شلومو ساند: "الصهاينة الجدد" اخترعوا "أرض إسرائيل" كمصطلح جيو - سياسي عصري

على هامش المشهد

المخصصات التي تحصل عليها المدارس الثانوية العربية (لكل طالب ثانوي) هي الأدنى، وهي متدنية أيضا حتى في المدارس الثانوية (العربية) التي تحقق معدلات مرتفعة من مستحقي شهادة "البجروت" (شهادة الثانوية العامة)* 66% من المدارس التي تحصل على المخصصات الأدنى من وزارة التعليم هي مدارس عربية وهي نسبة تزيد عن ثلاثة أضعاف نسبة المواطنين الفلسطينيين من مجمل المواطنين في دولة إسرائيل، أي 20%!!!

 

 "المسافة بين مدرسة إليانس الثانوية في تل أبيب، إحدى المدارس الأكثر نجاحا وتفوقا في المدينة، ومدرسة أجيال الثانوية في يافا لا تزيد عن 7 كيلومترات فقط. لكن الفجوة في المخصصات الأساسية التي تحصل عليها كل من المدرستين، من وزارة التربية والتعليم، ارتفعت في تشرين الأول 2014 إلى 360 شيكل للطالب الواحد"!

 هذا المثال، الصارخ في دلالاته، هو ما استهل به ملحق صحيفة "هآرتس" الاقتصادي (ذي ماركر) تقريرا مطولا نشره (يوم 26/11/2014) حول نتائج الفحص الذي أجراه بشأن المخصصات الحكومية الرسمية للطلاب في المدارس الثانوية المختلفة في البلاد، والذي كشف جملة من الحقائق، المعروفة لكن "المخفية"، وفي مقدمتها: أن مخصصات وزارة المعارف (الحكومية)، كما هي عليه اليوم ومنذ سنوات، تكرس واقع التمييز وتعمق الفجوات الكبيرة بين المدارس المختلفة في المناطق والبلدات المختلفة؛ المخصصات التي تحصل عليها المدارس الثانوية العربية (لكل طالب ثانوي) هي الأدنى، وهي متدنية أيضا حتى في المدارس الثانوية (العربية) التي تحقق معدلات مرتفعة من مستحقي شهادة "البجروت" (شهادة الثانوية العامة)؛ غالبية المدارس الثانوية التي تحصل على المخصصات الأعلى في البلاد هي مدارس دينية (يهودية)!   

 ويوضح التقرير تفاصيل المثال الذي أورده في البداية فيقول إن وزارة التربية والتعليم رصدت للطالب الواحد في مدرسة "إليانس" مخصصات سنوية بلغت 1074 شيكل، بينما رصدت للطالب الواحد في مدرسة "أجيال" العربية في يافا مبلغ 715 شيكل في السنة، أي أقل مما رصدته للطالب اليهودي في "إليانس" بنسبة 33%.

 
معايير رسمية موحدة وتطبيق ميداني تمييزي!

 وأشار التقرير إلى أن الفحص بيّن حقيقة أساس هي: أن الطلاب في مدرسة "أجيال"، مثل سائر الطلاب العرب في المدارس العربية الأخرى في المدينة ("تل أبيب ـ يافا")، حصلوا على مخصصات كانت، في تشرين الأول 2014، هي الأقل من بين زملائهم في جميع المدارس في المدينة.

 وبيّن الفحص الذي أجراه ملحق "ذي ماركر" على عينة من معطيات رسمية حول ميزانية وزارة التربية والتعليم في 210 مدارس ثانوية في البلاد أن توزيع الموارد ورصد المخصصات للمدارس الثانوية المختلفة (وللطلاب فيها) ينطوي على فجوات عميقة وكبيرة، على الرغم من أن "عملية الرصد والتوزيع تقوم على صيغة رسمية واحدة وموحدة من المعايير للمدارس المختلفة جميعها"!!

 وقد أجري الفحص على معطيات الميزانية الأساسية التي ترصدها وتحوّلها وزارة التربية والتعليم للمدارس الثانوية، والتي تعكس ـ بصورة معبرة تماما، تقريبا ـ كلفة الطالب الواحد في المدرسة الثانوية حسب معطيات وأسعار شهر تشرين الأول 2014. وأظهرت نتائج هذا الفحص فجوات عميقة جدا في مخصصات الوزارة للطلاب في مناطق مختلفة من البلاد، وصلت (هذه الفجوات) في بعض الحالات إلى 100% وأكثر!!

 ويظهر من المعطيات، على نحو واضح تماما، أن الميزانية الرسمية التي ترصدها وزارة التربية والتعليم تنطوي على تفضيل ملحوظ للطلاب في المدارس الرسمية الدينية (اليهودية)، بصورة أساسية. أما الميزانيات الأدنى التي رصدتها الوزارة للمدارس الثانوية فكانت من نصيب الطلاب العرب، في المدارس العربية.

 ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الفجوات الكبيرة والعميقة هذه في المخصصات الحكومية هي في ميزانيات الأساس التي ترصدها وزارة المعارف فقط، أي أنها لا تشمل الميزانيات الإضافية التي ترصدها السلطات المحلية والأهالي في المدارس المختلفة، كما لا تشمل إضافات مختلفة ترصدها هذه الوزارة نفسها تحت عناوين وبنود مختلفة.

 وتجسد هذه الفجوات، كما يتضح، مستوى وجودة المدارس المختلفة من الناحية التعليمية أساسا، وكذلك من النواحي الاجتماعية الأخرى، وهو ما ينعكس في مقاييس رسمية تعتمدها مؤسسات التقييم المختلفة، بما فيها وزارة التربية والتعليم نفسها، ومن بينها بصفة رئيسة: معدلات الطلاب المتقدمين إلى امتحانات الشهادة الثانوية (البجروت)، معدلات الطلاب المستحقين لهذه الشهادة (الناجحين في الامتحانات)، أقدمية المعلمين وغيرها. ومعنى هذا، عمليا، أنه طبقا لمقاييس وزارة التربية والتعليم ومعاييرها التقييمية المختلفة، فإن المدارس الأفضل هي التي تتلقى الميزانيات والمخصصات الأكبر والأعلى، بينما تحصل المدارس ذات التحصيلات المتدنية على ميزانيات ومخصصات أقل (متدنية)، مما يعني ـ في النتيجة النهائية وبصورة حتمية ـ تحسين ورفع المستوى في المدارس "القوية" مقابل تعميق الأزمة وتكريس الفشل في المدارس "الضعيفة"! وهو ما يحصل في حركة دائرية تكرس الواقع نفسه وتعمق الفجوات باستمرار. 

 وتعقيبا على هذه المعطيات الخطيرة والمقلقة، عادت وزارة التربية والتعليم لتتذرع بأن "صيغة التخصيصات لكل طالب هي صيغة واحدة وموحدة في إسرائيل" وأن الفروقات التي ظهرت بين حجم المخصصات "تجسد، فعليا، الفوارق بين المدارس نفسها، لا مبادئ وقواعد رصد الميزانيات المعتمدة لدى الوزارة"! كما حاولت الوزارة أيضا "التخفيف" من وقع هذه المعطيات ومدى خطورتها بالادعاء أن "الميزانية التي تعرض لها الفحص هي الميزانية المركزية المرصودة للتدريس في الصفوف الدراسية وهي ليست الميزانية الوحيدة الممنوحة للمدارس الثانوية من جانب وزارة التربية والتعليم، بينما لم يشمل الفحص ميزانيات أخرى ترصدها الوزارة لأغراض الدعم والتعزيز في المدارس الثانوية العربية وفي مدارس أخرى ضعيفة في المناطق النائية"!

 ومع ذلك، أكدت الوزارة حقيقة أن "ميزانية التدريس في الصفوف" هي "الميزانية الرئيسة والأكبر وذات التأثير الأعمق والأكبر على الطلاب، تحصيلاتهم ونتائجهم وقراراتهم بشأن خطواتهم المستقبلية"!

 غياب تام للمساقات العلمية!

 وتشير معطيات التقرير إلى نتائج خطيرة أخرى كشف عنها الفحص، علاوة على ما يتصل بتوزيعة الميزانيات والمخصصات الحكومية، من أبرزها أن نحو 45% من المدارس الثانوية التي شملتها عينة الفحص تفتقر إلى المساقات العلمية، إذ ينعدم فيها التعليم العلمي (في مساقات علمية أساسية: فيزياء، كيمياء وبيولوجيا ـ علم الأحياء) انعداما تاما ولا يتقدم الطلاب في هذه المدارس إلى امتحانات البجروت في هذه المواضيع!

 
وحول طريقة الفحص ومنهجية إجرائه، أوضح التقرير أنه تم اختيار 210 مدارس ثانوية من مختلف أنحاء البلاد. وتركز الفحص في كل مدرسة في بند التمويل المركزي الذي تعتمده وزارة التربية والتعليم لدى تحديد وإقرار حجم الميزانية التي يتم رصدها لكل مدرسة، وهو ما يصطلح على تسميته "أجرة التعليم" للطالب الواحد. وهو مبلغ يتحتم على الوزارة، قانونيا، دفعه كاملا عن كل طالب في أية مدرسة في إسرائيل، حتى لو كانت مدرسة خصوصية غير رسمية (غير حكومية). ويعكس هذا البند تكلفة ساعات التدريس الممنوحة لكل طالب في أي صف تعليمي، وهو يتأثر بعوامل مختلفة، أبرزها: مستويات أجور المعلمين، معدلات نجاح المدرسة في تقدم طلابها إلى امتحانات البجروت (الثانوية العامة)، الخدمات التي توفرها المدرسة وعدد المساقات التعليمية المقترحة على الطلاب في المدرسة، تنوعها ومستوياتها. 

