كشف د. هليل كوهين، مؤلف كتابي "جيش الظلال" و"عرب جيدون"، أن الرقابة العسكرية كانت قد شطبت أسماء بعض المتعاونين العرب مع السلطات الإسرائيلية في فترة الحكم العسكري (1948-1966).
جاء ذلك في إطار ندوة نظمتها "جمعية الزهراوي للبحوث والعلوم الإسلامية" في كفر قرع حول كتاب "عرب جيدون" بمشاركة مؤلفه والباحث د. مصطفى كبها والكاتب الصحافي وديع عواودة. وأدارها الكاتب والمحاضر الجامعي د. محمود غنايم.
افتتح غنايم الندوة بالتنويه بأهمية الكتاب وتأثيره على بحث شؤون الأقلية العربية في إسرائيل وقضية علاقاتها مع سلطات الدولة وجمهور الأغلبية فيها، وتأثير هذه العلاقة على سلوك الأقلية العربية والعمليات الجارية فيها .
في مداخلته قال الدكتور كبها إن الكتاب مؤلف هام وجريء من ناحية إلقاء الضوء على بعض جوانب واقع الفلسطينيين في إسرائيل في تلك الحقبة. في المقابل أشار كبها إلى الثغرات ونقاط الضعف التي تعتري البحث من ناحية المضمون والمنهج. وأضاف "أولا أشير إلى أن الكتاب أغفل الرواية الشفهية وقدس الوثائق دون أن يقوم بتصليب المعطيات، سيما وأنها مستقاة من بروتوكولات (محاضر الشرطة الإسرائيلية) لم يع كاتبوها أن ملاحظاتهم ستشكل لاحقا مصدرا تاريخيا".
وتوقف كبها عند بعض المغالطات والتناقضات في الكتاب منها الخلط بالأسماء والمسميات. وأضاف "على سبيل المثال يقول الكتاب في صفحة 14 إن المواطنين العرب في تلك الفترة كانوا مجتمعا مضروبا أو محطما تنقصه المناعة الوطنية، وبعد عشر صفحات يخلص لاستنتاج مغاير مفاده أن العرب قاموا وتمسكوا بهويتهم الوطنية وفشلت إسرائيل في تطويعهم".
كما أشار كبها إلى تطرّق الكتاب لاستقبال عبد الرؤوف عبد الرازق، العائد من لبنان لبلدته، الطيبة، من قبل جماهير غفيرة استقلت نحو 200 سيارة من رأس الناقورة حتى لبنان معلقًا: "ربما لم يكن في كل القرى العربية مجتمعة، في حينه، مثل هذا العدد من المراكب!".
وأشار كبها إلى أن الكاتب يمتاز بميوله الأدبية كما ينعكس في سرده الروائي المشوق، لافتا إلى عنصر المبالغة في تصوير الواقع. وأضاف "في وسع القارئ مثلا أن يخال وكأن كل العرب كانوا متعاونين، فالطلاب يوشون بالمعلمين ومديرو المدارس يوشون بالمدرسين والطلاب معا، ولا شك أن هذه مبالغة".
وردا على تعليق لأحد المشاركين بأن الكتاب حابى الرواية التاريخية الشيوعية قال كبها "إذا كان المواطنون اليهود هم جمهور الهدف للكتاب فإنه يسيء للشيوعيين الفلسطينيين لأنهم وافقوا بنظر اليهود على التقسيم والمصالحة فجاء الكتاب وناقض ذلك. أما إذا كان الهدف هم العرب فقد رفع الكتاب من أسهم الشيوعيين".
وأكد كبها على أن الفصل الخاص بوزارة التعليم واعتمادها كأداة ضبط وسيطرة على المجتمع العربي هو أهم ما ورد في الكتاب.
في مداخلته أكد الصحافي وديع عواودة أن الكتاب قزّم دور التيار القومي والمتمثل بشكل خاص في حركة الأرض والجبهة الشعبية. وقلل من شجاعة الكاتب في طرح قضية العملاء مع ذكر أسماء بعضهم لافتا إلى أن حقيقة كونه مواطنا يهوديا تساعده على ما قام به من مكاشفة مقارنة مع أي باحث عربي قد يتناول ذات الموضوع.
