عن تأثير الاحتلال المستمر على إعادة تشكيل الهوية وطابع النظام في إسرائيل

وثائق وتقارير

في 23 نيسان 2006 قدمت "لجنة مريدور" التقرير النهائي لاستخلاصاتها. وقد أعلن عن تشكيل هذه اللجنة في أواخر العام 2004 بهدف أن تفحص من جديد التفكير الإستراتيجي لدولة إسرائيل وأن تبلور مفهومها الأمني أو نظريتها الأمنية.

 

 المرة الأخيرة التي تمتّ فيها بلورة المفهوم الأمني الإسرائيلي كانت في الخمسينيات، خلال الفترة التي حارب فيها العالم بأسلوب الحرب الشاملة، وفي الأساس بواسطة معارك المدرعات. القدرة الجوية لم تكن آنذاك قد أخذت أهمية كبيرة في طابع الحرب في المنطقة. أما القدرة النووية فلم تكن في متناول اليد، ولم تكن لإسرائيل أيضًا قدرة نووية. ومفهوم الإرهاب، الذي أخذ يتسارع في العقدين الأخيرين، لم يكن حتى في الحدّ الأدنى.

 

وقد جرى تسليم تقرير هذه اللجنة إلى وزير الدفاع الإسرائيلي، شاؤول موفاز، قبيل انتهاء مهام منصبه بقليل، عشية تشكيل الحكومة الإسرائيلية الحادية والثلاثين برئاسة إيهود أولمرت.

 

ويوصي التقرير، ضمن أشياء أخرى، بتقليص ميزانية الأمن. ويقرّ بأن الحرب التقليدية أمام الدول العربية لم تعد الخطر المركزي الذي يتهدّد دولة إسرائيل. ويدعو إلى استثمار موارد أكبر في مواجهة السلاح النووي الإيراني.

 

وتتمثل إحدى التوصيات المركزية، التي تنبأت الصحف الإسرائيلية بأن تبعث السرور في نفس وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي، العمالي عمير بيرتس، في إجراء تقليص سنوي في ميزانية الأمن. فقد رأت اللجنة أن ميزانية الأمن والبالغة 5ر8% من الناتج القومي الإجمالي تشكل عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد الإسرائيلي، ولذلك فإنها تقترح تخفيضها إلى5% من الناتج الإجمالي تدريجياً خلال عشر سنوات. وتوصي اللجنة كذلك بتقليص مبلغ 750 مليون دولار من ميزانية الأمن في عملية تدريجية تستغرق عشر سنوات (أي تقليص 75 مليون دولار كل سنة من ميزانية الأمن التي تبلغ 34 مليار شيكل). مع ذلك فإن اللجنة تدعو إلى إقرار خطة متعددة السنوات تتيح إمكانية تخطيط استثمار الموارد للمدى البعيد وأيضًا إمكانية تخطيط التقليص في الميزانية.

وقد فحصت "لجنة مريدور" حجم ميزانية الأمن في الدول الغربية، وأجرت مقارنة بينها وبين ميزانية الأمن في إسرائيل. وقد تبين أن ميزانية الجيش الإٍسرائيلي أكبر بثلاث أو أربع مرات من ميزانية الجيوش في الدول الغربية. وترى اللجنة أن وضع إسرائيل الأمني يحتاج إلى ميزانية دفاعية كبيرة، ولكن ينبغي ضمان أن لا تتجاوز 5%من الناتج القومي الإجمالي.

 

وقد قررت اللجنة هيكلية دقيقة لتخصيص الميزانيات الدفاعية في العقد المقبل. وحسب رأيها، فإن بالوسع تحقيق هذا الهدف من دون إحداث هزات عن طريق الحفاظ على الإطار القائم لميزانية الأمن (بضمنها المساعدة الأميركية بحوالي 2.32 مليار دولار).

