإنّما أيضاً جماعياً.

 

د. أريك كرمون، رئيس "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، قال من ناحيته إنّ هناك شرخًا حقيقيًا في الكينونة والمسيرة التربويّة. وما يميّز المجتمع الإسرائيلي اليوم بخلاف الفترة الاستيطانيّة أنّ المجتمع يبدو كفسيفساء من دون أي رابط بين القيم المختلفة، ويمكن تجزئة هذا المجتمع على عدة خلفيات لكونه مجتمعا كثير الشرائح ويبدو أنّ كل شريحة منقطعة تماماً عن واقع الشرائح الأخرى، ما يخلق العزلة. وتعرّف هذه الشّرائح المختلفة هويّتها على النحو السلبي، مثلاً العلماني هو ليس متديّنا وهكذا. ويصف الفترة الاستيطانيّة بأنّها ساحرة، إلا أنّه من غير الممكن استرجاعها، مع أنّه يجب دائماً التطلع إلى هذه الفترة والسعي إلى تبنيها بما يتلاءم مع معطيات القرن الواحد والعشرين.

 

ويرى كرمون أنّ التربية في إسرائيل منفصلة عن المجتمع بينما في الفترة الاستيطانيّة ما تميّزت به التربية هو الدمج بين البيت والمدرسة والحركات الشبابيّة، وكانت للتربية قاعدة أيديولوجية سياسيّة.

 

وفي سياق آخر، فصل السيد حنان أوحانا، وهو مدير مشاريع في المركز المتعدّد الحضارات في القدس، ما بين التربية الأيديولوجيّة والتربية السياسيّة، ويتطلب العمل في مضمار التربية السياسية ملاءمة الفعاليّات للجمهور المستهلك، وطرح إمكانيّة الاختيار على الطلاب وأن تكون العملية متواصلة ومستمرّة وأن يكون هناك طاقم مهني، إلا أنّ ما يحدث في إسرائيل هو أنّ العديد من المؤسّسات من بين المئة وخمسة وسبعين والتي تعمل على تعزيز التعايش اليهودي- العربي، وعلى وجه الخصوص المؤسسات الصغيرة التي لا تملك الميزانيّات الكافية، تحاول نقل الأجندة التي لديها للطلاب في جهاز التربية والتعليم بأي ثمن حتى تتمكن من إثبات نجاحها أمام الداعمين لمشاريعها وبالتالي الحصول على تمويل أكبر، بالإضافة إلى ذلك فإنّ مواضع فشل هذه المؤسسات في ترسيخ التربية السياسية تعود لكون عمل الأعضاء في هذه المؤسسات إضافي علاوة على أعمالهم الأخرى، لذلك فهم لا يبذلون الجهد الكافي، وأيضاً ليس هناك منتدى يجمع ما بين كل هذه المؤسسات التي وضعت لنفسها أهدافا متشابهة.

 

السيدة مريم درموني، المسؤولة عن تطبيق تقرير كريمنتسر- شنهار في وزارة التربية والتعليم، قالت إنّ هناك أهميّة قصوى لمؤسسات المجتمع المدني. وينبغي على الدولة أن تحدّد سياسة واضحة، إلا أنها لا تفعل ذلك بشكل كاف. وذكرت أنّه على سبيل المثال في مجال العلاقات اليهودية العربية فإنّ وزارة التربية والتعليم لم تحدد أبداً سياسة واضحة بخصوص ما يسمح وما لا يسمح للمعلمين والمدراء عمله في هذا الشأن، وهنا تأتي أهميّة دور مؤسسات المجتمع المدني.

 

واشترط السّيد أمنون هيلل، وهو مدرّس تاريخ ومدنيّّّات في المدرسة الديمقراطية في الخضيرة، أن تتاح أمام الطلاب إمكانيّة المشاركة في اتخاذ القرارات في المدرسة من أجل الحصول على تربية سياسيّة تتطلب كذلك فعاليّة داخل المجتمع.