وأشار عواودة إلى التناقض الملحوظ في خلاصة الكتاب، الذي يظهر العرب تارة في صورة متعاونين ومجتمع مخترق بالكامل وتارة أخرى يقول إن إسرائيل فشلت في تحقيق هدفها بتطويعهم وبأسرلتهم وسلبهم هويتهم الوطنية كما ينعكس في الفصل الأخير من الكتاب.
أمّا هليل كوهين فقد استهل مداخلته ورده على التساؤلات حول كتابه ودوافعه وهدفه وتوقيته بالإشارة إلى أنه لم ينه المدرسة الثانوية وعمل عامل بناء ردحا من الزمن قبل التحاقه بالجامعة. وأضاف "أنا أحب الحق وليس لي دافع سوى البحث وإن كنت اعتبر ذلك فرصة للمردود المالي". ولفت إلى أنه ولد وترعرع في القدس وتصادق مع الكثيرين من العرب. وتابع: تنبهت خلال لقاءاتي مع العرب كثرة اهتمامهم بالحديث عن العملاء فشدني الموضوع وشجعني على البدء بالبحث حتى اغتنمت فرصة فتح أرشيف الشرطة أمامي وكان ذلك بالصدفة.
ونوه إلى أنه يشعر بالتاريخ المشترك مع الفلسطينيين رغم الصراع الدامي بين الشعبين معتبرا ذلك أحد أسباب مبادرته للبحث.
وردا على سؤال حول إحجامه عن ذكر المتعاونين بالأسماء في أغلب الأحيان قال كوهين: "وردت بعض الأسماء في أرشيف الشرطة بالرموز، ثم أنني أدرك حساسية الموضوع في المجتمع العربي اليوم. كما أن الرقابة العسكرية شطبت بعض الأسماء عند مراجعتها للنصف فاتفقت معهم على استبدالها بالرموز".
وحول حجم ظاهرة المتعاونين العرب مع السلطات الإسرائيلية الأمنية في فترة الحكم العسكري أشار كوهين إلى أن الحديث يجري عن ما معدله عشرة متعاونين في كل قرية. وأضاف "في المقابل أوردت قصص الصامدين والرافضين للتعاون".
وردا على سؤال حول ماضيه الأمني نفى كوهين أن يكون قد خدم في أية مؤسسة أمنية عدا الخدمة العسكرية العادية. وأضاف "مجرد أنني أجيد العربية وبحوزتي وثائق فإن الأمر يغدو مثيرا للشك سيما في المجتمع العربي الذي يميل للظنون وهذا ربما نتيجة عمل المخابرات التي تطلعت لزرع الشك لدى العرب ببعضهم البعض من خلال تجنيد العملاء". ونوه الكاتب إلى أن نحو 10 % من الإسرائيليين اهتموا بكتابه، معظمهم من اليسار الصهيوني.
وقال كوهين إنه يعكف اليوم على إصدار الكتاب الثالث في سلسلة كتبه حول العملاء في الأراضي المحتلة العام 67 بناء على "أرشيف المخابرات والمقابلات الشخصية مع متعاونين".
وكان بعض المشاركين من بين الجمهور قد أشار إلى نشوء العمالة كظاهرة طبيعية للشعوب المختلفة تحت الاحتلال كما حصل من الجزائر إلى فيتنام. فيما أشار مشارك آخر إلى ظاهرة تعاون اليهود مع النازيين ضد إخوانهم داخل معسكرات التركيز رغم علمهم أن الوشاية ستفضي لقتل أبناء جلدتهم. وفيما شكك البعض بنوايا الكتاب خاصة في ضرب الناحية المعنوية للشباب من خلال هدم تاريخ آبائهم، رأى آخرون أن الكشف عن الحقائق حتى لو كانت "غسيلا وسخا" هو ضرورة لاستخلاص الدروس والإصلاح شرط أن تكون الدراسة موضوعية وغير مغرضة.