حكومة إسرائيل مُطالبة بتقليص ثلاثة مليارات دولار في ميزانية العام المقبل

ثقافة وفن

تقديم:
تمثل قصيدة "كيف تختفي داخل جسد امرأة" (من ديوان "قصائد إلى أسرى السجون"، حانوت هسفاريم هعتسمائيم، 2016، بالعبرية) للشاعر الإسرائيلي ألموج بيهار معارضة شعرية لنص الكاتب المصري هيثم الورداني التي حمل عنوان "كيف تختفي" (المطبعة الوطنية، عمان، 2013). وهذا النوع من التفاعل النصي يحدده جيرار جينيت باسم النصية المتشعبة أو المتفرعة، التي "تتضمن أية علاقة تجمع بين نص أسماه بالنص المتفرع، ونص آخر أسماه بالنص الأصلي"، وهذه العلاقة لا تقف عند حدود الاستدعاء الجزئي أو الإلماحي، بل تتعدى ذلك لنوع من التحويل المقصود لنص سابق في نص لاحق.

وقد اهتم الجزء الأكبر من طرح جينيت بالطريقة التي يتم بها إجراء تحويلات النصوص المتفرعة للنصوص الأصلية، من خلال عمليات التهذيب الذاتي والحذف والاختزال والتوسع. وبجانب التحولات الشكلية هناك أيضا تحولات رؤيوية تتحدد فيما أسماه جينيت بتحولات الدافع؛ وهو أن يشتمل النص المتفرع على دوافع شخصية للكاتب لا توجد في النص الرئيس.

والنصية المتفرعة - باعتبارها فئة من الأعمال- هي في حد ذاتها نوع أدبي، أو بتعبير أدق نص جامع لأدب مواز، أي فئة من النصوص التي تشمل أنواعا أدبية أساسية محددة البناء بالكامل مثل المعارضة الأدبية والمحاكاة الساخرة والتقليد الهزلي، والتي من شأنها أن تؤثر أيضاً على الأنواع الأخرى وربما على كل الأنواع.

يقوم نص هيثم الورداني على خطاب إرشادي يطرح عددا من الإجابات المحتملة على السؤال الرئيس الذي عنون به النص "كيف تختفي"، وعلى عدد آخر من الأسئلة التي جاءت بوصفها أجهزة عنوانية لنصوص القسم الأول من الكتاب مثل: "كيف تعاود الظهور- كيف تستمع إلى صوتك الداخلي- كيف تغيّر ترددك"، واعتمد في خطابه على التركيب الفعلي لصيغة الأمر الذي ينهض بوظيفة توجيه النصح والإرشاد. وقد وظف الشاعر ألموج بيهار في نصه المتفرع التركيب الفعلي نفسه للقيام بالوظيفة نفسها الخاصة بتوجيه الإرشاد حول تحقيق الغرض من سؤاله "كيف تختفي داخل جسد امرأة"، وهو السؤال الموسع من سؤال النص الأصلي لهيثم الورداني.

واعتمد بيهار في تحويله لنص الورداني على آلية التوسع بداية من العنوان وانتهاء بعدد مقاطع النص، ففي حين حوى نص الورداني ثمانية مقاطع للرد على سؤاله "كيف تختفي"، حوى نص بيهار سبعة عشر مقطعا للرد على سؤاله "كيف تختفي داخل جسد امرأة"؛ حيث استنطق بيهار كل ما في النص السابق من دوال أسمية وتراكيب فعلية، وكل ما ليس فيه من مسارات كامنة، وحوّل النص بأن نمّى فيه في الاتجاه الذي يعبر عن مقصديته ورؤيته الجديدة.

وألموج بيهار (1974) شاعر إسرائيلي من أصل عراقي، اهتمت أشعاره منذ البداية بطرح العديد من القضايا الفكرية المتعلقة بالوضع السياسي والاجتماعي والثقافي في المجتمع الإسرائيلي، وفي ديوانه "قصائد إلى أسرى السجون" (2016) يستدعى بيهار عددا من الشعراء مثل: محمود درويش، ومروان مخول، وسميح القاسم، وخورخي لويس بورخيس، وبابلو نيرودا وغيرهم من الشعراء، ويوظف نصوصهم في متنه الشعري الخاص بوصفها شكلا من أشكال النصية الثقافية التي تستدعي خلفيات معرفية متعددة تتوافق مع خلفية الشاعر المعرفية والثقافية.

