إسرائيل دفيئة للمتهربين من دفع الضرائب في أوساط يهود العالم

اقتصاد ومجتمع

* حكومة أولمرت تبدأ عملية إقرار الميزانية الثالثة منذ توليها الحكم دون عقبات تذكر، وهذا مؤشر إلى ثبات الائتلاف * توقعات اقتصادية وردية كنمو اقتصادي بنسبة 2ر4% وتراجع للبطالة ولجم الفقر وارتفاع الاستهلاك الفردي والعام *

 

من المفترض أن يقر الكنيست الإسرائيلي، هذا الأسبوع، بالقراءة الأولى ميزانية إسرائيل للعام القادم 2008، التي تبلغ قيمتها الإجمالية 304 مليار شيكل، وهي ما تعادل 76 مليار دولار، لتكون الميزانية الأكبر في تاريخ إسرائيل.

وتعتمد الميزانية في أساسها على سقف للتضخم المالي يبلغ 5ر2%، وهي نسبة قريبة للتضخم المتوقع للعام الجاري، وأن يكون سعر صرف الدولار 3ر4 شيكل، علما أن سعره الحالي في حدود 4 شيكلات، وهذا ناجم عن تدهور سعر صرف الدولار عالميا، كذلك فإن وزارة المالية تتوقع عجزا في الميزانية بنسبة 6ر1%، مقابل 9ر2% في ميزانية العام الجاري، وهي نسبة قد لا تتحقق، نظرا للفائض في جباية الضرائب.

أما عن النمو الاقتصادي فإن وزارة المالية تتوقع نموا بنسبة 2ر4%، وهي نسبة أقل من المعدل الحاصل في السنوات الثلاث الأخيرة، ويتراوح ما بين 5% إلى 6%، أما بالنسبة للاستهلاك على مستوى الفرد فمن المتوقع أن يرتفع بنسبة 3ر4%، ولكن الاستهلاك العام في الدولة سيزداد بنسبة 2%.

وتتوقع وزارة المالية أن يصل الناتج الاقتصادي العام في إسرائيل للعام القادم 2008 إلى مستوى 715 مليار شيكل، (178 مليار دولار)، أما معدل الناتج القومي للفرد فإنه سيتراوح ما بين 25 ألفا إلى 26 ألف دولار، بعد أن يرتفع بنسبة 6ر3%.

ويشار الى أن هذا الناتج يتضمن الناتج العسكري، المقدر من 20% إلى 25% من مجمل الناتج، بمعنى أن الناتج المدني قد يكون في حدود 20 ألف دولار للفرد بالمعدل.

أيضا حسب التوقعات للعام القادم، فإن الوزارة تتوقع انخفاض البطالة بالمعدل من 5ر7% إلى 2ر7%، وأن ترتفع المشاركة في سوق العمل من 5ر56% إلى 2ر57%، من الجمهور القادر على الانخراط في سوق العمل، من عمر 18 عاما وحتى 64 عاما، وهي نسب تبقى متدنية عن مثيلاتها في الدول المتطورة. وتساهم في هذا الانخفاض عدة عوامل، من بينها قانون التجنيد الإجباري للشبان والشابات اليهود من عمر 18 وحتى 21 عاما، وامتناع جمهور واسع من المتدينين الأصوليين اليهود (الحريديم) عن التوجه إلى العمل والاعتماد فقط على المخصصات الاجتماعية، وانخفاض نسبة النساء المشاركات في سوق العمل، وبالأساس بين النساء العربيات، نظرا لقلة فرص العمل في البلدات العربية.

كما تتوقع وزارة المالية أن تصل مدخولات الدولة من جباية الضرائب إلى 194 مليار شيكل، ما يعادل 5ر48 مليار دولار، لتشكل نسبة 64% من ميزانية الدولة. ويرى المحللون أن تقديرات جباية الضرائب متواضعة، لأنها من المتوقع أن تكون أعلى بكثير، كما هو حاصل في العام الجاري، إذ بلغ الفائض من جباية الضرائب في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري 12 مليار شيكل، (3 مليارات دولار) وإن وزارة المالية تتعمد توقعات منخفضة لكي لا تزيد حجم الميزانية العامة (اقرأ تقريرًا منفصلا عن الضرائب في مكان آخر من هذا العدد).

