هذا ما يقوله المحلل والباحث السياسي ألوف بن للمشهد الإسرائيلي ويضيف: أولمرت رئيس حكومة قوي لا يوشك على السقوط ولا يوجد الآن خطر يهدد بإسقاطه وأعتقد أن بإمكانه أن يحسم في قضايا سياسية مثل المفاوضات مع الفلسطينيين * لا أرى أن باراك متحمس لاحتلال القطاع
انهارت، في الأسبوع الماضي، آمال التهدئة ووقف إطلاق النار في قطاع غزة، في أعقاب سلسلة اغتيالات نفذها الجيش الإسرائيلي بحق فلسطينيين في القطاع والضفة الغربية. في المقابل ما زالت المفاوضات على الحل الدائم متعثرة ولا يبدو أنه بالإمكان أن تتقدم في ظل السياسة الإسرائيلية، الرافضة للتهدئة وإزالة الحواجز العسكرية، والمستمرة في التوسع الاستيطاني في الضفة والقدس الشرقية.
ورأى المحلل السياسي في صحيفة هآرتس، الذي بدأ يعمل باحثًا في "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، ألوف بن، في حديث خاص لـ"المشهد الإسرائيلي"، أن "المشكلة الأساس هي أننا لا نعرف ما يحدث في هذه المفاوضات. وعلى ما يبدو أن رئيس الحكومة إيهود أولمرت توصل إلى بضعة تفاهمات مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وبعد ذلك بدأت المفاوضات من جديد بين (وزيرة الخارجية ورئيسة طاقم المفاوضات الإسرائيلي) تسيبي ليفني ورئيس المفاوضين الفلسطينيين أحمد قريع. ولم يتم نشر الكثير عن هذه اللقاءات ولذلك فإننا لا نعرف ما يدور في هذه اللقاءات بين الجانبين. لكننا رأينا التزام الجانبين بمواصلة المفاوضات رغم ما حدث في غزة، إلا أن هذا كله لا يعني شيئا. لا يعني أنه كان هناك تقدم في المفاوضات أو لم يكن هناك تقدم. وثمة أمر واحد واضح وهو أن كلا الجانبين مرتاح أكثر لإجراء مفاوضات حول اتفاق دائم لا حول خطة خريطة الطريق، لأن كلا الجانبين يعتبران أن اتفاقا على حل دائم سيكون بمثابة 'اتفاق رف' ويعفيهما من خوض معارك سياسية داخلية. وهذه الحالة تسهل إجراء مفاوضات كهذه. ومن الجهة الأخرى فإنه لا أحد من الطرفين يطبق خريطة الطريق أو يتم تطبيق القليل جدا".
(*) "المشهد الإسرائيلي": إسرائيل مستمرة في أعمال البناء في المستوطنات على الرغم من إعلان أولمرت أنه سيتوقف عن ذلك، وعلى الرغم من مطالبات الإدارة الأميركية لإسرائيل بوقف أعمال البناء في القدس الشرقية أيضا. هل تعتقد أن حكومة إسرائيل ليست صادقة عندما تقول إنها تريد سلاما؟
- بن: "أعتقد أن أعمال البناء في المناطق الواقعة وراء الجدار أصبحت أقل مما كانت عليه في الماضي، ولا أرى أنه توجد أعمال بناء كثيرة هناك. من جهة ثانية فإنه في المستوطنات الواقعة داخل الجدار، مثل معاليه أدوميم وبيتار عيليت، لم يتغير الوضع فيها وأعمال البناء مستمرة. وما فعله أولمرت هو أنه بعد العملية في المعهد الديني مركاز هراف في القدس حاول أن يكسب رضا الجميع. فقد قال للأميركيين واليسار في إسرائيل إنه يواصل المحادثات مع الفلسطينيين، ومن الجهة الأخرى قال لليمين إنه سيستأنف أعمال البناء في