هذا ما يقوله لـ"المشهد" الباحث والمحاضر الجامعي د. هيلل كوهين، ويضيف: *لا توجد مشكلة لدى إسرائيل بشأن "الوضع القائم" * هناك مداولات بمشاركة أكاديميين وأعضاء كنيست لتسليم الفلسطينيين الأحياء الواقعة في جنوب القدس وفي شمالها في حال تم التوصل لاتفاق، وهي مجرّد مداولات وليس موافقة
أثار الباحث والمحاضر الجامعي الدكتور هيلل كوهين ضجة بين العرب داخل الخط الأخضر خصوصا عندما أصدر كتابيه "جيش الظلال"، حول المتعاونين الفلسطينيين مع الحركة الصهيونية قبل قيام إسرائيل في العام 1948، و"عرب جيدون"، أو "العرب الصالحون" كما صدر الكتاب بترجمته العربية، وذلك لأن هذين الكتابين تضمنا أسماء فلسطينيين، بينهم من ادعوا الزعامة، تعاونوا مع السلطات الإسرائيلية في تطويع العرب وشراء أراضيهم لصالح المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة.
وقال كوهين في مقابلة أجراها معه "المشهد الإسرائيلي" إنه ذكر أسماء شخصيات كانت معروفة على أنها تعاونت مع المؤسسة الإسرائيلية ولم يذكر أسماء متعاونين غير معلنين.
ولعل الأمر الأهم في أبحاث كوهين هو في كونها تعتمد على مذكرات ووثائق الأرشيفات الإسرائيلية المختلفة. وقد بيّن في أبحاثه سعي المؤسسة الحاكمة الإسرائيلية، التي شملت الحكومة الإسرائيلية وخصوصا مستشاري رئيس الوزراء للشؤون العربية وأجهزة المخابرات على أشكالها، من الشين بيت وقسم الأقليات في الشرطة والدائرة العربية في حزب مباي الحاكم والدائرة العربية في نقابة العمال العامة- الهستدروت، إلى بلورة شخصية "العربي الإسرائيلي" ومحاولات منع الفلسطينيين، الذين بقوا في وطنهم بعد قيام إسرائيل، من تواصلهم مع فلسطينيتهم وعروبتهم إلى جانب سيطرة هذه الجهات على الحياة الاجتماعية والسياسية للأقلية العربية.
وفي كتابه الأخير "ساحة السوق فارغة- صعود وسقوط القدس العربية، 1967 - 2007" يتناول كوهين الوجود والنشاط السياسي الفلسطيني في القدس الشرقية منذ احتلالها في حرب العام 1967 وتراجع هذا النشاط بسبب الممارسات الإسرائيلية، وبسبب اتفاقيات أوسلو التي يقول كوهين إنها أبقت القدس خارج السلطة الفلسطينية ما أدى، في هذه الأثناء، إلى شل النشاط السياسي الفلسطيني فيها.
وحول خلفيته السياسية والأيديولوجية، قال كوهين إنه نشيط في حركة "تعايش" الإسرائيلية المناهضة للاحتلال والاستيطان في الضفة الغربية وقطاع غزة وتدعو للسلام والتعايش بين إسرائيل والفلسطينيين. لكنه كان قد بدأ نشاطه السياسي في صفوف اليمين الإسرائيلي، وحتى في صفوف اليمين الاستيطاني المتطرف. ففي نهاية السبعينيات، وعندما كان عمره 15 سنة، خرج كوهين من المدرسة وغادر بيت عائلته في القدس للسكنى في مستوطنة بيت إيل قرب رام الله. وانضم إلى حركة "غوش إيمونيم" الاستيطانية المتطرفة. وقال "كنت عندها فتى وأيدت الاستيطان. وكنت أتواجد في المستوطنة عدة ساعات في الصباح وعند الظهيرة كنت أذهب إلى رام الله أو إلى القرى المجاورة، مثل عين يبرود وسلواد أو إلى مخيم الجلزون للاجئين. كنت أجلس مع الناس هناك واستمع إلى قصصهم حول العام 1948 وقبل ذلك. وشيئا فشيئا بدأت أدرك أن الأمور معقدة أكثر مما تصورت، فقد كنت أؤمن بأن أرض إسرائيل لنا، لليهود، وأن الله منح أرض إسرائيل لليهود وما إلى ذلك. ولكن بعدما سمعت رواية الجانب الآخر، الفلسطيني، بدأت أدرك أن هذه البلاد هي للشعبين. وأفكاري بهذا الخصوص ليست مرتبطة بأبحاثي، ففي هذه الأبحاث أحاول ألا تكون هناك أجندة سياسية".
