عن تأثير الاحتلال المستمر على إعادة تشكيل الهوية وطابع النظام في إسرائيل

وثائق وتقارير

 تناولت الصحف الإسرائيلية (العبرية) اليومية في تغطيتها، التي امتدت على مدار أسبوعين أو أكثر، للذكرى الأربعينية لحرب حزيران 1967، محاور عديدة ومتنوعة، منها ما عاد بالقارئ إلى الوراء، إلى التاريخ، حيث استحضرت العديد من التقارير التي نشرت مُسهَبَة في الصحف الرئيسة الثلاث (يديعوت أحرونوت، هآرتس، معاريف) الرواية الإسرائيلية (الأرشيفية) الرسمية حول أسباب الحرب ودواعيها ومجرياتها ونتائجها. وإن كانت التوصيفات والعبارات الماضوية المألوفة عن الحرب وما حققته إسرائيل فيها من "نصر باهر.. كاسح.. وحاسم.. الخ" قد أتت في هذه المرة على استحياء وخجل نوعاً ما (ربما بسبب شبح هزيمة حرب الصيف الماضي التي ما انفكت تداعياتها وأجواؤها تخيم ثقيلة على إسرائيل بقضها وقضيضها)؛ ومنها ما ذهب إلى إجراء مقارنات تقارب بين الماضي والحاضر وغالباً من الزاوية الإسرائيلية في بُعدها الأحادي، لا سيما من الوجهة العسكرية، وركزت ناحية أخرى في هذه التغطية، والتي أفردت الصحف الثلاث في نطاقها مساحات واسعة لمقالات الرأي، على الأبعاد والانعكاسات الأخلاقية لحرب حزيران على إسرائيل دولةً ونظاماً، جيشاً ومجتمعاً ومؤسسات.

 

 

يمكن القول إن هذه الجوانب الثلاثة شكلت المحاور الرئيسة التي كانت، في موضوعاتها، هي الأبرز والأكثر استئثاراً في مساحات التغطية الواسعة التي خصصتها الصحف العبرية اليومية الثلاث لمناسبة مرور أربعين عاماً على حرب حزيران 1967، وإن كانت هناك بعض المعالجات (من تقارير ومقالات رأي) التي خرجت أحياناً عن الأبعاد الإسرائيلية واليهودية الخالصة، لتتناول في مساحات متواضعة من هذه التغطية، أبعاد وتداعيات الحرب على الجانب الآخر من المتراس، وقد أتى ذلك أحياناً من باب تعريف وتنوير القارئ الإسرائيلي بما تعنيه المناسبة الحزيرانية الأربعينية في ذاكرة المواطن العربي، والفلسطيني، المقيم واللاجئ، كما فعل مثلاً الكاتب الصحافي داني روبنشتاين، المتابع المثابر للشأن الفلسطيني والعربي، في مقال له ("هآرتس" 4/6/2007) رصد فيه وقائع البرنامج الخاص الذي بثته محطة "الجزيرة" القطرية في الأسبوع الأول من حزيران الجاري وأجرت في نطاقه "مقابلات مع الناس في الشارع العربي والفلسطيني بمناسبة مرور أربعين عاماً على حرب حزيران 67" مستخلصاً من إجابات وآراء رجل الشارع الفلسطيني خاصة أن العلاقات الإسرائيلية- الفلسطينية، التي شهدت طوال العقود الأربعة المنصرمة "لحظات ارتفاع وهبوط"، بلغت اليوم "نقطة الدرك الأسفل وربما المرحلة الأشد حرجاً وصعوبة منذ حرب 67"؛ وفي حالات قليلة تناولت هذه المعالجات الأبعاد المأساوية التي خلفها "نصر حرب الأيام الستة" وما أعقبه من احتلال واستيطان وبطش إسرائيلي ما زال مستمراً ومتصاعداً بضراوة غير مسبوقة ضد شعب بأكمله.

 

أربعينية الحرب في الذاكرة والوعي الإسرائيليين..

 

بداية لا بد لنا من التوقف أمام ملاحظة تبدو شديدة الأهمية في صدد الحديث عما تعنيه "مناسبة كبرى" تشكل بلا مراء محطة ومنعطفاً تاريخياً حاسماً بكل المقاييس، كـ "حرب الأيام الستة" أو "نكسة 67"، في الذاكرة والوعي، والحديث يدور هنا بالطبع وبالتحديد عن الذاكرة والوعي الإسرائيليين.