إلا أن مسؤولي وزارة المالية يدافعون عن "اتهامات" المحللين. ويقول نائب المسؤول عن ميزانية الدولة في وزارة المالية، هارئيل بليندا، في تقريره أمام لجنة المالية البرلمانية، إن وزارة المالية بدأت تلمس مؤشرات أولية لاحتمال تباطؤ اقتصادي، بعد أربع سنوات من نمو عال ومتواصل في الاقتصاد، وادعى أن النمو الاقتصادي أصبح أكثر صعوبة من السنوات الماضية، ورأى أن الأزمة الاقتصادية الحاصلة في الولايات المتحدة، يجب أن تشعل ضوءا أحمر أمام الاقتصاد الإسرائيلي.

وقال وزير المالية، روني بار- أون، أمام اللجنة البرلمانية ذاتها في الأسبوع الماضي، إن السياسيين وأعضاء الكنيست يطالبون بزيادة ميزانيات لفروع مختلفة، ولا يمكن التجاوب مع جميع هذه الطلبات، "لأن مهمة إسرائيل في هذه المرحلة هي تقليص الدين العام للدولة، تحسبا لأي أزمة اقتصادية عامة، كي يكون بقدرة الاقتصاد الإسرائيلي تحملها وتجاوزها، وإن أية زيادة في الميزانية ستزيد العبء على ميزانيات السنوات القادمة" كما قال بار أون.

 

حصة الأسد لميزانية الأمن والاحتلال

 

يتضح من توزيع ميزانية العام القادم أن حصة الأسد من هذه الميزانية، وكما هو معروف عن إسرائيل، تذهب إلى الأمن والاحتلال والاستيطان، بمختلف فروعه، المباشرة وغير المباشرة. وستبلغ الميزانية المباشرة لوزارة الدفاع 45 مليار شيكل (11 مليار دولار)، ولكنها فعليا سترتفع إلى 52 مليار شيكل، بفعل الدعم الأميركي العسكري، الذي سيبلغ في العام الجاري 7ر2 مليار دولار.

إلا أن ميزانية الأمن والاحتلال لا تتوقف عند هذا الحد، ففي جميع ميزانيات الوزارات المختلفة هناك صرف على ميزانية الأمن، من الصعب حصره، أضف إلى هذا ميزانية وزارة الأمن الداخلي، التي تشمل ميزانية قوات ما يسمى "حرس الحدود"، التي تنشط إلى جانب جيش الاحتلال في المناطق المحتلة، وتبلغ الميزانية المباشرة لهذه الوزارة 5ر9 مليار شيكل (4ر2 مليار دولار).

كذلك تضاف ميزانيات أجهزة الاستخبارات على مختلف أشكالها، وهي ميزانيات سرية لا تظهر في كتاب الميزانية العام، كما أن ميزانية وزارة الدفاع لا تعرض بشكل تفصيلي على أعضاء الكنيست، وإنما تبقى سرية وتعرض على خمسة أعضاء كنيست فقط، تعيّنهم لجنة الخارجية والأمن البرلمانية.

وهناك ميزانيات الصرف على المستوطنات والبنى التحتية لهذه المستوطنات في الضفة الغربية وهضبة الجولان السورية المحتلة، إذ انه في كل واحدة من ميزانيات الوزارات المختلفة هناك بند خاص للصرف على الاستيطان والمستوطنين، علما أن الصرف على المستوطن الواحد في مجالات مختلفة وخاصة التعليم يصل في الكثير من الأحيان إلى 150% أكثر مما يصرف على المواطن اليهودي داخل مناطق 1948، وأكثر بـ 300% مما يصرف على الفلسطيني في إسرائيل.

وفي المجمل فإن حصة "الأمن" والاحتلال، من ميزانية الدولة قد تصل إلى نسبة 30% من مجمل الميزانية.

