تقارير جديدة: الميزانية الإسرائيلية العامة تزيد الإجحاف بحق جهاز التعليم العربي

وثائق وتقارير

 موشيه شاريت: الروس في مجلس الأمن تصرفوا كما لو أنهم مندوبون إسرائيليون! * دافيد بن غوريون: شعبنا لن ينسى أبدًا تأييد الاتحاد السوفييتي المخلص لإسرائيل وكفاحها من أجل حرية واستقلال وطنه التاريخيّ

 

  أظهرت وثائق لوزارة الخارجية السوفييتية، تمّ كشف النقاب عنها مؤخرًا، ويحمل معظمها ختم "سريّ للغاية"، أن العلاقات بين الاتحاد السوفييتي وإسرائيل شهدت "شهر عسل" [لم يتكرّر] خلال الفترة الأكثر مصيرية في تاريخ هذه الأخيرة وفي تاريخ القضية الفلسطينية برمتها.

 

وقد بدأ "شهر العسل" هذا، بحسب تلك الوثائق، في النصف الثاني من العام 1947 واستمر حتى أواخر العام 1948، وذلك إبان خضوع الدولة السوفييتية لحكم الطاغية جوزيف ستالين، وتمثلت محصلته في إسهام "الدولة الاشتراكية العظمى" بقسط كبير في إقامة دولة إسرائيل على أنقاض الشعب الفلسطينيّ.

 

وبموجب القراءة، التي قدمها الكاتب الإسرائيليّ راؤول تايتلباوم لهذه الوثائق الخطيرة، عشية الذكرى الستين لقرار التقسيم، في ملحق "7 أيام" الأسبوعي التابع لصحيفة "يديعوت أحرونوت" (16 تشرين الثاني 2007)، فقد بلغت هذه العلاقات ذروتها في التصريحات التي صدرت قبل 60 عامًا عن أندريه غروميكو، مندوب الاتحاد السوفييتي لدى الأمم المتحدة في ذلك الوقت، والذي تولى فيما بعد حقيبة الخارجية السوفييتية لأعوام طويلة.

 

وقد وردت تصريحات غروميكو في مناسبتين: الأولى يوم 14 أيار 1947، والثانية يوم 26 تشرين الثاني من العام نفسه، أي قبل ثلاثة أيام من اتخاذ الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين [القرار رقم 181 الصادر في 29 تشرين الثاني 1947].

 

"الرفيق ستالين موافق"...

 

وتبيّن الوثائق أن القيادة السوفييتية عكفت على صوغ تلك التصريحات بحرص شديد، وأنها [التصريحات] حازت على تصديق ستالين نفسه. ولم يكن ذلك من قبيل المصادفة، إذ أنها كانت واشية بتغيير جوهري في موقف الاتحاد السوفييتي والحركة الشيوعية عمومًا، والذي كان على مدار أعوام طويلة موقفًا مناهضًا للفكرة الصهيونية بشأن إقامة دولة يهودية في فلسطين.

 

ويؤكد تايتلباوم أنّ تصريحات غروميكو، التي وصفها بأنها "تصريحات صهيونية"، كانت أشبه بـ"البرق في يوم صيفيّ"، وقد أثارت الدهشة العارمة لدى قادة الييشوف اليهودي [التجمع السكاني اليهودي في فلسطين قبل العام 1948] ويهود الاتحاد السوفييتي، وكذلك لدى الدول الغربية العظمى والعالم العربيّ.

 

ووفقًا للوثائق فإن وزير الخارجية السوفييتي، فاشيسلاف مولوتوف، أرسل في 28 نيسان 1947 تعليمات تفصيلية إلى غروميكو في نيويورك تتعلق بالخطاب الذي كان يستعد لإلقائه في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد أكثر من أسبوعين من تاريخه، في 14 أيار 1947. وكانت جميع النقاط المهمة، التي وردت في ذلك الخطاب، بمثابة ترجمة أمينة لتلك التعليمات.

