تيار الصهيونية- الدينية أمام مفترق طرق حاسم

وثائق وتقارير

* الخطة التي لا تخرج عن السياسة الاقتصادية التي اتبعها وزير المالية الأسبق بنيامين نتنياهو تعتمد مبدأ ضرب مخصصات أصحاب القدرة على الانخراط في سوق العمل وزيادتها للمسنين وذوي الإعاقات * سياسة نتنياهو لم تنجح في تقليص الفقر بل وسعته ورغم ذلك فقد نرى تطبيقا قريبا لبعض بنود الخطة *

 

 عرض "المركز الإسرائيلي للتخطيط الاقتصادي"، مؤخرا، ما أسماه "خطة اقتصادية لمكافحة الفقر"، أعدها الدكتور يعقوب شاينين، وهي من الأوراق التي عرضت على مؤتمر هرتسليا. ويعرف المركز نفسه بأنه يعمل على "بناء الاقتصاد الحر في إسرائيل".

وهدف الدراسة، حسب معدها، هو بلورة سياسة اقتصادية فعلية، تسمح بتقليص كبير في دائرة الفقر في إسرائيل، من خلال زيادة الناتج ورفع المستوى المعيشي. وبتقدير المركز فإن السياسة الاقتصادية المقترحة في هذه الوثيقة ستنجح في تقليص عدد العائلات الفقيرة خلال خمس سنوات، إلى ما دون نسبة 10%، بينما تبلغ نسبتها اليوم 20%.

ويرى معدو التقرير أن تقليص الفقر يجب أن لا يتم من خلال زيادة المخصصات الاجتماعية بشكل جارف، والتي تمنح أيضًا للعائلات التي فيها من هم قادرون على الانخراط في سوق العمل، وإنما من خلال التشجيع على الاندماج في العمل، وزيادة الإنتاجية في العمل، أما العائلات التي من الصعب انخراط رب العائلة في سوق العمل بفعل الجيل أو الأوضاع الصحية فيجب زيادة المخصصات لها.

وحتى في ما يتعلق بمخصصات الأولاد فإن التقرير يدعو إلى التمييز في دفع المخصصات بين العائلات الفقيرة وبين العائلات الميسورة بوسائل مختلفة، مثل تعميم يوم دراسي طويل تموله الحكومة لأبناء العائلات الفقيرة، بينما العائلات الميسورة تموّل بنفسها انخراط أبنائها في اليوم التعليمي الطويل.

 

  

  

معطيات الفقر

 

 بحسب معطيات مؤسسة التأمين الوطني (مؤسسة الضمان الاجتماعي) فإن نسبة العائلات الفقيرة في إسرائيل هي 6ر20%، وهي النسبة الأعلى من بين أكثر 30 دولة متطورة في العالم، الأعضاء في منظمة OECD، فمعدل الفقر في تلك الدول هو 6ر13%.

إن نسبة الفقر العالية في إسرائيل، بحسب التقرير، هي نتيجة وضع قائم وليس سياسة موجهة، وهذا نتيجة كون إسرائيل دولة مهاجرين منذ حوالي 60 عاما، وتدمج فيها مجموعات سكانية مختلفة، التي تتمايز في عدة أوجه، دينية وقومية وثقافية وتكنولوجية وكذلك في المستوى العلمي، وبطبيعة الحال فإن المركز هنا يتجاهل بقصد وجود الجماهير الفلسطينية الأصلانية في وطنها، التي تواجه سياسة تمييز عنصري واضحة منذ قرابة 59 عاما.

