بداية- الوقائع
تدفع إسرائيل منذ عدة أشهر "الملف النووي الإيراني" إلى رأس اهتماماتها وتشنّ حملة مركزة على إيران، وتقول إنها على "استعداد لمواجهة السيناريو الأسوأ". وسبق أن دعا رئيس وزرائها أريئيل شارون المجتمع الدولي إلى فرض عقوبات على طهران، مكرراً أن إسرائيل لن تقبل بأن تصبح إيران "دولة نووية عظمى".
ويتنافس "الموساد" وشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) على كسب حق السبق في كل ما يتصل بـ"الخطر النووي الإيراني". وقبل مدّة وجيزة (أواخر كانون الأول 2005) كان دور رئيس "الموساد"، الجنرال مئير داغان، ليؤكد للجنة الخارجية والأمن في الكنيست أن إيران ستمتلك قدرة نووية خلال بضعة شهور. وقد سبقه إلى ذلك في اللجنة نفسها رئيس شعبة الاستخبارات أهارون زئيفي فركش الذي أعلن أن الخطر الإيراني "فعلي ويتزايد على إسرائيل".
وقال داغان أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست إن إيران ستمتلك قدرة نووية كاملة في عام 2006. وقد جاءت أقواله هذه في أثناء العرض السنوي الذي يقدمه لهذه اللجنة حول وضع إسرائيل الأمني. وأشار داغان إلى أنه "إذا لم تحدث عراقيل خارجية فإن إيران ستمتلك خلال بضعة شهور استقلالية تكنولوجية في كل ما يتعلق بتخصيب اليورانيوم وبعدها فإن المسألة تغدو مسألة وقت حتى امتلاك إيران المادة المشعة بكمية كافية لامتلاك القنبلة".
وشدد داغان على أن هناك "قراراً إيرانياً استراتيجياً بامتلاك القدرة النووية. وهناك خشية من أنهم إذا واصلوا وأفلحوا في امتلاك المادة المشعة فلن يكتفوا بالكمية الكافية لقنبلة واحدة وسيواصلون إنتاج كميات من المواد المشعة. وهناك أهمية في عرض الأمر على مجلس الأمن لفرض عقوبات اقتصادية على إيران التي تستورد أربعين في المائة من منتجات الوقود، ولذلك فإن للعقوبات أهمية كبيرة". وأشار إلى أن الخلافات الداخلية الإيرانية هي التي تقود إلى ازدياد التطرف في السياسة الخارجية.
وتجاوب مع هذا الطرح رئيس اللجنة يوفال شطاينيتس الذي قال انه "إذا واصل الإيرانيون تطوير قدرتهم النووية، فإن بوسعهم خلال عام أو عامين التوصل بشكل مؤكد لامتلاك سلاح نووي ومواد مشعة. وفي حالة كهذه، سنقف أمام شرق أوسط جديد، أكثر تهديداً وسواداً وخطورة. ومن واجب العالم بأسره، بقيادة الولايات المتحدة، إحباط المشروع النووي الإيراني لأن في ذلك مشكلة وجودية لإسرائيل، ولكن ليس على إسرائيل الصغيرة أن تحل المشكلة".
وأشار عضو الكنيست من "الصهيونية الدينية" إيفي إيتام إلى أنه "إذا لم تتحرك الأسرة الدولية مع إسرائيل لضرب القدرة النووية الإيرانية فإنني أخشى جداً من أنها ستنزلق لامتلاك قدرة نووية عملياتية تعرض المنطقة للخطر وتزعزع أسس نظرية الأمن الإسرائيلية. ولذلك يحظر بشكل مطلق تمكين النظام الإيراني من امتلاك قدرة الدمار الشامل".
غير أن هذا التقدير الإسرائيلي المتشائم بشأن القدرة النووية الإيرانية يقع في إطار تقدير متفائل بشأن وضعية إسرائيل في المحيط العربي. فقد أعلن داغان في اللجنة أن مكانة إسرائيل السياسية، الأمنية والإستراتيجية تتحسن. ويعود ذلك حسب رأيه إلى حقيقة أن إسرائيل تواجه اليوم "خطراً فعلياً واحداً، هو الخطر الإيراني، الذي تواجهه مع الأسرة الدولية كلها". وحسب كلامه فإن "دولاً عربية في منطقتنا أيضا لا تريد أن تمتلك إيران قدرة نووية".
وألمح داغان إلى أن إسرائيل والمنطقة سوف تشهد قريباً ظاهرة "مجاهدي العراق" الذين شاركوا في المعارك ضد الأميركيين وسيعودون إلى بلادهم في الأردن ومصر. و"المفارقة أنه كلما نجح الفعل الأميركي في العراق ازدادت المخاطر الأمنية على إسرائيل".