تضاؤل أهمية العرب في إسرائيل في نظر الجهات الأمنية بعد 1967
(*) "المشهد الإسرائيلي": أنهيت كتابك "عرب جيدون" عند احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة في "حرب الأيام الستة" العام1967 . ما هو وضع العرب في إسرائيل بعد احتلال الأراضي الفلسطينية. هل تحسن وضعهم أم زاد سوءًا؟
- كوهين: "أعتقد أن وضع العرب في إسرائيل تحسن من عدة نواح، إضافة إلى انفتاحهم على العالم العربي من خلال الضفة والقطاع. وحتى من الناحية الفلسطينية الداخلية، أعتقد أنه في عدد من الحالات، وعلى الأقل لقسم من العرب في إسرائيل، فإن كونهم مواطنين في إسرائيل يمنحهم هذا الأمر مكانة معينة مقارنة مع الفلسطينيين في الضفة والقطاع. وهذا يعني أن هذا التواصل مع الفلسطينيين منح أولئك العرب المقربين من السلطة الإسرائيلية وأولئك الذين يريدون التواصل مع الفلسطينيين شعورا جيدا. كذلك فإن الانفتاح على الضفة والقطاع ساعد العرب في إسرائيل من الناحية الاقتصادية أيضا. فمثلا من كان عاملا أصبح مدير عمل. طبعا أتحدث هنا عن حالات عديدة وليس بشكل عام".
(*) هل المؤسسة الإسرائيلية استمرت بعد احتلال الضفة والقطاع في العمل على بلورة شخصية "العربي الإسرائيلي" أو "العربي الجيد"؟
- كوهين: "أعتقد أن أهمية العرب الإسرائيليين في نظر الجهات الأمنية قد تضاءلت بعد العام 67، لأن هذه الجهات أصبحت منشغلة بقضايا ومشاكل في الأراضي الفلسطينية. لكن من ناحية المنظور الأساسي فإن الرغبة في عزل الفلسطينيين في إسرائيل عن الفلسطينيين في الضفة والقطاع وإظهار الاختلاف بينهما كان قائما طوال السنوات الماضية. وقد كانت السلطات الإسرائيلية قلقة من العلاقات التي ربطها الفلسطينيون في جانبي الخط الأخضر رغم أن هذه العلاقات كانت محدودة. وهذا أحد أكثر الأمور التي تميز الحلبة السياسية الفلسطينية وهي عدم وجود أي مؤسسة أو أي حزب أو أي حركة مشتركة بين الفلسطينيين في إسرائيل والفلسطينيين في الضفة والقطاع. حتى أنه لا توجد صحيفة مشتركة".
(*) منذ السبعينيات بدأت مكانة حزب مباي بالتدهور، وفقد الحكم لصالح حزب الليكود في العام 1977. وقبل ذلك كان هناك تطابق تقريبا بين المؤسسة الحاكمة ومباي. كما أن نقابة العمال العامة- الهستدروت- ضعفت مكانتها فيما يتعلق بالتعاطي مع العرب في إسرائيل. هل ضعف أو توقف تعاطي مباي، ولاحقا حزب العمل، مع العرب؟
- كوهين: "التطورات التي وصفتها حقيقية. وفي أعقابها فقد مباي تأثيره الذي كان يتمتع به قبل ذلك. حتى أن هناك أشخاصا يهودا تعاطوا مع العرب في إسرائيل وكانوا أعضاء في مباي انتقلوا إلى الليكود بعد صعوده إلى سدة الحكم، مثل أمنون لين. طبعا تأثير مباي لم يغب تماما، فما زال هناك ممثلون عن مباي في سلطات محلية ومجالس عمالية"...
(*) هل ما زالت "الدائرة العربية" تعمل في مباي وبعد ذلك في العمل؟
- كوهين: "إذا كانت الدائرة العربية موجودة فإنها ليست فعالة، أو بالكاد نسمع بها. لكني على كل حال لم أجر بحثا عميقا في وضع العرب وتعامل السلطات معهم بعد العام 1967 وإنما أجري بحثا في الوضع في الأراضي الفلسطينية بعد 1967".
