موفاز: الانسحاب من غزة خلال شهر ونصف الشهر

وثائق وتقارير

* قضية "قدسية السبت" هي واحدة من أكثر القضايا سخونة داخل المجتمع الإسرائيلي وأيضا في الحلبة السياسية، وينقسم الجمهور إلى قسمين بين مؤيد لتقييدات منع الحركة في السبت وبين الغالبية الساحقة التي ترفض هذا *

 

كتب برهوم جرايسي:

  تطفو على السطح بين الحين والآخر واحدة من القضايا الخلافية الحارقة بين جمهوري العلمانيين والمتدينين في إسرائيل، وتبقى مسألة عطلة نهاية الأسبوع، ويوم السبت، على رأس هذه القضايا كونها تتعلق بالحياة اليومية ويصطدم فيها الإسرائيلي في كل أسبوع.

منذ عشرات السنين لم يتوقف الجدل في إسرائيل حول المسموح والممنوع في يوم السبت، وكما هو معروف فإن المتدينين يتشبثون بما جاء في التوراة، بمنع أي عمل في يوم السبت، وهو يوم راحة وصلاة، حسب تلك التعاليم.

ولكن هذه القوانين لم تمر بسهولة في البرلمان الإسرائيلي، وفي أكثر من مرّة أدت هذه القوانين إلى أزمة ائتلافية والى تهديد بحل حكومات بأسرها، إن كان من أجل فرض قوانين جديدة، أو من أجل منع سن قوانين تخفف من تقييدات السبت.

ومنذ قيام إسرائيل نجح المتدينون، وبمساعدة الأحزاب الحاكمة المتقلبة، بفرض قوانين تضع تقييدات كبيرة على الحركة العامة في أيام السبت، وعلى رأسها مرافق العمل والحركة التجارية، والأبرز بين كل هذا، توقف حركة المواصلات العامة.

وهذا الأمر جعل إمكانية التوجه إلى مواقع النقاهة والاستراحة، والتنقلات بين المدن، وقضاء عطلة أسبوعية مقتصرة على ذوي القدرة من بين جمهور العلمانيين، الذين لديهم وسائل النقل الخاصة بهم، بينما جمهور واسع يُفرض عليه البقاء في منزله ومحيط حيّه على الأكثر، نظرا لانعدام وسائل النقل التي تقله إلى مواقع الترفيه.

وفي السنوات الأخيرة حصل تخفيف معين في مسألة حركة المواصلات العامة، لنرى بعض الحافلات العامة، ولكن بشكل محدود جدا، إلا أنه بالمجمل العام فإن حركة المواصلات تبقى شبه متوقفة.

وهناك أحياء وشوارع بأكملها في المدن والبلدات يتم إغلاقها حتى أمام حركة السيارات، بزعم وجود كنيس يهودي، أو أن غالبية سكان هذا الشارع أو الحي هم من المتدينين.

كذلك هناك قوانين تمنع فتح المحال التجارية التي تعود ليهود، أو لعرب في أحياء يهودية، ويفرض القانون غرامات باهظة على أصحاب هذه المحلات، إلا أن تطبيق هذا القانون مرتبط بوزير العمل في تلك الفترة، فهو الذي يقرر ما إذا يرسل "دوريات السبت"، وهم أفراد شرطة من العرب، لتسجيل المخالفات أم لا.

وفي هذا المجال نذكر أن الجدل في إسرائيل لا يقتصر على أماكن النقاهة والترفيه، بل أيضا هناك جمهور واسع يطالب بفتح المحال التجارية، والسماح بإمكانية التسوق في أيام السبت، كون الكثير من العائلات ترغب في الاستفادة من هذا اليوم لتوفير الاحتياجات الأسبوعية للمنزل.

لكن العقبة في هذا المجال، حتى وإن حصل فيه تراجع معين، تبقى في المحال الغذائية، فحسب شرائع الحلال اليهودية فإن المحل التجاري الذي يبيع يوم السبت يسقط الحلال عن جميع المنتوجات التي في المحل.

