الجيش الإسرائيلي يتحسب من رفض ثلث جنوده أوامر عسكرية لإخلاء بؤر استيطانية

وثائق وتقارير

* مدير عام "عدالة"، المحامي حسن جبارين لـ"المشهد الإسرائيلي": خبراء مرموقون في موضوع الدستور من جامعات جدية في العالم، بينهم خبراء من جنوب أفريقيا، اطلعوا على "الدستور الديمقراطي" * أستاذ القانون في جامعة حيفا، الدكتور إيلان سبان، يؤكد لـ"المشهد" أن "الدستور الديمقراطي" يضع اقتراحا لا يمكن قبوله من جانب المؤسسة الإسرائيلية، بل إنه "يضع عراقيل أمام حل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني"!! *

 

كتب بلال ضاهر:

 طرح مركز عدالة القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل مؤخرا "الدستور الديمقراطي" كاقتراح دستور لدولة إسرائيل على أساس دولة ديمقراطية ثنائية اللغة، عبرية وعربية، ومتعددة الثقافات [اقرأ كلمة رئيس إدارة مركز عدالة، ب. مروان دويري، في مكان آخر من هذه الصفحة].

 

ويطرح عدالة الدستور في خطوة تحدٍ لاقتراحات دساتير طرحها برلمانيون وسياسيون ومثقفون إسرائيليون تميزت جميعها بتجاهل الأقلية العربية في البلاد، فانشغلت، مثلا، بتعريف "من هو يهودي" بدلا من الانشغال بـ"من هو المواطن".

 

ويؤكد البند الرابع في مقدمة "الدستور الديمقراطي" على أن هدفه الرئيس هو "بناء مجتمع ديمقراطي ومتساو ومتحرر من العنف والقمع وكأساس للمصالحة التاريخية بين دولة إسرائيل وبين الشعب الفلسطيني والأمة العربية"، ولذلك فإنه "على دولة إسرائيل الاعتراف بمسؤوليتها عن الغبن التاريخي الذي سببته للشعب الفلسطيني برمته قبل قيامها وحتى يومنا هذا. ومن هنا فإن على دولة إسرائيل الاعتراف بمسؤوليتها عن جرائم النكبة والاحتلال، والاعتراف بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة وفقا لقرار الأمم المتحدة رقم 194، والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، والانسحاب من كافة المناطق العربية المحتلة عام 1967".

 

وبحسب "الدستور الديمقراطي" فإن حدود دولة إسرائيل هي "حدود المناطق التي كان القانون الإسرائيلي ساريا عليها حتى الخامس من حزيران 1967". كذلك فإن "جنسية المواطن الإسرائيلي غير قابلة للإلغاء". ويدعو لأن تستند قوانين الجنسية والهجرة "إلى مبدأ منع التمييز وتنص على حقّ منح الجنسية للأفراد في الحالات التالية: لكل من ولد ضمن مناطق حدود دولة إسرائيل على أن يكون أحد والديه ولد أيضًا داخل حدود الدولة؛ ولكل من ولد لوالدين أحدهما مواطن دولة إسرائيل؛ ولزوج/ة مواطن/ة إسرائيلي/ة؛ ولكل من تقف الأسباب الإنسانية في صلب مجيئه أو مكوثه في دولة إسرائيل، بمن في ذلك كل من هو مطارد على خلفية سياسية".

 

وهنا إشارة واضحة إلى ضرورة إلغاء قانون المواطنة الإسرائيلية الحالي الذي يميّز ضد الفلسطينيين مواطني إسرائيل ويمنعهم من لم شمل عائلاتهم في حال كان أحد الزوجين من المناطق الفلسطينية المحتلة العام 1967.

 

ويطالب الدستور بعودة المهجرين الفلسطينيين من مواطني إسرائيل إلى قراهم المهجرة وبالاعتراف بالقرى العربية غير المعترف بها في النقب والجليل وبإعادة الأراضي المصادرة من المواطنين العرب لأصحابها. كذلك يدعو إلى استقلال ثقافي للفلسطينيين مواطني إسرائيل وأن "لا تقر هيئة الكنيست العامة قانونا إذا صوّت ضده ثلاثة أرباع أعضاء الكنيست المنتمين لأحزاب عربية أو عربية- يهودية على اعتبار أن مشروع القانون يمس بالحقوق الأساسية للأقلية العربية". ويمنح "الدستور الديمقراطي" الحق "للمواطنين العرب المسلمين في أن يسترجعوا كل أملاك الوقف الإسلامي، بما يشمل عوائده، التي كانت تدار من قبل المجلس الإسلامي الأعلى وتحولت إلى أملاك غائبين حسب قانون أملاك الغائبين لسنة 1950".

