الأحزاب العربية: في إجمال المعركة الإنتخابية وتحليل نتائجها..

وثائق وتقارير

بعد 59 عاما على قيام دولة إسرائيل لم تتحقق المصالحة بين فلسطينيي العام 1948 ويهود دولة إسرائيل، وهذا ما يطمح إليه الفلسطينيون الذين يصفون ماضيهم ويتصورون حاضرهم وغدهم! فما بالك بالتالي- وهذه أكثر تعقيدا- بالمصالحة الشاملة التي تتضمن الفلسطينيين أينما كانوا خصوصا المقيمين في حدود العام 1967 أو اللاجئين في الفيافي والمخيمات..!

 

سمحت وزيرة التربية والتعليم الإسرائيلية، البروفيسورة يولي تامير، مؤخرا، باستخدام مصطلح النكبة بدلا من "حرب الاستقلال أو التحرير" كما كان متبعا على مدى ستة عقود (منذ النكبة) لدى دراسة ما حصل العام 1948 في كتاب تاريخ للصف الثالث في المدارس الفلسطينية داخل إسرائيل في سياق الحديث عن إقامة الفلسطينيين خارج قراهم ومدنهم. لكن المشرف الإسرائيلي على الكتب أثبت معلومة بجانب هذا الذكر تتعلق برفض الفلسطينيين قرار التقسيم في الوقت الذي قبله اليهود!

 

رغم محدودية الذكر إلا أن للفعل رمزية كبيرة، رمزية للفعل الفلسطيني القومي داخل إسرائيل، ورمزية في الاستجابة الإسرائيلية لمطالب فلسطينيي إسرائيل بذكر حقوقهم وهويتهم وتاريخهم الذي تشكل النكبة أهم ما فيه..

بعد 59 عاما على قيام دولة إسرائيل لم تتحقق المصالحة بين فلسطينيي العام 1948 ويهود دولة إسرائيل، وهذا ما يطمح إليه الفلسطينيون الذين يصفون ماضيهم ويتصورون حاضرهم وغدهم! فما بالك بالتالي- وهذه أكثر تعقيدا- بالمصالحة الشاملة التي تتضمن الفلسطينيين أينما كانوا خصوصا المقيمين في حدود العام 1967 أو اللاجئين في الفيافي والمخيمات..!

قادني اهتمامي بوثائق وصف الفلسطينيين لأنفسهم وماضيهم وتصورهم لحالهم ومستقبلهم إلى استهلال مقالي هذا بهذا الخبر كي يكون مدخلا صحافيا لإثارة ما هو جديد بما حدث من تصورات للفلسطينيين على مدار أشهر طويلة، ظهرت نتائجها في الأشهر الأخيرة.

هل كان يتصور الإسرائيليون المنتصرون العام 1948 أن يأتي يوم يتجرأ فيه خيال الفلسطينيين الذين أسموهم "عرب إسرائيل" على تصور مغاير لما يتصورهم الإسرائيليون باعتبارهم يملكونهم ويملكون أحلامهم وأخيلتهم وطموحاتهم؟

كان هم الفلسطينيين الذين بقوا هناك في أرضهم أو قربها هو مجرد البقاء بعد الفصول الدامية التي سبقت إقامة دولة إسرائيل التي تمثلت بقتلهم وجرحهم وتهجيرهم وأسرهم، بل خلال فصول لاحقة أقل دموية استمرت في التضييق عليهم والاعتداء عليهم وذبحهم ما أمكن حتى بعد حرب العام 1948 كما في مذبحة كفر قاسم التي جرت بعد أقل من 8 أعوام على قيام الدولة ومنح الفلسطينيين الأمان!

حين يقرأ كبار السن ممن شهدوا أحداث النكبة الكثير من الذكريات والمقارنات في الوثائق التي يتصور فيها الفلسطينيون حالهم ومستقبلهم سيتداعى لديهم شريط مرّ وقاس ومؤلم من سيل الذكريات التي لم يمحها غبار السنين!