*****
1.
اختر مكاناً عامّاً مثل مقهى أو حديقة أو شارع مضيء.
2.
اختر امرأة. ليس بالضرورة أن تكون الأجمل
في المقهى أو الحديقة أو الشارع المضيء. من الممكن
أن تكون هذه المرأة التي توائم بين لون بنطالها ولون عينيها مثلا،
أو تلك التي تقصّر تنورتها كما ينبغي، بما
يسمح به الحياء وبما يجاري الموضة،
أو تلك التي يوحي ارتعاش شفتيها بأنها ربما تقرأ الشعر.
3.
اكتب لها قصيدة. قد تبدو وكأنها كُتبت لكل النساء
في كل الأزمان، لكن إذا قرأتها لها بصوتك
اجعلها تشعر بأنها كُتبت لها فقط.
ومن الأفضل أن تكون مؤلفها.
4.
اعرف إن كان لديها صديق، إن كان لديها صديقات، إن كانت
مرتبطة أو لا، إن كانت سعيدة أو حزينة،
إن كانت تحب الشعر. وابحث عن فرصة
لتقرأ عليها قصيدة.
5.
اقرأ عليها القصيدة. وإن كنتَ تخجل من القراءة بصوتك،
أو لا تجد الوقت والمكان مناسبين، اكتبها لها بخط يدك
واكتب فوق الظرف اسمك ورقم هاتفك.
6.
بعد الانتهاء من القراءة، إن لم تدعُك إلى بيتها،
أو إلى الدخول لحجرتها، أو لتعيد على مسامعها القصيدة مرة أخرى والجميع نائمون،
أو لتدخلها في جسدك، أخبرها بأنك لن تستطيع إكمال القصيدة، التي تحوي
تفسير "كيف تختفي داخل جسد امرأة"، إذا لم تكن قد اختفيت
على الأقل مرة واحدة داخل جسد امرأة. أخبرها
أن القصيدة لا تزال ينقصها بعض الأبيات.
7.
اقبل دعوتها للذهاب إلى البيت. الآن تأتي فرصتك الحقيقية
لكي تختفي داخل جسد امرأة. ادخل وراءها الحجرة. وبدلا من
التركيز على تيار الأفكار التي تدور في رأسك أنصتْ للأصوات التي تعلو منها،
لكلماتها، لاحتكاك أصابعها، لصوت نسيج بنطالها عند التقائه بملاءة سريرها
للطريقة التي تبلع بها ريقها، والتي ترسل بها قبلاتها
للعالم. لا تكن مرتبكا للغاية ولا واثقا للغاية. انتظرها بأمل حذر
لكن دع نظرتك تتلاشى داخل عينيها.
8.
تذكر أن الكلمات هي قبل أي شيء نغمات، تنازل قليلا عن المعنى
من أجل الموسيقى وانصتْ لكل صوت يعلو من شفتيها أو من داخلها.
تذكر أنها إذا عشقتك، حينها فقط تقدر على أن تختفي بالكامل داخلها، تذكر
أنك إذا عشقتها لن تقدر على الاختفاء أبدا.
9.
احتفظ في ذاكرتك بهذه البديهيات. مثلا
إن الشَّعر يكون أنعم عندما يتحرك فوق وجهك من أعلى إلى أسفل
وليس من أسفل إلى أعلى، وإن ظهر كف اليد يكون أبرد قليلا من كف اليد نفسه
عندما يداعب بطنك.
10.
افهم جيدا أنه لا توجد هيراركية أثناء تجربة الاختفاء. لذلك عليك أن تركز
انتباهك على الحركة التي تخلع بها حذاءها
للطريقة التي تسحب بها تنورتها، للحظة التي
تنزع خلالها حمالة الصدر أو تسلّ قدميها من الجوربين،
للطريقة التي تكشف بها عن كتفيها والتي تدخل بها إحدى يديها،
اليسرى على الأغلب، من أسفل قميصك
وبعدها لأسفل بنطالك.
11.
امنحها اسما وامنح نفسك اسما أيضا. لا يهم إن كان هناك أحدٌ في العالم
يعرفك بهذا الاسم، أو أن هناك امرأة أخرى تُعرف بالاسم نفسه،
أنت في طريقك للاختفاء وبعد قليل ستستطيع التخلي كذلك عن هذا الاسم
الغريب. وهي كذلك ستتمكن من الاختفاء عندما تختفي أنت، بداخلك مثلما ستختفي
بداخلها. ولذلك لا تقل بصوت، ولو لمرة واحدة، تلك الأسماء