وكان رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية قد أشار، قبل أسبوع من تصريحات رئيس "الموساد"، إلى أن الولايات المتحدة غارقة في الوحل العراقي، الأمر الذي يزيد من شدة الخطر الإيراني. كما شدد زئيفي في اجتماع الحكومة على أن إيران عازمة على امتلاك قدرة نووية وصواريخ بعيدة المدى. وقال إنه لا يرى فرصة حقيقية لإحباط المشاريع النووية الإيرانية بالطرق السياسية وإن الشهور القريبة ستشهد نهاية هامش المناورة الإسرائيلية والدولية في مواجهة إيران.
ويوم 27/12/2005 خرجت "معاريف" حول الموضوع النووي بعنوان رئيسي: "إيران تتقدم أسرع من التوقعات". وكتب المراسل السياسي بن كسبيت أن المعلومات الاستخبارية التي وصلت إسرائيل تبين أن إيران بدأت فعلياً النشاطات المتعلقة بتخصيب اليورانيوم. وأشار إلى أن إيران تقوم بتمويه هذه النشاطات بشكل متطور. ومع ذلك وجد كسبيت أن من المناسب التحذير من "أنه في ضوء اقتراب الانتخابات، فإن كل موضوع سياسي أمني يبحث في وسائل الإعلام يعتبر أحبولة انتخابية". ولكنه شدد "على أن مصادر هذا النبأ هي أمنية فقط. ولم يطلع أي مصدر سياسي على سر المعلومات أو شارك في وصولها إلى معاريف".
وحسب المعلومة، فقد بلغ الإيرانيون بداية عملية تخصيب اليورانيوم ولكنهم توقفوا. وهم يتخذون الآن سلسلة إجراءات ذات صلة بتخصيب اليورانيوم للتمكن من التخصيب في مهلة قصيرة حين يقررون العمل، وذلك بأمل تقليص إمكانية فعل سريع من العالم إذا ما أعلنت طهران عن تخصيب اليورانيوم. وتقوم الخطة الإيرانية على امتلاك عدد كبير جداً من أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم بأسرع وقت ممكن. وكذلك زيادة كبيرة لكمية المادة الخام (غاز أل UF4) لاستكمال تخصيب اليورانيوم دفعة واحدة.
وأشارت "معاريف" إلى أنه شكلت هيئة خاصة في إسرائيل لجمع المعلومات حول الموضوع النووي الإيراني. وثمة جدال في إسرائيل حول: هل لإسرائيل خيار عسكري؟ إذا كان هناك خيار فهل يجدر استخدامه؟ وهل حان الوقت للتكيف مع احتمال إيران نووية؟ وهناك في إسرائيل من يطالب بضربة عسكرية ولكن بالمقابل هناك خشية من الرد الإيراني ومن رد واسع من جانب حزب الله. ولذلك فإن مثل هذا الاحتمال ضعيف وستعمل إسرائيل على حث العالم على التصدي لإيران.
وكان زئيفي قد قال إن الإيرانيين قد يصلون خلال عدة أشهر (حتى آذار 2006) إلى ما أسماه "نقطة اللاعودة".
وفي جلسة عقدتها لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست عاد فركش وأكد أن إيران مصممة على مواصلة تطوير برنامجها النووي بشكل سري، وأن الجهود الدبلوماسية والسياسية التي بذلتها دول مختلفة على إيران أخرت لمدة سنتين، على الأقل، تطوير البرنامج النووي الإيراني.
وبحسب فركش فإن إيران حصلت مؤخراً على 12 صاروخاً روسياً بعيد المدى، يصل مداها إلى 3000 كيلومتر، وبإمكان هذه الصواريخ حمل رؤوس نووية متفجرة.
وأضاف أنه "تم نقل 18 صاروخاً من هذا النوع من أوكرانيا، وصل منها 12 صاروخاً إلى إيران، في حين وصلت 6 صواريخ إلى الصين"!
وفي جلسة الحكومة يوم الأحد 18/12/2005، قال فركش: "إيران تتحول إلى قوة منطقية وتعمل على تكوين قوة نووية وصواريخ أرض- أرض".
وأضاف: "أنا لا أرى إمكانية ملموسة لإحباط التسلح النووي الإيراني بطرق سياسية. وسنشهد في الأشهر القريبة القادمة حدًّا لمرونة إمكانياتنا السياسية نحن والعالم مقابل إيران. وأنا لا أريد أن أفهم على أني مستسلم. لا بل علينا الاستمرار في المقاطعة السياسية والاقتصادية".
في الوقت ذاته، اعتبر رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، دان حالوتس، أن الجهود الدبلوماسية لمنع طهران من امتلاك السلاح النووي، محكومة بالفشل، مشيراً إلى أن الخيار العسكري لم يطرح إلى الآن.
ودعا بنيامين نتنياهو إلى ضرب المنشآت النووية الإيرانية على غرار ما فعل مناحيم بيغن (رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق) بضربه مفاعل "تموز" النووي في العراق عشية انتخابات عام 1981.