(*) هل ترى أن التعامل العدواني للسلطات الإسرائيلية تجاه العرب في إسرائيل تراجع في السنوات الأخيرة؟
- كوهين: "أعتقد أنه تراجع حتى سنة 2000، وبعد ذلك تجدد... لا أعتقد أن عدواني هي الكلمة الملائمة، ولا أعتقد أن الدولة عدوانية بقدر ما إنها تمنح الأولوية للمصالح اليهودية بشكل بارز".
(*) لكن هناك سياسة تخويف تعتمدها السلطات الإسرائيلية تجاه المواطنين العرب. وتم التعبير عن هذه السياسة من خلال مجزرة كفر قاسم مثلا وفي هبة أكتوبر 2000. هل هذا التوجه نحو العرب ما زال قائما حتى اليوم لدى السلطات الإسرائيلية أم أنها استخلصت عبر أكتوبر 2000؟
- كوهين: "نعم هذا صحيح. وأعتقد أن من استخلص العبرة هم العرب. وتخويفهم لا يتم فقط بالقتل وإنما أيضا بنشاط ضد نشطاء سياسيين، مثل سجن الشيخ رائد صلاح (رئيس الحركة الإسلامية- الجناح الشمالي) والتحقيق ضد النائب السابق عزمي بشارة. وفي أعقاب ذلك يفترض أن يدرك العرب أن التعاطي مع السياسة هو أمر ينطوي على مخاطر، ومن الأفضل الابتعاد عنها. ومن هذه الناحية فإن الوضع في البلاد لا يختلف عما كان عليه في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات والثمانينيات. فأنا أعرف الكثير من طلاب الجامعات الذين كان ذووهم، حتى في سنوات الثمانينيات والتسعينيات، يحذرونهم من ممارسة أي نشاط سياسي في الجامعة. وهذا خوف دائم لدى العرب في إسرائيل من خطورة التعاطي مع السياسة".
(*) أنت تقول عمليا إن من يمارس سياسة التخويف هو الشاباك (جهاز الأمن العام)؟
- كوهين: "نعم، لكن الأفكار داخل الشاباك ليست موحدة في هذا السياق. هناك جهات ترى بأنه يتوجب رصد أكثر ما يمكن من ميزانيات للعرب وأن تبادر الدولة لأعمال تطوير ومشاريع إسكان وتوفير العمل للعاطلين عن العمل، وخصوصا للأكاديميين. وهناك عدد من المسؤولين المركزيين في الشاباك الذين يطرحون مثل هذه الأفكار منذ سنوات. والمشكلة هنا، على سبيل المثال، أن الشاباك يوصي لكن لدى إقرار الميزانية لا يتم رصد أموال لمشاريع لدى العرب، لأن الأوساط السياسية أقوى من هذه التوصيات".
(*) رئيس الشاباك يوفال ديسكين قال إن "العرب يشكلون خطرا إستراتيجيا على دولة إسرائيل". ما رأيك في هذا التصريح؟
- كوهين: "هذا إطراء لا أعتقد أن العرب في إسرائيل يستحقونه. فالتقاعس وانعدام الفاعلية هو أكثر شيء بارز لدى العرب في إسرائيل. فهم لا يمارسون نشاطا سياسيا حثيثا يمكن أن تقول إنه سيحدث ثورة أو تغييرا. إنهم لا يفعلون شيئا. ومرة أخرى أذكر الجامعات التي لا يمارس معظم الطلاب العرب فيها أية نشاطات سياسية وحتى أولئك الذين ينشطون سياسيا يتضاءل نشاطهم هذا بشكل كبير عندما يبدؤون بالعمل كمعلمين أو في مكتب محاماة وعندما يتزوجون وينجبون طفلهم الأول أو الثاني فإنهم يتوقفون عن ممارسة النشاط السياسي بالكامل. هل يمكنك مقارنة وضع الطلاب العرب في الجامعة العبرية في القدس اليوم بما كان عليه وضعهم في الثمانينيات مثلا. ولذلك فإنه عندما يقول ديسكين ما قاله فإن في كلامه إشكالية في تحليل الأمور وأيضا في عرض الأمور. صحيح أن هناك جهات بين العرب في إسرائيل تريد إحداث تغيير جوهري في طابع الدولة، ويمكن وصفها بالقيادة السياسية والثقافية للعرب التي تدعو إلى تحويل إسرائيل إلى دولة جميع مواطنيها (بدلا من "دولة يهودية"). رغم ذلك فإن ثمة مشكلة باعتبار هذه الأفكار خطرا. والمؤسسة الحاكمة ترى بذلك خطرا بدلا من أن تنظر إليه على أنه تحد عليها أن تفكر في كيفية التعامل معه. وما يحدث هو أنه يتم بناء دولة هنا على أساس أفكار أشخاص يعيشون فيها وليس على أساس أفكار هرتسل وجابوتينسكي أو حتى على أساس أفكار حزبي الليكود والعمل".