 

الهدف: تحدي اقتراحات الدساتير الإسرائيلية

 

ولفت المدير العام لمركز عدالة، المحامي حسن جبارين، في حديث لـ"المشهد الإسرائيلي"، إلى أنه "واضح أننا لا نتوقع أن تؤيد هذا الدستور أغلبية اليهود في إسرائيل، وواضح لنا أن أكثر من 90% منهم سوف يرفضون هذا الدستور لأنه عمليًا يطلب تغيير طابع الدولة. ومطلب تحويل إسرائيل إلى دولة ثنائية اللغة يعني من الناحية القانونية أن القوميتين اللتين تتحدثان اللغتين هما قوميتان متساويتان. ولهذا نحن نعي أنه لا توجد إمكانية للاعتراف بهذا الدستور".

 

(*) "المشهد الإسرائيلي": ما هي الحاجة، إذن، لطرح هذا الدستور؟

 

- جبارين: "لقد عبرنا أكثر من مرة عن موقفنا القائل إنه ممنوع سن دستور طالما أنه لا يوجد اتفاق على أمور أساسية، مثل عدم وجود حدود لدولة إسرائيل. لكن بما أنه تم طرح اقتراحات (إسرائيلية) عديدة لدساتير ولجنة القانون والدستور البرلمانية تعقد كل يوم أحد اجتماعا لبحث هذا الموضوع، فقد رأينا أنه علينا أن نتحداهم ونقدم الدستور الديمقراطي، فقط بهدف أن نبين حجم الفارق الشاسع بين البنود التصورية الخاصة بنا كعرب والبنود التصورية الخاصة بهم كيهود. وأردنا أن نبين أن الفارق ليس في بنود قليلة وإنما هذا يتعلق بأمور جوهرية وبالتالي يتم عرض هذا الدستور مقارنة مع الدساتير الأخرى من أجل أن يكون موقفنا واضحًا".

 

(*) على ماذا يعتمد "الدستور الديمقراطي" الذي تطرحونه؟

 

- جبارين: "يعتمد الدستور الديمقراطي على دساتير لدول ديمقراطية وعلى رأسها دستور جنوب أفريقيا (بعد زوال نظام التفرقة العنصرية). ويعتمد أيضا على مواثيق دولية، حتى دولة إسرائيل وقعت عليها. ولذلك الهدف هو أن يتحدى الدساتير المقترحة ويظهر مدى ضعفها والفارق الشاسع بيننا وبينهم وأنه عمليا لا توجد إمكانية لوضع دستور ديمقراطي في هذه الدولة. فهذا دستور ديمقراطي هدفه التأكيد على عدم وجود إمكانية لوضع دستور ديمقراطي لإسرائيل في الوضع الراهن".

 

(*) هل اطلع خبراء من خارج عدالة على "الدستور الديمقراطي"؟

 

- جبارين: "طبعا. كان هناك خبراء من داخل إسرائيل ومن خارجها. وأكشف لك لأول مرة أنه بين هؤلاء كان خبراء من جنوب أفريقيا، من الذين شاركوا في وضع دستور جنوب أفريقيا في العام 1994 وقد شاركونا في المعضلات والتخبطات التي واجهوها. واطلع على الدستور الديمقراطي خبراء مرموقون في موضوع الدستور من جامعات جدية في العالم. وطبعا استفدنا من ملاحظاتهم. وقد عملنا في إعداد الدستور مدة سنتين، وكان جاهزا في 15 تموز الماضي".

 

(*) هذا الدستور سيبقى مسودة يمكن مناقشتها لمدة عام، أي حتى شباط المقبل. ماذا ستفعلون به بعد ذلك؟

 

- جبارين: "خلال هذه السنة سنستمع إلى ملاحظات الناس ونعرضه كاقتراح نهائي".

 

(*) هل سيتم تقديمه إلى جهة معينة؟

 

- جبارين: "لا. الدستور سيكون موجودًا على شبكة الانترنت وكل من هو معني، من الجهات الإسرائيلية، يمكنه الاطلاع عليه والمقارنة بين الحقوق الديمقراطية التي نطالب بها والحقوق الديمقراطية التي يرونها هم. وهذا سيؤكد على أن الدساتير التي يقترحونها ليست ديمقراطية".

