أولمرت مصاب بسرطان البروستاتا

وثائق وتقارير

 * الظاهرة ناجمة عن تراجع مستمر في أعداد المهاجرين، مقابل ارتفاع مستمر في عدد الذين يهاجرون من إسرائيل * التقديرات تشير إلى أن الميزان الصافي للهجرة إلى إسرائيل في العام الماضي بلغ 6 آلاف مهاجر * حوالي 600 ألف شخص من حاملي الجنسية الإسرائيلية يقيمون في الخارج *

 

 سجلت الهجرة اليهودية إلى إسرائيل في العام الماضي، 2007، أدنى مستوى لها منذ أكثر من 20 عاما، لكن ما "زاد الطين بلة" بالمنظور الإسرائيلي والوكالة الصهيونية، هو ارتفاع أعداد الإسرائيليين الذين "بالإمكان اعتبارهم هاجروا من إسرائيل" في العام الماضي، وفق التعبير الإسرائيلي للهجرة. ففي حين هاجر إلى إسرائيل في العام الماضي نحو 18 ألف شخص، فإن "العدد الصافي" للذين هاجروا من إسرائيل قد يصل إلى 12 ألفا، أي أن ميزان الهجرة إلى إسرائيل، هبط إلى 6 آلاف شخص.

ونستعرض في هذا التقرير مصادر هذه الهجرة، وحتى توزيعة إقامة المهاجرين في إسرائيل بعد وصولهم، إضافة إلى احصائيات ملفتة للنظر حول المهاجرين من إسرائيل، وهي معطيات لا يكثر مكتب الإحصاء، والجهات ذات الصلة، الحديث عنها كثيرا.

بداية نذكر بعض الإحصائيات ذات الشأن، التي ظهرت في عدد من تقارير "المشهد الإسرائيلي" في الأسابيع الأخيرة، ومن بينها أن عدد أبناء الديانة اليهودية في العالم بلغ حتى سنة 2007، ووفق معطيات الوكالة اليهودية، 155ر13 مليون نسمة، 81% منهم يعيشون في إسرائيل (4ر5 مليون) والولايات المتحدة (25ر5 مليون) وفي الدرجة الثالثة دول الاتحاد الأوروبي (155ر1 مليون).

كذلك فإن معدل الهجرة إلى إسرائيل يتراجع سنويا، منذ سنة 2001 التي سجلت هوّة كبيرة عن السنة التي سبقها، وتسارعت وتيرة الهبوط، حتى العام الماضي، الذي سجل حصيلة تذكر بمعدلات الهجرة في سنوات الثمانين الماضية، ففي حين أن معدل الهجرة إلى إسرائيل في سنوات التسعين كان 100 ألف مهاجر سنويا، فإن المعدل منذ 2001 وحتى العام الماضي أقل من 20 ألفا.

وتقول التقديرات الإسرائيلية والصهيونية إن السبب الأوضح لتراجع الهجرة، هو تراجع أعداد اليهود في الدول الفقيرة، وأن 90% من أبناء الديانة اليهودية في دول العالم، خارج إسرائيل، يعيشون في دول مستوى المعيشة فيها أعلى من المستوى في إسرائيل.

ومنذ قيام إسرائيل في سنة 1948، وحتى العام الماضي، هاجر إلى إسرائيل ثلاثة ملايين شخص، وهاجر منها قرابة 700 ألف شخص، من بينهم، وحسب التقديرات، حوالي 600 ألف على قيد الحياة، وثلث الهجرة إلى إسرائيل، أي مليون مهاجر، كان من 1990 إلى 1999، وهي أكبر هجرة تتحقق خلال عقد واحد من الزمن، ولكن أعلى نسبة هجرة قياسا بعدد السكان كانت في السنوات الثلاث الأولى لقيام إسرائيل، من 1948 إلى 1951، حين وصل عددهم إلى قرابة 688 ألف مهاجر، وأكثر سنة على الإطلاق وصل فيها مهاجرون، كانت 1990 إذ وصل خلالها قرابة 200 ألف مهاجر، وفي السنة التي تلتها 176 ألف مهاجر.

 

المهاجرون إلى إسرائيل

 

 

وقال تقرير دوري لمكتب الإحصاء المركزي إن عدد المهاجرين إلى إسرائيل في العام الماضي بلغ 18129 شخصا، وهو معدل يذكر بمعدلات أواسط سنوات الثمانين من القرن الماضي، وبعيد جدا عن معدلات سنوات التسعين، وأقل بنسبة 6% عن العام الذي سبقه 2006، الذي وصل خلاله 19264 مهاجرا.

