وثائق وتقارير

أنهى الكنيست الإسرائيلي في نهاية الشهر الماضي، آذار، دورته الشتوية، التي كان عنوانها الأبرز هو برودتها، وهو مقبل على دورة صيفية بعد نحو أربعة أسابيع، ستكون ساخنة. وهذا ليس مرتبطا بحالة الطقس، وإنما بعدة عوامل نستعرضها هنا.

 

 الدورة الشتوية

 طغى الروتين على عمل الكنيست في الدورة الشتوية، التي افتتحت في منتصف شهر تشرين الأول وكانت إسرائيل لا تزال متأثرة من أجواء الحرب التي شنتها على لبنان، وفي ظل حديث أولي عن مستقبل غامض لحكومة إيهود أولمرت، على خلفية الإخفاقات الميدانية في تلك الحرب.

إلا أن أولمرت نجح في مفاجأة الساحة السياسية والبرلمان بتعزيز ائتلافه الحكومي، وتحويله من ائتلاف هش غير متماسك (67 نائبا من أصل 120 نائبا)، إلى ائتلاف واسع يسيطر تقريبا على ثلثي المقاعد (78 نائبا) وذلك بضمه الحزب اليميني، "يسرائيل بيتينو"، بقيادة المتطرف أفيغدور ليبرمان مع كتلته التي تضم 11 نائبا.

كثيرون راهنوا على أن ليبرمان سيخرج من الحكومة بالسرعة التي دخل إليها، ليُحدث هزّة قوية قد تؤثر على مستقبل الحكومة، لكن سلسلة من التحركات السياسية جعلت ليبرمان يعزز شراكته في حكومة أولمرت، في الأسبوع الأخير من الدورة البرلمانية، التي تم اختتامها بضم وزير جديد من حزبه إلى الحكومة.

ليبرمان، الذي على ما يبدو يحتفظ بأوراقه قريبا جدا من صدره في ما يتعلق بخفايا دخوله إلى الحكومة ومن الصعب كشفها في هذه المرحلة، وهذا ما قد يظهر أكثر من خلال الممارسة اللاحقة، بدأ يواجه تهديدات سياسية على مستقبل حزبه الذي تضخم بشكل مفاجئ من أربعة نواب إلى 11 نائبا في الانتخابات الأخيرة التي جرت قبل عام، وخاصة إقامة حزب تابع للثري الروسي اليهودي الملاحق دوليا، أركادي غايداماك، إذ أن الحزب الجديد سينافس ليبرمان على أصوات المهاجرين الجدد، وهو يحظى بدعم واضح من زعيم حزب الليكود، بنيامين نتنياهو، الأمر الذي خلق تحديا جديدا لليبرمان، جعله يتأنى ويتمهل في أي تفكير للخروج من الحكومة.

وهذا هو التناقض الأكبر الذي شهده البرلمان الإسرائيلي، فحكومة تعصف بها الهزات السياسية والفضائح الأخلاقية على مختلف أنواعها، وكثرة ملفات التحقيق التي فُتحت أو في طريقها لتفتح، ومحاكمة وزير العدل السابق، وما ينتظر قادة الحكومة في لجنة الفحص الرسمية لمجريات الحرب على لبنان (لجنة فينوغراد)، كان من المفترض أن تبدأ تعد أيامها إلى حين سقوطها أو تغيير تركيبتها، ولكن ما حصل هو العكس.

على صعيد العمل البرلماني، كانت دورة باردة، بل وباردة جدا، وهذا بسبب نهج رئيسة الكنيست، داليا ايتسيك، وطاقم رئاسة الكنيست حيث شلّ الإجماع الصهيوني، دون سماع معارضة في لجنة الرئاسة، العمل البرلماني ومبادرات النواب، وهذا مقارنة مع الولاية السابقة للكنيست التي تميّزت بفتح جدول أعمال الكنيست على مصراعيه أمام ممثلي الشرائح والفئات الصغيرة في الكنيست، وليس العرب وحدهم، لطرح قضاياهم من على منصة الكنيست وبشكل خاص في اللجان البرلمانية، حيث العمل البرلماني الأساسي.

إلا أن ايتسيك اتبعت نهجا مناقضا لنهج الليكودي اليميني، رؤوفين ريفلين، الذي فاجأ الكثير من الأوساط بكيفية إدارته للكنيست، وتعاملت بفظاظة مع أكثر المواضيع حساسية، فمثلا رفضت طرح قضية مجزرة بيت حانون بشكل عاجل على جدول أعمال الكنيست، بتفسير خطير هو "أن الأمر لا يحتاج لهذه السرعة".

وتواطأ مع ايتسيك ممثلو اليمين المعارض، خاصة في طرح القضايا التي تتعلق بالجانب الفلسطيني وقضايا الأقلية الفلسطينية. وساد شعور أن ما يجري في رئاسة الكنيست هو مزيج من مصالح سياسية وحزبية وشخصية ضيقة، تضرب أبسط أسس العمل البرلماني.

