التضخم في نيسان يفجر حالة قلق من العودة إلى وتيرة تضخم عالية

وثائق وتقارير

كل مكان من فلسطين التاريخية يمكن أن يكون منطلقنا للحديث عن الأرض. يمكن الانطلاق من أرض إسرائيل ضمن حدود الهدنة العام 1949، ويمكن الانطلاق من الأرض المحتلة العام 1967 بما فيها بالطبع القدس.

 

 

يبدو أن السياسة الإسرائيلية في التعامل مع الأرض والإنسان الفلسطيني هنا وهناك، على جانبي الجدار، أو هناك في الداخل، هي سياسة واحدة، ولم يعد اليوم من الطبيعي أن يفصل الحديث حول ما يحدث للفلسطينيين في إسرائيل عما يحصل للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا نحتاج للتذكير بأن القدس هي الجزء الرئيس من الضفة!

 

من اللد المثال لا البداية أو النهاية

 

إشعارات باللغة العربية لأصحاب البيوت المطلوبة أسقفها وجدرانها للهدم في اللد، رغم أن المفروض في الدولة (القضاء) أن تصدر وثائقها بالعبرية!

فقط في هذه الحالة، لا ضير من مخاطبة المحكمة الإسرائيلية فلسطينيي اللد بالعربية حتى يفهموا!

هل هو اعتراف بالهوية والقومية أم نفي لها حتى ولو جاءت الإشعارات باللغة العربية؟! يبدو أن الرسالة واضحة، ولا حاجة لاكتشاف الشمس!

 

في يوم الخميس 2007/8/16 تم إلصاق إشعارات باللغة العربية على سبعة بيوت في "حي تعايش" في مدينة اللد، طلب فيها من أصحابها - بناء على قرار المحكمة الذي يقضي بهدم البيوت- إخلاء السيارات المتواجدة بالقرب من البيوت وتخبرهم بأن شرطة إسرائيل غير مسؤولة عن الأضرار التي ستلحق بالسيارات. وقد سمي حي "تعايش" بهذا الاسم بسبب دعم منظمة تعايش لسكان الحي خلال كفاحهم ما بين السنوات 2002 – 2004 لمنع هدم البيوت حيث يشكل هذا التعاون نموذجا لإمكانية عيش فلسطينيي اللد واليهود معا.

بدأ منذ هذه اللحظة عذاب أصحاب البيوت الذين فوجئوا بهذا القرار الذي جاء بعد سنتين من تفاؤلهم بحكم يأتي لصالحهم، بعد أن عقدوا عدة جلسات مع لجنة الداخلية التابعة للكنيست في 2007/05/30 ومع هيئات أخرى بما في ذلك بلدية اللد، وزارة الإسكان، واللجنة القطرية حيث وعدوا بحلول تخطيطية بديلة والامتناع عن الهدم.

لسان حال عرفات إسماعيل، عضو منتدى الإسكان في اللد- "السبيل" هو لسان حال أهالي الرملة واللد أيضا: "لماذا حالنا هكذا؟ أكلما جاء إلى اللد رئيس بلدية جديد تأتي معه موجة من أوامر الهدم؟ إلى متى سيبقى هدم بيوت العرب عبارة عن بطاقة لاستلام الوظيفة بدلا من حل مشاكل السكان العرب في اللد؟ لماذا لا يعملون كل ما من شأنه تعزيز إمكانية العيش المشترك سوية؟".

تساؤلات عرفات إسماعيل موجعة، خصوصا وأن رئيس بلدية الرملة، يوئيل ليفي، أراد في يوم من الأيام تغيير اسم مدينة الرملة المجاورة!

اضطر نعيم الوحواح، أحد أصحاب البيوت السبعة، بعد أن رفضت جميع طلبات الحصول على ترخيص، إلى بناء بيته بدون ترخيص على أرضه ليوفر المأوى لأفراد عائلاته، ظنا منه أن "لكل إنسان الحق الأساس في المسكن والعيش بكرامة". وحال الآخرين مثله، لأنهم جميعا لا يحصلون على أذونات ترخيص وغيرهم كثير في الجليل والمثلث والنقب بل والمناطق التي تسمى "ج" في الضفة الغربية!

