تقرير "مركز طاوب": تآكل أجور المستخدمين الأكاديميين وارتفاع غلاء المعيشة يبعدان العائلات الشابة عن الطبقة الوسطى

اقتصاد ومجتمع

*رواتب اليهود الأشكناز 133% من معدل الرواتب العام ورواتب اليهود الشرقيين 107%، أما العرب فمعدل الرواتب عندهم لم يزد عن 68% من المعدل العام * دخل العائلات الأكثر ثراء ارتفع بنسبة 19% مقابل نسب تكاد لا تذكر لدى العائلات الفقيرة*

 

*رواتب اليهود الأشكناز 133% من معدل الرواتب العام ورواتب اليهود الشرقيين 107%، أما العرب فمعدل الرواتب عندهم لم يزد عن 68% من المعدل العام * دخل العائلات الأكثر ثراء ارتفع بنسبة 19% مقابل نسب تكاد لا تذكر لدى العائلات الفقيرة*

 

كتب برهـوم جرايسي:

 

أظهر تقرير مركز أدفا الصادر في الأيام الأخيرة اتساع الفجوات الاجتماعية بين شريحة المداخيل الأكبر، والشرائح الفقيرة، وقد بلغت الفجوة بين ذوي أعلى المداخيل وأقلها 114 ضعفا. ويؤكد التقرير أن النمو الاقتصادي الذي شهدته إسرائيل على مدى السنوات الماضية، لم يصل إلى الشرائح الفقيرة بالقدر الذي استفادت منه الشرائح الغنية.

 

ويعزو واضعو التقرير اتساع عدم المساواة إلى السياسة المعتمدة منذ ثلاثة عقود، والقائلة بأن النمو يجب أن يخضع لقيادة القطاع الصناعي، فيما يقوم الجهاز الرسمي بخفض أدواره وميزانياته.

 

ويقول التقرير إنه "على سبيل المثال خفضت الحكومة نفقاتها تفاديا لمنافسة القطاع الصناعي على مصادر التمويل، وأقدمت الحكومة على خصخصة أموال الادّخار التقاعدي لإتاحة استعمال هذه الأموال كائتمان للمجموعات الرأسمالية، كما خفضت الحكومة ضريبة الشركات في محاولة لجذب الشركات الأجنبية. وقامت الحكومة بهذه الإجراءات وغيرها اعتقادا منها بأن نمو القطاع الصناعي سوف يغطي كل احتياجات المجتمع الإسرائيلي".

 

ويرى التقرير أن النمو الاقتصادي هو أمر في غاية الأهمية، ولا يجوز قصره على القطاع الصناعي فقط. المجتمع الإسرائيلي بحاجة إلى توسيع دور الجماهير والدولة لجهة خفض عدم المساواة الضخم، للتعويض من جهة عن الأضرار اللاحقة بالفئة العشرية الأخيرة، ولضمان أن يكون النمو في المستقبل ثمرة يشارك فيها كافة الإسرائيليين، لا فئات قليلة وضيقة من السكان.

 

إلى ذلك، يرى التقرير "أن قدرة إسرائيل على تأمين نمو راسخ ولفترات طويلة تعاني كثيرا من غياب الاتفاق السياسي مع الفلسطينيين: ففي العقد الماضي، حين شهد معدل الناتج القومي للفرد في شرق آسيا ارتفاعا كبيرا، وكان في الصين، على سبيل المثال، 7ر9%، و1ر4% في بولندا، فقد ارتفع الدخل القومي للفرد في إسرائيل بنسبة 6ر1% فقط. ويعود الأمر إلى أن الدخل القومي للفرد في إسرائيل في فترة الانتفاضة الثانية ليس أنه لم يزِدْ فحسب، بل إنه انخفض أيضًا. صحيح أن البلدان الغربية الغنية نمت هي أيضا بمعدلات طفيفة، إلا أن الدخل القومي للفرد فيها أكبر بكثير منه في إسرائيل، وإذا أرادت إسرائيل أن تحاكيها، يجب أن تنمو بوتيرة أعلى منها، وهذا يقتضي استقرارا اقتصاديا طويل الأجل".

 

 

فجوات في المداخيل

 

 

ويتعامل التقرير، كما باقي التقارير الاجتماعية والاقتصادية، مع عشر مراتب لمستوى دخل العائلة، بحيث أن المرتبة العليا هي للأكثر دخلا والدنيا للأقل دخلا، ولكن هذه التوزيعة لا علاقة لها بعدد السكان، بمعنى أن عدد السكان في كل واحدة من هذه المراتب يزداد كلمات تدنت المرتبة.