 

وقد طرح غروميكو أربعة خيارات ممكنة بشأن مستقبل فلسطين. وأشار إلى أنّ الأفضلية الأولى، في نظر الاتحاد السوفييتي، هي إقامة دولة مشتركة يهودية- عربية، لكن إذا ما تبين أن من المحال تحقيق هذه الأفضلية، بسبب العلاقات السائدة بين الشعبين، فلا مفرّ من تفحص إمكان تقسيم فلسطين إلى دولتين مستقلتين: يهودية وعربية. وبكلمات أخرى فإنّ الاتحاد السوفييتي يقرّ، لأول مرّة، بإمكان إقامة دولة يهودية في فلسطين، وقد عُدّ ذلك أمرًا جديدًا كل الجدة في الموقف السوفييتي.

 

ويلفت الكاتب إلى أنّ الخطاب المذكور اشتمل على نغمة لم تُسمع من قبل في أي خطاب أو بيان أو موقف صادر عن الاتحاد السوفييتي.

 

ونمذج على تلك النغمة بإيراد المقاطع التالية من الخطاب:

 

"إنّ واقع عدم نجاح أي دولة أوروبية غربية في تأمين حماية الحقوق الأساسية للشعب اليهوديّ وفي الحفاظ عليه من عنف الجلادين الفاشيين، من شأنه أن يفسّر تطلع الشعب اليهوديّ إلى إقامة دولته. وسيعتبر عدم أخذ ذلك في الاعتبار وسلب الشعب اليهودي هذا الحق سلوكًا غير عادل... إنّ واقع أن سكان فلسطين يتألفون من شعبين، يهودي وعربي، هو واقع غير قابل للنقض، ولكل شعب منهما جذور تاريخية في فلسطين".

 

وفي واقع الأمر فإنّ هذه الجملة الأخيرة في خطاب غروميكو تتناقض مع الخطّ الأيديولوجي والسياسي، الذي ميّز على مدار عشرات الأعوام الاتحاد السوفييتي والحركة الشيوعية في كفاحهما ضد الحركة الصهيونية. ولذا كان من الطبيعي أن تصاب المؤسسة اليهودية الصهيونية بالدهشة من جرّاء ذلك. وفي جلسة "اللجنة اليهودية القومية"، التي عقدت في ذلك الوقت، قال دافيد بن غوريون: "منذ مدة طويلة لم نسمع على لسان مندوبي الدول العظمى أقوالاً مؤثرة وحقيقية من هذا القبيل. غير أنّ أهمية هذا الخطاب غير المتوقع لغروميكو تكمن في الاستنتاج الذي توصل إليه، لا في وصف مأساة الشعب اليهوديّ".

 

 

لم يكن "الفصل الصهيوني" في خطاب غروميكو، كما يسميه الكاتب الإسرائيلي، مجرّد نزوة شخصية. وأكثر من ذلك فقد أصبح منذ تلك اللحظة هو الموقف الرسميّ للحكومة السوفييتية. وفي مذكرة داخلية صادرة في 30 تموز 1947 وممهورة بتوقيع مدير دائرة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية السوفييتية، إيفان باكولين، أشير إلى الخطاب باعتباره مرجعًا للسياسة الخارجية السوفييتية، التي بات عمادها تأييد إمكان إقامة دولتين في فلسطين، وأيضًا إمكان إتاحة هجرة مائة ألف يهودي إلى إسرائيل.

 

وثمة إشارات واضحة في الوثائق كافة إلى أنه منذ ربيع 1947 فصاعدًا كان ستالين نفسه ضالعًا، بصورة شخصية، في جميع الخطوات السوفييتية المتعلقة بالشرق الأوسط. وهو الذي كان يصدّق على صيغة المواقف التي يتخذها المندوبون السوفييت في مؤسسات الأمم المتحدة ومؤسسات أخرى، في أكثر تفصيلاتها دقّة. وتظهر على عدد كبير من الوثائق عبارة "الرفيق ستالين موافق...".

 

رفض المقاربة العربية

 

إلى ذلك تؤكد الوثائق أن القيادة في موسكو تابعت، بدقة بالغة، التطورات في إسرائيل وعدلت مواقفها تبعًا لها، لا فقط تبعًا لردات الفعل التي أثارها موقفها الجديد. وقد طرحت على جدول الأعمال قضايا من قبيل مكانة مدينة القدس وحدود التقسيم ومصير النقب وغيرها. وما برز في تلك الفترة هو أن القيادة السوفييتية تغاضت كليًا عن ردات الفعل العربية الغاضبة الني نقل المندوبون السوفييت في البلدان العربية (مصر والعراق ولبنان) تقارير بشأنها إلى حكومتهم.