أما في فروع الميزانية الأخرى فيظهر أنه سيتم صرف قرابة 35 مليار شيكل (6ر8 مليار دولار) على العمولات والفوائد التي تدفعها الحكومة على دينها الخارجي والداخلي، وحسب معطيات تقديرية، فإن الدين الخارجي لإسرائيل يبلغ في هذه المرحلة قرابة 33 مليار دولار، أما الدين الداخلي، فهو قرابة 100 مليار دولار، وفي غالبه هو سندات اشتراها الجمهور.

وتحتل ميزانية التعليم المرتبة الثالثة، إذ تبلغ حصتها 7ر33 مليار شيكل، (4ر8 مليار دولار)، 9ر6 مليار دولار تصرف على جهاز التعليم العادي، في حين أن 5ر1 مليار دولار ستصرف على جهاز التعليم العالي، غير المجاني في إسرائيل.

ويتوقع محللون أن يطرأ تغيير طفيف على ميزانية وزارة التعليم للعام القادم، على ضوء إضراب معلمي المرحلة الثانوية (التوجيهي)، الذي بدأ في الأسبوع الماضي، وتطالب نقابتهم بزيادة كبيرة في رواتبهم، وهذا في أعقاب الزيادة الكبيرة جدا في رواتب معلمي المرحلة الابتدائية، التي كان راتب المعلم المبتدئ فيها أقل من الحد الأدنى من الرواتب (كراتب أساسي من دون إضافات).

وقال الوزير بار- أون، لدى عرضه الميزانية، إنه تمت إضافة قرابة 400 مليون دولار لميزانية التعليم العادي، وإن هذه الزيادة ستستمر في السنوات القادمة حتى العام 2010.

وأعلنت الحكومة أنها ستواصل برنامجها للجم ظاهرة الفقر، بعد أن أظهر تقرير مؤسسة التأمين الوطني (مؤسسة الضمان الاجتماعي الرسمية) أنه في العام 2006 جرى عمليا تجميد نسبة الفقر، ولكن هذا لم يمنع دفع عشرات آلاف أخرى إلى دائرة الفقر، وتتوقع المؤسسة ذاتها أن هذا "الجمود" المعلن سيستمر في العام الجاري 2007.

إلا أن تقارير جمعيات ومراكز تعنى بالقضايا الاجتماعية تؤكد أن نسب الفقر الحقيقية تفوق بكثير نسبة الفقر العامة المعلنة في إسرائيل، 4ر20% من مجمل السكان البالغ عددهم 8ر6 مليون نسمة، من دون فلسطينيي القدس المحتلة، (235 ألفا) والسوريين في هضبة الجولان السورية المحتلة (أقل من 20 ألفا).

 

احتمالات إقرار الميزانية

 

أعلنت رئاسة الكنيست أن هذه هي أول مرة يجري فيها عرض ميزانية الدولة في هذا الوقت المبكر من شهر تشرين الأول/ أكتوبر، أو على سبيل الدقة عرض الميزانية في اليوم الأول لافتتاح الدورة الشتوية كما حصل في هذا العام.

وقال وزير المالية بار- أون إن الهدف هو منح وقت أكبر لأعضاء الكنيست لإجراء بحث معمق في تفاصيل الميزانية. وأضاف أنه ابتداء من العام القادم فإن وزارة المالية ستعرض الميزانية على الكنيست في نهاية شهر آب/ أغسطس، أي في منتصف العطلة الصيفية للكنيست، على أن يتم إقرار الميزانية قبل بدء الدورة الشتوية، وذلك بهدف أن يجري إقرار الميزانية حتى اليوم الأخير من العام القادم، كموعد نهائي.

وينص القانون الحالي على أن تقر الميزانية حتى نهاية كل عام، لكن تبقى أمام الحكومة فرصة ثلاثة أشهر إضافية من العام التالي، وإلا يتم حل الحكومة، ولهذا فإن التعديل المتوقع هو أن يكون اليوم الأخير من كل عام الموعد النهائي كليا، وسيكون على أي حكومة أن تحاول إقرار الميزانية قبل ذلك الموعد.

لكن الحكومة الحالية تعرض هذا التطور الجديد، من حيث العامل الزمني، كمؤشر إلى قوة وثبات الائتلاف الحاكم، الذي لن يسعى إلى تمديد فترة إقرار الميزانية لأنه يضمن الأغلبية الواضحة لها.