المستوطنات. وفي هذا الوضع يصعب على الأميركيين مطالبة أولمرت بوقف أعمال البناء في حي يهودي في القدس الشرقية، بسبب العملية في مركاز هراف. ولذلك فإن هذه كانت مناورة كلاسيكية لأولمرت. أي إعطاء هذا وإعطاء ذاك، وفي الوسط هو يسيطر على الوضع. وقد صادق أولمرت على أعمال بناء في مستوطنات في الأسبوع الذي انعقدت فيه لجنة متابعة تطبيق خريطة الطريق، وهو يعلم أن قراره يتناقض مع خريطة الطريق لكنه تغاضى عن ذلك وعلم أن بإمكانه المصادقة على أعمال بناء في منطقة القدس الشرقية من دون التعرض لانتقادات أميركية، بسبب عملية مركاز هراف. وهناك جانب آخر لهذه المعادلة، هو أن حكومات الليكود في الماضي كانت تعلن تصعيد الاستيطان بعد وقوع عمليات، وأولمرت عمل بموجب هذه المعادلة التي يعرفها بصفته عضوا سابقا في حكومات الليكود. وهذه المرة استجاب أولمرت لدعوات اليمين المطالبة بـ'رد صهيوني' على العملية بتوسيع البناء في المستوطنات. كذلك فإنه لم يكن بالإمكان اغتيال أحد لأنه لم تعلن أي منظمة مسؤوليتها عن العملية".
(*) هناك أنباء وتقديرات تحدثت مؤخرا عن وجود ضغوط من جانب الإدارة الأميركية على حكومة إسرائيل في كل ما يتعلق بالممارسات بحق الفلسطينيين. هل الحكومة الإسرائيلية ستستجيب لضغوط كهذه من جانب إدارة شارفت ولايتها على الانتهاء؟
- بن: "لا أعتقد أن الإدارة الأميركية ستمارس ضغطا على إسرائيل الآن أكثر مما مارست في الماضي. فوزيرة الخارجية الأميركية، كوندوليزا رايس، تضغط على إسرائيل طوال الوقت. رغم ذلك فإنه ثمة أهمية في أن ولاية الإدارة الأميركية أوشكت على الانتهاء، تمامًا مثلما لا تولي إيران أهمية لهذه الإدارة، أو مثل أوروبا التي تنتظر انتخاب المرشح الديمقراطي باراك أوباما رئيسا لأميركا أو انتخاب مرشح آخر مناسبا لهما. وعموما فإنه من الصعب على إدارة منتهية ولايتها أن تمارس ضغوطا، كما أنني لا أعتقد أنهم يريدون ممارسة ضغط على حكومة إسرائيل. فقد استجاب أولمرت لطلب أميركي بتجديد المفاوضات على الحل الدائم، الأمر الذي رفضته إسرائيل طوال السنوات السبع الماضية، وقد دفع جراء ذلك ثمنا سياسيا بعدما انسحب حزب إسرائيل بيتنا من الحكومة، كذلك يهدد حزب شاس بالانسحاب. وأعتقد أن الأميركيين يفضلون أولمرت في الحكم على رئيس الليكود بنيامين نتنياهو. ويفضلون أولمرت على رئيس العمل ووزير الدفاع ايهود باراك وشكل أدائه. ولذلك فإني لا أعتقد أن الأميركيين سيمارسون ضغوطا على أولمرت لأنهم لا يريدونه أن ينهار، وهم يعرفون أنه ليس في أفضل وضع. وإذا ما صعد نتنياهو إلى الحكم، هل سيخلي مستوطنات؟ لقد قال لي مرة أحد القياديين في الليكود إن أولمرت هو أكثر رئيس حكومة يساري كان في إسرائيل، وأنا أعتقد أن هذا صحيح. فهو أول من قال إن البؤر الاستيطانية العشوائية تضر بمصلحة إسرائيل ويتوجب إخلاؤها. لم يقل أحد قبله أقوالا كهذه على الرغم من أنه يواجه صعوبة في تنفيذ ذلك ولم يفكك بؤرا كهذه".