إلا أن ليس جميع المتدينين في صف واحد، وبالأساس فهم ينقسمون إلى قسمين: المتدينون المتشددون الأصوليون (الحريديم) والمتدينون الصهاينة، الذين ينتسبون للحركة الصهيونية، وأبرز ممثليهم حزب "المفدال" الديني. وفي حين أن الأصوليين يرفضون أي تساهل في مسألة السبت، فإن المتدينين الصهاينة يعتقدون أنه بالإمكان التوصل إلى صيغة مشتركة "تحترم السبت وتعطي لمن هم ليسوا متدينين حرية الحركة".

 

البحث عن مخرج

 

 

في الأيام الأخيرة عاد هذا الموضوع إلى جدول الأعمال، على ضوء مبادرة عضو الكنيست، ورئيس حزب "المفدال" الديني الصهيوني، زبولون أورليف، لجعل العطلة الأسبوعية من يومين، السبت والأحد، فيما يكون يوم الجمعة يوم عمل جزئيا، أي حتى الساعة الثانية من بعد الظهر، الأمر الذي أثار حفيظة الأصوليين (الحريديم)، الذين رفضوا اقتراح القانون بدعوى أن يوم الجمعة هو تحضير ليوم السبت.

ولهذا الغرض فقد جند وزير الصناعة والتجارة والعمل، الزعيم السياسي لحركة "شاس" الأصولية، إيلي يشاي، خبراء اقتصاد ليقدموا معطيات حول الخسائر الاقتصادية من جعل الأحد عطلة أسبوعية.

فقد بادر أورليف ليس فقط من أجل جمهور العلمانيين، الذين بإمكان ذوي القدرة من بينهم تجاوز عقبة منع المواصلات العامة، وإنما أيضا من أجل جمهور المتدينين الليبراليين، الذين يحافظون على قدسية السبت والشرائع الأخرى، ولكنهم في نفس الوقت لا يمتنعون عن التوجه إلى المرافق العامة، وأماكن النقاهة والاستراحة، ولكن اقتصار العطلة الأسبوعية على يوم السبت تحرمهم من هذا.

ولهذا فإن أورليف يريد من هذا القانون فسح المجال أمام هذا الجمهور للحفاظ على "قدسية السبت"، وفي نفس الوقت الاستفادة من يوم راحة ثان، خاصة وأن هذا الجمهور أيضا لا يستطيع الاستفادة من عطلة يوم الجمعة، كون أنه "يوم قصير"، لأن يوم السبت حسب العقيدة اليهودية يبدأ عند مغيب شمس يوم الجمعة، وبعد ساعة من مغيبها يوم السبت.

ويقول أورليف إن اقتراح القانون يحظى بدعم حاخامات الحركة الدينية الصهيونية، إضافة إلى جهات أساسية في الكنيست الإسرائيلي، وعلى الرغم من هذا فإن أورليف لم يطرح بعد هذا القانون للتصويت، لأنه لم يضمن حتى الآن الأغلبية البرلمانية التي تسمح له بطرح هذا القانون للتصويت، نظرا لرفض حزب "شاس" الأصولي للقانون، وابتعاد رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، وأحزاب الائتلاف عن إثارة هزة تدمر ائتلافهم على خلفية مبادرة قادمة من صفوف المعارضة.

ويقول أورليف في شرحه للقانون "إن الهدف الأساس من هذا القانون يكمن في فكرة إفساح المجال أمام الجمهور المتدين (الليبرالي) والمحافظ على التقاليد للاستفادة من يوم استراحة وقضاء عطلة مع أفراد العائلة، وهو أمر ليس متاحا في الظروف القائمة".

إلا أن أورليف في المقابل يطالب من خلال القانون بمواصلة منع الحركة التجارية الصناعية وعمل المؤسسات العامة أيام السبت، ولكن مع إبقاء أماكن الترفيه مفتوحة أيام السبت لمن يرغب، وتخفيف القيود بدرجة كبيرة عن حركة المواصلات أيام السبت، بشرط أن لا تكون هذه الحركة في أحياء المتدينين.