وقال شارون في مؤتمر صحافي مشترك مع نائبه سابقاً شمعون بيريس لمناسبة انضمام الأخير إلى حزبه "كديما" (إلى الأمام)، إنه يأمل بأن يحال الملف الإيراني إلى مجلس الأمن قريباً "ليتخذ عقوبات ضد إيران"، مضيفاً أنها "تشكل خطراً ليس على إسرائيل فحسب بل على الشرق الأوسط والعالم برمته".
وعلى رغم تأكيد شارون أن إسرائيل لن تكون رأس الحربة في مواجهة إيران، هدد الوزير تساحي هنغبي الذي ترأس وفداً إسرائيلياً لـ"الحوار الاستراتيجي" مع واشنطن، أن الدولة العبرية لا يمكنها "أن تقف مكتوفة اليدين إزاء استمرار التسلح الإيراني"، مشيراً إلى أن هذه المسألة كانت قيد التداول خلال "الحوار الاستراتيجي" الذي أجري في واشنطن.
تزامن ذلك مع تقارير إسرائيلية مفادها أن سورية أيضاً فاجأت الخبراء الغربيين بقدراتها على تطوير صواريخ "سكود".
فقد أفادت صحيفة "هآرتس" أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية فوجئت بتحسين سورية قدراتها الصاروخية بفضل "خبراء من كوريا الشمالية" أدخلوا تغييرات جوهرية على النموذج المتطور من صاروخ "سكود دي" تمنحه قدرات أفضل على القيادة والتوجيه وتصحيح مساره أثناء تحليقه، ما يزيد من دقة إصابته الهدف. وكتبت أن خبراء غربيين توصلوا إلى هذا الاستنتاج بعد فحصهم شظايا صاروخ من هذا الطراز، انحرف عن مساره أثناء تجربة أجراها السوريون وسقط في الأراضي التركية، قبل أشهر. وأشارت إلى أن إسرائيل والولايات المتحدة ودول الحلف الأطلسي أبدت اهتماماً بنتائج فحص شظايا الصاروخ.
وداخل كل ذلك نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية عن تقرير خاص أعدّه الجيش الأميركي حول المشروع النووي الإيراني وسبل مواجهته أن "ليس لدى إسرائيل القدرة العسكرية على تدمير المنشآت النووية الإيرانية" وأن سلاح الجو الإسرائيلي "الذي يتمتع بقدرات كبيرة قياسًا مع دول أخرى في الشرق الأوسط لن يكون قادرًا على تنفيذ عملية معقدة لبعد المواقع المستهدفة (في إيران) عن قواعده العسكرية فضلاً عن أنه لا توجد لدى إسرائيل حاملة طائرات وليس في استطاعتها استخدام قواعد عسكرية جوية لدول أخرى في المنطقة" ولذا فإن "قدراتها ستكون محدودة سيما أن الحديث عن أهداف بعيدة المدى".
وجاء أيضًا في هذا التقرير، الذي أعدته "الكلية العسكرية الأميركية" وحمل عنوان "كيفية الاستعداد لمواجهة التهديد النووي الإيراني"، أن القدرات الإسرائيلية على تنفيذ "هجمات عميقة" تعتمد أساسًا على طائرات "إف 15 إيه" و"إف 16.سي دي" لكن هذه قادرة على ضرب أهداف على بعد 600 كلم فيما تبعد إيران عن إسرائيل مسافة 1000 كلم. وأضاف التقرير أن عملية معقدة من هذا النوع تستوجب مشاركة طائرات إنقاذ وتزويد بالوقود وتجسس وأنه باستطاعة إسرائيل ضرب أهداف محددة لكنها لن تتمكن من تنفيذ حملة عسكرية شاملة ضد جميع الأهداف والمواقع الإيرانية. وزاد التقرير أنه حتى في حال نجحت إسرائيل في ضرب المفاعل النووي الإيراني في بوشهر فإن البرنامج النووي الإيراني لن يتضرر لأن المفاعلات الأخرى موجودة في عمق إيران، على بعد 1700 كلم.
كما شكك التقرير في إمكان سماح تركيا والهند لإسرائيل بضرب مواقع إيرانية انطلاقًا من أراضيهما.
ثانيًا- الدلالات
هناك شبه إجماع في أوساط الساسة والمعلقين الإسرائيليين على أن الانتخابات الإسرائيلية القريبة (في 28 آذار 2006) هي من أهم أسباب إعادة "الملف الإيراني" إلى صدارة الاهتمام الرسمي الآن بالذات، دون التقليل من كون هذا الملف مطروحًا على الدوام على الأجندة الإسرائيلية.