 

ويتعرض التقرير إلى تعريف الفقر، ويقول إن الجدل حول تعريف الفقر في الدول المتطورة هو قديم جدا، وعلى ما يبدو لن يتم حسمه في المدى المنظور، فمنظمة دول الـ OECD تعتبر خط الفقر هو للعائلة التي مدخولها أقل من 50% من معدل المصروف العام في الدولة، بينما في الولايات المتحدة فإن خط الفقر يساوي ثلاثة أضعاف سلة مشتريات المواد الغذائية الملائمة للعائلة، وبهذا ينجم فرق في احتساب النسب، فحسب احصائيات الولايات المتحدة، فإن نسبة الفقر لديها هي 7ر12%، ولكن حسب طريقة احتساب منظمة OECD فإن نسبة الفقر في الولايات المتحدة هي 17%.

وفي إسرائيل خط الفقر هو حسب المدخول للفرد في العائلة، وخط الفقر بالنسبة لفرد يعيش بمفرده هو 444 دولارا، ولعائلة من فردين 711 دولارا، ومن ثلاثة أفراد 942 دولارا، ومن أربعة أفراد 1138 دولارا، ومن خمسة أفراد 1333 دولارا، ومن ستة أفراد 1511 دولارا، ومن سبعة أفراد 1689 دولارا، ومن ثمانية أفراد 1849 دولارا، ومن تسعة أفراد 1991 دولارا، ومن عشرة أفراد 2133 دولارا.

وتشير هذه المعطيات إلى تراجع حصة الفرد كلما ازداد عدد أفراد العائلة، ولكن التدريج الإسرائيلي يختلف عن تدريج منظمة OECD، والاختلاف الواضح هو بالنسبة للعائلة من الفرد الواحد، حيث أنه حسب تلك المنظمة فإن خط الفقر لعائلة كهذه هو حوالي 510 دولارات، ولعائلة من فردين 760 دولارا، وتقريبا خط الفقر لعائلة من ثلاثة أفراد متساو، ثم يصبح خط الفقر في إسرائيل للعائلات التي لديها عدد أفراد أكثر، أعلى من المعدل في منظمة OECD.

ويرى معدو التقرير أن الفقر هو فشل اجتماعي، ويجب معالجة المحتاجين وعدم فسح المجال ليتدهوروا إلى دائرة الفقر، وهذا الأمر يتم من خلال مبدأين اثنين وحازمين: تعويض المسنين وذوي الاعاقات غير القادرين على الانخراط في سوق العمل، وذلك من أجل رفعهم إلى ما فوق خط الفقر، وثانيا تشجيع من هم قادرون على العمل على الانخراط في سوق العمل والحصول على رواتب ملائمة ورفع مستوى معيشتهم.

 

خطة تقليص الفقر

 

 

يطرح التقرير خطة من تسع نقاط لتقليص دائرة الفقر، ويرى معدو التقرير أن تبني هذه الخطة سيخفض نسبة الفقر في إسرائيل خلال خمس سنوات إلى مستوى 10%، وهي النسبة العامة في دول منظمة OECD، إلا أن على الحكومة سيكون رصد ميزانية قرابة 900 مليون دولار. وهذه النقاط هي:

(*) أولا: إلزام كل عائلة بتقديم تقرير عن مداخيلها، ويكون هذا هو شرط للحصول على مساعدة حكومية (التقرير هو نموذج بسيط يشمل القليل من البنود، وهي طريقة متبعة في الولايات المتحدة).

(*) ثانيا: تشجيع العمل من خلال إلغاء تشغيل عمال أجانب، وهذه خطوة تؤدي إلى رفع مستوى الرواتب بشكل كبير، خاصة لدى الشرائح الضعيفة.

(*) ثالثا: تشجيع الاستثمارات في الاقتصاد التقليدي وفي مشاريع البنى التحتية، وهي خطوة تؤدي إلى استبدال العمال الأجانب ذوي الرواتب الزهيدة، وتأهيل عاملين إسرائيليين لزيادة إنتاجهم.

ويعير التقرير وزنا كبيرا لمسألة إنهاء ظاهرة تشغيل العمال الأجانب، باعتبار أن هذه أحد مسببات ظاهرة الرواتب الزهيدة في سوق العمل الإسرائيلي. ويقول التقرير "من الواضح للجميع أن أكثر من 200 ألف عامل أجنبي، عددهم قريب للعاطلين عن العمل، هم السبب المركزي لهذا العدد الكبير من العاطلين عن العمل في إسرائيل".