فقد بدا واضحاً ولافتاً أن هذه المناسبة لم تحظ في إسرائيل، الرسمية والشعبية على حد سواء، بأي مراسم أو مهرجانات احتفالية تذكر كما يليق بأربعينية "الانتصار العسكري الباهر في حرب الأيام الستة"، كالتي كانت تجري مثلاً في السنوات والعقود الخوالي، حين كان الجمهور الإسرائيلي وقادته السياسيون والعسكريون ما زالوا "يعيشون نشوة النصر" أو يجدون على الأقل فسحة من الوقت للتمتع بما تبقى من ذكراها ولحظاتها عالقاً في أذهانهم المنشغلة أبداً بهاجس البقاء والخوف من المستقبل وما يضمره من "تهديدات ومخاطر وجودية"؛ وحتى الصحف العبرية ذاتها التي كانت تحرص في الماضي على إصدار ملاحق خاصة في هذه المناسبة نأت عن ذلك في هذه المرة "مكتفية بتذكير الجيل الشاب من الإسرائيليين بالرواية الرسمية عن أسباب الحرب ومجرياتها.. مكررة نشر بعض ما نشرته في السنوات الأولى التالية للحرب من تقارير وأخبار ترفع المعنويات" كما لاحظ أحد الزملاء.

 

هذا أولاً.

 

ثانياً، وإذا انتقلنا لتصفح وقراءة عينة من التقارير والمقالات وأعمدة الرأي التي ظهرت في الصحف العبرية، متناولة هذه المناسبة بالسرد والتحليل والتعليق فسوف نجد أنها تعكس إلى هذا الحد أو ذاك حالة الجدل والانقسام التي ما برحت تسم المجتمع الإسرائيلي بطبقاته وشرائحه السياسية والأمنية والاجتماعية حول تلك الحرب، ليس بالطبع من حيث أنها كانت "حرباً مبررة" وأن إسرائيل أحرزت فيها "نصراً عسكرياً لا ريب فيه"، وهو (أي النصر العسكري الإسرائيلي) ما يجمع العرب من المحيط إلى الخليج (وهذا بالمناسبة موضوع إجماع عربي نادر) على تسميته في خطابهم الرسمي والشعبي بـ "نكسة 67" حتى لا يقولوا "هزيمة"، وإنما من حيث انعكاسات ونتائج ومآلات هذه الحرب ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.. .

 

استمرار الجدل والانقسام حول الحرب ونتائجها

 

 

فقد أكدت استطلاعات للرأي العام الإسرائيلي نشرت مؤخراً، في سياق تغطية المناسبة ذاتها، أن الإسرائيليين وعلى الرغم من إجماع غالبيتهم على "الشعور بأنهم كسبوا حرباً من أجل البقاء" في حزيران 1967، ما زالوا منقسمين تماماً حول ما يسمونه بحرب الأيام الستة، وأنه تتنازعهم مشاعر متباينة يختلط فيها الشعور القديم بالافتخار بالنصر، وأن الحرب وما أعقبها من احتلال (أو "تحرير" كما يصفه حتى الآن الكثيرون منهم وخاصة الذين ما زالوا يتشبثون بعقيدة "أرض إسرائيل الكبرى") واستيطان لـ "باقي أجزاء أرض إسرائيل الغربية"، كما يرد ذلك في كتب التاريخ الإسرائيلية الرسمية، وحتى غير الرسمية، عن حرب 1967، وهضبة الجولان وشبه جزيرة سيناء (التي تخلت إسرائيل عنها في نطاق معاهدة السلام الموقعة مع مصر العام 1979) وفرت الأمن والأمان للدولة اليهودية، مع الشعور الذي تنامى بمرور الأيام (في ظل تراكم وقائع الاحتلال والسيطرة الإسرائيلية وما قابل ذلك من اشتداد أوار مقاومة الشعب الواقع تحت نير الاحتلال والقمع) بأن الحرب بكل تبعاتها ونتائجها لم تؤد إلى إنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي وتصفية القضية الفلسطينية، بل على العكس فاقمت في المآل النهائي من حدة أبعاد ومضامين هذا الصراع وأعادت طرح قضية فلسطين، أرضاً وشعباً، كقضية ملتهبة ودائمة على مختلف المستويات والمحافل، المحلية والإقليمية والدولية، وبالتالي الشعور والقناعة المتزايدين لدى "معظم الوسطيين واليساريين" الإسرائيليين بأن القدرة على حل الصراع بالقوة (وتدخل في هذا المعنى أيضاً النظرية الشارونية "ما لا يتحقق بالقوة يمكن أن يتحقق بمزيد من القوة" التي أصبحت كما يبدو كصاحبها في حالة موت سريري لا رجعة فيه) ما هي إلا وهم وسراب خادع، ويضاف إلى كل ذلك بالطبع الشعور المتنامي الذي عكسته العديد من مقالات الرأي، والذي تتقاطع فيه فئات واسعة من شتى أطياف المجتمع الإسرائيلي، بأن النتيجة الأساسية التي تمخضت عن الحرب والمتمثلة بواقع الاحتلال والسيطرة العسكرية والاقتصادية على شعب آخر هي الدفيئة الأساس التي نَمَت وفرّخت وما تزال تُفرخ، جرثومة الفساد القيمي والأخلاقي التي يزداد انتشارها يوماً بعد يوم في الجسم المجتمعي والمؤسساتي الإسرائيلي بأكمله.