الوثائق اشتهرت بـ"وثائق تصور للعرب الفلسطينيين المستقبلي في إسرائيل"، وإن كانت أولاها وأشهرها تحمل هذا الاسم فإن الأخريات لا تبتعد جوهرا وموضوعا وتصورا للمستقبل عنها، تمثل طموحا جديدا لهم ولأبنائهم وأحفادهم يتجاوز هدف البقاء وتحصيل المكاسب الحياتية بل وتتجاوز مكاسب هامش الديمقراطية الشكلانية الممنوحة للسكان الفلسطينيين باعتبارهم إسرائيليين!

كان من الطبيعي إذن بما تحمله الوثائق من نزعات استقلالية وقومية ونزعات محاسبة على ضوء قانون المواطنة العادل الذي يقوم على المساواة ألا تلقى استحسانا من أية مؤسسة إسرائيلية صهيونية رسمية أو مدنية، كون هذه التصورات إنما تسعى إلى تغيير بنية المجتمع والدولة بل والعقيدة في إسرائيل، وكان لا بد أن تعتبر من منظور صهيوني تجاوزا للخطوط الحمر لـ"عرب إسرائيل"!

الجرأة تقود إلى جرأة أخرى، ولا نهاية لتجرؤ الجريء ما دام يملك أن يجرؤ! وهذا ما يخشاه العقل الصهيوني، فإذا لم يلجم الفلسطيني هو وطموحاته وتصوراته فإنه لا ريب سيتمادى في غي خياله وصولا إلى ما يذهب بالدولة ومنجزات الصهيونية أدراج الرياح.

الإسرائيليون يدركون هذا ويتوقعونه قبل غيرهم، وقد سبق ذكر الخطر الديمغرافي العربي وتداوله حتى قبل وثائق مؤتمرات هرتسليا منذ العام 2000!

 

 

التصور الإسرائيلي الصهيوني عن تصورات فلسطينيي إسرائيل

 

في مؤتمر هرتسليا الأخير ما زالت كلمات المؤتمرين ترن في آذاننا، التي تحذر وتتخوف من الفلسطينيين داخل الدولة!

الخشية من فلسطينيي العام 1948 تضمنتها كلمات البروفيسور عوزي أراد رئيس المؤتمر التي شنها بشكل حاد على المواطنين العرب في إسرائيل معتبرا أن استئنافهم على "يهودية إسرائيل" كما تجلى الأمر في وثيقة التصور المستقبلي للعرب الفلسطينيين في إسرائيل الصادرة عن لجنة المتابعة العليا "يضعهم في قارب واحد مع القوى المحيطة بإسرائيل الرافضة لحقها في الوجود كدولة ديمقراطية ويهودية، وهو الحق الذي اعترف به العالم".

وأضاف: "في البلاد أدار رؤساء الوسط العربي بصورة واضحة ظهر المجن للأركان الأساسية لإسرائيل كدولة ديمقراطية ودولة يهودية، وبذا فقد ربطوا مصيرهم مع المحيطين بنا المتشككين أو الرافضين لحق دولة إسرائيل في الوجود التي اعترف بها من العالم".

في كلام أراد خوف شديد إذن من الفلسطينيين داخل فلسطين المحتلة العام 1948، في إسرائيل، فرغم أن "وثيقة التصور المستقبلي للعرب الفلسطينيين في إسرائيل" لا تعني كل هذا الخوف، فإن أراد بالغ في التخويف منها، بسبب عقدة تسكن عقله العنصري، حيث كيف سيفسر أراد زيادة نسبة المواطنين الفلسطينيين مستقبلا، وهل سيكونون مجرمين إذا أنجبوا المزيد من الأطفال مثلا!؟

الخوف الوجودي للعقلية العنصرية هو ألا تضمن إسرائيل الغالبية اليهودية!

