استطلاع: غالبية الإسرائيليين يعتبرون أن مستوى الفساد في دولتهم مرتفع

وثائق وتقارير

وقع اتفاقا هامشيا مع اتحاد النقابات ولكن المحللين رأوا فيه دلالة على تغير النهج لدى نتنياهو الذي يسعى للوصول الى زعامة الليكود والحلول محل شارون

صدرت الصحف الاسرائيلية، أخيرًا، حاملة عنوانا بارزا يقول: "نتنياهو تراجع"، أو حسب المقولة الدارجة "لفلف اذياله"، وهذا في اعقاب توقيعه على اتفاق مع اتحاد النقابات العامة في اسرائيل (الهستدروت) بزعامة رئيس الهستدروت، عضو الكنيست عمير بيرتس، ينص على الغاء التقليص في اجور القطاع العام في ميزانية العام القادم، مقابل التنازل عن دفع علاوة غلاء زهيدة جدا لمختلف القطاعات في العام 2005.

 

وعلى الرغم من أن الاتفاق لا يمكن اعتباره انجازا ذا شأن للنقابات، كون أن الاتفاق لا يحسّن بشيء وضع القطاع الخاص، وان وزارة المالية سترفع في المقابل الضرائب على الوقود والسجائر، رغم الضرائب الباهظة المفروضة على هاتين السلعتين، إلا ان المحللين رأوا في هذا الاتفاق تراجعا كبيرا لوزير المالية بنيامين نتنياهو، الذي لم يكف عن اطلاق التصريحات التي تعبر عن اصراره على خطه السياسي الاقتصادي، وخاصة التصريح الأخير الذي قال فيه ان على حزب "العمل" ان يقبل بالسياسة الاقتصادية القائمة اليوم في حكومة شارون إذا اراد الدخول الى الحكومة، ولكن هذا التصريح ايضا في طريقه للزوال، وهذا ما بدا واضحا مع بدء المفاوضات الائتلافية بين "العمل" و"الليكود". ويؤكد المراقبون ان لهذا الأمر دلالات سياسية كبيرة.

 خلفية اقتصادية

 نصّ مشروع وزارة المالية لميزانية إسرائيل للعام القادم 2005، على مواصلة التقليصات في أجور القطاع العام، فقد طلبت وزارة المالية تقليص حوالي ملياري شيكل من بند أجور القطاع العام (حوالي 454 مليون دولار)، وهذا من خلال تقليص حوالي 5% من الأجور وفصل آلاف العاملين. كما ينص المشروع الأساسي على إجراء تخفيض آخر في المخصصات الاجتماعية التي تدفع بالأساس إلى الشرائح الضعيفة، وعلى رأسها المسنون والمتقاعدون، بالاضافة إلى المعوقين والأرامل والعاطلين عن العمل، أو مخصصات تأمين الدخل، التي تمنح للعاطلين عن العمل المزمنين، ومخصصات الأولاد التي تدفع للأولاد دون سن الثامنة عشرة.

وهذه السياسة ينتهجها نتنياهو منذ أن وصل الى وزارة المالية في مطلع العام 2003، تحت شعار "تخفيض المخصصات الى درجة الغائها، ودفع الناس الى سوق العمل"، وهذا على الرغم من ان الغالبية الساحقة من متلقي المخصصات عاجزة عن العمل أو أنها ليست في جيل العمل، كما أن سوق العمل بحد ذاته يواجه أزمة ونقصًا، وتراوح البطالة مكانها منذ عامين بنسبة 10,7%، هذا الى جانب أن شروط العمل ساءت جدا، إذ تفيد آخر المعطيات أن حوالي 40% من الأجيرين في اسرائيل يتلقون رواتب الحد الادنى من الأجر الذي يصل الى حدود 750 دولار.

ومن المقابل فقد اغدقت سياسة نتنياهو الاقتصادية الخيرات على كبار رؤوس الأموال وكبار أصحاب العمل، الذين جندهم الى جانبه في كثير من الأزمات السياسية، التي كان يُغرق نفسه فيها، وكل هذا بدعم من وزارء حركة "شينوي" الخمسة، الذين استقالوا من الحكومة قبل أسبوعين.