ويعلق إبراهيم أبو صعلوك، من "السبيل"، على موجة الهدم هذه ساخرا "يؤسفني كمواطن لجوء السلطات إلى أقسى الحلول التي تتمثل في هدم البيوت؛ لأن تكلفة هدم بيت واحد تمكن من تطوير شارع كامل في اللد، فكم بالحري بتكلفة 7 بيوت يمكنها أن تطور حيا بأكمله؟!".

قضية بيوت اللد وما يستجد من قضايا يومية من هذا النوع لا تبعد كثيرا عن نظرة دولة إسرائيل (الكنيست والحكومات والقضاء) للأرض، خصوصا للأراضي الكبيرة النسبة التي تمت مصادرتها العام 1948 واعتبارها أملاك غائبين، لم يتم بالطبع كما تتطلب القوانين الدولية والأخلاقية الحفاظ عليها بأمانة، بل ظلت توهب للمهاجرين اليهود من الخارج، ولغيرهم، على ألا تعطى لعرب فلسطينيين أبدا من القومية نفسها ولو مؤقتا أو إيجارا!

طفت على السطح الإعلامي في عمق هذا الصيف-2007 قضية أثارت عدة ردود أفعال، إنها قضية مشروع قانون"الكيرن كاييمت" الذي أقر بالقراءة الأولى في الكنيست في 18/7/2008 والقاضي بمنع بيع أو تأجير أو استغلال أراضي الصندوق القومي الإسرائيلي لغير اليهود، والتي هي أراض مصادرة أو حتى أراضي دولة المفروض أن من حق مواطنيها الاستفادة منها.

للأسف عند رصد ردود الفعل وجدنا هناك من هم يساريون مثلا لم ينتقدوا مشروع القانون، وربما صادق نوابهم عليه في القراءة التمهيدية الأولى!

يذكر د. إيرز صفدية في مقالته "أهلا وسهلا بإسرائيل في أسرة دول... الأبارتهايد" (1) السبب الوجيه، وهو أبعد مدى من حرمان الفلسطينيين الباقين داخل إسرائيل من هذه الأراضي فقط، بل حرمان آخرين: "لغاية ما قبل بضع سنوات لم تكن هناك أية ضرورة أو حاجة لقانون من هذا الطراز.. فسياسة الأراضي الإسرائيلية تمتعت دوما بمكانة خاصة مكّنت الدولة من ممارسة التمييز ضد السكان العرب في مواضيع مصادرة العقارات وتخصيص الأراضي وحقوق تطوير الأملاك العقارية. وكانت قد شرعت غداة قيام الدولة مباشرة عدة قوانين أتاحت للدولة نقل أراضي اللاجئين الفلسطينيين بصورة جارفة إلى مسؤوليتها ومصادرة قرابة نصف مساحة الأراضي المسجلة باسم مواطني إسرائيل العرب، قسم من هذه الأراضي بيع بسعر رمزي إلى "الكيرن كاييمت" وقد استهدف ذلك فيما استهدف منع وإفشال أية دعاوى قضائية مستقبلية من جانب اللاجئين الفلسطينيين...".

وفي استعراضها التحليلي والنقدي لـ"دور جهاز التخطيط الإسرائيلي في تصميم الحيز" تذكر المهندسة هناء حمدان، مخططة مدن ومناطق من مدينة الناصرة، أن جهاز التخطيط الإسرائيلي "تبنى الأيديولوجية الصهيونية التي ترى في الاستيطان اليهودي في أرجاء الدولة هدفا ساميا توجد له أيضا غاية عملية: تحقيق سيطرة جيو- سياسية. ونجم عن الأجندة الجيو- سياسية تمحور جماهيري مكثف في مشروع "توزيع السكان" والذي أدى إلى إتاحة وضمان "حضور يهودي" وأكثرية يهودية في غالبية أجزاء الدولة. وفقا لهذه الأيديولوجية تم تشكيل جهاز التخطيط (....).. ومن ضمن الأعضاء الـ32 في المجلس القطري للتخطيط والبناء هناك 3 عرب فقط.... حيث تعمل في الأغلبية الساحقة من البلدات الفلسطينية لجان تخطيط تتيح للسلطة المركزية السيطرة على المستقبل التخطيطي للبلدات الفلسطينية وعلى تطورها، من خلال أدنى مشاركة للسكان الفلسطينيين وممثليهم في المنطقة المعينة، كذلك فإن هذا الوضع يبقي ويحافظ على إقصاء الأقلية الفلسطينية عن عملية اتخاذ القرارات في كل ما يتعلق بإنتاج الحيز.." (2).