من الطبيعي أن نتوقع ردّ فعل سلبيا إسرائيليا تجاه "وثيقة حيفا" وقبلها أو معها "دستور ديمقراطي لإسرائيل" الصادر عن مركز "عدالة". ومبادرة "مدى الكرمل" تماما كما كان ردّ فعل النخبة الصهيونية في هرتسليا وغيرها التي مثلها البروفيسور أراد حين تناول وثيقة التصور المستقبلي للعرب الفلسطينيين في إسرائيل، والسبب معروف.

تسمي إسرائيل فلسطينيي 1948 بـ"عرب إسرائيل" كأنهم عرب من البدو المتنقلين في البوادي ليس أكثر، ولم لا وإسرائيل تخلق الصورة النمطية كما تشاء وتطورها كما تشاء هنا وفي الغرب أيضا بدون حياء أو أدنى خجل علمي أو أكاديمي أو تاريخي أو إنساني.

فلسطينيو العام 1948 منفيون في وطنهم، محرومون من خيراته ومن التمتع بأراضيهم وممتلكاتهم ناهيك عن الخدمات العادية التي يستكثرها النظام العنصري على الأغيار الذي لا يخفي قادة هذا النظام ندمهم على السماح لمن تبقى هناك بالبقاء، ذلك أنهم يرونهم كالنبت الشيطاني سيتكاثرون ويصبحون جماعة قومية كبيرة تهدد العامل الديمغرافي للدولة.

لقد حاولت إسرائيل عبر عقود أن تمحو الشخصية الفلسطينية ببعديها القومي والحضاري لدى فلسطينيي العام 1948، لكن مقاومة التذويب شكلت مقاومة لنفي الهوية والثقافة واللغة، وقد كان للإنجاب لحسن الحظ دور في ترسيخ البقاء، وخلق أمر واقع للسكان الأصليين الذين زاد عددهم ليصبحوا خمس السكان في دولة إسرائيل، وهم مقبلون على زيادة في النسبة على مرّ السنوات، تلك النسبة التي يزداد قلق النظام العنصري الإسرائيلي تجاهها بشكل طردي كلما زادت! ومعروف لم كان النظام العنصري يفعل ذلك، للتأكيد على مقولة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"..

لقد ناقش المشاركون في إعداد مشروع التصور المستقبلي للعرب الفلسطينيين في إسرائيل قضية انتماء وهوية العرب الفلسطينيين في إسرائيل وإشكالية المواطنة وما ترتب عليهما من حيث مكانتهم الحقوقية وسياسة الأراضي والتخطيط والبناء وإستراتيجية التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية والرؤية التربوية لجهاز التربية والتعليم العربي وسبل تطوير الثقافة العربية الفلسطينية والعمل السياسي والأهلي ...، وخلصوا إلى تفصيلات لما ذكر.

ضمت الوثيقة 8 محاور سنذكر اثنين منها لنربطهما بما نراه مهما في وثيقة حيفا بشكل خاص. وهما المحور الأول بشأن العرب الفلسطينيين في إسرائيل وعلاقتهم بالدولة، والمحور الثالث بشأن سياسة الأراضي والتخطيط والبناء للعرب الفلسطينيين في إسرائيل، دون إغفال الحديث عن الهوية والانتماء.

ليس اكتشافا حين نقول: الأرض.. الأرض. كما نادى مكتشفو الأرض الجديدة في القرن الخامس الميلادي:land …land وهم يتشوقون بل ويكادون يموتون من طول الإقامة بعيدا عنها!

 

وثيقة التصور المستقبلي للعرب الفلسطينيين في إسرائيل، وهي الأشهر، اقترحت على اليهود الإسرائيليين "جسر الفجوة في مجالات الأرض والتخطيط والبناء، وتغيير الوضع القائم يتوجب الاعتماد على تبني مبدأ العدل التوزيعي بين المواطنين العرب وباقي المواطنين في الدولة قانونيا ضمن ديمقراطية توافقية وإلغاء كافة قوانين المصادرة والأنظمة والإجراءات التي تميز ضد الأقلية العربية (....) توسيع مناطق نفوذ القرى والمدن العربية ميدانيا وتبني خطاب جديد في قضايا الأرض والتخطيط يتضمن المطالبة بعدم تطبيق قانون التنظيم والبناء الحالي على المواطنين العرب وتجمعاتهم السكانية حتى تتم مساواتهم مع المواطنين اليهود وتجمعاتهم السكانية".

