سجالات واتهامات متبادلة ومصالح ذاتية في طريق تعيين الحاخامين الأكبرين لإسرائيل

ارشيف الاخبار

حذر كاتب وخبير إسرائيلي بارز في مجال تخطيط الحيّز والديمغرافيا من المخاطر الكامنة في طروحات ومواقف بعض الأوساط المتنفذة في صفوف معسكر اليمين الصهيوني، في سياق بحث ومناقشة "الحلول الممكنة" للتوصل إلى تسوية دائمة للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، وذلك في ضوء المعطيات والوقائع الديمغرافية القائمة.

 

وقال البروفسور (المتقاعد) من جامعة حيفا، أرنون سوفير، في مقال نشرته صحيفة "هآرتس" الصادرة أمس (الاثنين) تحت عنوان "العفريت الديمغرافي ما زال حيا"، وكان يرد فيه على مقال لوزير الدفاع والزعيم السابق في حزب ليكود اليميني، موشيه آرنس: استجبت لاقتراح آرنس الداعي إلى قراءة معطيات مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي والتي وجد أنها مشجعة للغاية (في سياق مقال بعنوان "بعد موت العفريت الديمغرافي" نشره آرنس في "هآرتس" في 28/9/2010) فما الذي وجدته؟

وقد جدت أولا- تابع سوفير الذي يوصف على أنه الخبير رقم (1) في إسرائيل في مجال الجغرافيا والديمغرافيا- أن مكتب الإحصاء المركزي يتناول فقط المعطيات المتعلقة بإسرائيل داخل الخط الأخضر، وبالإضافة إلى معطيات عن (المستوطنين) اليهود في "يهودا والسامرة" (الضفة الغربية). أما فيما يتعلق بـ "عرب المناطق" (المحتلة) فيتعين علينا أن نفتش في مصادر أخرى.

ومضى سوفير في مقالة قائلا:

وجدت (في معطيات مكتب الإحصاء المركزي المتعلقة بالعام 2010) أن نسبة اليهود داخل إسرائيل تبلغ 5ر75% من مجموع السكان، ولكن نسبتهم في العام 1998 كانت 2ر79% ، وفي العام 1988 كانت نسبتهم 7ر81%، أي أن نسبة اليهود من مجمل السكان في إسرائيل تشهد انخفاضا مستمراً، على الرغم من قدوم قرابة مليون مهاجر جديد خلال العقدين الأخيرين. ووفقا للتوقعات فإن نسبة اليهود ستنخفض في العام 2015 إلى 5ر73% وستواصل انخفاضها في العام 2025 لتبلغ 6ر70%، وفقط في العام 2030 سترتفع نسبة السكان اليهود قليلا لتصل إلى 72%، فما الذي يدعو آرنس إذن إلى الابتهاج والسرور؟!

وإذا ما أضفنا إلى هذه المعطيات القاسية كلا من العمال الأجانب في إسرائيل والمهاجرين من إفريقيا والسياح الذين لم يعودوا إلى بلادهم والفلسطينيين الذي يدخلون إلى إسرائيل ولا يعودون إلى بيوتهم، فإن نسبة اليهود ستنخفض أكثر عندئذٍ لتبلغ 70% فقط من سكان إسرائيل. وهذه صورة قاتمة!

لكن آرنس يدعو في الأشهر الأخيرة إلى ضم "يهودا والسامرة" إلى إسرائيل (لأن هذا من وجهة نظره هو السبيل لمنع قيام دولتين في هذا الحيز الضيق؟!).

واضح أن لديه في هذه الحال مشكلة صعبة. ما الذي يفعله آرنس؟ إنه يتلقى معطيات من طاقم أميركي ما، يقوم من هناك بإحصاء عدد العرب القاطنين في "يهودا والسامرة"، وكم عدد الذين غادروا وسيغادرون من بينهم "أرض إسرائيل".. كما يتتبع مثل هذا الطاقم عدد المواليد والأموات ليستنتج "عمليا" بأنه يعيش في "يهودا والسامرة" 5ر1 مليون نسمة (فلسطيني). وإذا ما خصمنا مليون عربي من القائمة فستكون هناك حينئذٍ أغلبية يهودية في "أرض إسرائيل" وبالتالي "جاء إلى صهيون منقذ" و"العفريت الديمغرافي مات"!

ولكنني لا أعتمد ولا أثق بطواقم أميركية بل أتوجه إلى رئيس الإدارة المدنية التابعة للجيش الإسرائيلي، الذي يخبرني بأن عدد الفلسطينيين الذين يعيشون اليوم في "يهودا والسامرة" يقارب 6ر2 مليون نسمة، فيما يقدر عدد الفلسطينيين في قطاع غزة بـ 5ر1 مليون. ومن لا يثق بالجيش الإسرائيلي يمكنه التوجه إلى معطيات دائرة الإحصاء الفلسطينية التي أجرت تعدادها الأخير للسكان في العام 2007 برعاية وإشراف ممثلي حكومة النرويج وقد كانت معطياتها قريبة إلى معطيات الجيش الإسرائيلي (بعد خصم سكان القدس الشرقية العرب الذين شملهم تعداد مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي).

ويتضح في الحالتين أنه بدون قطاع غزة وبدون الأجانب، يشكل اليهود في البلاد 59% من مجموع السكان، وإذا ما أضيف قطاع غزة والأجانب فإنه نسبة اليهود تصبح متساوية، أو أقل قليلا، مع نسبة عرب فلسطين.

ولكن لا بد من التعاطي مع التوقعات لعقد مقبل أو عقدين، وعندئذ سيتضح أن نسبة اليهود ستنخفض إلى 42%. ومعنى ذلك هو نهاية الكيان اليهودي في الشرق الأوسط. لذلك فإن العفريت الديمغرافي ما زال حيا ويشكل مصدر تهديد، علما أننا لم نتحدث بعد عن الدولة المكتظة في الغرب ولم نبحث في مسائل الأمن الداخلي الناجمة عن وجود فئات سكانية فقيرة تضم ملايين الناس.

وختم سوفير: لا خيار سوى القول لآرنس بأن أيديولوجيا "بيتار" التي نشأ وتربى عليها أفلست منذ وقت بعيد ولن يسعفه إذا ما شطب، نظريا، 5ر1 مليون عربي من "المناطق". فهم هنا باقون! ولعل الاستنتاج المفزع هو أن من يقود إلى إقامة دولة واحدة في أرض إسرائيل، إنما يحكم بالهلاك على يهود إسرائيل. ونحن، الأغلبية العقلانية التي ما زالت تعيش هنا، لن نسمح له بأن يفعل ذلك.