 

(*) هل هناك حالات، حصلت في الماضي، طرحت فيها أقلية قومية اقتراحا لدستور البلاد؟

 

- جبارين: "في العام 1954 طرح حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بزعامة نيلسون مانديلا وثيقة الحريات. وحاكمت سلطات البيض في جنوب أفريقيا قيادة المؤتمر الأفريقي لكن تمت تبرئتهم، فقد تم اعتبارها أنها ضد كيان الأبرتهايد، وهذا كأن تقول ضد الكيان اليهودي في إسرائيل. ولكن هذه الوثيقة أصبحت الأساس لدستور 1994 بعد انتهاء الأبرتهايد وهذه الوثيقة كانت سابقة. وفيما يتعلق بالدستور الديمقراطي فإننا نرى أنه إذا تمكنا من إبراز الفروق الشاسعة والعميقة بين دستورنا والدساتير اليهودية فهذا سيكون بمثابة نجاح بالنسبة لنا".

 

 

موقف أستاذ جامعي إسرائيلي

 

من جهة أخرى، رأى أستاذ القانون في جامعة حيفا، الدكتور إيلان سبان، أن ثمة جانبا ايجابيا في اقتراح "الدستور الديمقراطي" وأن ثمة جانبا آخر ليس ايجابيا ويعرقل تطبيق هذا الدستور.

 

وقال سبان لـ"المشهد الإسرائيلي": "أوافق على أجزاء مركزية فيه. الأمر الأول، هو أن المطروح هنا هو ديمقراطية دستورية تحمي حقوق الإنسان من خلال دستور صلب. الأمر الثاني هو أنني أوافق على ما جاء في الدستور حول الحقوق المشتركة للمواطنة والتي تعني منح حقوق كاملة للفرد. والأمر الثالث هو أنني أوافق على جزء من الحقوق الجماعية المقترحة، مثل حكم ذاتي ثقافي ومشاركة الأقلية في رموز الدولة. ورابعا أنني أوافق على جزء مما هو مطروح بخصوص الحقوق التاريخية، مثل إعادة المهجرين وإعادة أراض مصادرة أو منح تعويض والمطالبة بالاعتراف بالقرى غير المعترف بها".

 

(*) "المشهد الإسرائيلي": وما الذي لا تراه مناسبا في اقتراح "الدستور الديمقراطي"؟

 

- سبان: "هناك مثال يقول: كل شيء زاد عن حده انقلب إلى ضده. واقصد أن سقف اقتراح الدستور الديمقراطي عالٍ جدا، ليس من الناحية الأخلاقية إذ لا يوجد أي خلل مبدئي بالاقتراح. وإنما هو يضع اقتراحا لا يمكن قبوله (من جانب المؤسسة الإسرائيلية). بل أكثر من ذلك. فأنا أعتقد أن هذا الاقتراح يضع عراقيل أمام حل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. ومثال على ذلك الدعوة إلى تحويل إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية، وهذا يعني ترك المبدأ القائل بأن إسرائيل هي دولة يهودية وديمقراطية، خصوصا أن الحل المطروح للصراع هو قيام دولتين فيما إسرائيل تتوقف عن أن تكون دولة احتلال. الأمر الثاني الذي أعتبره صعبا للتحقيق هو العوامل الضرورية لاستقرار إطار ثنائي القومية. فقضية حق العودة للاجئين الفلسطينيين لم تُحل وفي الماضي القريب (خلال الانتفاضة) سقط ثلاثة آلاف فلسطيني قتيل وألف إسرائيلي قتيل. كذلك فإننا نشهد عدم استقرار ديمغرافي والثقافة السياسية الديمقراطية ليست راسخة في كلا الجانبين وهناك فجوة واسعة للغاية بين الشعبين في الناحية الاقتصادية الاجتماعية... وقضايا كثيرة أخرى. نرى هنا أن هذه هي شروط بعيدة جدا عن أن تسمح بإقامة كيان ثنائي القومية مثلما نشهد في كيانات كلاسيكية من هذا القبيل، مثل بلجيكا وسويسرا وكندا. والأمر الثالث هو أنه من أجل أن نصل إلى قيام كيان ثنائي القومية يتوجب حل الصراع. إذن من دون ذلك لا يمكن إنشاء نظام ثنائي القومية تملك فيه الأقلية حق النقض أو الفيتو في ظل عدم وجود توافق عام واسع من جانب كلا القوميتين حيال قيم وأهداف مشتركة. والأمر الأخير هو أن قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل سيكون له تأثير، من ناحية القيم التي يدعو إليها الدستور الديمقراطي، وسيبرر هذا ما أسميه //هجرة العودة// بدلا من لم شمل عائلات، بحيث يتم جمع شتات الفلسطينيين في دولتهم القومية واليهود في إسرائيل. وهذا الشكل من الهجرة مرتبط بالأساس بالحق في تقرير المصير، ويتم تطبيقه في هذه الحالة من خلال دولتين قوميتين منفصلتين".