 

مقارنات يعلوها التباكي على ماضٍ ولّى

 

 

في الناحية العسكرية من تغطية الصحف العبرية لأربعينية حرب 67، راح بعض الكتاب والخبراء الإسرائيليين في هذا الشأن يتباكون على أمجاد ماضٍ عسكري ولى و"أسطورة الجيش الذي لا يقهر" التي أنعشتها تلك الحرب في مخيلة عامة الإسرائيليين (لكنها ما لبثت باعتراف معظمهم أن تهاوت مراراً في حروب ومعارك ومواجهات عديدة خاضتها إسرائيل منذ ذلك الوقت) وذلك عبر مقارنات أجراها هؤلاء الكتاب العسكريون خاصة بين حالة الجيش الإسرائيلي و"بطولاته" وإنجازاته العسكرية في حرب صيف 1967 وحالته الراهنة وإخفاقاته وانكسار قوته الرادعة وتآكل روحه القتالية كما تبدت في حروب و مواجهات عسكرية لاحقة ولا سيما في حرب صيف 2006 (وفقما تجلى ذلك في المواجهة مع مقاتلي "حزب الله" في حرب تموز- آب).

 

في مقارنة من هذا النوع كتب المعلق والخبير العسكري المعروف رون بن يشاي في مقال نشر في الموقع الإلكتروني التابع لصحيفة "يديعوت أحرونوت" (في 5 حزيران 2007) روى فيه بعضاً من ذكرياته عن حرب 1967 التي شارك فيها كقائد سرية مظليين (احتياط) على الجبهة المصرية: "جنود الاحتياط في حرب الأيام الستة اشتكوا وتذمروا أيضاً من خلل ونقص في المعدات ومن وجود أوامر عسكرية متناقضة.. لكننا فعلنا ذلك بيننا وبين أنفسنا، والمهم أننا لم نشعر أن أحداً يدين لنا بشيء. كنا مقتنعين بأننا ندافع عن البيت. فعلنا ذلك دون ضجةٍ ونواح، دون أن نعد جثث رفاقنا ودون أن نبحث عن مذنبين"، وكان يجري بذلك مقارنة بين الروح القتالية الحماسية التي سادت في ذلك الوقت لدى الجنود الإسرائيليين وبين روح القتال المتآكلة والمثلومة التي خرج بها عسكريو الاحتياط إلى حرب لبنان الثانية، مستخلصاً أن المشكلة لا تتمثل في الإخفاقات والتقصيرات التي قال إن الجيش الإسرائيلي عانى منها في جميع حروبه السابقة، وإنما في "الإسرائيليين أنفسهم" الذين تغيرت دافعيتهم وروحيتهم القتالية كثيراً منذ ذلك الحين.