أما محور علاقة العرب الفلسطينيين بالدولة، فقد ركز على تحقيق المواطنة الكاملة مع تحقيق إدارة ذاتية مؤسساتية تضمن لهم حق إدارة شؤونهم الخاصة كمواطنين في مجالات التعليم والثقافة والدين.."فإن إدارة ذاتية من هذا النوع في إطار الدولة تشكل نموذجا لنظام مبني على أساس الديمقراطية التوافقية وهو نظام يجسد وجود مجموعتين قوميتين في الدولة" والكلام أيضا واضح، وبالطبع الحديث عن التنمية والمؤسسات إنما يأتي في هذا السياق.

في وثيقة حيفا إضافة وتأكيد على ما ذكر، واعتزاز بالهوية بشكل خاص ومحاسبة لدولة إسرائيل على خطاياها وجرائمها ليس بحق فلسطينيي العام 1948 بل وفلسطينيي العام 1967.

فرغم تمحور الوثيقة على القضايا الاجتماعية الداخلية، وعلاقة المواطنين الفلسطينيين بدولة إسرائيل، والعلاقة مع الشعب الفلسطيني والأمة العربية، والهوية الوطنية إلا أنها أيضا تركز على الأرض والحقوق سواء من خلال الحديث عن المواطنة الكاملة أو من خلال الحديث عن الحقوق التاريخية المسلوبة: "إن حل الدولة الديمقراطية المؤسسة على المساواة بين المجموعتين القوميتين-اليهود الإسرائيليين والعرب الفلسطينيين- هو الحل الذي يضمن حقوق المجموعتين على نحو عادل ومتساو. ويحتم ذلك تغيير المبنى الدستوري وتغيير تعريف دولة إسرائيل من دولة يهودية إلى دولة ديمقراطية تتأسس على المساواة القومية والمدنية بين المجموعتين القوميتين وإرساء العدالة والمساواة بين كافة مواطنيها... إلغاء جميع القوانين التي تميز على أساس قومي أو اثني أو ديني وعلى رأسها قوانين الهجرة والمواطنة، وسن قوانين ترتكز على المساواة بين اللغتين العربية والعبرية.. وتأمين مبدأ التعددية الثقافية.. والمشاركة الفعلية للأقلية الفلسطينية في الحكم وفي اتخاذ القرارات.. وضمان حقهم في إدارة ثقافية مستقلة.. وتوزيع الموارد.. هذه المبادئ تكفل حق تقرير مصيرنا كأقلية وطن".

في مجال الهوية فصلت وثيقة حيفا كثيرا بشيء من الاعتزاز هذا الأمر، وربطت ذلك بتاريخ الفلسطينيين ورواياتهم عن المكان والحدث، من خلال المواطنة الإسرائيلية:

"مواطنتنا وعلاقتنا بدولة إسرائيل تتحددان بقدر كبير بحدث مؤسس هو النكبة، وهو الحدث الذي تحولنا إثره- نحن البقية الباقية من أصحاب الوطن الأصليين- إلى مواطنين بدون مقومات حقيقية للمواطنة... إن مبدأ المساواة- الذي يشكل أساس المواطنة الديمقراطية- يجب أن يعتمد العدل وتصحيح الغبن والاعتراف بروايتنا وتاريخنا في هذا الوطن. هذه المواطنة الديمقراطية التي نبتغيها هي الإطار الوحيد الذي يضمن المساواة الفردية والجماعية للفلسطينيين داخل إسرائيل".