(*) ما هو مدى تأثير الأفكار التي يطرحها رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المتطرف أفيغدور ليبرمان، الذي يشغل اليوم منصب نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير الشؤون الإستراتيجية، مثل نقل بلدات عربية في منطقة المثلث على سكانها إلى مناطق السلطة الفلسطينية. وهل يمكن أن يحدث ترانسفير آخر في إسرائيل؟
- كوهين: "أولا يتوجب التفكير فيما إذا كان يتوجب تسمية عملية كهذه ترانسفير، لأن الناس سيبقون في أماكنهم. إذن الحديث هنا يجري عن تغيير مكانة في مواطنتهم، وهذا أمر يختلف عن الترانسفير. من جهة ثانية فإن هذه الأفكار آخذة بالانتشار لدى الجمهور الإسرائيلي بما في ذلك لدى القيادة. كما أنه منذ البداية كان هناك مؤيدون لهذه الأفكار أيضا داخل حزب العمل. والحقيقة هي إنني هنا وهناك أسمع أصواتا تتعالى بين الفلسطينيين الذين يسكنون في هذه المناطق الذين أخذوا يفكرون بأنه إذا كان الشاباك يلاحقنا وإذا كنا نتعرض للتمييز في إسرائيل فربما يكون الأمر جديرا بالانتقال للسلطة الفلسطينية. وهذه ليست أصوات قوية لأن السلطة الفلسطينية ليست كيانا مستقرا. لكن لو كان وضع السلطة الفلسطينية أفضل لكانت الفكرة بنظر الكثير من العرب معقولة. علما أنه حتى السبعينيات كان هناك تخوف في دولة إسرائيل بأن يرغب سكان المثلث بالخروج مع بلداتهم من نطاق حدود الدولة، والآن تحول ذلك إلى حلم بالنسبة لقسم من الإسرائيليين".
(*) بعد النكبة وخلال الستينيات والسبعينيات استولت إسرائيل على معظم الأراضي التي كانت بأيد عربية بواسطة مصادرتها. وقد وصفت في كتابك "جيش الظلال" الأساليب والخدع التي قام بها اليهود قبل العام 1948 لشراء أراضي العرب بواسطة عملاء عرب. ورغم تضاؤل حجم الأراضي التي يملكها العرب إلى حد كبير فإننا نسمع اليوم أيضا عن أعمال شراء أراض من عرب بواسطة عملاء عرب. ما هي نوايا السلطات الإسرائيلية في هذا المجال خصوصا أن هذه الأراضي هي احتياطي لتوسع البلدات العربية المحاصرة أصلا ببلدات يهودية لا يسمح للعرب بشراء بيوت فيها؟
- كوهين: "يسرني أن أسمع المزيد من المعلومات بهذا الخصوص لأني لم أنجح بفهم سبب الاستمرار في شراء أراضي من العرب وحتى أن هذا الأمر يبدو لي غريبا. لكني أعرف عن عمليات شراء أراض، في منطقة المثلث، بملكيات غائبين أي لاجئين. وإسرائيل حاولت شراء أكبر عدد ممكن من أراضي اللاجئين والسبب هو أنه عندما يتم التوصل لحل للصراع أو قبل ذلك وعندما يتم سؤال إسرائيل عن أراضي اللاجئين يكون ردها بأن إسرائيل اشترت قسما كبير من هذه الأراضي بالمال. وحتى أن إسرائيل توجهت بواسطة سماسرة أراض للاجئين فلسطينيين في إربد وفي عمان بالأردن في محاولة لشراء أراضيهم في إسرائيل".