 
وقد تركز الفحص في بند "تكلفة الطالب" في صف تعليمي في مساق التعليم النظري وفي مساق التعليم النظري ـ العلمي، الذي تشكل فيه المواضيع العلمية مركز الثقل والأساس. والهدف من هذا التركيز (على التكلفة في هذه المساقات) هو معادلة / موازنة التكلفة المرتفعة نسبيا في مساقات التعليم المكلفة كثيرا، من جهة، وفحص مميزات الطلاب الأساسية والبارزة في هذه المساقات. ولهذا، فقد شمل الفحص طلابا من جميع الصفوف التعليمية في المساقات العلمية والنظرية، بينما لم يشمل طلابا من صفوف صغيرة بشكل خاص أو طلابا من صفوف تحظى بساعات تعليمية وموارد إضافية بهدف المساعدة والتعزيز لكونهم (هؤلاء الطلاب) بحاجة إلى رعاية خاصة، لأسباب مختلفة ووفق معايير شتى. وقد تبين من الفحص أن المخصصات الحكومية قد تختلف من صف تعليمي إلى آخر في المدرسة ذاته. 

 المدارس الدينية الرسمية في رأس القائمة!

 
بينت نتائج الفحص أن تسعاً من بين المدارس العشر التي تحصل على المخصصات الحكومية الأعلى لكل طالب في إسرائيل هي مدارس رسمية دينية، أي ـ مدارس دينية في جهاز التعليم الحكومي الرسمي. وبرزت بين هذه المدارس التسع، بشكل خاص، مدارس دينية في مدن: حولون، ديمونا، نتانيا، ريشون لتسيون، رعنانا، حيفا، كريات شمونه وفي مستوطنتي "إلكناه" و"كدوميم".

  أما المدرسة الحكومية الرسمية غير الدينية الوحيدة (غالبية الطلاب فيها ليست متدينة) التي احتلت مرتبة بين العشر الأوائل في البلاد من حيث المخصصات الحكومية للطالب الواحد فكانت مدرسة شبكة "أورط" في مدينة الرملة.

 وقد تراوحت المخصصات الحكومية للطالب الواحد في هذه المدارس العشر الأولى ما بين 1134 و 1166 شيكل في الشهر الواحد.

 وبرزت أيضا مدارس دينية أخرى حصلت على مخصصات مرتفعة جدا، نسبيا، وإن في المراتب التالية للعشر الأولى، أي أن المخصصات التي حصلت عليها كانت أقل من 1134 شيكل للطالب الواحد في الشهر الواحد.

 وأوضح التقرير أن أحد مسببات هذه الفوارق والفجوات بين المدارس الدينية والأخرى (غير الدينية) يتمثل في أن كل واحدة من المدارس الدينية تحصل على زيادة من وزارة التربية والتعليم قوامها أربع ساعات تعليمية أسبوعية لكل طالب مخصصة للمساعدة والتعزيز في مواضيع الدراسة الدينية، غير أن هذه الزيادة وحدها لا تكفي لتفسير حجم هذه الفجوة بين المدارس الدينية والأخرى.

 المدارس العربية في أدنى القائمة!

 ومقابل هذه المعطيات أعلاه، فقد كانت المدارس الثانوية العشر التي حصلت على المخصصات الأدنى للطالب الواحد من وزارة التعليم، جميعها، مدارس عربية، وكانت مدرسة "الهدى" الثانوية في مدينة الرملة هي الأدنى من هذه جميعا، أي في المرتبة الأخيرة من القائمة كلها، إذ تراوحت مخصصات الطالب الواحد فيها بين 425  و 622 شيكل للشهر الواحد. وقد سبقتها في القائمة مدارس عربية في منقطة النقب، في مدينة اللد وفي مدينة القدس الشرقية.

 
أما المدرسة العربية الأولى التي تظهر في التدريج فهي المدرسة الثانوية "الكرمل" في مدينة حيفا وقد احتلت المرتبة الـ 69، من حيث المخصصات الحكومية التي تحصل عليها!! 

 وبالإضافة إلى هذا، فقد تبين من نتائج الفحص كما عرضها التقرير أن من بين المدارس الـ 25 التي حصلت على المخصصات الأقلّ من وزارة المعارف، كانت 23 مدرسة عربية مقابل مدرستين يهوديتين مخصصتين للطلاب المتدينين لكنهما تحظيان بتمويل خارجي سخي جدا.

 وفي الإجمال، يبين الفحص أن 66% من المدارس التي تحصل على المخصصات الأدنى من وزارة التربية والتعليم هي مدارس عربية ـ وهي نسبة تزيد عن ثلاثة أضعاف نسبة المواطنين الفلسطينيين من مجمل المواطنين في دولة إسرائيل، أي: 20%!!!

 أما المدارس الرسمية الدينية اليهودية، فلم تظهر أي منها بين المدارس الـ 50 الأخيرة من القائمة، أي تلك التي تحصل على المخصصات الأدنى للطالب!!