وقد كان معدو الوثيقة أذكياء حين قطعوا على الإسرائيليين حججهم بأن عدم تطبيق مبدأ المساواة يعود إلى عدم الانخراط بالخدمة المدنية والعسكرية في الدولة: "إننا نرى أن السياسات التي تطالبنا بـ"الخدمة المدنية" والخطوات التي قد تقود إلى الانخراط بما له صلة بالعسكرة الإسرائيلية وتقاسم غنائم الحروب تتعارض في حالتنا مع مبدأ المساواة، ذلك أنها تشوه هويتنا وتتجاهل الغبن التاريخي".

 

مصالحة حقيقية

 

 

تقول الوثيقة حول المصالحة التي تنشدها والتي هي من داخل قناعات الإنسان الفلسطيني وليس في سياق التمثيل كون أن الغالبية هم من اليهود، وهي تطمح أيضا لمصالحة شاملة تشمل فلسطينيي العام 1967: "نحن نتطلع إلى مستقبل تتحقق فيه المصالحة بين الشعب اليهودي الإسرائيلي والشعب العربي الفلسطيني، هذه المصالحة تتطلب اعتراف دولة إسرائيل بالغبن التاريخي الذي أوقعته بالشعب الفلسطيني جراء قيامها، وبمسؤولياتها عن النكبة التي حلت بجميع فئات شعبنا الفلسطيني، وعن جرائم الحرب وجرائم الاحتلال التي تقترفها إسرائيل في الأراضي المحتلة، كذلك تتطلب المصالحة الاعتراف بحق العودة والعمل على تطبيقه وفقا لقرار الأمم المتحدة 194 وإنهاء الاحتلال وإزالة المستوطنات من جميع الأراضي المحتلة منذ العام 1967......".

لقد كان معدو وثيقة حيفا منصفين وعمليين وواقعيين وصادقين في هذا التوجه، من أجل ذلك تحدثوا عن استحقاقات المصالحة على هذه الأرض بالنسبة للجانب اليهودي الإسرائيلي وليس أي يهودي في العالم، فكان تصريحهم المعترف بحق الشعب اليهودي:

"تتطلب منا هذه المصالحة التاريخية نحن الفلسطينيين والعرب الاعتراف بحق الشعب اليهودي الإسرائيلي بتقرير مصيره والعيش مع الشعب الفلسطيني وسائر شعوب المنطقة بسلام وكرامة وأمان. نحن نعي تاريخ اليهود المأساوي في أوروبا والذي بلغ ذروته في إحدى أفظع الجرائم الإنسانية وهي المحرقة التي أحلتها النازية باليهود، ونعي المآسي التي عاشها الناجون منها. نحن نتعاطف مع ضحايا المحرقة، من أبيد ومن نجا...".

 

لذلك فإنهم يؤكدون- وهذا مهم لأية مفاوضات فلسطينية وعربية- إسرائيلية قادمة أن "تصحيح الوضع في داخل إسرائيل شرط لخلق ظروف سياسية تمكن من بناء الثقة والتعاون والاحترام المتبادل بين الدولتين المستقلتين والديمقراطيتين: الدولة الفلسطينية ودولة إسرائيل..."، وبالتالي يمكن بعدها الطموح للتعاون مع إسرائيل وإقامة الاتفاقيات والمعاهدات معها... (أي التطبيع وإن لم تذكره الوثيقة وذكرت آلياته ومضمونه).