وعلى ذلك يمكن بسهولة إقامة مستوطنة يهودية في الجليل، لكن من الصعب جدا إقامة أي تجمع فلسطيني، بل إن قوانين التنظيم العنصرية خنقت البلدات والمدن التي باتت تتوسع عموديا بدلا من التمدد الأفقي الطبيعي، وبالطبع ارتفع سعر الأرض كثيرا، وبدأ الفلسطينيون هناك يبحثون عن مكان لهم للعيش والزواج وإنجاب الأطفال، حيث يندفع هؤلاء للبحث عن مكان هناك خارج مكانهم: الهجرة!

ومعروف أن من الصعب على العربي الفلسطيني أن يسكن تجمعا يهوديا؛ فقد أعلمنا دكتور أوري ديفيس (من الناشطين ضد العنصرية الصهيونية) العام 1999 كيف اشترى منزلا لصالح أحد المواطنين من الجليل وسط تجمع استيطاني يهودي، وحين تم التعرف على هدف الدكتور ديفيس، بدأت المشاكل والقضايا، ولا ندري ماذا حصل مع ذلك البيت اليتيم!

 

في القدس...الحال واحدة

 

لا يوجد هناك اختلاف في النظرة الصهيونية لا لأرض إسرائيل في حدود هدنة العام 1949، ولا في حدود الأراضي المحتلة العام 1967 وعلى رأسها القدس!

بحثت المحكمة العليا الإسرائيلية في 7/8/2007 في الاستئناف الذي قدمته الدولة الإسرائيلية على القرار الصادر في العام الماضي الذي اعتبر سابقة قانونية، إذ يقضي إلغاء شمول قانون "أملاك الغائبين" أراضي وعقارات المواطنين من سكان الضفة وغزة في القدس الشرقية، حيث قدمت هيئة المحكمة العليا انتقاداتها لموقف الدولة والذي يرى في أملاك الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية في القدس الشرقية كأملاك غائبين، حيث كانت المحكمة المركزية في القدس اتخذت في كانون الثاني من 2006 قرارا يلغي فيه اعتبار أملاك سكان الضفة وغزة في القدس الشرقية خاضعة لما يسمى "حارس أملاك الغائبين" الإسرائيلي.

يذكر أنه بعد صدور القرار الذي أكد ملكية الفلسطينيين من الضفة وغزة لعقاراتهم داخل القدس الشرقية على غير ما ترى الدولة، وقعت بلبلة في أروقة المحاكم الإسرائيلية والجهاز القضائي برمته حيث دعي إلى اجتماع عاجل في وزارة العدل الإسرائيلية لبحث أبعاد هذا القرار على كافة المستويات القانونية والقضائية والسياسية، وتم تقديم استئناف من قبل الدولة على هذا القرار من خلال كبير محامي النيابة موشيه جولان، والذي طالب المحكمة العليا بإبطال هذه السابقة القانونية من خلال التهويل والترهيب للنتائج المتوقعة من إبقاء هذا القرار على ما هو بما فيه إلزام الدولة بإرجاع عشرات العقارات للفلسطينيين، وإلزامها بدفع التعويضات بملايين الشواقل لاستعمالها في هذه الوضعية دون سابق حق.

 

