إسرائيل تعتزم مصادرة أراض في الضفة الغربية رغم تعهدات نتنياهو

وثائق وتقارير

عندما نفحص كل الأرقام وكل المعطيات، يتضح أن ميزانية 2003 "غير مغلقة" - فالأرقام لا تُجمع مع بعضها. العجز يبلغ الآن 6% من الناتج، ما يساوي 30 مليار شيكل. التقليص في الميزانية يتلخص بـ 9-10 مليارات شيكل، أي أن العجز الصحيح هو 20 مليار شيكل، أو 4% من الناتج.

أثبت وزير المالية، بنيامين نتنياهو، مرةً أخرى، أنه من الصعب منافسته في مجال الدعاية والتسويق. فهو يعرف كيف يحاضر، كيف يقنع، كيف يثير التضامن. وهو ملك الكلام واللفتات. "كوبيرايتر" يبدع الشعارات سهلة الترديد ويبسط الأمور لكي يفهمها الجميع.
وفيما لو اعتقد أحدهم أن نتنياهو ارتجل خطابه، فهو خاطئ. فقد بدأ العمل على الخطاب يوم الجمعة الماضي، حين اشتعلت الأضواء في مكاتب وزارة المالية حتى ساعة متأخرة، وحين جلس مع شخصيات "الدائرة المقربة" وتشاور معهم حول كيفية "تسويق" الخطة للجمهور، ما يجب قوله وما يجب إخفاؤه.

وحتى من الناحية النظرية فإن لنتنياهو منظومة إقتصادية مرتبة، جوهرها تمجيد القطاع الإنتاجي- الخاص، الذي يمدّنا جميعًا بلقمة العيش، مقابل القطاع العام المترهل والمبذر، الذي يعتاش على حساب القطاع الإنتاجي. وهو يجسد ذلك عن طريق أمثولة الشخص الذي يزن 45 كغم، لكنه يضطر لحمل شخص آخر على ظهره، وزنه 55 كغم، في الوقت الذي يزداد الشخص الذي على ظهره وزنًا، بينما يزداد الشخص الحامل نحافةً، يومًا بعد يوم. وماذا سيحدث مع الشخص النحيف؟ يسأل نتنياهو - ويجيب: سيضطر للإبطاء من وتيرة مشيته إلى أن يتوقف - وعندها سيتهاوى.

العبرة واضحة: القطاع العام في إسرائيل يستهلك 55% من الناتج العام، بينما يحتل القطاع الخاص 45% منه فقط؛ والحديث يدور عن نسبة لا تسود في أية دولة غربية، وهي تزداد سوءًا في السنتين الأخيرتين. ونتنياهو يعد بتصحيح هذا الوضع: بالتقليص وبتنجيع القطاع العام وبتشجيع القطاع الإنتاجي - الذي سيحقق أعجوبة النوم الاقتصادي.

ويعدد نتنياهو خمسة بنود لتقليص القطاع العام: تقليصات كبيرة في الأجور في الدرجات الرفيعة والمتوسطة، فصل عاملين وموظفين، إغلاق وحدات ذات إزدواجية، إغلاق مصانع زائدة (مثل مصنع الألياف ومصنع النبيذ) وتوحيد السلطات المحلية. مقابل ذلك، يقترح خمس نقاط لصالح القطاع الإنتاجي: دفع الاصلاحات الضريبية (من يكره ذلك؟)، منح الصناعيين بدلَ تآكل مُحفزًا، تشجيع تشغيل العمال الاسرائيليين من خلال فرض ضرائب على العمال الأجانب، إجراء خصخصات واسعة عن طريق البورصة والاستثمار الجارف في البنى التحتية بمساعدة القطاع الخاص.

هذه خطط كبيرة وهامة، منوطة بمعركة شديدة مقابل رئيس الهستدروت، عمير بيرتس، والنقابات الكبيرة في المرافق الاقتصادية. وقد يكون نتنياهو عَبَر إختبار الكلام، بعلامة "100 زائد"، لكنه الآن أمام إختبار التنفيذ. هل سيصمد وزير المالية أمام رؤساء السلطات المحلية الذين سينصبون بالتأكيد خيمة إحتجاج أمام مكتبه؟ هل سيصمد أمام المستوطنين، الذين أُخِذَتْ منهم التسهيلات الضريبية؟ ألن يخشى على مستقبله السياسي عندما تنظم الهستدروت مظاهرات عمالية أمام بيته وتقف ضده؟ هذا هو الاختبار الحقيقي.

نتنياهو يملك الظروف السياسية الأفضل التي يمكن تخيلها: حكومة ذات منظومة موحدة نسبيًا من الناحية الاقتصادية (باستثناء قسم من "المفدال")، ترفع راية الاقتصاد الحر والحرب على البيروقراطية الحكومية؛ "شاس" ليست في الحكومة؛ رئيس الكنيست، رئيس لجنة الكنيست ورئيس لجنة المالية معدودون على حزبه، ولوزير المالية أيضًا 40 عضو كنيست - مثل هذه الظروف كان بإمكان سيلفان شالوم، سابقه، أن يحلم بها فقط. وصحيح أنه يخشى من وضع، لا يمنحه فيه رئيس الحكومة، أريئيل شارون، الدعم، ولكن إنعدام مثل هذا الدعم كان من نصيب سابقه في المنصب، وبكرم.

عندما نفحص كل الأرقام وكل المعطيات، يتضح أن ميزانية 2003 "غير مغلقة" - فالأرقام لا تُجمع مع بعضها. العجز يبلغ الآن 6% من الناتج، ما يساوي 30 مليار شيكل. التقليص في الميزانية يتلخص بـ 9-10 مليارات شيكل، أي أن العجز الصحيح هو 20 مليار شيكل، أو 4% من الناتج. وعليه، كيف يعلن وزير المالية أنه سينهي السنة بعجز قيمته (3) - (3.5)% من الناتج؟ هل يقول ذلك من أجل إقناع الولايات المتحدة بمنحنا الضمانات والمنحة الأمنية؟ الجواب موجود في النمو الاقتصادي. ونتنياهو يقدّر (أو أنه يأمل، في الواقع) أن خطواته الجديدة ستجدد النمو في المرافق الاقتصادية، وبذلك سترتفع المداخيل الضريبية، الأمر الذي سيخفّض العجز في الميزانية إلى مستوى 3.5% من الناتج.

ولكن ماذا سيحصل في حالة إستمرار العمليات التفجيرية، أو في حالة تصاعد "الإرهاب"، أو في حالة عدم فتور المعارك في المناطق المحتلة، أو في حالة تأثير الحرب في العراق على المرافق بشكل سيء - عن طريق إرتفاع أسعار النفط مثلا؟ الهبوط في الاستثمارات سيستمر، الاستهلاك الشخصي سينخفض، المداخيل من جباية الضرائب قد تنخفض، بدلا من أن ترتفع، وستكثر حالات الإفلاس، وسترتفع البطالة، وعندها سيتضح أن التقليصات لم تكن كافية - وسيضطر نتنياهو، الذي أعلن أن الخطة التي عرضها هي الخطة الوحيدة لعام 2003، لعرض خطة تقليصات إضافية، وأخرى أيضًا، وأخرى. وفي هذا الفيلم السيء، سبق أن كنّا.

(نحاميا شطرسلير، هآرتس 18/3، ترجمة "مـدار")