 

 

رغم هذه المبادرات التي بدأت فعليا بتحرير العقل الفلسطيني داخل إسرائيل، إلا أنه بسبب محدودية عناصر الضغط للعرب الفلسطينيين فإنه ليس هناك أفق كاف كي تنصاع إسرائيل لمقترحات التصور المستقبلي لفلسطينيي العام 1948، حيث معنى ذلك التعجيل بوفاة النظام العنصري الذي تقوم عليه الدولة خصوصا في موضوع الأرض والهوية، علما أن إسرائيل قد تبدي مرونة شكلية في مسألة الحكم الذاتي الثقافي والتربوي للفلسطينيين هناك حتى تسوّق نفسها كدولة ديمقراطية، أو لترتاح من هم الثقافة والتربية والتعليم رغم محاذيرها على الاستقلال الثقافي للفلسطينيين في الداخل خصوصا وأن نسبتهم في ازداد بالنسبة لعدد سكان دولة إسرائيل ذات الأغلبية اليهودية المهددة بالأطفال العرب المولودين والذي سيولدون بعد مسببين الغضب للعنصريين الصهاينة.

 

في تصريح وزيرة التربية والتعليم الإسرائيلية ما يمنح بعض الأمل، لكن ثمة مسؤولية تقع على العرب للمطالبة بالحقوق أكثر وأكثر، ومسؤولية أخرى تقع على النخبة المثقفة والتربوية الإسرائيلية لفتح صفحة جديدة مع فلسطينيي إسرائيل وباقي الفلسطينيين.

في تصريحها ما يمنح بعض الأمل لكن بحذر، ذلك أنّ المشرف الإسرائيلي على الكتب أثبت معلومة بجانب هذا الذكر تتعلق "برفض الفلسطينيين قرار التقسيم في الوقت الذي قبله اليهود"! فهل هذا من قبيل دس للسم في الدسم؟

لنأخذ الحدث بريئا قليلا مبتعدين عن السم والدسم ونتساءل: هل ستستجيب إسرائيل كدولة ومجتمع مدني لهكذا مصالحة قابلة للحياة والتطبيق؟ هل سنسمع عن إلغاء الوكالة اليهودية والصندوق القومي اليهودي كما طالبت وثيقة حيفا حين وضعت آليات المصالحة؟ هل سيقتصر الحديث عن الناس هنا، سكان البلاد من الفلسطينيين العرب واليهود الإسرائيليين، دون اعتبار أي يهودي العالم مواطنا في الدولة؟

 

يظهر أن الاستجابة ستكون محدودة (*) فهذا وزير التربية والتعليم السابق النائب اليميني زبولون أوليف (الاتحاد الوطني) يرى في قرار الوزيرة الحالية "نكبة لجهاز التعليم الإسرائيلي"، مضيفا أنها "تشطب بقرارها تاريخ الشعب اليهودي وتكفر بإسرائيل كدولة يهودية وتمنح العرب شرعية عدم الاعتراف بإسرائيل دولة للشعب اليهودي"، بل هناك من دعا إلى إقالة الوزيرة مذكرين بقرار سابق لها بأن تشمل الخرائط التي يستعين بها التلاميذ "الخط الأخضر" الفاصل بين مناطق العام 1948 ومناطق العام 1967.

 

وهذه وزيرة التربية والتعليم السابقة ليمور ليفنات (ليكود) ترى "أنه يحمل الطلاب على الاستنتاج أنه ينبغي العمل ضد دولة إسرائيل ويحثهم على مواجهة الاحتلال الإسرائيلي".

 

سيقولون كثيرا، لكن أيضا نحن الفلسطينيين لنا ما نقوله وما نتصوره أولا عن أنفسنا!

 

هناك الكثير من الإبداعات في جعبة العربي الفلسطيني، وفي جعبة اليهودي الإسرائيلي إن أراد فعلا السلام، سواء في كيفية تحقيق عودة اللاجئين وزيارات اليهود للبلاد واقتسام الثروات وتوزيع الأرض واختيار نظام الحكم... المهم هل هناك نية للسلام؟ إن لم تكن هناك نية طيبة فإلى متى نتعب أنفسنا في الخيال والتصور؟.

(رام الله)

___________________________________

 

(*) من رصد لردود الفعل الإسرائيلية ضمنها الكاتب أنطوان شلحت مقالته الافتتاحية لملحق المشهد الإسرائيلي، العدد 164، 24/7/2007.