في آب الحار، اشتعلت شهية الاستيطان والمصادرة والتدليس، "فقد تعاونت إدارة أراضي إسرائيل مع جمعية "عطيرت كوهانيم" لاستلاب 30 دونما في شرقي القدس من أصحابها الفلسطينيين ونقلها إلى جمعية يهودية من دون مناقصة، حيث تم الادعاء في التماس قدم في أوائل آب لمحكمة العدل العليا. ومن الوثائق التي وصلت إلى صحيفة "هآرتس" تنشط الجمعية في مجال السيطرة على الممتلكات الفلسطينية في شرقي المدينة لـ"تهويد" البلدة القديمة ومحيطها؛ فالمنطقة المعروفة بـ"كرم المفتي" موجودة في حي الشيخ جراح. تظهر الوثائق بأن إدارة أراضي إسرائيل وقعت مع جمعية"عطيرت كوهانيم" على عقد لـ"الاستخدام الزراعي" لتلك المنطقة رغم أن الجمعية لا تمتلك أية خلفية في الزراعة. وتشير الوثائق إلى أن العقد وقع رغم أن الأرض التي أجرتها الإدارة على ما يبدو لم تكن ضمن صلاحياتها، ورغم علمها بأن وزارة الداخلية اعترفت بأصحاب الأرض الفلسطينيين كـ"أصحاب مصلحة" فيها. مصدر بارز في إدارة أراضي إسرائيل قال إن العقد قد وقع من أجل "إبقاء المنطقة في الأيدي اليهودية"... في الالتماس تم الادعاء بأن الموظف المسؤول في إدارة أراضي إسرائيل قد عمل "للحفاظ على مصالح "عطيرت كوهانيم" من أجل منع الفلسطينيين من مواصلة إجراءات التخطيط التي يقومون بها.." (3).

 

جدار توسعي!

 

نذكر من استخلاصات أعضاء مجلس السلام والأمن وغيرهم حول الفصول القضائية المتلاحقة والمتواصلة في قضية الجدار والتي أوردها ناحوم برنياع في "يديعوت أحرونوت" في 17 آب 2007 ما يلي:

* الدولة رفعت شعار الأمن عبثا في تحديدها لمسار الجدار.

* قضاة العليا بذلوا قصارى جهدهم للتصرف بمسؤولية. في بعض الأحيان، فضلوا غض أبصارهم عن الخدع التي قام بها ضباط الجيش وجهاز الأمن ولو من أجل عدم تكليف الدولة عشرات ومئات الملايين الشواقل المترتبة على تغيير المسار.

* عدم قدرة الدولة على التركيز على الاعتبارات الأمنية أخر وما زال يؤخر استكمال الجدار.

 

ويعلق برنياع هازئا من هذا التناقض القيمي "عندما كان هؤلاء الضباط في الخدمة الفعلية عرفوا أن إسرائيل تستخدم الخداع كثيرا في القضايا الأمنية وقد شاركوا بصورة نشطة في بعض عمليات الخداع، لكن إسرائيل كانت في ذلك الحين تخدع أعداءها، أما الآن فهي تخدع نفسها والمحكمة العليا فيها.. هؤلاء شعروا بالإهانة كذلك".

 

وهكذا فإنّ العنصرية في تناول مسألة الأرض داخل دولة إسرائيل ضد الفلسطينيين هناك، تخيف الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة الذين ابتلعت أرضهم من قبل الجدار العنصري والأسلاك الشائكة والأسوار، سورًا وراء سور. وهي تخيف الفلسطينيين في كل مكان، خصوصا اللاجئين.

فإذا كان اللاجئ عن أرضه والذي يعيش بقربها داخل دولة إسرائيل لا يستطيع الانتفاع بأرضه ولو عن طريق الشراء أو الاستئجار، وسجلت أرضه كممتلكات غائبين، فما بالك باللاجئ الذي يحلم بالعودة؟!

أليست هذه رسائل إسرائيلية خطيرة جدا يجب أن يقرأها العالم معنا، الشقيق والصديق والعدو على حدّ سواء؟.

وهل لأجل ذلك صاح ناحوم برنياع "كل رؤساء الحكومة الذين سبقوا أولمرت، ما عدا باراك، خافوا كما من الموت من التداول حول التسوية الشاملة... هم لم يخافوا الحديث، بل خافوا من الثمن"؟.

لنتذكر ما قاله عرفات إسماعيل ،عضو منتدى الإسكان في اللد- السبيل: إلى متى سيبقى هدم بيوت العرب عبارة عن بطاقة لاستلام الوظيفة؟

لقد قصد هذا اللداوي بالوظيفة مسؤولية حكم البلديات وإدارتها، وقوله يمكن تعميمه بتحرير بسيط لنقول: إلى متى ستبقى سياسة المصادرة وتهويد أراضي الفلسطينيين في فلسطين التاريخية عبارة عن بطاقة للوصول إلى الكنيست ومن ثم إلى الحكومة؟.

  

هوامش

 

1- المشهد الإسرائيلي، 7/8/2007

2- المشهد الإسرائيلي، 12/6/2007

3- من مقالة ميرون ربابورت في "هآرتس"، 19/8/2007