وتماشيًا مع هذا الرأي كتبت صحيفة "هآرتس" مقالة افتتاحية ذكرت فيها أن الحكومة الإسرائيلية كانت قد "اتخذت قبل نحو سنتين، عندما كان بنيامين نتنياهو لا يزال عضوا فيها، قرارا سليما في أن الصراع ضد التحوّل النووي الإيراني هو صراع الأسرة الدولية بأسرها، ومن الأفضل لإسرائيل ألا تقف وحدها في الخط الأول لهذا الصراع. وبين الحين والآخر يجري خرق هذا القرار، إلا أن النائب نتنياهو بالغ إذ دعا في خطاب انتخابي إلى استخدام الخيار العسكري ضد النووي الإيراني وتعهد بمواصلة "إرث مناحيم بيغن" الذي أمر في العام 1981 بهدم المفاعل النووي العراقي. ولا ينبغي الاستخفاف بالخطر الجسيم المحدق بالشرق الأوسط والاستقرار الدولي في المستقبل، إذا ما فشلت جهود الأسرة الدولية، مجلس الأمن في الأمم المتحدة ووكالة الطاقة الذرية، في منع إيران من التزود بالسلاح النووي. وسيكون هذا فشلا للولايات المتحدة والدول الأوروبية التي تقود المفاوضات مع إيران في هذا الموضوع. فإن المفاوضات المتعددة الأطراف مع إيران لم تنته. كما أن روسيا، التي بنت مفاعلا نوويا لإيران في بوشهر، يمكنها أن تؤدي فيها دورا هاما. ولم يتخذ بعد قرار في مجلس أمناء الوكالة الدولية للطاقة الذرية في نقل الموضوع إلى مجلس الأمن.
وعليه، فمحظور على إسرائيل أن تتخذ صورة من يروّج للحرب ضد إيران، ناهيك عن أنه لا يزال هناك من يدعي، بعداء ظاهر لإسرائيل، بأنها هي التي حرضت الولايات المتحدة على شن الحرب ضد العراق. ومن جهة أخرى تنطلق أصوات تدعو إسرائيل إلى إغلاق المفاعل النووي في ديمونا".
ومضت الصحيفة تقول: "في زيارة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون إلى إسرائيل، تكبّد، ردا على سؤال، عناء شرح الصعوبة الجمة التي ينطوي عليها الخيار العسكري ضد إيران والفارق بين حالة النووي في العراق والوضع في إيران. وامتنع كلينتون عن تأييد الخيار العسكري. كما أنه في الولايات المتحدة لا يوجد أي إجماع بين الخبراء بالنسبة للجوانب الميدانية في الخيار العسكري ضد إيران".
وختمت بقولها: "من يوصي علينا بخيار عسكري إسرائيلي مخطئ وغير مصيب، وهو يحرض الجمهور الإسرائيلي بغير داع، يعرض إسرائيل كمن تدفع الولايات المتحدة إلى حرب كبرى جديدة، يجر هذا الموضوع الحساس إلى الحماسة في المعركة الانتخابية، ويستدعي تهديدات إيرانية وردود فعل مختلفة ضد إسرائيل. واستعدادات إسرائيل يجب أن تتم بهدوء وثقة، وليس في اجتماعات انتخابية".
أما محلل الشؤون الإستراتيجية رؤوبين بدهتسور فنشر في الصحيفة ذاتها مقالاً تحليليًا حول الموضوع قال فيه: "ليس هناك وضع أشد خطورة لمواطني إسرائيل، على ما يبدو، من الجمع بين الانتخابات المقتربة والمداولات حول الميزانية الأمنية. فجأة يتبين أن إسرائيل تواجه تهديدا وجوديا فظيعا ووشيكا، الأمر الذي يستوجب القيام بخطوتين اثنتين لمواجهته: زيادة الميزانية الأمنية وانتخاب أريئيل شارون".
وأضاف: "التسريبات المتلاحقة و"الاكتشافات" والتصريحات الآتية من الجيش و"مصادر عليا" غير بعيدة كثيرا عن ديوان رئيس الوزراء تحتل عناوين الصحف في هذه الأيام. خلاصة هذه الأمور هي ذلك الخطر الفظيع الذي يلوح للدولة، بدءا من قول رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، أهارون زئيفي (فركش)، بأن الوقت سيصبح متأخرا جدا إذا لم يتم إيقاف البرنامج النووي الإيراني حتى آذار 2006. ومرورا بتقرير حول شراء طهران لمنظومة دفاعية مضادة للصواريخ وتحسين دقة الصواريخ السورية، وانتهاء بتقدم الإيرانيين المذهل في تطوير صاروخ شهاب الإيراني.
المشكلة المركزية في كل حملة التخويف هذه هي أنها لا تنطوي على أي شيء جديد، خصوصا أنها لا تغير وضع إسرائيل الاستراتيجي الآن ولا توازن القوى بينها وبين خصومها في المنطقة.
إيران تطور سلاحا نوويا منذ مدة طويلة. وشهاب 3 أصبح جاهزا للاستخدام منذ مدة طويلة، وشراء المنظومة الدفاعية الروسية ما هو إلا امتداد لعملية التسلح الطبيعية والمتوقعة والمنطقية، والتي لا تشكل تغيرا حقيقيا في تناسب القوى في مواجهة إسرائيل. أما تحسين دقة الصواريخ السورية فهو بلا معنى يُذكر على المستوى الإستراتيجي، فاستعداد إسرائيل في مواجهة هذه الصواريخ يقوم أصلا على الردع، ولذلك ليست هناك أهمية كبيرة لدرجة الدقة".