(*) الوزير بنيامين بن اليعازر حذر الأسبوع الماضي من انتفاضة ستندلع بين العرب في إسرائيل. إلى أي مدى هذا التحذير حقيقي؟
- كوهين: "هناك حالة عدم رضا واغتراب عن الدولة لدى العرب، كونها لا تمثلهم ولا تعالج قضاياهم. ونحن نعلم أن الأمور تنفجر مرة كل بضع سنوات. لكن يصعب معرفة متى ستندلع انتفاضة جديدة أو الفتيل الذي سيشعلها. والحديث حول الموضوع هو بالعادة تحذير من مشكلة يتوجب حلها. وهناك من يستخدم ذلك بهدف التهديد. وفي النقب يتحدثون دائما عن انتفاضة بدوية، وحقا الوضع هناك صعب للغاية".
سياسة تقليص البناء العربي في القدس الشرقية لم تتغيّر منذ 1967
(*) تحدثت في كتابك الأخير "ساحة السوق فارغة" عن ضعف وتراجع مكانة القدس العربية. لكن في نهاية الكتاب قلت إن النضال على القدس العربية لم ينته بعد. ما الذي قصدته؟
- كوهين: "الضعف واضح، فنحن لا نرى في القدس مؤسسات فلسطينية جدية، رغم أن هناك بعض مؤسسات الأبحاث والجمعيات الخيرية، لكن لا توجد مؤسسات سياسية قادرة على إخراج الجمهور لتنفيذ نشاطات. هذا أمر ناقص في القدس منذ إغلاق بيت الشرق ووفاة فيصل الحسيني، لكن حتى قبل ذلك بدأ التدهور والضعف. وبدأت القصة عندما لم تشمل منظمة التحرير الفلسطينية في اتفاقيات أوسلو القدس ضمن تخوم السلطة الفلسطينية وبذلك تم منع السلطة الفلسطينية من ممارسة النشاط في القدس الشرقية وهذا أدى إلى إضعاف المؤسسات الفلسطينية في القدس التي غادر بعضها المدينة وإسرائيل منعت بعضها الآخر من العمل في القدس. وفي المرحلة الثانية كان بناء إسرائيل للحواجز والسور (أي الجدار العازل) الذي منع دخول الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة للقدس. ونشأ في القدس مجتمع منعزل، ليس تماما، لكن بشكل كبير عن المجتمع الفلسطيني في الضفة. وهذا مصدر ضعف. ومن الناحية الدينية فإن القدس ليست مركزا رمزيا وإنما هناك قوى، هي في الغالب قوى إسلامية، تعمل على الحفاظ على روح الإسلام وروح النضال في المدينة وبإمكان هذه القوى تحريك الجماهير وإخراجها إلى الشارع من خلال الصلوات، خصوصا في أيام الجمعة، وحشد أعداد كبيرة في الحرم القدسي...".
(*) هل تقصد الحركة الإسلامية برئاسة الشيخ رائد صلاح؟
- كوهين: "هنا بالإمكان رؤية نشاط مشترك، فهناك أشخاص من القدس الشرقية ويطلقون على أنفسهم اسم الحركة الإسلامية لأنهم لا يريدون القول إنهم حركة إسلامية لكي لا يعترفوا بأنهم تابعون لحركة حماس، ويعملون بشراكة... إذ عندما أقام الشيخ رائد صلاح خيمة اعتصام في وادي الجوز جاء إليها جمهور غفير من القدس الشرقية. وهذه الجهات قادرة على القيام بعمل ما في القدس".
(*) هل ما زالت إسرائيل، بمساعدة مؤسسات المستوطنين، تعمل من أجل السيطرة على أراض عربية في القدس الشرقية؟
- كوهين: "نعم. وهناك عدة أساليب لتنفيذ ذلك. هناك عمليات شراء البيوت وشراء أراض في أحياء مثل الطور وسلوان وداخل البلدة القديمة. وأسلوب آخر يكمن في منع البناء، من خلال إعلان الحكومة الإسرائيلية عن مناطق بأنها مساحات خضراء أو مناطق تقع في محيط العيساوية والطور بأنها متنزه وطني وهذا يعني حظر البناء في هذه المناطق. وهكذا فإن هذه ممارسات مشتركة من جانب الحكومة والمستوطنين من أجل تقليص البناء العربي في القدس الشرقية. وهذه سياسة متواصلة لم تتغير منذ العام 1967 ويتم تطوير الأدوات لتنفيذها".
