يزداد في العامين الأخيرين ضلوع أصحاب الرساميل الأجنبية في وسائل الإعلام والاتصال الإسرائيلية، في إطار عملية وصفت بأنها "تضاعف مقدرة عناصر ليست مواطنة في إسرائيل على التأثير على الرأي العام الإسرائيلي" و"مرحلة دراماتيكية أخرى في ابتعاد الصحافة عن اعتبارات خدمة الجمهور المدني في إسرائيل"... هنا تقرير حول الموضوع
650 مليون شيكل- هذا هو مجموع الخسائر المتراكمة لمحطة تلفزيون القناة العاشرة منذ إقامتها. ووفقاً لتقارير مختلفة فقد أهدرت المحطة هذا العام لأصحاب أسهمها حوالي 2 مليون دولار بالمتوسط شهرياً… أصحاب امتياز محطة تلفزيون القناة الثانية يسرهم أن يشرحوا لكل من يتوجه إليهم بالسؤال كم هو صعب ولدرجة المستحيل الالتزام بشروط العطاء مع كسب بضعة شواقل… 9ر57 مليون شيكل هو المبلغ الذي خسرته شركة "معاريف هحزكوت" صاحبة صحيفة "معاريف" خلال الأشهر التسعة الأولى من 2006. كذلك فإن وضع باقي الصحافة المكتوبة لم يكن بأحسن حالاً.
لقد كان من المتوقع أن يؤدي هذا الوضع، الذي يصوّر وسائل الإعلام الإسرائيلية كنوع من الجحيم المالي لأصحابها، إلى جعل هؤلاء يتطلعون إلى الابتعاد عن أعمال الصحافة، مثلما عبر عن ذلك رجل الأعمال (الإسرائيلي- الروسي) أركادي غايداماك، الذي أوضح قبل عدة أشهر بأنه رفض اقتراح عوفر نمرودي شراء صحيفة "معاريف" لأن الصحيفه "بيزنس سيء".
بيد أن الوضع على الأرض معاكس لذلك: ففي العامين الأخيرين دخل إلى عالم الصحافة الإسرائيلية، الإلكترونية والمكتوبة، مستثمرون جدد وخاصة أجانب من أثرياء العالم، ومن بين هؤلاء حاييم صبان، أرنون ميلتشن، روبرت ماردوك ورون لاودر، وجميعهم مستثمرون في محطتي التلفزيون الثانية والعاشرة. والأخير (لاودر) من المستثمرين أيضاً في صحف "هتسوفيه" و"مكور ريشون" و"يسرائيلي" كما أنه يملك ستوديوهات JCS.
ووفقاً لصحيفة "غلوبس" فقد أجرى أرنون ميلتشن خلال الأشهر الأخيرة اتصالات لشراء حصة إليعيزر فيشمان في صحيفة "يديعوت أحرونوت". شلدون أدلسون، وهو ثالث أثرياء أميركا وأغنى رجل أعمال يهودي في العالم، مستثمر في "يسرائيلي" كما أنه أجرى اتصالات مع نمرودي لشراء "معاريف" التي يبدي صبان أيضاً اهتماماً بالاستثمار فيها. قبل بضعة أشهر ابتاعت مجموعة دومونت- شاوبرغ، رابع أكبر المجموعات الإعلامية في ألمانيا، 25% من أسهم مجموعة "هآرتس".
عولمية ملكية وسائل الإعلام لا تقتصر على إسرائيل فقط كما أنها لم تبدأ هنا بالأمس. فقد احتفظ ماركوس كاتس (المكسيكي) على مدى سنوات طوال بملكية جزئية في شركة "مونيتين" مالكة وناشرة "غلوبس" وكذلك روبرت ماكسويل في "معاريف"، فيما كان إمبراطور الصحافة اليهودي- الروسي فلاديمير جوسينسكي قد اشترى نحو ربع أسهم "معاريف" سنة 1998.
مع ذلك فإن تراكم الاستثمارات الأجنبية خلال العامين الأخيرين يبدو أكثر أهمية وشأناً ويؤدي إلى زيادة وتعميق قدرة المستثمرين الأجانب، من غير مواطني الدولة، على التأثير على الرأي العام المحلي عن طريق امتلاك وسائل الإعلام.