 

وبينما ذكر غروميكو، في خطابه من يوم 14 أيار 1947، إمكان إقامة دولة مشتركة، فإن مولوتوف وجّه، في 30 أيلول 1947، تعليمات موجزة إلى نائبه، أندريه فيشينسكي، الذي كان موجودًا في نيويورك تدعوه إلى "عدم معارضة موقف الأغلبية بشأن تقسيم فلسطين". وفي اليوم نفسه أرسل مولوتوف إلى نائبه، بموجب ما تورد الوثائق، رسالة جاء فيها ما يلي: "عندما وجهنا غروميكو للحديث على إمكان إقامة دولة ثنائية القومية في فلسطين، باعتبار ذلك أفضلية أولى، فقد كان هذا الأمر راجعًا إلى عوامل تكتيكية. لم نرغب في أن نأخذ على عاتقنا المبادرة إلى إقامة دولة يهودية. بيد أن موقفنا الحقيقي يعبر أكثر عن الإمكانية الثانية بشأن إقامة دولة يهودية مستقلة... ينبغي عليكم [المقصود البعثة السوفييتية في الأمم المتحدة] أن تؤيدوا موقف الأغلبية الذي يعتبر الأكثر ملاءمة لموقفنا الأساس في هذه المسألة".

 

وفي 15 تشرين الأول 1947 أرسل مولوتوف إلى نائبه تعليمات أخرى، صيغت هي أيضًا بالتشاور مع ستالين، واشتملت على نقاط أخرى مثيرة: 1- "ينبغي استمزاج رأي اليهود في جميع المسائل المهمة"، وخصوصًا في مسألة القدس؛ 2- ينبغي الاهتمام بأن لا تبقى أقلية عربية كبيرة في الدولة اليهودية. في الأحوال جميعًا يجب أن يكون العرب [في الدولة اليهودية] أقل من 50%؛ 3- تقصير أمد الفترة الانتقالية، قدر الإمكان، وإخراج السلطة البريطانية من فلسطين في جميع الأحوال.

 

وفي الغداة- أي في يوم 16 تشرين الأول- رفع مولوتوف تقريرًا مباشرًا إلى ستالين بشأن المداولات في الأمم المتحدة حول مصير فلسطين. وشمل التقرير عشر نقاط مختلفة، من ضمنها موعد إلغاء الانتداب البريطاني، انسحاب الجيش البريطاني، مداولات اللجنة الخاصة التي ستقرّ حدود الدولتين اليهودية والعربية وتنتخب حكومتين مؤقتتين فيهما. وأشار مولوتوف إلى أن المعطيات التي اشتمل عليها التقرير "تتماشى مع رأي مندوبي الوكالة اليهودية". وتظهر على هذه الوثيقة العبارة التالية: "أبلغنا الرفيق بوسكربيشيف [مدير مكتب ستالين] أن الرفيق ستالين موافق... 28/10/2007".

 

وبوحي من هذه التعليمات ألقى غروميكو، في 26 تشرين الثاني 1947، خطابه المشهور الثاني في الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي اتخذت بعد ثلاثة أيام قرارها الظالم بشأن تقسيم فلسطين إلى دولتين مستقلتين- يهودية وعربية.

 

وفي سياق هذا الخطاب رفض غروميكو الادعاءات العربية، التي قالت إن تقسيم فلسطين هو بمنزلة غبن تاريخي، بقوله: "لا يجوز أن نقبل هذه المقاربة [العربية] ولو لأن الشعب اليهودي كان مرتبطًا بفلسطين على مدار فترة تاريخية طويلة... إنّ حلّ مشكلة فلسطين على أساس إقامة دولتين مستقلتين سيكون ذا أهمية تاريخية كبرى، وهو يلائم المطالب القانونية للشعب اليهوديّ الذي لا يزال مئات الآلاف من أبنائه دون مأوى ودون مصدر رزق...".

 

 

المساعدة السوفييتية في بيع أسلحة إلى إسرائيل

 

 

لعلّ دالة مهمة على عمق تأييد الاتحاد السوفييتي لإقامة الدولة اليهودية في تلك الفترة الحرجة، تكشف عنها أيضًا وثائق الخارجية السوفييتية التي أميط عنها اللثام مؤخرًا، تكمن في حثّ موسكو الدول الدائرة في فلكها على بيع أسلحة إلى إسرائيل.