(*) هذا يعني أن إسرائيل لا تنوي الانسحاب من القدس الشرقية؟
- كوهين: "ليس بالضرورة، ولاحظ أن جميع الأمثلة التي أوردتها تتعلق بالمنطقة المسماة الحوض المقدس المحيط بالبلدة القديمة والحرم القدسي. ويبدو أن إسرائيل مستعدة للخروج من الأماكن الأكثر بعدا عن البلدة القديمة. الآن هناك مداولات، بمشاركة أكاديميين وأعضاء كنيست، لتسليم الفلسطينيين، في حال تم التوصل لاتفاق، الأحياء الواقعة في جنوب القدس مثل صور باهر وأم طوبا وفي شمالها مثل شعفاط وبيت حنينا وكفر عقب. وأكرر أن هناك مداولات بشأن ذلك في إسرائيل وليس موافقة".
(*) رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت قال في اجتماع للجنة الخارجية والأمن الأسبوع الماضي إن اتفاقا مع الفلسطينيين سيستغرق وقتا، ربما 20 أو 30 سنة. هذا يعني أن الواقع على الأرض سيكون مختلفا حتى ذلك الحين، من ناحية انتشار المستوطنات والتوزيعة السكانية. كيف ترى الأمور في هذا السياق؟
- كوهين: "يجب أن يكون واضحا أنه في الجانب الفلسطيني وأيضا في الجانب الإسرائيلي هناك أشخاص يؤيدون التوصل إلى اتفاق وآخرون يعارضون ذلك، وهناك أشخاص يؤيدون حق الشعبين في العيش هنا وهناك أشخاص يرفضون ذلك. وأعتقد أن هذا هو الأساس لفهم الواقع الذي نعيشه. فهناك أغلبية بين الإسرائيليين وبين الفلسطينيين الذين يؤيدون انسحاب إسرائيل من الضفة الغربية. لكن التخوف في إسرائيل أن يطالب الفلسطينيون بعد ذلك بأن تنسحب إسرائيل من مناطق أخرى. ولذلك فإنه من الصعب التوصل لاتفاق، وعندها يمكن لإسرائيل أن تقول شيئا آخر، وهو ما قاله (رئيس حكومة إسرائيل السابق) أريئيل شارون بخصوص قطاع غزة وهو أن مصلحة إسرائيل تكمن في الانسحاب من قطاع غزة بشكل أحادي الجانب، ولكن رأينا أن هذا التوجه ليس ناجحا. وبالإمكان أيضا القول إن إسرائيل تريد الانسحاب من الضفة بشكل أحادي الجانب. ولكن يوجد نقاش صعب للغاية بين الإسرائيليين أنفسهم حول خطوة كهذه، أي بين الحكومة والمستوطنين، وهذا يمنع تنفيذ انسحاب".
(*) ربما الأمر متعلق بعدم وجود شخصية قوية في إسرائيل يمكنها قيادة انسحاب من الضفة؟
- كوهين: "في مثل هذه الأمور قد تكون هناك مفاجآت، لكن المشكلة لا تكمن فقط بوجود شخصية أو حكومة قوية في إسرائيل أو لا. المشكلة هي أنه لا يوجد لدى إسرائيل سبب لتنفيذ ذلك وليس لديها سبب للدخول في صراع مع المستوطنين ولذلك فإن النتائج التي ستتوصل إليها الاتصالات بين إسرائيل والفلسطينيين غير واضحة، خصوصا أن تجربة انسحاب إسرائيل من قطاع غزة وإطلاق صواريخ القسام بشكل مكثف من القطاع على إسرائيل أظهرت أنه ليس مجديا لإسرائيل تنفيذ انسحاب آخر. إذا انسحبنا من قلقيليا وطولكرم سيتم إطلاق صواريخ قسام على كفار سابا وبيتح تكفا في وسط إسرائيل، فلماذا يتوجب تنفيذ انسحاب من الضفة؟".
(*) لأنه في إسرائيل يتحدثون كثيرا عن الديمغرافيا...