(*) قبل أشهر قليلة كتبت في هآرتس أنه يوجد عدم تفاهم بين باراك ورايس، وأن باراك بانتظار دخول رئيسة أو رئيس جديد للبيت الأبيض. هل هذا يفسر أداء باراك حاليا؟
- بن: "كان هذا هو توجه باراك، ومفاده أنه لا جدوى من تقديم تنازلات للفلسطينيين، ولا أعتقد أن توجهه هذا قد تغيّر خلال الأشهر الأخيرة. إن باراك يعتقد أن تقديم تنازلات وإرضاء إدارة أميركية منتهية ولايتها هو أمر لا جدوى منه وأنه يتوجب انتظار الإدارة الجديدة ومحاولة التوصل إلى تفاهمات معها. وبحسب أدائه الميداني في الأراضي الفلسطينية فإني لا أرى تغيرا في توجهه".
عن انهيار التهدئة
برزت خلال الأسبوع الأخير تناقضات بين تصريحات المسؤولين السياسيين والمسؤولين العسكريين في إسرائيل فيما يتعلق بتفاهمات مع حركة حماس حول التهدئة في قطاع غزة، وحول مفاوضات بين إسرائيل وحماس بوساطة مصرية جارية للتوصل لوقف إطلاق النار في القطاع. وفيما يحرص المسؤولون السياسيون الإسرائيليون، على رأسهم رئيس الحكومة إيهود أولمرت ووزير الدفاع إيهود باراك، على نفي أنباء عن تفاهمات تم التوصل إليها بخصوص تهدئة ومفاوضات عبر مصر، يؤكد مسؤولون في الجيش الإسرائيلي هذه الأنباء.
ويلاحظ في هذا السياق أن إسرائيل عادت الأسبوع الماضي، بعد أسبوع من التهدئة، إلى تنفيذ عمليات اغتيال في القطاع والضفة بينما لم تعد الفصائل الفلسطينية إلى إطلاق صواريخ قسام بالكميات التي كانت تطلقها قبل التهدئة.
وكانت وسائل الإعلام الإسرائيلية قد أشارت إلى أن تفاهمات على التهدئة في القطاع قد تمت بين إسرائيل ومصر بعدما سلمت وزيرة الخارجية الأميركية، كوندوليزا رايس، كلا من أولمرت وباراك لدى وصولها إلى إسرائيل، يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي، اقتراحا مصريا يقضي بمنح حماس فترة امتحان تتوقف خلالها الحركة عن إطلاق الصواريخ وتمنع الفصائل الأخرى في القطاع من إطلاق الصواريخ، وبالمقابل توقف إسرائيل عملياتها في القطاع. وقال المحلل العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت، أليكس فيشمان، إن إسرائيل وافقت على هذا الاقتراح.
لكن فيشمان نقل عن مصادره الأمنية في إسرائيل قولها إنه في حال تم الكشف عن وجود خلية تعد لإطلاق صواريخ قسام أو لعمليات من نوع آخر فإن القوات الإسرائيلية ستطلق النيران عليها من "دون تردد". ولفت إلى أن التهدئة في القطاع تحققت بدعم أميركي. كما مررت مصر رسالة لإسرائيل مفادها أنه إذا ساد الهدوء في القطاع فسيعمل المصريون بصورة مكثفة أكثر على الدفع باتجاه صفقة تبادل أسرى بين إسرائيل وحماس ويتم من خلالها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأسير في القطاع غلعاد شاليت.
وقال أولمرت إنه "إذا توقفت صواريخ القسام عن السقوط في سديروت وصواريخ غراد في أشكلون (عسقلان) وإذا ما توقفت عمليات تهريب السلاح والعبور غير النهائي للحدود (مع مصر) فإنه لن يكون هناك إطلاق نار من جانب إسرائيل". وأضاف "لقد قلت قبل عدة أيام إننا لا نستيقظ في الصباح ونبحث عن سبب لإطلاق النار على رجال الإرهاب في غزة، وإنما نحن نطلق النار لأنهم يطلقون علينا ونحن نحارب لأنهم يحاربوننا". وتابع "لا يوجد أي اتفاق ولا يوجد أي مفاوضات لا مباشرة ولا غير مباشرة" مع حركة حماس بخصوص وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وجاءت أقوال أولمرت بعد وقت قصير من تصريحات أدلى بها باراك الذي قال "أريد أن أصحح من يعتقد أنه توجد تهدئة بأنه لم ننه هناك (في القطاع) أي شيء بعد، والامتحانات الهامة ما زالت أمامنا وستستمر العمليات العسكرية في غزة".