ويرى أورليف أن مشروع القانون الذي بادر له لا يناقض الشريعة اليهودية، ويحذر جمهور المتدينين من إتباع نهج "إما كل شيء، أو لا شيء"، وأن هذا مبدأ ثبت فشلة على مر الزمن، ويقول، "إن مدى تدنيس قدسية السبت القائم في إسرائيل يُثبت هذا الأمر".

ومن أجل تبرير نفسه يقول أورليف إنه في جميع دول الغرب يوجد يوما عطلة أسبوعية يتوقف فيهما الاقتصاد بشكل كامل، وهذا أمر مفيد للحياة العائلية الذين يقضون أوقات الفراغ سوية، و"من شأن قانون كهذا أن يقلص حجم الخلافات بين جمهوري العلمانيين والمتدينين، وحتى أنه يساهم في تقليص البطالة والفجوات الاجتماعية، وله تأثيرات ايجابية على الاقتصاد الإسرائيلي، لجهة دمجه أكثر في الاقتصاد العالمي".

 

هجوم معاكس ومعطيات اقتصادية مخالفة

 

 

من جهة أخرى استغل وزير الصناعة والتجارة والعمل، إيلي يشاي، رئيس حزب "شاس" الأصولي الشرقي، مؤتمر "طاقم هرتسليا الإسرائيلي للديمقراطية"، ليشن هجوما معاكسا على اقتراح أورليف، ولكن ليس قبل أن يجند إلى جانبه "خبراء اقتصاديين"، ليطرحوا معطيات مناقضة للانطباع السائد في الأوساط الاقتصادية الإسرائيلية، وليدعوا أن عطلة يوم الأحد، إضافة إلى عطلة السبت ستتسبب بخسائر للاقتصاد الإسرائيلي.

فقد دعا يشاي في كلمته أمام المؤتمر إلى تقليص أسبوع العمل في إسرائيل إلى خمسة أيام، بدلا من ستة أيام، على أن يكون يوم الجمعة هو يوم العطلة، وليس يوم الأحد كما يطالب أورليف وقادة الاقتصاد في إسرائيل.

ويقول يشاي "إن اليهود ليسوا ملزمين بالنظر إلى ما يجري في العالم، إذا أردنا تقليص أسبوع العمل، تفضلوا وتعالوا نجعله 39 ساعة أسبوعيا كما هي الحال في بعض مناطق العالم، من خلال إلغاء يوم العمل القصير لدى غالبية العاملين، وهو يوم الجمعة، ففي يوم الجمعة بالإمكان التوجه للتسوق، وترك يوم السبت للراحة، وإذا أراد العلمانيون بإمكانهم التوجه إلى البحر على سبيل المثال".

ويهاجم يشاي فكرة فتح المحال التجارية أيام السبت، ويقول إن هذا يعني إجبار العاملين في هذه المحال على العمل أيام السبت، وهذا أمر يمس بحرية العامل والموظف العلماني.

وليدعم فكرته يدعي يشاي أن غالبية الجمهور في إسرائيل هو إما متدين أو محافظ، و"لهذا فلن تنجح محاولة بين الدولة اليهودية في العالم وبين جمهور المحافظين فيها"، كما يقول يشاي، الذي تتناقض معطياته مع المعطيات الرسمية والاستطلاعات، التي تؤكد أن جمهور العلمانيين يشكل الأغلبية الساحقة في إسرائيل.

ويستند يشاي في كلمته أيضا إلى ما قاله رئيس المحكمة الإسرائيلية العليا السابق، أهارون باراك، الذي يصفه المتدينون الأصوليون، بـ "كبير العلمانيين". وحسب يشاي فقد قال القاضي باراك، "هناك الكثير من الدول الديمقراطية في العالم، ولكن توجد دولة يهودية واحدة، والحفاظ على قدسية السبت هو عنصر مركزي في اليهودية".

من جهة أخرى فقد ادعى البروفيسور أمير بارنياع، عميد كلية إدارة الأعمال في مركز هرتسليا المتعدد المجالات، "أن يوم الأحد ليس بإمكانه أن يكون يوم عطلة، لأنه لا يمكن جعل يوم الجمعة يوم عمل كاملا (لسبب ذكر هنا سابقا)، وإذا ما عمل العاملون أربعة أيام ونصف اليوم، فإن هذا سيتسبب بخسائر كبير للإنتاج الاقتصادي، ولا يمكن تحمل ثمنه".