وتابع: "منذ مطلع التسعينيات وشعبة الاستخبارات العسكرية تدعي بصورة ثابتة تقريبا بأن إيران ستمتلك "سلاحا نوويا خلال خمس سنوات". هذه السنوات الأكثر ثباتا في تاريخ الاستخبارات. قبل عامين قرر وزير الجيش شاؤول موفاز بأن إيران ستجتاز في 2004 "نقطة اللاعودة" في مشروعها النووي.
المعنى هو أن "أمان" لا تملك في الواقع معلومات أكيدة حول تقدم البرنامج النووي الإيراني.
ولكنها ليست وحدها في ذلك، فلديها صحبة ورفقة طيبة. لا توجد لدى أي جهاز استخباري غربي معلومات ومعطيات أفضل. على هذه الخلفية يتوجب أن نحكم على تصريح زئيفي فركش بأن آذار 2006 هو "نقطة اللاعودة"، وكذلك الحال مع تصريحات رئيس الوكالة الدولية للطاقة النووية الدكتور محمد البرادعي بأن إيران ستكون بعيدة عدة أشهر فقط عن إنتاج السلاح النووي إذا استأنفت تخصيب اليورانيوم".
وفي رأي بدهتسور فإن السلاح النووي والصواريخ البالستية كانا دائما فزّاعة جيدة وفعالة لبث الذعر في نفوس المواطنين. إلا أن ذلك، برأيه، مُوجه أكثر لأعضاء الكنيست والحكومة للتأثير على قرارهم بصدد الميزانية الأمنية لأنها خط أحمر خاصة في ظل التهديدات المزعومة وتجاوز للخطوط الحمراء (حسب موفاز).
ومضى قائلاً: "الانتخابات الوشيكة تُسهم بنصيبها في زيادة التهديدات، ذلك لأنه لا يمكن أن يكون هناك شيء ضروري أكثر من الحاجة إلى تنصيب شخص يعرف ويقدر على مواجهة التهديدات باعتباره جنرالا سابقا وخبيرا في المعارك والتجارب، الأمر الذي يجعله متميزا على منافسه صاحب البرنامج المدني- الاجتماعي الواضح. عندما تكون الصواريخ موجهة يحظر الوثوق بمن لم يكن في حياته ضابطا مسؤولا، ولم يشرف على آلة الحرب العسكرية.
تصريحات شارون وكبار قادة الجيش الإسرائيلي بأن إسرائيل لا تستطيع القبول بوضع تكون فيه لدى إيران قنبلة نووية، تعني أن فشل الأسرة الدولية سيتطلب من إسرائيل الهجوم على المنشآت الإيرانية لوحدها. هذا استنتاج خطير، خصوصا أن شارون يستخدمه وهو مدرك لمحدودية وقصور هذه الهجمات وأنها غير قادرة على إيقاف البرنامج الإيراني.
بنيامين نتنياهو لم يكن ليستطيع السماح لنفسه طبعا بالبقاء في الوراء، وقد صرح بصورة أكثر خطورة من خصمه شارون، عندما دعا إسرائيل للقيام بحملة "جريئة وشجاعة" في مواجهة إيران على شاكلة ما فعله بيغن مع المفاعل العراقي".
وختم: "من المحتمل أن يكون لدى إيران سلاح نووي في نهاية المطاف، وإذا حدث ذلك، فسيكون على إسرائيل أن تتعلم كيفية التعايش مع التهديد الإيراني وإزالته بواسطة الردع الصادق. وأهم عنصر في هذا الردع سيكون مناعة الجمهور الذي سيقدم الدعم للسياسة التي ستتبعها الحكومة. وحملة التخويف الحالية لا تخدم مناعة الجمهور في شيء".
مع ذلك فإن معلقين آخرين شكل لهم هذا الوضع مناسبة للهجوم على النظام الحالي في إيران. ومن هؤلاء سيفر بلوتسكر، أحد كبار المعلقين في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، الذي كتب يقول: "يحاول إسرائيليون كثر ألا يشغلوا أنفسهم برعب الذرة الإيرانية. هناك من يرى المشكلة شعارا انتخابيا، وهناك من يهزون أكتافهم ويقولون "لا يوجد ما يمكن فعله"، وهناك من يوجهون أنظارهم إلى أمم العالم، لكي يتدخلوا من أجلنا. غير أن الواقع لا يُمكن كبتًا كهذا. في شتاء 2005، الذي لم يكن مثل قبل سنة أو سنتين، السلطة في طهران في يد ثلة من "الثوريين" المسلمين المتطرفين. لا يوجد لرئيس إيران الذي يتولى الحكم شرعية من الشعب كما كان لسابقه. لقد "انتُخب" بعد أن رُفض جميع خصومه السياسيين ذوي الأهمية سلفا على يدي مجلس كبار الإسلام. انقطعت مسيرة الدمقرطة للحياة المدنية في إيران بتاتا، وعاد الإرهاب الداخلي الديني، وأنواع الشرطة السرية منفلتة بلا ضابط والنزاعات في قمة نظام الحكم تمنع شغل الوظائف واتخاذ القرارات. في هذا الوضع تحاول الطغمة الحاكمة أن تُحصن سلطتها الكريهة بتعجيل خطط التسلح الذرية وعرض "المعركة على الذرة" كنوع من حرب استقلالية إيرانية حيال الغرب المعادي، الذي يخدم الصهاينة".