التي منحتها لكما.
12.
فكر في كل الحيوانات التي شاهدتها تمارس الحب. كلاب أو أحصنة
أو بقر أو جمال أو قطط. فكر الآن في أنها تحدق فيكما،
ليس بدافع الاهتمام بك أو بها، وليس بدافع الانجذاب إلى جسديكما العاريين،
لكن لكي يعرفوا ما يصفونه عندما يُسألون:
كيف يبدو الإنسان وهو يمارس الحب؟
13.
احبس الأنفاس لوقت محدد. ليس بدافع التفكير في الموت.
أنت حيّ الآن. لكن كيلا يزعجك صفير الهواء الصاعد والهابط من رئتيك
وأنت تنصت لجيرانها بينما تمارسان الحب.
حاول أن تعرف لأي برنامج تليفزيوني يحب أن يستمع الجار في الطابق العلوي،
ولماذا أوصدت ابنة الجيران في الطابق السفلي باب حجرتها بعنف
تحديدا أثناء الحركة التي أوصدته بها بعنف.
14.
تذكر أنك لم تسألها عن دينها، وما تفعله في أيام
الجمعة أو السبت أو الأحد، ولا أين درست، وكيف تشرب
القهوة الصباحية، أو الشاي، وهل كانت نباتية،
ومن هي شاعرتها المفضلة. وإن نجحتَ في تجربة الاختفاء
لن تعرف للأبد. ولن تندم.
15.
احذر الذكريات التي تنتابك في اللحظة التي تشعر فيها بلحمها،
لا تستسلم للرغبة في المقارنة بينها وبين الأخريات، اللائي يملك أغلبهن
ذائقة أكثر جمالا في اختيار الملاءات، لا تستسلم للرغبة في مقارنة
المسافة بين وجهك ووجهها والمسافة بين وجهك ووجه امرأة أخرى، حقيقية كانت أو متخيلة.
اسمح للحاضر بأن يقودك ولا تذعن للماضي. وبالمعدل نفسه لا تذعن كذلك للمستقبل،
ولا تحاول أن تخمن كيف ستبدو عندما تبلغ الستين، وهل ستهمس في أذنيك
بالعذوبة نفسها في صباح اليوم التالي.
16.
الآن، تحديدا في اللحظة التي أصبحت بها داخلها
في تلك اللحظة تحديدا اهمس لها: "أريد أن أظل داخلك وأنام بلا حراك".
إذا لم تسمعك وواصلت ممارسة الحب معك مثل البداية،
اعلم أنك اختفيت، ولا حدود أخرى بينك وبينها. إذا سمعتك
وتوقفت عن الحركة وغفت بداخلك مثلما غفوت بداخلها، فقد اختفيتما
معاً. إذا ضحكت أو غضبت فلم تنجح في الاختفاء هذه المرة،
لكن على الأقل اشتدت رغبتك في ذلك.
17.
إذا كنت لم تختفِ بعد، عُد للمرحلة الأولى واختر مكانا عاما آخر،
مثل مقهى أو حديقة أو شارع مضيء. اختر امرأة أخرى.
ليس بالضرورة أن تكون الأجمل، لكن من الممكن أن تكون
تلك التي توحي لك شفتاها بأن رجلا لم يقرأ عليها قصيدة.

______________

(*) ناهد راحيل: أستاذة الأدب الحديث والمقارن بكلية الألسن في جامعة عين شمس. شاركت في عدد من المؤتمرات الدولية والورش الأدبية العربية. حصلت على عدد من الجوائز في مجال النقد الأدبي مثل الجائزة الأدبية المركزية التابعة لقصور الثقافة بمصر 2015، وجائزة الشارقة للإبداع العربي التابعة لدائرة الثقافة بالشارقة 2016.
نشر لها العديد من القراءات النقدية والترجمات الأدبية والبحوث المحكمة في المجلات والدوريات العربية.
صدر لها كتاب "شعرية العتبات"، دراسة في النص الموازي لشعر محمد عفيفي مطر عن دائرة الثقافة بالشارقة 2016، وكتاب "الشعر والفنون، دراسة مقارنة في آليات التداخل" عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2018.
الترجمة خاصة.