وحافظت دول الاتحاد السوفييتي السابق على كونها المصدر الأكبر للمهاجرين إلى إسرائيل، إذ بلغ عدد المهاجرين من تلك الدول حوالي 6500 مهاجر، وفي المرتبة الثانية كانت أثيوبيا، التي حافظت على نفس المرتبة، بوصول قرابة 3600 مهاجر، ثم فرنسا، التي هاجر منها إلى إسرائيل 2335 مهاجرا، والولايات المتحدة، نحو 2100 مهاجر، وبريطانيا، 560 شخصا، والأرجنتين، 320 مهاجرا.

ومن حيث معدل أعمار المهاجرين، فإن المعدل حافظ على نفسه، تقريبا، فقد كان معدل أعمار المهاجرين في سنة 2006، حوالي 4ر27 عاما، وفي العام الماضي 27 عاما، ولكن هذا يعتبر أيضا أعلى من معدل الأعمار الذي كان في سنوات سابقة، حين كان يجري الحديث عن 24 إلى 25 عاما.

ويظهر أن أكثر من 10% من المهاجرين الجدد يتجاوز معدل أعمارهم 65 عاما، في حين أن نسبة الذي أعمارهم حتى 14 عاما تصل إلى 5ر24%، وكانت نسبة الذين أعمارهم من 15 عاما وحتى 64 عاما 65%، وفق تقرير مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي.

ويشير التقرير ذاته إلى أن أكثر من 61% من المهاجرين الجدد يختارون الإقامة في المناطق الغنية، وحتى الذين يتوجهون إلى مناطق فيها مستوى المعيشة أقل، أي الشمال والجنوب، فإنهم يختارون مدنا وبلدات فيها مستوى المعيشة أعلى.

ونقرأ أنه من أصل 18129 مهاجرا، فإن 3413 مهاجرا قرروا الإقامة في القدس المحتلة، وحسب تقارير سابقة فإن الغالبية الساحقة من هؤلاء تختار الاستيطان في الأحياء الاستيطانية الجديدة في المدينة، مثل مستوطنة "هار حوما" الجاثمة على جبل أبو غنيم وغيرها، في حين أن أكثر من 5800 مهاجر أقاموا في مدينة تل أبيب ومنطقة المركز من حولها، حيث أعلى مستوى معيشة في إسرائيل، وتوجه أكثر من 1350 مهاجرا إلى مدينة حيفا والبلدات المجاورة لها، بينما توجه 590 مهاجرا للاستيطان في مستوطنات الضفة الغربية.

ولكن الملفت للنظر أن التوزيعة السكانية تعكس أمرين هامين: "الهجرة العقائدية"، وتعامل إسرائيل مع المهاجرين من الدول الفقيرة. فعلى صعيد الهجرة العقائدية نرى أنها بارزة لدى المهاجرين من الولايات المتحدة، فمن أصل 2100 مهاجر، استوطن 1030 منهم في القدس المحتلة، و290 مهاجرا استوطنوا في مستوطنات الضفة الغربية، وهذا يعني أن 65% من المهاجرين الأميركان اليهود لديهم توجهات عقائدية في الهجرة وهي أعلى نسبة، حسب تقسيم الدول.

والأمر ذاته نجده مثلا لدى المهاجرين من بريطانيا على الرغم من قلتهم نسبيا، فمن أصل 560 مهاجرا، استوطن 234 منهم في القدس المحتلة، و32 في مستوطنات الضفة الغربية، أي 46%، وتهبط هذه النسبة لدى المهاجرين من فرنسا إلى 26%.

أما بالنسبة لتعامل إسرائيل مع المهاجرين من الدول الفقيرة، فهذا ما نلمسه من مكان توزيع المهاجرين من أثيوبيا، فمن أصل حوالي 3600 مهاجر من أثيوبيا، تم توطين 1600 منهم في المنطقة الشمالية، وحوالي 1200 في منطقة الجنوب، أي أنه تم نقل 78% منهم إلى المنطقتين التي فيهما أقل مستوى للمعيشة في إسرائيل، ولم يُنقل أي منهم إلى تل أبيب مثلا، ويبدو الوضع "أفضل" نوعا ما فيما يتعلق مع المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق، فقد تم توجيه 950 مهاجرا إلى الشمال، و1600 إلى الجنوب، أي نحو 40% من مجمل المهاجرين من تلك الدول.