(*) هل باراك يقود إسرائيل إلى مواجهة عسكرية في قطاع غزة وربما يؤدي ذلك إلى تصعيد في الضفة أيضا؟
- بن: "لست واثقا من ذلك. فأنا لا أرى أن باراك متحمس لاحتلال القطاع".
(*) هل أولمرت وباراك يسيران في خطين سياسيين مختلفين فيما يتعلق بالتهدئة أو التصعيد مع الفلسطينيين؟
- بن: "إن السؤال هو هل التوجه السياسي يتعلق بالشخصية أم بالمنصب؟. لنفترض أن باراك كان رئيس الحكومة وأولمرت وزير الدفاع، هل كان كل واحد منهما سيتصرف خلافا لتصرفاته اليوم. إن الجواب هو أن باراك يتصرف مثل وزير دفاع، ومن واجبه القول إنه لا يمكن إزالة الحواجز العسكرية وإن هذا يشكل خطرا، فيما أولمرت يرى التطورات السياسية ويرى صورة أوسع وهو خاضع لضغط سياسي دولي. لكن باراك من الجهة الأخرى يخضع أيضا لضغوط جهاز الأمن الذي عليه أن يدعمه. وخلافا لوزير الدفاع السابق عمير بيرتس فإن باراك هو واحد من الجنرالات. ولا يمكنه القول: لم أعرف أو لم أفهم... فهو يعرف كل شيء في الجيش وكان هناك عشرات السنين وأشغل كل هذه المهام بنفسه، من رئيس هيئة أركان عامة إلى رئيس الاستخبارات العسكرية وحتى رئيس حكومة ووزير دفاع في الماضي".
(*) هناك من يعتبرون أن باراك عمليا يحاول من خلال سياسته الرافضة للتهدئة في القطاع ومواصلة الاغتيالات وإزالة الحواجز في الضفة أن يجمع رصيدا سياسيا للانتخابات العامة المقبلة.
- بن: "أعتقد أن باراك ينفذ سياسته، ولا أعتقد أن باراك يفكر باجتياح غزة من أجل مكاسب سياسية للانتخابات".
(*) كيف تنظر إلى أولمرت؟ هل هو رئيس حكومة قوي أم ضعيف؟
- بن: "أولمرت رئيس حكومة قوي لكنه مقيّد بما يمكنه فعله. والسؤال هو قوي من أجل ماذا؟ إذا كان الحديث عما إذا كان مستقرا على كرسيه ولا يوشك على السقوط، فإني أعتقد أنه لن يسقط وقد تجاوز تقرير لجنة فينوغراد بخصوص حرب لبنان الثانية بسلام، ولا يوجد الآن خطر يهدد بإسقاطه. وإذا كان السؤال أن بإمكانه تفعيل القوة أو تنفيذ عملية عسكرية في غزة فإن بإمكانه القيام بذلك. أما إذا كان الحديث عن خطة الانطواء وإخلاء مستوطنين فإنه لا يستطيع تنفيذ ذلك".
(*) هل في إمكانه أن يحسم في قضايا سياسية مثل المفاوضات مع الفلسطينيين؟
- بن: "أعتقد أنه قادر على هذا الأمر، وربما يفاجئ في الانتخابات المقبلة بعرض مسودة اتفاق مع الفلسطينيين ويطرحه على أنه برنامج سياسي. من الجهة الأخرى فإننا لا نعرف ما يجري على المسار السوري. هل يستعد لمواجهة مع السوريين أم أنه يخطط لمفاوضات معهم؟. هناك الكثير من الأمور التي نجهلها ولا تزال غير واضحة".