وتابع هذا المعلق: "هل تبالغ إسرائيل في تقديراتها العلنية للخطر الجلي والفوري للسلاح الذري في إيران؟ أعطى الإجابة أخيرًا رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، محمد البرادعي، الحائز على جائزة نوبل للسلام، الذي قال في مقابلة مع صحيفة "الاندبندنت": "عندما تُجدد إيران تخصيب اليورانيوم فستكون على مبعدة أشهر معدودات فقط من السلاح الذري".
إن أقوال البرادعي، وهو إنسان متزن ثقة- لقد زعم عشية الحرب في العراق على نحو دائم أن صدام حسين لا يملك سلاحا ذريا- توافق تماما التقديرات الاستخبارية الإسرائيلية. إيران قريبة بخطوات من صيرورتها قوة ذرية شرق أوسطية، في حين تقودها جماعة طاغية من المتطرفين المتدينين.
ما الذي يمكن فعله لردع الخطر؟ البرادعي، مثل كثيرين في الغرب أيضا، يوصي بضبط النفس. هذه توصية مفهومة تصدر عن رئيس منظمة دولية، لكنها خطرة علينا وعلى كل الشرق الأوسط. إن الطغمة التي تحكم في طهران معنية بتنويم الرأي العام العالمي لفترة قصيرة أخرى، لأشهر معدودة، لكي تستطيع أن تُكمل بنجاح إجراءات تخصيب اليورانيوم. بعد أن يحدث هذا، لن يوقف شيء طهران دون استمرار السباق الذري.
إن إجراء آخر هو الإتيان بالموضوع إلى مجلس الأمن في الأمم المتحدة، لكي يقرر فرض عقوبات اقتصادية وسياسية بعيدة الأمد على إيران. لكن البحث المأمول في المجلس لا يجري ولا يُتوقع أن يجري في المستقبل القريب: فدول كثيرة تُفشله، لأنها ترى إيران سوقا غنية لمنتجاتها ومزودة هامة بالنفط. إنها لا تريد المخاطرة بنزاع دبلوماسي معها. ترفض أكثر الدول الغربية تصديق أن إيران لم تعُد الدولة الإصلاحية التي كانت قبل سنين قليلة. إنها تفضل دفن رأسها في رمل مشبع من النفط.
في نهاية الأمر لن يكون لإسرائيل خيار سوى تنفيذ خيار عسكري لمنع تحقيق كابوس إسلام متطرف مسلح بسلاح ذري. إن قصف المنشآت الذرية الإيرانية من الجو غير عملي وغير مُراد، لكن إسرائيل لا تستطيع أن تسمح لنفسها أن تُخرج من حسابها مساً مهما آخر بالقدرة الذرية الإيرانية، مثل القضاء على الخلايا المركزية في سلسلة التزويد والإنتاج مثلا.
يجب على إسرائيل أن تشوش على السباق الإيراني نحو الذرة، بمساعدة العالم المتنور أو بغيرها. لا يوجد لها خيار التسليم له. الحديث عن "ميزان رعب ذري" جديد في الشرق الأوسط سخافة وشر. إيران في 2005 هي دولة عنيفة، ودكتاتورية ظلامية، تدعو علنا إلى القضاء على إسرائيل. لم يحدث قبلُ في تاريخ الإنسانية أن دولة تدعو إلى القضاء على دولة أخرى نجحت في أن تضع يدها على سلاح ذري. لم يحدث هذا قط ولا يجوز أن يحدث".
ثالثًا- تذكير
الحديث الإسرائيلي حول "أخطار إيران النووية" ليس جديدًا بطبيعة الحال.
وسبق أن ركّزت "النشرة الإستراتيجية" الصادرة عن معهد "يافه" للدراسات الإستراتيجية في جامعة تل أبيب (عدد كانون الأول 2004) على موضوع "الخطر النووي الإيراني"، فيما يفترض اعتباره واقفًا في صلب الهواجس الإسرائيلية الإستراتيجية الراهنة.