 

ويظهر من التقرير أنه في الفترة ما بين العامين 2000- 2010 ارتفع الدخل السنوي لغالبية العائلات بنسب ضئيلة، فيما ارتفع دخل العائلات الأكثر ثراء بنسبة 19%، ويعود هذا الارتفاع الحاد إلى الارتفاع الكبير الذي شهده أجر المديرين الكبار في السوق، ففي الشركات المدرَجة على مؤشر البورصة "تل أبيب 25"، ارتفعت كلفة أجر المديرين بمعدل 142% في الفترة ما بين العامين 2000- 2010.

 

ويرى التقرير أن معطيات الإيرادات في العقد الماضي تتناقض مع الوعود التي يردّدها كبار المسؤولين في المؤسسة الرسمية والاقتصاد، بزعمهم أن النمو الاقتصادي سوف يؤتي ثماره "في نهاية المطاف" لما فيه مصلحة الجميع. فصحيح أن الدخل القومي في العام 2010 كان أعلى بنسبة 36% مما كان عليه في العام 2000، لكن إيرادات الغالبية الساحقة من العائلات، وليس فيها كلها، ارتفعت بنسب محدودة فقط. أما الشريحة التي ارتفعت إيراداتها ارتفاعا كبيرا - 19%- بفضل النمو الاقتصادي، فتتمثّل في ما يطلق عليه في إسرائيل "المئوية العليا"، بمعنى من نسبتهم في المجتمع 1%.

 

ويقول التقرير: في العام 2010 ارتفعت مداخيل كافة العائلات في إسرائيل ولكنها عادت، في معظم الحالات، إلى مستواها الذي سجلته في العام 2008 قبل انفجار الأزمة المالية العالمية. وقد سجّلت المراتب الخمسة الدنيا الارتفاع النسبي الأكبر بعدما كانت قد تضرّرت أكثر من غيرها في العام 2009. مع ذلك، فقد استفادت المرتبة العليا من ارتفاع هو الأكبر كميّا - 500 شيكل للشهر الواحد، أي ما يعادل حوالي 140 دولار، وفق معدل الصرف الذي كان قائما في العام الماضي 2010.

 

وجاء في التقرير أنه إذا استعرضنا الوضع على امتداد العقد الماضي نرى أن المرتبة العليا كانت أول المستفيدين من ارتفاع المداخيل، ففي الفترة بين 2000 و2010 ارتفع دخل هذه العائلات بنسبة 7ر3%، أي ما يعادل 1682 شيكلا (465 دولارا)، مع العلم وكما ذكر فإن هذا الارتفاع يعود أساسا إلى ارتفاع إيرادات "المئوية العليا".

 

ويشير التقرير إلى أن نسبة عدم المساواة في إسرائيل هي إحدى الأسوأ بين دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OECD، إذ تحتل إسرائيل، وفقا لمؤشر "جيني"، المكان الخامس من بين 27 دولة. كذلك فإنه في حين ارتفعت نسبة عدم المساواة (مؤشّر جيني) في دول OECD منذ الثمانينيات بمعدل متوسط بواقع 3ر4%، ارتفع مؤشر "جيني" في إسرائيل بما يعادل نسبة 8ر13%.

 

ونقرأ أنه في العام 2010 بلغ الأجر المتوسط للنساء في الشهر 6386 شيكلا، أي ما يعادل 66% من الأجر الشهري المتوسط للرجال. وبلغ الأجر المتوسط للساعة بين النساء 43 شيكلا، أي ما يعادل 84% من أجر الرجال المتوسط للساعة. وتجدر الإشارة إلى أن الفجوة بين أجر النساء للساعة وبين أجر الرجال للساعة بقيت راسخة على امتداد الفئة العشرية الأخيرة، بنسبة ما يقارب 84%.

 

وحسب التقرير فإنه في العام 2010 اتّسعت الطبقة المتوسطة بعض الشيء بعد أن كانت في السنة التي سبقتها- 2009- قد بلغت أدنى نسبة لها منذ بداية العقد. فقد ارتفعت نسبة الطبقة المذكورة في 2010 مقارنة بمجمل مداخيل العائلات في إسرائيل من 6ر26% إلى 8ر27%، وزادت حصتها من مجمل مداخيل العائلات من 5ر20% إلى 3ر21%.

 

ومنذ العام 1998 طرأ انكماش في الطبقة المتوسطة، فقد تقلصت نسبتها من 5ر28% من مجمل مداخيل العائلات في إسرائيل إلى 8ر27%، أما حصتها من مجمل المدخولات فقد انخفضت من 22% إلى 3ر21%. وتجدر الإشارة إلى أن الشريحة المتوسطة تشمل كافة العائلات التي يتراوح دخلها ما بين 75% و125% من مدخول العائلات الخارجي. ويبرز هذا الانخفاض خصوصا على ضوء كون الطبقة المتوسطة في إسرائيل أصغر حجما منها في غالبية (OECD).