 

الهجرة من إسرائيل تزداد نسبيا

 

أثارت معلومة غير دقيقة ظهرت في القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، من جديد، مسألة الهجرة من إسرائيل، فقد قالت القناة إن ميزان الهجرة كان سلبيا بالنسبة لإسرائيل في العام الماضي، إذ هاجر إليها قرابة 18 ألفا، وهاجر منها 19 ألفا، ولكن هذه المعلومة كان ينقصها ذكر الذين عادوا إلى إسرائيل بعد غياب.

وحسب التعريف الإسرائيلي للشخص الذي يهاجر إسرائيل، فإنه كل شخص غادر إسرائيل لمدة عامين متواصلين، دون أن يزور إسرائيل ولو لبضعة أيام خلال غيابه. ولا يوجد في القانون الإسرائيلي ما يلزم السلطات بسحب الجنسية الإسرائيلية، بسبب بقائه لسنوات خارج إسرائيل، حتى وإن لم يعد إليها.

وحسب السجلات الإسرائيلية فإنه منذ سنة 1948 وحتى السنة الماضية غادر إسرائيل كمهاجرين أكثر من 700 ألف مهاجر، الغالبية الساحقة جدا هي من اليهود، وأيضا حسب التقديرات، فإن ما بين 80 ألفا إلى 120 ألفا أصبحوا في عداد الموتى، بمعنى أن قرابة 600 ألف شخص من الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية متواجدون في هذه المرحلة خارج إسرائيل، ويعتبرون مهاجرين، إلا أن الإحصائيات لا تذكر عدد الذين قرروا التنازل عن الجنسية الإسرائيلية.

وحسب التقديرات لسنة 2007، فإن عدد الذين هاجروا من إسرائيل قد يصل في نهاية المطاف إلى حوالي 12 ألفا، وفق التقديرات، وهذا على اعتبار أن عدد المهاجرين كان في حدود 19 ألفا إلى 20 ألفا، وأنه خلال العام عاد قرابة 8 آلاف.

ويظهر من آخر تقرير لمكتب الإحصاء المركزي، حول قضية الهجرة من إسرائيل وفق معطيات سنة 2005، أن عدد الذين هاجروا من إسرائيل كان 21500 شخص، غادروا إسرائيل مع توجهات للبقاء خارجها لمدة طويلة (أكثر من عامين)، وفي نفس السنة عاد إلى إسرائيل قرابة 10 آلاف شخص، وهي وتيرة قريبة للمعدل العام في السنوات الأخيرة.

ويظهر أن معدل أعمارهم في حدود 30 عاما، بمعنى أكبر من معدل المهاجرين إلى إسرائيل (27 عاما).

ويتضح من ذلك التقرير، أن 9% من الذين هاجروا إلى إسرائيل من سنة 1990 إلى سنة 2005، قد غادروها لفترة طويلة وبالإمكان اعتبارهم هاجروها، ففي تلك الفترة هاجر إلى إسرائيل 2ر1 مليون نسمة، في حين أن 111 ألفا منهم غادروا إسرائيل، على الأغلب عائدين إلى أوطانهم الأصلية، وهذا عدا الإسرائيليين الذين هاجروا إسرائيل في نفس الفترة.

يذكر في هذا المجال أن الحكومة الإسرائيلية وضعت في العام الجاري مخططا لإقناع حاملي جنسية إسرائيلية بالعودة إلى إسرائيل، بمناسبة 60 عاما على قيام إسرائيل، وفي صلب هذا المخطط دفع محفزات مالية كبيرة، خاصة في ما يتعلق بالتأمين الصحي ومنح مالية لشراء بيوت، إضافة إلى قروض سهلة لشراء البيوت، ومساعدات في إيجاد أماكن عمل مناسبة، أو محفزات مالية لإقامة مصالح تجارية خاصة.

وعلى الرغم من هذه المحفزات، فإن التقديرات الرسمية لا تشير إلى "تفاؤل" من حيث التجاوب، فوزارة الاستيعاب تتوقع أن يتجاوب مع الدعوة الإسرائيلية لا أكثر من 15 ألف شخص، من أصل 600 ألف شخص من حاملي الجنسية الإسرائيلية الذين يقيمون خارج إسرائيل.