وعمليا فهذه ثالث ميزانية تقرها الحكومة الحالية، بدءا من ميزانية العام 2006، بتأخير نصف سنة بسبب أزمة الحكومة السابقة، ثم ميزانية 2007 في موعدها الأصلي، والآن ميزانية 2008.

واعتمادا على إقرار الميزانية في جلسة الحكومة، قبل أكثر من شهر ونصف الشهر، فإنه من غير المتوقع أن تكون هناك أية عوائق أمام الائتلاف الحاكم لإقرار الميزانية بسهولة، خاصة وأنه يسيطر على ثلثي المقاعد البرلمانية، 78 نائبا من أصل 120 نائبا.

وهذه الأغلبية تجعل الائتلاف يتحمل بعض "حالات التمرد" المتفرقة في كتل الائتلاف، إذ قد نجد خمسة نواب أو أكثر بقليل من كتل الائتلاف الذين قد يقررون إما الامتناع أو المعارضة، إما لأسباب مبدئية ولاعتراضهم على بنية الميزانية وعلى بنود فيها، أو في إطار "تصفية حسابات" حزبية، على خلفية عدم حصولهم على مناصب.

وعدا ذلك فإنه من غير المتوقع حصول أزمات كبيرة من كتل الائتلاف، تهدد إقرار الميزانية بالقراءة الأولى، وحتى الأخيرة بعد شهرين.

فمثلا أعلن أحد نواب "كتلة المتقاعدين" أنه سيضع إنذارا أمام الحكومة لإقرار قانون بادر له يقضي برفع مخصصات الشيخوخة التي تدفعها مؤسسة الضمان الاجتماعي، وتبلغ تكلفة هذا القانون قرابة مليار دولار سنويا، لكن من المستبعد جدا أن يكون في قدرة هذه الكتلة المكونة من سبعة نواب أن تبادر لأزمة كبيرة تؤدي إلى خروجها من الائتلاف الحاكم، أو السعي لافتعال أزمة كبيرة تؤدي إلى تقديم موعد الانتخابات، لأن كل استطلاعات الرأي تتنبأ بانهيار كبير لهذه الكتلة التي ظهرت فجأة على الخارطة البرلمانية في انتخابات الكنيست قبل عام ونصف العام.

وقد تنشأ بعض الاحتجاجات داخل الائتلاف الحاكم حول قانون التسويات، وهو قانون يلازم إقرار الميزانية العامة، ويتضمن سلسلة من الإجراءات والقوانين ذات الطابع الاقتصادي، التي تطالب وزارة المالية بإقرارها دفعة واحدة، بزعم أنها تساعد تطبيق الميزانية العامة، على الرغم من إقرار المحكمة العليا بأن هذا القانون، الذي تعمل به الحكومات الإسرائيلية منذ أكثر من 25 عاما، يتناقض مع الأسس الديمقراطية.

ويتضمن قانون التسويات الجديد ضربات اقتصادية جدية للشرائح الضعيفة، ومن بينها فرض رسوم ضمان اجتماعي على ربات المنازل اللاتي لا يعملن، وإغلاق مراكز لتأهيل العاطلين عن العمل وغيرها.

وحسب التحركات المنظورة فإن وزارة المالية ستضطر في نهاية المطاف إلى شطب بند ربات المنازل، كما لمحت لذلك مصادر في وزارة المالية.

 

يبقى الأمر الوحيد الذي قد يلقي بظلاله على عملية إقرار الميزانية هو تقرير لجنة فينوغراد، المكلفة بفحص مجريات الحرب على لبنان، في حال صدور التقرير النهائي قبل نهاية العام الجاري، وإذا ما تضمن انتقادات حادة أو استنتاجات ضد رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، ذلك أنّ أمرا كهذا قد يُدخل الحلبة البرلمانية في أجواء تؤدي إما إلى استبدال رئيس الحكومة، أو التوجه إلى انتخابات برلمانية مبكرة، رغم أنه من السابق لأوانه الحديث عن سيناريوهات كهذه.