- كوهين: "الوضع الآن هو أنه لا توجد مشاكل لدى الإسرائيليين ويعيشون بشكل جيد. اذهب إلى كل مكان في إسرائيل وسترى أن العيش في إسرائيل هو أمر ممتع. هذه هي الحقيقة. وحتى أن الحديث عن وضع اقتصادي صعب قد يكون مبالغا فيه فالمجمعات التجارية مليئة وهناك حركة تجارية واقتصادية لا بأس بها. لا يوجد في إسرائيل وضع يحتم على صناع القرار فيها العمل على تغيير شيء. توجد هنا مجموعة قليلة مهتمة بالموضوع الفلسطيني، مثل سكان سديروت الذين يعانون من إطلاق صواريخ القسام ومجموعة تعتقد أنه من الناحية السياسية أو الأخلاقية يتوجب على إسرائيل تنفيذ خطوات تجاه الفلسطينيين. لكن هذا الموضوع لا يشغل الأكثرية في إسرائيل".
مبدأ الدولتين آخذ في التراجع
(*) ألا توجد نهاية للصراع إذن؟ ألا تعتقد أن مبدأ الدولتين أخذ يتراجع؟
- كوهين: "أوافق على أن مبدأ الدولتين آخذ في التراجع. كذلك فإنه من الصعب جدا القول إنه ستكون هناك نهاية للصراع. وحتى إذا تم التوصل لاتفاق فإنه ليس واضحا إلى أي مدى سيصمد".
(*) أي أنه في هذه البلاد ستقوم دولة واحدة ثنائية القومية مع نظام تفرقة عنصرية ضد الفلسطينيين مع وجود جدار الفصل العنصري؟
- كوهين: "هذه إحدى الإمكانيات. ويصعب علي تصور التطورات في المستقبل، لأن الوضع القائم الآن مريح لإسرائيل. من أجل إجراء تغيير يتوجب أن تكون هناك تطورات عميقة من أجل إجراء تغيير في الوضع. وبالنسبة لإسرائيل لا توجد تطورات تدفعها للقيام بالتغييرات. ربما أبالغ قليلا لكن بشكل عام لا توجد مشكلة لدى إسرائيل مع الوضع القائم".
(*) ما هي التطورات التي يمكن أن تدفع إسرائيل نحو إجراء تغيير؟
- كوهين: "في العام 1987 عندما اندلعت الانتفاضة الأولى، وهي انتفاضة شعبية وليست مسلحة، شعرت إسرائيل بأن عليها أن تغيّر شيئا ما، وعندها تم عقد مؤتمر مدريد وبعد ذلك اتفاقيات أوسلو. وهذا أيضا هو الفرق بين الانتفاضة الأولى والانتفاضة الثانية. فالأولى دفعت إسرائيل إلى وجوب الدخول في مفاوضات مع الفلسطينيين، لأن غالبية النشاطات خلالها كانت غير عنيفة أي مظاهرات شعبية ولا يتم استخدام السلاح فيها، وقد أحرجت إسرائيل. بينما الانتفاضة الثانية، المسلحة، ألحقت ضررا بكل المصالح الفلسطينية. وأعتقد أن الخطأ الأكبر هنا ارتكبته حركة فتح، لأنها عندما رأت أن حركة حماس تنفذ عمليات مسلحة انجرت هي أيضا لتنفيذ عمليات كهذه بادعاء أنه لا يمكنها الوقوف على الحياد، وقد اعترف بذلك مروان البرغوثي نفسه في أثناء محاكمته، علما أن أبو مازن وقياديين كبارا في فتح كانوا يعارضون عسكرة الانتفاضة وخصوصا داخل إسرائيل. العمليات الانتحارية داخل إسرائيل جعلت شارون وباراك يعلنان أنه لا يوجد شريك للمفاوضات في الجانب الفلسطيني".
(*) ما هو محور بحثك المقبل؟
- كوهين: "أعمل على بحث وتأليف كتاب عن الفترة الواقعة ما بين العام 1967 وحتى الانتفاضة الأولى أو حتى إقامة السلطة الفلسطينية. وهذا البحث يتناول كيفية تبلور الكفاح الوطني وإقامة إسرائيل لشبكة المتعاونين معها مثل روابط القرى بما في ذلك شراء أراض".