 

ودرست اللجنة نسب النمو الاقتصادي في العقدين الأخيرين، والتي كانت في المتوسط 4% سنوياً. ووفق تقديرها، فإن نسبة النمو هذه ستتمّ المحافظة عليها في المتوسط في العقد القادم أيضاً. لذلك فإن تجميد ميزانية الأمن بحجمها الراهن، سيقلّص نسبتها مقارنة مع الناتج القومي الإجمالي إلى 5ر5% بعد عشر سنوات. ومن أجل تقليص نسبة الميزانية إلى 5% من الناتج العام توصي اللجنة، كما ذكرنا، بتقليص 750 مليون دولار من ميزانية الأمن في العقد المقبل (75 مليون دولار سنوياً).

 

وتوصي اللجنة، خلافاً لموقف وزارة المالية، باتخاذ قرار بأن ميزانية الأمن، على نقيض الميزانيات الأخرى، سوف تستند إلى خطة متعدّدة السنوات، تتقرّر مرة كل ثلاث إلى خمس سنوات.

وتشير اللجنة إلى أنه بسبب أن إسرائيل سوف تحظى حتى عامين آخرين بمساعدة أمنية أميركية بقيمة حوالي 2.4 مليار دولار تندرج في ميزانية الأمن وتشكل 5ر1% من الناتج القومي الإجمالي، فإن وزن ميزانية الأمن بالشيكل من الناتج القومي عملياً لن يزيد عن 5ر3%. وهذا التغيير المثير في حجم ميزانية الأمن بالنسبة للناتج القومي، يتيح توجيه موارد كبيرة لتطوير البنى التحتية وتطوير التعليم وضمان تساوي الاقتصاد الإسرائيلي مع اقتصاديات الدول الغربية المتطوّرة في الغرب.

 

كما توصلت اللجنة إلى نتيجة أنه بالنسبة للتحدي الأمني الذي تواجهه إسرائيل فقد حصل تغيير هام. وخلافًا لسنوات مضت كان فيها الخطر المركزي هو مواجهة تقليدية بين جيوش نظامية فإنه الآن زاد وزن المواجهات فوق التقليدية (من خلال أسلحة غير تقليدية) والمواجهات تحت التقليدية (من خلال الإرهاب).

 

وقال رئيس اللجنة، الوزير وعضو الكنيست السابق دان مريدور، إن الردع أصبح غير ذي صلة أمام الانتحاريين. وأضاف: "الردع يتغيّر لكنه غير فعّال. والحقيقة أن انتحاريين ما زالوا يأتون. ولذا ينبغي تطوير ردع جديد من ناحية مفهومية وتكنولوجية. ينبغي التفكير بكيفية ردع الانتحاريين عن الوصول إلى إسرائيل، مثلاً كيف يمكن ردع انتحاري يعرف أن هذه هي طريقه الأخيرة أو انتحاري يصعد إلى طائرة ويتحطم فوق بناية في نيويورك".

 

وتطرّق مريدور أيضًا إلى نشاط إسرائيل حيال الخطر النووي الإيراني فقال: "هذا موضوع معقد وصعب. ينبغي فعل كل شيء لمنع ذلك. لكني لن أفصّل ما هي التوصيات من خلال وسائل الإعلام".

 

واهتمت اللجنة بشكل كبير بخطر الإرهاب، وهي تعتقد أن الجيش الإسرائيلي ليس جاهزاً لمواجهة التحدّي الذي يمثله الإرهاب. وتعتقد اللجنة أن الخطر سيصاحِب المجتمع الإسرائيلي في العقود المقبلة. وقيل في أثناء مداولات اللجنة إنه صحيح أن دور الجيش هو حماية حدود الدولة، ولكن في مجال الإرهاب هناك ساحة كاملة لا يستطيع الجيش فيها أن يلعب دوراً. فدور الجيش هنا هو الحيلولة دون تسلل رجال الإرهاب. وتعتقد اللجنة أنه ليس من المنطقي أن يتولى الجيش المسؤولية عن الاستعدادات في مواجهة الإرهاب. صحيح أن الجيش يحارب الإرهاب، ولكن هناك في الجبهة الداخلية حرب يشنها الإرهابيون الذين يُفلحون في التسلل إلى داخل الدولة. وتقرر اللجنة أنه ليس في دولة إسرائيل جهة مسؤولة عن إدارة المعركة ضد الإرهاب.