 

ورأى شلومو أفينيري (محاضر التاريخ في الجامعة العبرية) في مقال كتبه بالمناسبة ("هآرتس" 6/6/2007) أن حرب حزيران 67 لم تجلب للشعب الإسرائيلي ولو يوماً واحداً من الأمن والأمان والعيش بهدوء وسلام. وقال "حرب الأيام الستة مستمرة منذ أربعين عاماً.. هذا استنتاج قاسٍ لكنه صحيح.. وهي بذلك تتميز عن باقي الحروب الإسرائيلية". وأضاف "منذ العام 1967 لم تعرف إسرائيل يوماً واحداً من الهدوء ولم تعد لديها حدود متفق عليها.. الجيش الإسرائيلي منشغل منذ سنوات طوال بمهام بوليسية ومعالجة مشاكل الأمن اليومية، الأمر الذي أضر بقدراته كقوة قتالية وهذا ما ظهر جلياً في حرب لبنان الثانية".

 

وخلص أفينيري إلى أن "العبرة من حرب الأربعين عاماً هي ضرورة وضع نهاية لها [...] وهذا ما يتطلب من إسرائيل اتخاذ قرارات مؤلمة بشأن مصيرها ومستقبلها وحدودها".

الحلم وانكساره

 

 

كتاب مقالات الرأي، التي احتلت حيزاً واسعاً من تغطية الصحف العبرية الثلاث لمناسبة أربعينية حرب 67، انقسموا أيضاً، كحال سائر الإسرائيليين، بين من لعن ذلك الانتصار العسكري بسبب ما نجم عنه من آثار وانعكاسات سلبية أساءت كثيراً لصورة الدولة الإسرائيلية ومكانتها في الغرب، الذي صدّق وردد لردح طويل من الزمن مقولة مؤسسيها وزعمائها بأنها "واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، وبين من سعى لإزالة طبقة الغبار السميكة وإعادة تلميع صورة "الحرب الدفاعية، العادلة.. المبررة" التي خدشها وأساء إليها "تردد وضعف إصرار قادتها السياسيين على الاحتفاظ بأجزاء أرض إسرائيل الغربية".

وفي هذا السياق قال الكاتب اليميني يعقوب حسداي في مقال نشر في موقع "واينت" الإلكتروني التابع لصحيفة "يديعوت أحرونوت" (4/6/2007) تحت عنوان "الاحتلال لم يُفسد وإنما وفر ذريعة فقط"، وكان يرد بذلك كما يبدو على نظرائه من كتاب اليسار، إنه "ليس هناك أي برهان على أن الاحتلال أفسد أخلاقنا". وأرجع حسداي التدهور الأخلاقي المتمثل في ممارسات الجيش الإسرائيلي اليومية في المناطق المحتلة إلى "عدم قبول الفلسطينيين والعرب بحقيقة وجود إسرائيل" ولخص مستنتجاً أن إسرائيل حاولت في السنوات الأخيرة التخلص من الاحتلال من خلال توقيع اتفاقيات أوسلو والانسحاب الأحادي الجانب من لبنان وقطاع غزة "لكن أعداءنا- كما قال- لا يكتفون بالأراضي والاستقلال وإنما يريدون نيل استقلالهم عبر هلاكنا" وهذا ما يقود حسب رأيه إلى "احتمال أن نبقى محتلين رغماً عنا".

 

وفي لهجة يمينية أقل حدة لكنها تصب في المآل النهائي في ذات المصب كتبت ميخال أهاروني في صحيفة "معاريف" (5/6/2007) منتقدة الخطاب والفعاليات اليسارية، التي تساوي بين "الانتصار المذهل" في "حرب الأيام الستة العادلة" وبين "الاحتلال الذي أساء إلينا" كما قالت. وأضافت أهاروني "يجب التفريق بين الحرب والانتصار وبين سلوك القيادة الإسرائيلية منذ ذلك الحين.. إن كون السيطرة على شعب آخر أمراً غير مشرع لا يجعل الحرب ونتائجها غير مشروعة"، وختمت بالقول "كانت حرب الأيام الستة نجاحاً عسكرياً كبيراً ولا يجوز لنا جعلها غير مشروعة أو أن نطلب الصفح عن انتصارنا فيها".