ويقول التقرير: يجب عدم الخوف من إخراج العمال الأجانب، فهذا لن يضر بالاقتصاد الإسرائيلي كما يعتقد البعض، فهو اعتقاد خاطئ، لأن وقف هذه الظاهرة سيؤدي حتما إلى زيادة النمو الاقتصادي، وزيادة الاستثمارات في فروع الاقتصاد المختلفة. ويضيف أن غياب العمال الأجانب سيضع أصحاب العمل أمام ضرورة تشغيل العمال المواطنين، وبالتالي فإنه لن يكون هناك إغراء أمام أصحاب العمل لتشغيل عمال بأجور زهيدة، وسيكونون مضطرين لرفع مستوى الرواتب.

(*) رابعا: الانتقال فورا إلى يوم تعليمي طويل في جهاز التعليم، ويستمر حتى الساعة الخامسة مساء لجميع الطلاب، ويتضمن مواضيع إثراء، ومساعدات بيتية وتقديم وجبات ساخنة، على الأقل وجبتين يوميا.

(*) خامسا: تحويل مخصصات الأولاد من العائلات إلى المدارس لتأمين البرنامج الغذائي في المدارس، فالمخصصات الشهرية التي تمنح للأولاد بإمكانها أن تمول وجبتين في المدرسة، وبهذا تكون قيمتها الاقتصادية أكبر بكثير من تقديمها للأهل.

(*) سادسا: زيادة ميزانيات يوم تعليم طويل، من أجل تمويل نفقات العائلات الضعيفة، والمخصصات للوالدين تكون حسب مدخول العائلة، وليس بشكل جارف ومتساو للجميع.

ويرى معدو التقرير أن يوم التعليم الطويل يشكل قاعدة جدية لتقليص دائرة الفقر من خلال تشجيع النساء على وجه الخصوص للخروج إلى سوق العمل، ويوصي التقرير بأن تموّل الدولة مصاريف الطلاب من العائلات الفقيرة في هذا اليوم التعليمي الطويل، فيما تمول العائلات ذات الدخل المتوسط والعالي نفقات أبنائها في هذا البرنامج الدراسي.

(*) سابعا: فرض قانون تأمين تقاعدي إلزامي لجميع العاملين، وهذا لأن مشكلة المسنين الفقراء هي بسبب اعتمادهم فقط على مخصصات الشيخوخة من مؤسسة التأمين الوطني، وليس لديهم أي راتب تقاعدي.

(*) ثامنا: زيادة مخصصات المسنين في هذه الفترة لإخراجهم من دائرة الفقر.

وفي هذا المجال يقول التقرير إن 21% من العائلات الفقيرة في إسرائيل رب العائلة فيها في جيل الشيخوخة، وعمره 65 عاما وما فوق، وهذه العائلات تدهورت إلى دائرة الفقر بسبب قلة مداخيلها، واعتمادها على مخصصات الشيخوخة من مؤسسة التأمين الوطني، ولا يمكن لهذه العائلات أن تزيد مداخيلها من خلال العمل، ولهذا فإن الحل الوحيد هو زيادة مخصصاتها من الدولة.

يذكر أن هناك في إسرائيل مخصصات شيخوخة تدفعها مؤسسة التأمين الوطني، من دون علاقة بالراتب التقاعدي الذي يحصل عليه المسن لدى خروجه إلى التقاعد. لكن مخصصات الشيخوخة مرتبطة هي أيضا بعدد سنوات العمل التي عمل فيها الشخص، ولدى قسم كبير من المسنين لا يوجد راتب تقاعدي، وبالأساس لدى المسنين العرب، وأيضا لدى المهاجرين اليهود الجدد، ويحصل المسنون الذين لا يحصلون على راتب تقاعدي على منحة إضافية في حدود مائة دولار لكل مسن شهريا، علاوة على مخصصات الشيخوخة.

