النتائج النهائية: "الليكود" - 37، "العمل" - 19

على هامش المشهد

نفى باحث إسرائيلي الصورة التي روجها المستشرقون الغربيون والإسرائيليون للفتح العربي – الإسلامي، وشملت أوصافا دموية، شبيهة بتلك التي تظهر في ممارسات تنظيم "داعش" الإرهابي في الوقت الحاضر. وشدد الباحث، الدكتور غدعون أفني، في مقالة تضمنها كتاب صدر حديثا عن جامعة أكسفورد البريطانية، على أن الفتح الإسلامي لفلسطين كان الأكثر تنورا وهدوءا قياسا بباقي الفترات التاريخية التي تعرضت فيها فلسطين لغزوات واحتلال أجنبي.

 

وأكد أفني أنه خلال التاريخ الطويل الذي شهدت فيه فلسطين العديد من المحتلين كان الفتح العربي الأكثر هدوءا وتنورا. وليس فقط أن الطوائف المسيحية واليهودية استمرت في العيش في البلاد، بل أنها ازدهرت تحت الحكم الإسلامي لمدة 200 عام على الأقل.

ونقلت صحيفة "هآرتس"، يوم الجمعة الماضي، عن أفني قوله إنه "بعد حفر 400 موقع أثري في البلاد، لم نعثر ولو حتى على مبنى واحد يمكن الإشارة إليه والقول إنه هُدم على أيدي العرب".

ويعتبر المؤرخون أن الفترة البيزنطية في البلاد، بين القرنين الرابع والسابع، والتي سبقت الفتح الإسلامي، كانت فترة ازدهار اقتصادي واجتماعي، تم خلالها إقامة عشرات التجمعات السكنية، ووصلت القدس إلى ذروة فخامتها وكانت البلاد مركزا دينيا هاما لا مثيل له في العالم المسيحي في ذلك الحين. ووفقا للأفكار التي كانت سائدة، منذ العصور الوسطى وحتى سنوات السبعين من القرن الماضي، جاء الفتح العربي، في العام 632، وقضى على هذا الازدهار. وتبنى الباحثون الصهاينة هذه الرواية، كونها كانت ملائمة للأفكار الإسرائيلية تجاه العرب.

لكن منذ سبعينيات القرن الماضي بدأ يؤكد مؤرخون وعلماء آثار أن المكتشفات الأثرية تشير إلى رواية مختلفة عن تلك التي رواها المستشرقون حول حكم عربي "قاس" أدى إلى إنهاء الثقافة البيزنطية التي سبقته. وفي هذا السياق، استخدم أفني، وهو باحث آثار كبير في سلطة الآثار الإسرائيلية، مخزونا كبيرا للغاية من المكتشفات الأثرية التي استخرجت من مئات مواقع الحفريات في البلاد والدول المجاورة لكي يروي القصة المعقدة للحياة في البلاد تحت الحكم العربي الأول.

انتهى الفتح العربي الإسلامي لفلسطين كلها في العام 640، فيما ترددت أوصاف لاحتلال دموي شهدته البلاد. إلا أن أفني ينفي ذلك قائلا إن "إحدى مشاكل المصادر التاريخية هي أن المحتلين والذين تعرضوا للاحتلال يريدون تعظيم المعاناة. ويريد الرازحون تحت الاحتلال أن يظهروا أنهم مساكين والمحتلون يريدون إظهار عظمتهم".

وأضاف أفني أن المواقع الأثرية تروي قصة مختلفة "ومرة تلو الأخرى ترى أنه لم يحدث شيء. لا يوجد أي دليل على الدمار. بل إنه بالإمكان العثور على مواقع يعود تاريخها إلى السنوات التي كان فيها الاحتلال موجودا وكان يفترض أن تكون الكنائس قد دُمرت، لكن حينذاك تم بناء كنائس جديدة". وأشار إلى أنه بعد الفتح الإسلامي بمئة عام تم بناء قسم جديد لكنيسة القيامة في القدس. وفي طبريا والنقب تم بناء مساجد بالقرب من الكنائس وكانت تنشط جميعها جنبا إلى جنب. وفي قرية طمرة في الجليل جرى ترميم شامل لكنيسة ووضع لوحة فسيفساء جديدة. وكما جرت العادة فإنه لدى ترميم كنيسة تم تأريخ ذلك بأحرف يونانية على الفسيفساء نفسها، لكن التاريخ كان العام 106 هجرية، من أجل ذكر تاريخ إعادة افتتاحها.

وشدد أفني على أن تحليل المكتشفات كشف عن أنه، خلافا للصورة المألوفة، لم يكن الفاتحون العرب من سكان الخيام، ولا شبه بربريين يهاجمون العالم المتحضر. وقالت الدكتورة بيلا مور، التي حللت كتابات عثر عليها في مسجد في النقب، إن المكتشفات تشير إلى أن من كتبها كان شخصا مثقفا جدا ويعرف عن كثب مراكز الحضارة الدراسة الإسلامية الهامة في تلك الفترة.

وأضافت مور أن قسما من الاعتقاد بشأن التدمير مرتبط باختفاء مشاريع بناء كبيرة ميزت البيزنطيين. لكن أفني فسر ذلك بأن "الاعتقاد كان أنه لم يعد هناك مال بحوزة السكان من أجل بناء كنائس ومعابد كبيرة، لكن هذا كان في الواقع عملية تغيير في الموضة العالمية. ولم يعد مهما ما إذا كان لديك كنيسة فخمة، وأصبح الأمر الأهم أن يكون هناك مركز تجاري تصله البضائع من جميع أنحاء العالم، من الصين وحتى إسبانيا".

وبدلا من التحدث عن عنف منسوب للفتح العربي، استعرض أفني تغييرات عميقة، اقتصادية وثقافية، تظهر من خلال المكتشفات الأثرية. وقال إن البلاد انفتحت على التجارة الدولية تحت رعاية الإمبراطورية الإسلامية الصاعدة. وتم استبدال موظفين ورفع ضرائب "لكنها لم تميز ضد أبناء الطوائف المسيحية واليهودية". وبدأت تصل بضائع جديدة بينما البضائع القديمة أخذت تختفي. "ورغم أن معظم سكان القدس كانوا مسيحيين، إلا أنه تم السماح لليهود بالعودة إليها، بعد أن منعوا من ذلك في الفترة البيزنطية".

وختم أفني بالقول إن "المحتلين العرب مثل الصينيين الذين يحتلون العالم اليوم. إنهم لا يقطعون الرؤوس. والأمر المهم هو الاقتصاد. ليس كل شيء كان سلاما وسكينة، وكان البدو ينفذون غزوات بين الحين والآخر والحكم تصدى لهم بقوة، لكن لأول مرة في التاريخ كان يتواجد في البلاد مجتمع متعدد الثقافات".