 

كما تشير اللجنة إلى أن الجبهة لم تعد فقط مواجهة بين جيشين. بل صارت تدور أساسا في الجبهة الداخلية وداخل السكان المدنيين، ولذلك ثمة حاجة للاستعداد لهذا النوع من التحدي.

 

ويعتمد مفهوم الأمن التقليدي على "مثلث الأمن"، الإنذار والردع والحسم. وهذا المفهوم لا شأن له بالواقع عندما تكون المعركة تدور ضد الإرهاب. وتبين اللجنة أن الاغتيالات التي ينفذها سلاح الجو برهنت على أن هذا السلاح قد كيّف نفسه مع مكافحة الإرهاب. وتوصي اللجنة بأن يقود وزير الدفاع الحرب الفعالة، الهجومية، ضد الإرهاب. ولكن بسبب عدم أهلية الجيش للانشغال بالأمن في مواجهة الإرهاب، فإن هذه المسؤولية يمكن أن تُلقى على كاهل وزير الأمن الداخلي. وتوصي اللجنة بأن تخضع قيادة الجبهة الداخلية في فترات الطوارئ لإمرة وزير الأمن الداخلي.

 

ثمة توصيات أخرى تشمل الدعوة للتزوّد بوسائل طيران دون طيار والحفاظ على منظومات الحاسوب القومية أمام تغلغل عناصر معادية. كما تدعو اللجنة إلى أخذ المواقف الدولية في الحسبان قبل القيام بأية عمليات أمنية.

 

ومن خلاصات التقرير أيضًا أن من شأن دول شرق أوسطية إسلامية أخرى أن تتزود بسلاح نووي إذا نجحت إيران في تحصيله، وأن على إسرائيل مواصلة سياسة "الضبابية" أو "عدم الشفافية" في الموضوع النووي، وأن للأردن أهمية إستراتيجية بالنسبة لإسرائيل وينبغي المساعدة في استقراره وأنه على "مجلس الأمن القومي" أن يصبح هيئة الأركان المركزية للحكومة.

 

وتعتقد اللجنة أن على الجيش الإسرائيلي مواصلة كونه جيش الشعب، ومع ذلك يجب دفع راتب حدّ أدنى للمجنّد منذ لحظة تجنيده. ووجدت اللجنة أن شريحة كبار الضباط في الجيش تنتمي إلى العشور الثلاثة الأعلى في المجتمع الإسرائيلي، وأنه ينبغي ضمان بقائهم في الجيش عن طريق توفير تقديمات مناسبة وراتب مُجزٍ.

 

وقد فحصت اللجنة الوثائق التي كتبت منذ إقامة الدولة حول مفهوم الأمن. وكشفت أنه لم توضع أبداً أية وثيقة كاملة ومفصلة في هذا المجال، وأن مفهوم الأمن الذي بلوره رئيس الحكومة ووزير الدفاع الأول، دافيد بن غوريون، لم يستند إلى أية وثيقة مفصلة، وإنما كان مجرد مبادئ عامة وتعريفات كتبت بين فترة وأخرى.

 

من ناحية رسمية أقيمت "لجنة مريدور" من طرف وزير الدفاع شاؤول موفاز، لكن أعضاءها صادق عليهم في حينه رئيس الحكومة أريئيل شارون. وقد غربل شارون من عضويتها، دون أي تسويغ معلن، كلا من وزير الدفاع الأسبق، موشيه آرنس ورئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) الأسبق، الجنرال في الاحتياط عامي أيالون.