 

وفي هذا الصدد جاء في مذكرة أرسلها نائب وزير الخارجية السوفييتي، فاليرين زورين، إلى وزير الخارجية في 22 كانون الثاني 1948 ما يلي: "بحسب المعلومات التي وردت من المسؤول عن شؤون الاتحاد السوفييتي في تشيكوسلوفاكيا، الرفيق بودروف [أصبح لاحقًا سفيرًا للاتحاد السوفييتي في إسرائيل]، فقد باعت حكومة تشيكوسلوفاكيا أسلحة [هي عبارة عن قاذفات وألغام وذخيرة] إلى حكومة سورية، غير أنّ التشيك رفضوا في الوقت نفسه بيع أسلحة إلى الوكالة اليهودية في فلسطين، والتي كانت راغبة في شرائها في تشرين الثاني 1947". وتابع زورين: "آخذًا في الاعتبار الموقف الذي اتخذناه بشأن مسألة فلسطين، فإنني أوصي بإصدار أمر إلى الرفيق بودروف كي يلفت نظر الرفيق غوتفالد [زعيم الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي ونائب رئيس الحكومة في ذلك الوقت] إلى واقع أن بيع أسلحة إلى العرب في الظروف الحالية، في الوقت الذي تتفاقم فيه الأوضاع في فلسطين من يوم لآخر، من شأنه أن يستغل من الأنجلو- أميركان ضد الاتحاد السوفييتي والدول الديمقراطية الشعبية الأخرى".

 

في 5 حزيران 1948 كتب إيفان باكولين إلى زورين يقول: "بالنسبة لبيان الرفيق غروميكو بشأن طلبات مندوبي دولة إسرائيل تقديم مساعدة إلى إسرائيل، أرى أن بالإمكان إحاطة التشيكوسلافكيين واليوغسلافيين علمًا، لكن في السرّ، برغبتنا في التعاون مع مندوبي دولة إسرائيل بخصوص امتلاك وإرسال مدافع وطائرات إلى فلسطين، وذلك آخذين بالاعتبار أنه على الرغم من قرار مجلس الأمن القاضي بحظر تصدير الأسلحة إلى الدول العربية فإن لدى هذه الدول كل الإمكانيات لشراء أسلحة بالكميات المطلوبة لها من المخازن الإنجليزية في شرق الأردن والعراق ومصر".

 

ومنذ تلك اللحظة فصاعدًا بدأت الأمور تتدحرج بوتيرة متسارعة، حيث قام المندوب السوفييتي الأول في إسرائيل، باول يرشوف، بنقل تقرير إلى موسكو عن محادثة أجراها مع بن غوريون لدى تقديم أوراق اعتماده في 18 آب 1948، وقال له بن غوريون في سياقها إنّ "الجيش الإسرائيلي تلقى كميات كبيرة من الأسلحة من تشيكوسلوفاكيا ويوغسلافيا، ومن ضمنها أسلحة مدفعية افتقدنا إليها تمامًا في بداية الحرب" [العام 1948].

 

وتظهر الوثائق، كذلك، أن إسرائيل كانت راغبة كثيرًا في شراء أسلحة من الاتحاد السوفييتي مباشرة، لكن دون جدوى، إذ باءت كل جهودها لتحقيق ذلك بالفشل. وقد طرح هذا الأمر في معظم المحادثات والاتصالات التي أجراها مندوبو السلك الدبلوماسي الإسرائيلي في موسكو في النصف الثاني من العام 1948. وكانت الذروة في تقديم بن غوريون نفسه، يوم 8 تشرين الثاني 1948، قائمة مفصلة بحاجات إسرائيل العسكرية إلى الملحق العسكري الإسرائيلي في موسكو، العقيد يوحنان رتنر، بناء على نصيحة الأخير في أعقاب لقاء عقده مع نائب رئيس هيئة الأركان العامة للجيش السوفييتي، الجنرال ألكسي أنطونوف. وبعد ذلك بثلاثة أيام التقى رتنر برفقة غولدا مائير، التي كانت أول مندوبة لإسرائيل في الاتحاد السوفييتي، مع مندوب وزارة الخارجية السوفييتية، باكولين، وقدما له طلبًا رسميًا لشراء أسلحة ثقيلة. لكن رغم ذلك لم تتجاوب موسكو مع الطلبات الإسرائيلية. واستمر الحال على هذا المنوال إلى أن بدأت العلاقات بين الطرفين تعاني قدرًا من البرودة مع اقتراب العام 1948 من نهايته. ويشير الكاتب الإسرائيلي إلى أن نقطة الانعطاف السلبية كانت عندما قدمت الحكومة الإسرائيلية طلبًا للحصول على قرض أميركي بقيمة مائة مليون دولار، تمت الموافقة عليه في كانون الثاني 1949.