 

وفي العام 2010 شهد الدخل الشهري للأجيرين الأشكناز (اليهود الغربيين) انخفاضا قياسا بمعدل الرواتب العام للأجيرين بواقع 8 نقاط بالمئة، من 141% فوق معدل الرواتب العام في العام 2009 إلى 133% فوق معدل الرواتب العام في 2010. مقابل ذلك، ارتفع دخل اليهود الشرقيين بواقع أربع نقاط بالمئة، إلى مستوى 107% فوق معدل الرواتب العام. أما دخل الأجيرين العرب الشهري فقد بقي على حاله دون تغيير: 68% من معدل الرواتب العام، على غرار مستوى دخلهم (نسبيا) في العام 2000.

 

وفي العام 2010 شهدت كلفة الدخل السنوي المتوسط لكبار المديرين في الشركات التي تندرج في مؤشر البورصة "تل أبيب 25" (الشركات الـ 25 الأكبر في البورصة) ارتفاعا بواقع 30% (مقارنة بالعام 2009) وبلغت زهاء 12 مليون شيكل في العام لكل مدير، أي 314ر3 مليون دولار سنويا، وهو ما يعادل 114 ضعفا من معدل الرواتب العام، علما أن هذه النسبة كانت في العام 2000 لا تتعدى 49 ضعفا.

 

التعليم والتعليم العالي

 

 

ويفرد التقرير الاجتماعي لمركز أدفا حيزا لملف التعليم والتعليم العالي، ويقول إن جهاز التعليم المدرسي لم ينجح حتى الآن في كسر حاجز نسبة 50%، في مسألة الحصول على الشهادة المدرسية النهائية (التوجيهي أو الثانوية)، وهي في حدود 3ر48%، ولكن كما هو معروف فإن نسبة الطلاب اليهود الذين يحصلون على هذه الشهادة تقفز عن نسبة 55%، وإن ما يخفض النسبة العامة هو نسبة التحصيل بين الطلاب العرب، بفعل سياسة التمييز في جهاز التعليم.

 

ويقول التقرير إنه من بين خريجي المرحلة الثانوية (التوجيهي) في العام 2002، التحق 8ر33% فقط بالدراسة الأكاديمية (في الجامعات والكليات الأكاديمية في البلاد) وهذه النسبة بقيت شبه مستقرة حتى العام 2010.

 

ويبين التقرير أن التوجه إلى الدراسة الأكاديمية كان 7ر36% من النساء، مقابل 30% من الرجال، و4ر36% من الطلاب اليهود، مقابل 9ر18% من الطلاب العرب، كما يظهر أن 6ر47% من خريجي المرحلة الثانوية متحدرون من التجمعات السكانية الميسورة، مقابل 6ر23% من التجمعات الفقيرة. وفي المجمل العام، فقد توجه 45% للمواضيع النظرية، مقابل 4ر27% توجهوا للمواضيع التكنولوجية.

 

تكاليف الصحة

 

 

أما في جانب الصحة فيقول التقرير إنه في العام 2010 استمر الارتفاع في نفقات العائلات على برامج التأمين الصحي الرسمية والبرامج المكملة التي تضمن خدمات صحية بمستوى أعلى، وهي من نصيب الشرائح المتوسطة والميسورة، إذ كلما ارتفعت تكلفة بوليصة التأمين ارتفع مستوى الخدمات، وهذا ما أفرز على مدى العقد ونصف العقد الأخيرين ظاهرة "طب للأغنياء وطب للفقراء".

 

وارتفع ما تنفقه العائلات في المرتبة العشرية العليا من 397 شيكلا إلى 441 شيكلا شهريا، وفي الفئة العشرية السادسة ارتفع من 185 شيكلا إلى 219 شيكلا. وارتفعت هذه النفقات كذلك في العشرية الثانية الدنيا من 84 شيكلا إلى 99 شيكلا.

 

وفي العام 2010 استمر اتّساع الفجوة بين التمويل لسلة الخدمات الصحية التي تقدمها صناديق المرضى، والتمويل الرسمي. ولو كانت السلة برمتها تزداد ميزانيتها كل عام، لبلغ تمويلها في العام 2010 حوالي 7ر44 مليار شيكل، أما في واقع الأمر فقد بلغ نحو 3ر30 مليار شيكل.