 

واستمر عمل اللجنة حوالي العام ونصف العام وعقدت خلال ذلك 52 جلسة. وكانت الجلسات الأولى تعقد بهيئة اللجنة الكاملة. وفيما بعد توزعت إلى لجان فرعية في المواضيع التالية: الإرهاب، السلاح غير التقليدي، جوانب سياسية- أمنية، الأمن والاقتصاد، والتكنولوجيا. وخلال فترة عمل اللجنة تم تنفيذ خطة الانفصال عن قطاع غزة وفازت حركة "حماس" في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني.

 

كما أنه خلال عمل اللجنة غادر صفوفها عدد من الأعضاء وهم: دان حالوتس، الذي عين رئيسًا لهيئة الأركان ويوفال ديسكين، الذي عين رئيسًا للشاباك والجنرالان جابي أشكنازي وشلومو يناي والعميد (بريغادير جنرال) شلومو بروم.

 

ورغم أن أعضاء اللجنة من مجالات مختلفة إلا أن جميعهم ذوو تصنيف أمني عال. ومن بينهم يادين دودائي، من "معهد فايتسمان للعلوم" وأمنون بزاي، من المؤسسة الأكاديمية، والحقوقية تسفيا غروس والاقتصادي دافيد بروديت ومدير عام وزارة الخارجية الأسبق، يوآف بيران وإيلي ليفيتا، من لجنة الطاقة النووية وعوزي روزين، من الصناعات الجوية سابقًا والعميد أفيئام سيلع، من الصناعات الإلكترونية.

 

ومن بين أفراد الجيش الذين شاركوا في أعمال اللجنة: الجنرالات في الاحتياط غيورا أيلاند وعاموس جلعاد ويعقوب عميدرور وجدعون شيفر، والضباط الكبار أودي ديكل وجدعون حوشن وشموئيل ليمونا ويحيئيل حوريف.

 

وظهر أمام اللجنة العديد من الشخصيات مثل البروفيسوران ايتمار رابينوفيتش وايتمار ياعر. وعملت إلى جانب اللجنة مجموعة من الضباط برئاسة العقيد (كولونيل) رون إلدادي، من القسم السياسي- الأمني.

 

واندلعت بين أعضاء اللجنة خلافات في الرأي حول عدة مواضيع، منها موضوع الإرهاب وكيف يتعين على إسرائيل أن تعرفه. كما بحثت اللجنة في مواضع إستراتيجية- نظرية مثل كيفية تعريف مصطلحي "انتصار" و"ردع" من ناحية إسرائيل.

 

تقرير "لجنة مريدور" يقع في حوالي 250 صفحة ويتطرق إلى جوانب إستراتيجية على مدى السنوات العشر المقبلة. وهو يعتبر وثيقة مصنفة للغاية وفقط أشخاص قلائل سمح لهم بالاطلاع على مضمونه الكامل. وبعد أن يتم استخراج بعض البنود السرية سيجري تعريفه بأنه "سري للغاية". ويقترح التقرير أن يتم مرة كل خمس سنوات تفحص المنطلقات الأساسية في المفهوم الأمني، وأن تقام منظومة تتعقب استبطان التوصيات.

 

يذكر أنه جرت في السابق محاولة مماثلة لتلخيص مفهوم الأمن الإسرائيلي بإرشاد دافيد عبري كمدير عام لوزارة الدفاع. لكن عمل اللجنة توقف عمليًا عندما عيّن إيهود باراك رئيسًا للحكومة ووزيرًا للدفاع في العام 1999.

 

]المصدر- العدد 36 من سلسلة "أوراق إسرائيلية"، الصادر في أيلول 2006 عن مركز "مدار" بعنوان "الفشل الإسرائيلي في لبنان- آراء إسرائيلية حول الأداء العسكري[