ويقول بارنياع، داعما يشاي، إن الاقتراح الواقعي هو جعل يوم الجمعة يوم عطلة، لأن نسبة العمل فيه هي 40%، وفي حال الإعلان عن يوم الجمعة يوم عطلة فإن عمل المؤسسات العامة سيتقلص إلى نسبة 20%، وهذا يتحقق إذا ما شمل القرار إغلاق المدارس اليهودية يوم الجمعة أيضا.

ويقول رئيس اتحاد الصناعيين، شراغا بروش، إن الصناعيين يعارضون جعل أسبوع العمل أربعة أيام ونصف اليوم. وقال إن هذا اقتراح سيتسبب بخسائر سنوية تصل قيمتها إلى 8ر5 مليار دولار سنويا، من بينها خسائر بقيمة 5ر1 مليار دولار للنصاعة لوحدها، وهو ما يشكل 2% من مداخيل قطاع الصناعة في إسرائيل، وهذا عدا عن خروج 40 ألف عامل إلى سوق البطالة، حسب بروش.

وينضم إلى بروش، رئيس اتحاد الغرف التجارية، أوريئيل لين، الذي قال في المؤتمر نفسه، إن جعل أسبوع العمل من أربعة أيام ونصف اليوم سيتسبب بخسائر لقطاع التجارة بقيمة 3ر7 مليار دولار. وبحسب لين فإن انخفاض عدد ساعات العمل أسبوعيا يؤدي إلى رفع قيمة الرواتب بشكل تلقائي، بمعنى رفع قيمة تكلفة الإنتاج، وهذا ما سيتسبب في زيادة البطالة.

إلا أن هذه المعطيات التي يرى مراقبون ومحللون أنه تمت صياغتها لتناسب أجواء وزير الصناعة والتجارة والعمل، تتناقض كليا مع معطيات أخرى كانت مطروحة على جدول الأعمال في قضية السبت، مثل مطالبة قطاع البنوك والبورصة بجعل العطلة يوم الأحد بدلا من الجمعة، ليكون بإمكان الاقتصاد الإسرائيلي أن يتواصل أكثر مع الأسواق العالمية، وهذا إلى جانب دراسات أثبتت ان جاهزية العامل والموظف تكون أكبر بعد أن يمضي عطلة أسبوعية يكون قادرا فيها على قضاء وقت الفراغ بحرية أكبر، وبعيدا عن قيود السبت المفروضة عليه.

 

الحل ليس في الأفق المنظور

 

 

من الصعب القول ان هذا النقاش سيفضي قريبا إلى حل متفق عليه، فهذه واحدة من أكثر القضايا سخونة التي يشهدها الشارع الإسرائيلي وأيضا في المؤسسة الحاكمة، ولكن "غليان" هذه القضية يظهر إلى السطح ضمن جملة من القضايا الداخلية في إسرائيل في فترات الهدوء الأمني، كما علمت التجربة في مثل هذه الحالات.

وفي سنوات الهدوء النسبي شهدنا أسبوعيا مظاهرات صاخبة ومتعارضة بين الجمهورين العلماني والديني، وصلت في كثير من الأحيان إلى حد الصدامات العنيفة.

ولكن هذا على صعيد الشارع، أما على صعيد المؤسسة السياسية الرسمية فطالما أن المتدنين يشكلون "بيضة القبان" في الحلبة السياسية فإنه من المستبعد ان يقرر أي رئيس حكومة أن ينهي ولايته على خلفية خلاف حول هذا الموضوع الحساس، حتى وإن كانت الغالبية الساحقة من الجمهور تسانده في تغيير كهذا.

وعلى ضوء التعقيدات السياسية والاجتماعية في إسرائيل فإن هذه القضية التي ظهرت في وسائل الإعلام في الأسابيع الأخيرة، ستعود على ما يبدو إلى مكانها في الأرشيف في انتظار انفجارها من جديد لاحقا.