 

الدورة الصيفية

 

من المتبع في الكنيست أنه خلال العام البرلماني الذي يشمل الدورتين الشتوية والصيفية، فإن الدورة الشتوية تكون أكثر سخونة لكونها الأطول، وفيها تطرح أهم القضايا، وخاصة ميزانية الدولة التي أقرها الكنيست في هذا العام من دون صعوبات جدية تهدد الائتلاف الحاكم.

لكن في هذا العام فإن المعادلة أصبحت معكوسة، فنحن أمام دورة صيفية ساخنة، كتوقعات الأرصاد الجوية التي تقول إن أجواء الكرة الأرضية في صيف 2007 ستكون الأكثر سخونة في التاريخ.

هذه الدورة ستمتد على مدى شهرين ونصف الشهر وستكون أمامها عدة مهمات، لكن أيضا ستحدد مصير شخصيات سياسية بارزة، وعلى رأسها رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، الذي من المفترض أن يبدأ الدورة الصيفية في ظل أجواء تقرير لجنة فينوغراد واستنتاجاتها الأولية، التي لا تزال مجهولة، أو على الأقل التوجه العام فيها، وما إذا ستكون الاستنتاجات بهذه الحدة التي تلزم أولمرت بتقديم استقالته من رئاسة الحكومة.

ولهذا من الصعب توقع كيف ستبدأ هذه الدورة، ولكن ما هو مؤكد أنه سيكون على رأس جدول أعمالها التقرير الأولي في حال صدوره فعلا في النصف الثاني من الشهر الجاري، نيسان.

وليس أولمرت وحده، فهناك أيضا الدفاع، عمير بيرتس، الذي عدا لجنة فينوغراد وما يتعلق بها من استنتاجات، فإن مصيره السياسي سيتحدد أيضا في الانتخابات الداخلية لرئاسة حزب "العمل" التي ستجري في جولتها الأولى في نهاية شهر أيار القادم، وتدل استطلاعات الرأي على أن بيرتس لن ينجح في البقاء في منصبه، وبالتالي فإنه من المفترض ان يفقد منصبه الوزاري الحالي.

كذلك فإن مستقبل وزير المالية، أبراهام هيرشزون، سينعكس هو أيضا على أجواء الحلبة السياسية، فقد يضطر للاستقالة من منصبه قريبا على خلفية الفضائح المالية المنسوبة إليه، ووصلت إلى حد الاتهام بالاختلاس من جمعيات أقامها مع شركاء له تنشط في العمل الصهيوني. وإن استقالة وزير مالية ليست بالأمر السهل، أولا بسبب حساسية المنصب، وثانيا لكثرة المتنافسين عليه من داخل حزب "كديما" وغيره.

وعلى الأغلب فإن حكومة أولمرت بتركيبتها الحالية لن تبقى على حالها مع انتهاء الدورة الصيفية، لا بل قد تبدأ يومها الأول بتعديلات وزارية، وهذا لمختلف الأسباب السابقة، إضافة إلى احتمال قرار وزير العدل السابق، حاييم رامون، العودة إلى العمل السياسي، وانضمامه مجددا إلى الحكومة، بعد أن قررت المحكمة أن قضية التحرش الجنسي التي تمت إدانته بها لا تعتبر وصمة عار تمنعه من العودة إلى الحياة السياسية.

إضافة إلى هذا فإن الحدث الأبرز المتوقع لهذه الدورة الصيفية هو انتخاب رئيس جديد لإسرائيل، إما في الموعد الرسمي في نهاية شهر حزيران أو في مطلع تموز، أو قبل هذا الموعد في حال استقال الرئيس الحالي موشيه قصاب، أو تمت إقالته على خلفية الفضائح الجنسية ولائحة الاتهام التي تنتظره.

وانتخاب رئيس الدولة هو امتحان واضح للحكومة، فحتى الآن لم يقرر الشركاء في حكومة أولمرت دعمهم لمرشح حزب "كديما" لمنصب رئيس الدولة، الوزير شمعون بيريس، وحزب "العمل" لديه مرشحة من طرفه، هي النائبة كوليت أفيطال.

ويتنافس بيريس على هذا المنصب مع مرشح الليكود، رئيس الكنيست السابق رؤوفين ريفلين، وحتى الآن فإن الميزان يميل لصالح بيريس، خاصة إذ قرر حزب "العمل" سحب مرشحته، وفي ضوء ظهور أنباء بأن حركة "شاس" الأصولية الشرقية قررت دعم بيريس نظرا لعلاقته الخاصة بالزعيم الروحي للحركة، الحاخام عوفاديا يوسيف.

وبالمجمل فإننا أمام دورة برلمانية شديدة السخونة. وعلى الرغم من التغييرات المتوقعة فيها فإنها قد تكون دورة تأجيل الأزمات السياسية، والابتعاد عن انفجار سياسي يقود إلى انتخابات برلمانية، لا تزال الأغلبية الساحقة غير معنية بها في هذه المرحلة.