وتناول كاتب المقالة، الباحث الإستراتيجي إفرايم كام، نائب رئيس المعهد، احتمالات نجاح "الخيار العسكري" الإسرائيلي في "لجم الخطر النووي الإيراني". ويعتقد كام أن هذا الخيار غير مستبعد في ضوء "القناعة" بأن إعلان إيران مؤخراً عن إرجاء نشاطها في ميدان تخصيب اليورانيوم هو "إرجاء مؤقت تحت وطأة الضغط الأوروبي الشديد، ولا يعكس قراراً إستراتيجيًا من لدنها بالكف عن السعي لامتلاك سلاح نووي". وهو في رأيه "خطوة تكتيكية من جانب إيران غايتها أن ترجئ الضغط الشديد الوطأة عليها وأن تدق إسفينًا بين الحكومات الأوروبية والإدارة الأميركية في هذا الموضوع". ويتابع: في حالة تبين صحة هذا الافتراض فمن شأن الأزمة في الموضوع النووي الإيراني أن تصل، مرة أخرى، إلى مفترق طرق في المستقبل غير البعيد. كما يرى الكاتب أن الخيار العسكري ضد إيران قد يعرض للدراسة في إسرائيل (إذا لم يكن قد عرض أصلاً) فضلاً عن دراسته في أروقة الإدارة الأميركية الحالية. ويشير في هذا الصدد إلى أن التصريحات الرسمية في إسرائيل بهذا الخصوص أشد وضوحًا وصفاءً من التصريحات الأميركية الرسمية. "فلقد أعلن قادة الدولة ورؤساء الجهاز الأمني في إسرائيل، في الأشهر الأخيرة، أنهم ينتظرون نتائج الضغط الدولي على إيران، لكن إذا لم يكن ذلك كافيًا فستضطر إسرائيل إلى الاعتماد على ذاتها وإلى اتخاذ خطوات للدفاع عن نفسها".
يدعو كام، من ناحيته، إلى عدم الاستهانة بالخطر النووي الإيراني. لكنه يشير إلى ثلاثة أسباب جوهرية ترجّح الشك في احتمال لجوء إيران إلى استعمال قدرتها النووية ضد إسرائيل، على رغم نزعتها الأساسية الرافضة لوجود هذا الكيان أساسًا. وهذه الأسباب هي:
- أن دوافع إيران الكامنة خلف سعيها المحموم لامتلاك سلاح نووي هي دوافع دفاعية- ردعية أكثر من كونها دوافع هجومية.
- قوة الردع الأميركي وفاعليته.
- التطورات الداخلية التي تمر بها إيران خلال الفترة القليلة المنصرمة، وفي صلبها ازدياد المطالبة بالإصلاح والحريات، ما يعزز التقدير بأنه "سيتطور في إيران، خلال فترة زمنية يصعب توقعها، نظام أكثر اعتدالا يكون جاهزاً أيضًا لمباحثات مهمة مع الولايات المتحدة وربما مع إسرائيل كذلك".
بيد أن كام يؤكد أن هذه الأسباب، على وجاهتها، غير كافية لأن تجعل إسرائيل تدير ظهرها للخطر النووي القادم من جهة إيران. وفي ضوء تسليمه التأليبي نوعًا ما بأن مواجهة إسرائيل لهذا "الخطر" لا يمكن أن تكون إلا من خلال الخيار العسكري فإنه ينتقل إلى دراسة احتمالات هذا الخيار مقابل الأخطار المنوطة به. وفي هذا الشأن يؤكد، بصورة لا تقبل التأويل، أن كفة الأخطار أكثر رجوحًا من كفة الاحتمالات، بما يستدعي "أن تدع إسرائيل المنظومة الدولية تستنفد جميع الإجراءات الكامنة في الجهود الدبلوماسية وأن تبقي اللجوء إلى الخطوة العسكرية كوسيلة أخيرة فقط".
إلى ذلك يؤكد الكاتب أنه لا يعني، في الأحوال جميعًا، أن تتخلى إسرائيل عن اللجوء إلى الخيار العسكري، باعتباره وسيلة لا مهرب منها لإيقاف سعي إيران إلى امتلاك سلاح نووي، مشيرًا إلى أن وجود خيار كهذا "يمكن في الوقت نفسه أن يكون مهمًا من أجل تشديد وطأة الضغط السياسي على إيران". ولذا فإنه يقترح تلبية مجموعة من الشروط من أجل إحراز غايات العملية العسكرية. وهذه الشروط هي:
- بلورة تقييم استخباري دقيق حول وضعية البرنامج النووي الإيراني، عبر الاستفادة مما يسميه "إخفاق استخبارات الدول الغربية عشية الحرب على العراق" (في تقدير مدى امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل).
- تركيز معلومات استخبارية دقيقة ليس فقط حول المنشآت المعروفة وإنما أساسًا حول إمكانية وجود منشآت غير معروفة للقاصي والداني. وذلك بهدف القضاء على البرنامج النووي الإيراني مرة واحدة وأخيرة.
- تقييم عال لاحتمالات نجاح العملية العسكرية.
- القيام بتنسيق مسبق مع الولايات المتحدة.
- نشوء ظروف دولية تساعد في تبرير العملية العسكرية، مثلاً في أعقاب إعلان إيران عن إلغاء توقيعها على معاهدة حظر نشر السلاح النووي، أو عقب الكشف عن تفاصيل جديدة مثيرة في برنامجها النووي.