 

وقد انعكس تدهور العلاقات بين الدولتين في مذكرة داخلية كتبها باكولين في 8 آذار 1949 حول حكومة بن غوريون الجديدة. واحتوت المذكرة تقويمات يطغى عليها القدح لكل واحد من وزراء الحكومة، وأكدت أن بن غوريون ذاته هو شخص ذو ميول أميركية وأن حكومته الجديدة ستنتهج سياسة تعتمد على الأميركيين. وعلى ما يبدو فإن هذه الميول هي التي حسمت تعامل موسكو اللاحق مع إسرائيل، في ضوء تفاقم الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة.

 

دوافع ستالين!

 

 

أخيرًا يتساءل الكاتب الإسرائيلي: ما هي الدوافع التي وقفت خلف هذا الإسهام الكبير من جانب ستالين في إقامة دولة إسرائيل؟

وفي معرض جوابه على هذا التساؤل ينوّه إلى أنه، بالإضافة إلى رغبة موسكو العارمة في أن يكون لها موطئ قدم في الشرق الأوسط وفي تقويض الوجود البريطاني، وحتى في محاولة دقّ إسفين بين بريطانيا والولايات المتحدة، يبرز في وثائق الخارجية السوفييتية أنّ موسكو أبدت في تلك الفترة اهتمامًا بمسألة هجرة اليهود إلى إسرائيل، وذلك باعتبار أنّ هجرة جماعية كهذه تنطوي على حلّ لمشاكل سوفييتية داخلية نشأت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية على خلفية عودة اللاجئين اليهود إلى أماكن إقامتهم الأصلية، كما أن السوفييت رأوا في هذه الهجرة وسيلة لزعزعة سلطة الانتداب البريطانية.

 

وأيًا تكن دوافع ستالين وطغمته الحاكمة فإنّ الوقائع في هذا الشأن تؤكد أنه حتى نهاية العام 1948 أيد الاتحاد السوفييتي جميع الإجراءات والخطوات الإسرائيلية في الأمم المتحدة. وتدلّ عشرات الوثائق على التعاون الوثيق وعلى تنسيق المواقف التامّ بين المندوبين الإسرائيليين والسوفييت بشأن مسائل مصيرية بالنسبة لإسرائيل في أعوام نشوئها الأولى.

 

وفي جلسة الحكومة الإسرائيلية المنعقدة يوم 26 تشرين الأول 1948 قال وزير الخارجية، موشيه شاريت، لدى تطرقه إلى وضعية العلاقات مع موسكو: "الاتحاد السوفييتي يؤيدنا بكل قوة. لا أساس من الصحة لجميع الشائعات التي تقول إنه غيّر مواقفه... إنّ الروس في مجلس الأمن يتصرفون كما لو أنهم مندوبونا، لا باعتبارهم حلفاء لنا فقط".

 

وفي 5 تشرين الثاني 1948 أرسل بن غوريون تهنئة إلى ستالين بمناسبة الذكرى السنوية لثورة أكتوبر الاشتراكية، كتب فيها: "يسعدني أن أبعث إليكم باسم الحكومة الإسرائيلية وباسمي شخصيًا بتحياتنا القلبية لمناسبة ثورة أكتوبر، التي ضمنت المساواة القومية بين شعوب الاتحاد السوفييتي... شعبنا لن ينسى أبدًا المساعدة التي قدمها الاتحاد السوفييتي لليهود، ضحايا النازية، وتأييده المخلص لإسرائيل وكفاحها من أجل حرية واستقلال وطنه التاريخيّ".