أوساط العاملين في وسائل الإعلام لا تشخص في هذه المرحلة اختلافاً أو فرقا مبدئياً بين مالكين أجانب ومحليين، ربما لأن أياً من المستثمرين الأجانب لم يصل حتى الآن إلى سيطرة كاملة في أية وسيلة إعلام إسرائيلية.
الانتقادات التي وجهت إلى مجموعة "هآرتس" تمحورت حول الإدعاءات بشأن علاقات ماضوية لمجموعة "دومونت" الألمانية مع النظام النازي، وليس حول عمل وسلوك هذه المجموعة الذي لم يمتحن بعد. أحد كبار المسؤولين سابقاً في "القناة العاشرة" قال إنه "لا يوجد فرق بين مالك يدعى لاودر أو ميلتشن وبين مالك يدعى نوني أو عوفر. فًهُم جميعاً ينطلقون من نفس الاعتبارات. هذا لا يعني أن وسيلة الإعلام غير مرهونة أو متعلقة بالمال، ولكنها مرهونة بالشيكل تماماً كالدولار، لا أكثر ولا أقل. الأموال التي تأتي من الخارج تؤثر ربما في اللقاءات بين المستثمرين ورؤساء التحرير، ولكننا لم نلمس فعلياً تأثيرها على الشاشة".
عضو الكنيست شيلي يحيموفيتش (صحافية سابقاً) تعتقد من جهتها أن هناك مزايا إيجابية في وجود مالك أجنبي. وهي تقول: "غريزتي كصحافية سابقاً وكعضو كنيست إسرائيلية هي حماية أعمال الصحافة من سيطرة عناصر وجهات أجنبية. ولكن من جهة أخرى لدي تجربة وخبرة طويلة في هذا الشأن، وأنا أدرك حقيقة أن المستثمرين الإسرائيليين ضالعون في شبكة متشعبة من المصالح ولذلك فإن بصماتهم ملموسة ومكثفة ويومية أكثر بكثير من بصمات المستثمرين الأجانب. فلا داعي حتى لتدخل فعلي كي يقول المستثمر الإسرائيلي كلمته. فهو يرتاد نفس المطاعم ويذهب إلى نفس الحفلات التي يرتادها كبار شخصيات الصحافة والأعمال. شبكة العلاقات اليومية للنخبة الإعلامية- السياسية- الاقتصادية تظهر سافرة أكثر بالذات حينما يكون هناك مستثمرون إسرائيليون".
مصدر قلق
ولكن هناك من يرى في دخول المستثمرين الأجانب مصدراً للقلق.
يقول البروفيسور يارون إزراحي، من الجامعة العبرية- القدس: "هذه مرحلة دراماتيكية أخرى في ابتعاد الصحافة عن اعتبارات خدمة الجمهور المدني في إسرائيل". ويُضيف إزراحي "وزن الاعتبار الاقتصادي المتمثل في تحقيق الأرباح غداً أقل تعلقاً أو صلة بتلبية متطلبات الصحافة في مجتمع مدني ديمقراطي، وأكثر تعلقاً بترويج وبيع السلع والصحف".
وفي الواقع فإن أصحاب رؤوس الأموال الإسرائيليين الذين يملكون وسائل الإعلام مدفوعون أيضاً بدوافع تجارية ربحية بدرجة لا تقل عن دوافع واعتبارات الصهيونية أو حماية الديمقراطية، غير أن البروفيسور إزراحي يلاحظ فرقاً جوهرياً بين هؤلاء وبين نظرائهم الأجانب: ففي الوقت الذي ما زال فيه المستثمرون الإسرائيليون حساسين بهذه الدرجة أو تلك للنقد العام، فإن هذا الاعتبار يمكن أن يكون له تأثير أقل بكثير على المستثمر الأجنبي الذي لا يقيم في إسرائيل والذي تشكل أعماله فيها جزءاً بسيطاً جداً من مجمل أعماله.