أخيرًا يقترح كام أن تكون إسرائيل مستعدة لسيناريو يفيد بأن إيران تمتلك منذ الآن سلاحًا نوويًا على رغم الجهود المتواترة لكبح جماح برنامجها. سيناريو كهذا يستوجب، في رأيه، أن تدرس إسرائيل من جديد مفهومها الأمني وبضمن ذلك أن تدرس سياستها الضبابية بشأن مقدرتها النووية. كما يستوجب الوصول إلى اتفاق مع الإدارة الأميركية تعلن هذه الأخيرة بموجبه أن أي هجوم نووي إيراني على إسرائيل أو على سائر حلفائها سيعتبر هجوما على الولايات المتحدة نفسها وسيحظى برد مناسب تبعًا لذلك. ومن المفضل أن يشمل هذا الاتفاق تحذيرًا حتى من مغبة أي تهديد بهجوم نووي على حلفائها أيضًا.
وفي يوم 11 أيار 2005 نشرت صحيفة "هآرتس" نبأ لمعلقها السياسي ألوف بن قالت في سياقه إنه ظهرت أخيراً خلافات في وجهات النظر بين إسرائيل والولايات المتحدة حول موعد وصول إيران إلى ما أسماه "نقطة اللاعودة" في طريق إحراز أسلحة نووية.
وأضافت الصحيفة أنه في حين تتحدث إسرائيل عن مدة لا تتعدى "بضعة أشهر" فقط تصل خلالها إيران إلى النقطة المذكورة تقول واشنطن إن المدة هي "بضع سنوات".
ووفقاً لوجهة النظر الإسرائيلية فإن المفتاح الأهم لحساب المدة السالفة يكمن في "سيطرة إيران على المعرفة والتكنولوجيا الضروريين لإنتاج اليورانيوم المخصّب بصورة ذاتية"، في حين أن وجهة النظر الأميركية تقول إن المفتاح الأهم لذلك هو "أن تكون في حوزة إيران كمية كبيرة من المواد اللازمة لإنتاج قنبلة نووية واحدة".
وأضافت "هآرتس" أنه تزداد المخاوف في إسرائيل من احتمال امتلاك دول أخرى في الشرق الأوسط معلومات تكنولوجية نووية من كوريا الشمالية أو من شبكة التهريب التي أدارها العالم الباكستاني عبد القادر خان. وذكرت في هذا الصدد دول مصر وسوريا والسعودية. غير أنها أوضحت أنه باستثناء المخاوف والشكوك لا توجد لدى إسرائيل قرائن قوية على نشاط نووي سري في الدول المذكورة.
وعلى رغم وجود تباين في وجهات النظر بين إسرائيل والولايات المتحدة حول النقطة المذكورة فيما يتعلق بقدرة إيران النووية، فإن "هآرتس" تؤكد أنه لا يوجد خلاف بين الطرفين الحليفين الإسرائيلي- الأميركي بشأن ما أسمته "خطورة التهديد المترتب على إيران نووية".
كما تنبغي الإشارة إلى أن الوثيقة الختامية لـ"مؤتمر هرتسليا حول ميزان المناعة والأمن القومي" الإسرائيلي، في دورته الأخيرة الخامسة لسنة 2005، أفردت بنداً خاصاً لما اعتبرته "التهديد الإيراني" لإسرائيل، مشددة على أن إيران تبدو من جهتها، ورغم كل المساعي والجهود الدولية التي تقودها واشنطن، عازمة على المضي قدماً في "برنامجها الذري"، كما أنها (إيران) تعمل من جهة أخرى ودون توقف على تشجيع ما أسمته الوثيقة "الإرهاب الفلسطيني"، وتسعى بشكل دائم إلى "تخريب وعرقلة جهود التسوية السلمية" في الشرق الأوسط، وخاصة فيما يتعلق باستئناف "العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين" فضلاً عن عملها المستمر "للحيلولة دون استتباب الاستقرار في العراق".
وأعاد واضعو "الوثيقة" التأكيد على أن "التهديد النووي الإيراني هو التحدي الإستراتيجي الأول والأكبر الذي تواجهه إسرائيل في الوقت الراهن".
وتستطرد الوثيقة التلخيصية لمؤتمر هرتسليا الخامس في هذا السياق مشيرة إلى "انقسام الآراء" في مسألة ما إذا كانت إيران سوف تُذعِن للجهود والضغوط الدولية لجهة التخلي عن "تجسيد الخيار الذري". وأردفت: "إذا لم تستجب (طهران) فإن السبيل الوحيد لثنيها عن مساعيها هذه (نحو امتلاك سلاح ذري) هو فرض عقوبات اقتصادية على إيران والسعي إلى الإطاحة بالنظام الحاكم فيها وحتى توجيه ضربة عسكرية لها".
وختمت "الوثيقة" في هذا الصدد بالتحذير من أنه "إذا تمكنت إيران من تحقيق نواياها هذه فإن ذلك سيشكل تهديداً لإسرائيل وتقويضاً للتوازن القائم حالياً في المنطقة... نظراً لأن ذلك سيشجع دولاً أخرى (غير إسرائيل بطبيعة الحال) على امتلاك الخيار النووي".