 

مخطط لاستعادة شعور الانتماء لإسرائيل

  

القضية الجديدة التي باتت مطروحة ضمن قائمة أسباب تراجع الهجرة اليهودية إلى إسرائيل، هي ما تشير إليه سلسلة من استطلاعات الرأي بين اليهود في العالم، وحتى في إسرائيل، أو بين أولئك الذين هاجروها، بشأن تراجع الشعور بالانتماء لإسرائيل، وهو عامل مهم في إطار إقناع الفرد اليهودي بالهجرة إلى إسرائيل، أو أن يخدم مصالحها من وطنه.

وهناك قلق كبير جراء تراجع الشعور بالانتماء لإسرائيل لدى يهود العالم.

وكان "المشهد الإسرائيلي" قد نشر في حينه عدة استطلاعات علمية، أكدت على تراجع شعور اليهود في العالم بالانتماء لإسرائيل، وخاصة لدى الأجيال اليهودية الشابة.

ومن أهم الاستطلاعات تلك المتعلقة بثاني أكبر تجمع لليهود في العالم، الولايات المتحدة، التي يعيش فيها قرابة 25ر5 مليون يهودي، ويظهر من تلك المعطيات أن 50% من هؤلاء يندمجون في ديانات أخرى، ويتخلون عن اليهودية.

كما أن 50% من الشبان الأميركان اليهود لا يشعرون بأي انتماء لإسرائيل، وأن 20% فقط من الأميركان اليهود دون سن 35 عاما يشعرون بانتماء قوي لإسرائيل، وأن 70% من الأميركان اليهود لم يزوروا إسرائيل إطلاقا.

 

وأشار بحثان جديدان نشر عنهما في الأسبوع الماضي، إلى أن أبناء الإسرائيليين الذين يولدون في الخارج لوالدين هاجروا إسرائيل، يبتعدون بقدر كبير عن "الهوية الثقافة الإسرائيلية"، حسب تعبير البحث.

وقد فحص البحثان ما إذا كانت العائلات الإسرائيلية المهاجرة إلى الخارج تهتم بالحفاظ على "هويتها وثقافتها الإسرائيلية" لدى إقامتها في الخارج، أم أنها تتبنى هوية وثقافة الدول التي هاجرت إليها، وتبين أنه على الأغلب فإن الوالدين فقط أو البالغين من أبنائهم يحافظون بقدر ما على هذه الهوية والثقافة، بينما تضعف بقدر كبير لدى الأبناء الذين ولدوا في الخارج.

وعلى ضوء هذا الوضع، فقد شرع ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية، وبإيعاز من رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، في الآونة الأخيرة، في إعداد مخطط متشعب يهدف إلى استعادة شعور يهود العالم بالانتماء لإسرائيل، وهذا على ضوء التقارير التي تؤكد تراجع هذا الشعور.

وقد عقد اجتماع موسع بمشاركة كافة الأطر الناشطة بين أبناء الديانة اليهودية في أوطانهم المختلفة في العالم، إضافة إلى الوكالة اليهودية، بهدف "إعداد سلسلة من البرامج الصهيونية" في إسرائيل وخارجها لجذب اليهود إلى إسرائيل، وترسيخ انتمائهم إليها.

وقال ممثلو الوكالة اليهودية في الاجتماع إن مسألة الشعور بالانتماء هي حلقة هامة في إطار تحفيز اليهود في العالم على الهجرة إلى إسرائيل، خاصة على ضوء التراجع المستمر في أعداد المهاجرين اليهود سنويا إلى إسرائيل.

وبحث الاجتماع عدة مقترحات، من بينها إقامة مراكز "ثقافة إسرائيلية" في دول العالم، ومعاهد لتعليم اللغة العبرية، إضافة ملايين الدولارات على ميزانية تشجيع الشبان اليهود في العالم على زيارة إسرائيل ولو لمرة واحدة، وإقامة جامعة يهودية عالمية، وغيرها من المقترحات.

وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن المجتمعين اتفقوا على أن "إسرائيل لم يعد بوسعها أن تتباكى على وضعها لدى يهود الشتات"، حسب التعبير، بل عليها أن تبحث عن وسائل جذب اليهود إليها، وأن تشاركهم همومهم.

هذا وتقرر إقامة طاقم خاص برئاسة مدير مكتب أولمرت، وعضوية ممثل الأطر اليهودية والصهيونية المختلفة، لإعداد المخطط بشكل كامل، والشروع بتنفيذه.