وبينما تدار الصحافة المكتوبة كمشروع خاص بكل معنى الكلمة، فإن دخول المستثمرين الأجانب إلى القنوات التلفزيونية التجارية يخضع حتى الآن إلى عملية ضبط وتنظيم. فالقانون يقيد حجم الملكيات الأجنبية في هذه القنوات في حدود 49%. في محطة "القناة العاشرة" يحتفظ ميلتشن ولاودر حتى الآن بالحد الأقصى المسموح من الأسهم. المستثمرون الذي توجد لهم ملكية غير مباشرة في هذه المحطة هم إمبراطور الصحافة الإسرائيلي جيمس باكر وروبرت ماردوك. والأخير هو مالك شركة الصحافة العملاقة "نيوزكورف" بالإضافة إلى امتلاكه أسهمًا في محطات تلفزة وصحف في أنحاء العالم ومن بينها شبكة أخبار "فوكس" الأميركية ذات التوجه اليميني- الجمهوري الواضح. وباكر وماردوك هما شريكا ميلتشن في مجموعة "نيو ريجينسي" التي يمتلك ميلتشن بواسطتها محطة "القناة العاشرة".
في أيلول من العام الماضي (2006) أعلنت محطة "القناة 10" أن "نيوزكورف" التي يملكها ماردوك تعتزم شراء 9% من أسهم ملكية المحطة. وتبذل أوساط المحطة حالياً جهوداً حثيثة لإلغاء القانون الذي يقيد تمكين المستثمرين الأجانب من السيطرة عليها.
وتقول مصادر في الشبكة الثانية إنها تعلم بأن محافل وزارة الاتصالات تميل إلى الاستجابة لمطالب "القناة العاشرة". آفي أورموزا، ممثل لاودر في مجلس إدارة المحطة، قال إن القانون سيعدل في نهاية المطاف، معتبراً أن في ذلك "مصلحة للدولة".
الافتراض الواعي القائل بأن المستثمرين الأجانب في سوق الصحافة الإسرائيلية لن يحققوا أرباحاً طائلة يُعزز الاعتقاد بأن الاهتمام الذي يُبديه هؤلاء بهذه السوق مرتبط أكثر بكسب ومراكمة التأثير العام وربما السياسي في إسرائيل. كما أن مصدر الاهتمام بالاستثمار في هذا المجال يهدف أيضاً إلى تحسين قدرة مساومتهم في إدارة أعمال أخرى تابعة لهم في إسرائيل.
مقربون من السياسيين
معظم هؤلاء المستثمرين الأجانب مقربون من سياسيين إسرائيليين. فـ "صبان" مقرب من شمعون بيريس وقد كان التبرع الذي قدمه له بقيمة 100 ألف دولار من التبرعات التي تمحور حولها التقرير الذي كتبه مراقب الدولة. لاودر، الذي شغل في الماضي منصب سفير الولايات المتحدة في النمسا ورئيساً للشعبة الأميركية لصندوق "الكيرن كييميت" في إسرائيل، معروف بعلاقاته الوثيقة مع (زعيم المعارضة اليمينية) بنيامين نتنياهو وبكونه أحد المتبرعين لصالح هذا الأخير، كما أنه شارك في الماضي في مهرجانٍ عام لليمين الإسرائيلي. ميلتشن يسعى بشكل علني من أجل انتخاب شمعون بيريس لمنصب رئيس الدولة. كذلك فإن أدلسون له صلات مع بنيامين نتنياهو وأبراهام هيرشزون (وزير المالية الحالي)، وذلك في إطار مساعيه الجارية منذ سنوات طويلة من أجل إقامة نادي للقمار (كازينو) في إسرائيل.
وتقول شيلي يحيموفيتش إنها لا تعتقد أن المستثمرين الأجانب منزهون عن المصالح والعلاقات مع السياسيين. وتُضيف "هؤلاء هم إسرائيليون سابقاً أو يهود، وجميعهم يعيشون الحياة في إسرائيل بهذه الطريقة أو تلك. موقفي في هذا الشأن ليس مبدئياً أو قيمياً وإنما هو موقف عملي يستند إلى تجربتي في الصحافة وما عرفته من كل أنواع الضغوط".
أما موقف السوق الإسرائيلية إزاء تغلغل أثرياء العالم في الصحافة ووسائل الإعلام في إسرائيل فيمكن ملاحظته بصورة واضحة حينما أدى كشف الاتصالات التي أجراها نمرودي مع أدلسون إلى ارتفاع حاد في قيمة أسهم "معاريف هحزكوت".
[بتصرّف عن مجلة "هعاين هشفيعيت" (العين السابعة) المتخصصة في شؤون الإعلام والصادرة عن "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية". ترجمة "المشهد الإسرائيلي"]