ويقول التقرير إن المبلغ المطلوب سنويا لإخراج هذه الشريحة من الفقر هو حوالي 190 مليون دولار، وهذا في حال كانت الزيادة بحجم الفجوة ما بين مدخول العائلة وبين خط الفقر، وإذا ما طبق هذا فإن معدل الفقر بين العائلات سينخفض إلى حوالي 16%، وإذا ما أضيفت لهذه الشريحة، شريحة أخرى هي العائلات التي فيها رب العائلة عمره ما بين 55 عاما إلى 64 عاما، وهي تحت خط الفقر، فإن التكلفة السنوية ستصبح 333 مليون دولار، وستنخفض نسبة الفقر إلى 14%.

(*) تاسعا: إلغاء ضريبة القيمة المضافة عن كل المواد الغذائية، وهذا بدلا من إجراء تخفيض على مجمل ضريبة القيمة المضافة.

يذكر هنا أن الجمعيات والأطر التي تعنى بالقضايا الاجتماعية تعارض تخفيض الضرائب بشكل عام، لأن المستفيد من هذا هم ذوو المداخيل العالية، وفي المقابل تطالب هذه الأطر بزيادة مداخيل العائلات الفقيرة من خزينة الدولة، التي تعتمد على المداخيل الضريبية، من أجل إخراجها من دائرة الفقر.

 

نهج اتبعه ب. نتنياهو

 

عمليا فإن معدي التقرير يقدمون توصيات مشابهة إلى درجة التطابق بالسياسة الاقتصادية التي اتبعها وزير المالية الأسبق بنيامين نتنياهو. فجوهر التوصيات توجه ضربة للمخصصات التي تدفعها الدولة للعاطلين عن العمل، وأيضا لمخصصات الأولاد، من خلال انتزاعها من العائلات التي هي بحاجة إليها وتحويلها إلى البرنامج التعليمي.

كذلك في أكثر من بند تتحدث التوصيات عن التحفيز على الخروج إلى سوق العمل. وإنّ كلمة التحفيز ترجمتها الحكومة في السنوات الأخيرة من خلال ضرب مخصصات البطالة، أو من خلال مشروع "فيسكونسين" المتشدد بحق العاطلين عن العمل، لإجبارهم على التوجه إلى فرص عمل فيها أجور زهيدة جدا، أو أنها فرص عمل جزئية، وفقط من أجل الخروج من سجلات البطالة، والتوقف عن تلقي المخصصات.

 

وليس بالضرورة التوجه إلى معاهد أبحاث لإثبات أن هذه السياسة فشلت. فعلى الرغم من تطبيقها منذ أربع سنوات، فإن نسب الفقر في إسرائيل آخذة بالارتفاع، وتؤكد مؤسسة التأمين الوطني مرارا وتكرارًا، على لسان مسؤوليها، أن ضرب المخصصات على أنواعها كان سببا في اتساع الفقر، خاصة وأن الحكومة لم تعمل على خلق أماكن عمل بالحجم الذي بإمكانه استيعاب الأيدي العاملة الجديدة.

 

كذلك فإن وزير الصناعة والتجارة والتشغيل، إيلي يشاي (شاس)، اعترف في الآونة الأخيرة بفشل مشروع فيسكونسين، الذي لم يحقق أية نتيجة سوى درّ أرباح طائلة على الشركة الهولندية التي تدير المشروع. وأعلن أنه سيوقف المشروع مع اكتمال الفترة التجريبية له في شهر تموز (يوليو) القادم، لاستبداله بمشروع أخفّ وطأة.

 

وعلى الرغم من هذا فإن أهمية هذا التقرير هو أنه سياسة موجهة لقادة الاقتصاد في إسرائيل، وقد نشهد مستقبلا بعضا من بنوده توضع قيد التطبيق.