 

أما أهل الرأي الآخر من وسط ويسار الخريطة السياسية الإسرائيلية فلا يتوانون عن الإقرار بالحقيقة، التي تبدو "مرة ومؤسفة" للبعض منهم، وهي أن حرب حزيران 1967 وما نشأ عنها من واقع احتلال وقمع ليله طويل وظلامه دامس، شكلت بداية النهاية للحلم- المشروع- الصهيوني في إقامة دولة يهودية ديمقراطية تكون "منارة للأغيار"، وفي هذا السياق لخص المعلق السياسي اليساري المخضرم عكيفا إلدار هذه الحقيقة بقوله إن "هذا اليوم- الرابع من حزيران- قبل أربعين عاماً كان اليوم الأخير الذي تمتع به المواطنون في إسرائيل بحقيقة كونهم شعباً حراً". وأضاف في مقال نشر في صحيفة "هآرتس" (4/6/2007) إن "الانتصار في ميدان المعركة الذي كان من المفترض أن يمنحنا حياة أفضل وأكثر أمناً، أدى إلى جعلنا أكثر تعاسة وعكر حياتنا وحياة آخرين".

 

وأوجز كاتب ليبرالي آخر ما تمثله هذه المناسبة (الحقيقة) من وجهة نظره بعبارة واحدة "أربعون سنة من الاستعباد"، وأوضع درور نيسان في زاوية مقالات الرأي في موقع صحيفة "يديعوت أحرونوت" على شبكة الإنترنت (5/6/2007) ملخصاً رأيه بالقول: "بصورة عجيبة، ورغم التوقعات، لم تجلب حرب الأيام الستة معها الخلاص..". وأضاف إن الشعب (الفلسطيني) "المُستَعبد لديه حلم على الأقل، أما نحن [الإسرائيليون] فلم يعد لدينا سوى انكسار الحلم".

 

وفي هذه المناسبة تذكر عدد من الكتاب والناشطين اليساريين من دعاة السلام وإنهاء "الاحتلال المفسد" أقوالاً كتبها نفر قليل من رجالات الفكر والأدب الإسرائيليين، الذين تحلوا غداة حرب حزيران 1967 بجرأة وبُعد نظر في رؤية "المولود القادم" من رحم الحرب والاحتلال الوليد، وهي أقوال بدت في حينه في نظر الأغلبية الساحقة من المجتمع اليهودي في إسرائيل مجرد هلوسات وهذيان أو "شطحات شاذة عن الإجماع القومي الإسرائيلي". ومنها الأقوال التي كتبها المفكر الإسرائيلي (الراحل) البروفيسور يشعياهو ليبوفيتش، الذي "لم يكن بحاجة إلى أربعين سنة" حتى يدرك أن هذا الأمر- الحرب والاحتلال- سيحول إسرائيل إلى "دولة الشين بيت" [أي "دولة مخابرات"] والجيش الإسرائيلي إلى "جيش احتلال". وحذر ليبوفيتش، الذي كانت آراؤه- التي كررها مراراً منذ الأشهر الأولى التالية للحرب وحتى آخر أيام حياته- تحظى بإصغاء واحترام كبيرين حتى من جانب خصومه من اليسار واليمين الصهيونيين، الذين كانوا يدعونه بـ "نبي الغضب"، من آثار "الاحتلال المفسد" لكل شيء. ومنها كذلك الأقوال التي كتبها بعد شهرين من الحرب الكاتب والروائي الإسرائيلي البارز عاموس عوز وجاء فيها "حتى المحتلين الذين تمادوا في أساليب القمع... جلسوا في معظم الأماكن والأزمان فوق أشواك وعقارب إلى أن تم اقتلاعهم، ناهيكم عن التدمير الأخلاقي التام الذي يسببه الاحتلال الطويل للمحتل..".

 

وفي تعليق بليغ ورد على لسان ناشط سياسي يساري إسرائيلي خلال ندوة بثها التلفاز الإسرائيلي الأسبوع الماضي أجمل إيلان غالئون، عضو الكنيست السابق عن حزب "ميرتس"، نتيجة الحرب بقوله "إسرائيل خسرت شبابها وهي في التاسعة عشرة من عمرها". وأضاف "هذا النصر كان هو نفسه أنشودة الموت".