وفي تحليل للاتفاق بين نتنياهو وبيرتس، يقول كبير المحللين الاقتصاديين في صحيفة "هآرتس" نحاميا شتراسلر، إن الأجور في القطاع العام سترتفع في العام 2005 بنسبة 7%، إذ ان 3% من هذه النسبة هي عبارة عن استرجاع خصميات عامة جرت في العام ونصف العام الماضي في رواتب العاملين (خصم حوالي 3% من الرواتب تحت بند تشجيع النمو)، ونسبة 4% هي رفع عادي للاجور، من خلال علاوات الأقدمية والارتقاء في سلم الرواتب، وفي المقابل فإن القطاع الخاص لن يحظى بهذه الامتيازات، فقد تم تقليص رواتبه بشكل وحشي في السنوات الثلاث الأخيرة، والى جانب تقليص الرواتب، فقد تم إغلاق الكثير من المصانع وأماكن العمل وفصل آلاف العاملين. "ولا ينوي المشغلون أن يكونوا جيدين مثل نتنياهو"، كما قال شتراسلر.

 

نتنياهو يعيد حساباته أمام شارون

 

يحاول نتنياهو منذ أشهر طوال ان يظهر في موقع الندّ لرئيس الحكومة اريئيل شارون، بعد أن قرر الأول منافسة الأخير على زعامة حزب "الليكود"، في طريق العودة الى كرسي رئاسة الحكومة، التي يحلم بها نتنياهو.

وخلال هذه الفترة حاول نتنياهو القفز على عدة حلبات سياسية لمنافسة شارون من خلالها، وحين ظهرت "خطة الفصل" القاضية بالانسحاب من قطاع غزة وبعض مناطق شمالي الضفة الغربية، تقلب نتنياهو في عدة مواقف، بدءا من التفهم والموافقة، وحتى الوصول إلى المعارضة، فعند التصويت على الخطة لأول مرة في مطلع شهر حزيران/ يونيو الماضي أبرم نتنياهو تحالفا مع وزيري الخارجية سيلفان شالوم والتعليم ليمور ليفنات، ونجحا في فرض شرط على شارون يقضي باخراج بند اخلاء المستوطنات من نص الخطة، وتأجيل هذا البند للتصويت عليه في الحكومة الى شهر آذار/ مارس القادم.

وبعد أن وافق شارون على الشرط وأقرت الحكومة الخطة، وظهر أن كل الأمور تسير في إتجاه إقرار الخطة في الكنيست، وبشكل خاص حين تبين لنتنياهو ان شارون بدأ يحصد نقاطا كثيرة على الصعيدين المحلي والعالمي، قرر الانتقال إلى حلبة أخرى، حين انضم الى مطلب إجراء استفتاء عام في اسرائيل حول خطة الفصل، وهو ما رفضه شارون، وتحوّل نتنياهو الى قائد لهذه الحملة. وقد عالج "المشهد الاسرائيلي" في عدد سابق، مناورة نتنياهو يوم التصويت على الخطة في الخامس والعشرين من تشرين الأول/ اكتوبر الماضي، حين حاول التصويت ضد الخطة مع خمسة وزراء آخرين من الليكود، ولكن نتنياهو فشل فشلا ذريعا، وهذه المرّة كانت الضربة من النواب العرب الستة من كتلتي "الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير" و"التجمع الوطني الديمقراطي".

في ذلك اليوم خرج نتنياهو من البرلمان عابس الوجه، مدركا الضربة التي تلقاها، ولكنه حاول انقاذ نفسه بمناورة أخرى، زادت من الطين بلّة، فقد اعلن انه سيستقيل بعد أسبوعين إذا لم يوافق رئيس الحكومة شارون على اجراء استفتاء، وانضم اليه عدد من الوزراء، الذين تساقطوا من حوله يوما بعد يوم، إلى ان جاء دوره وتراجع هو الآخر، رغم ان شارون بقي على موقفه.

ولكن هذا لم يتم قبل أن يجنّد نتنياهو حملة قادها كبار أصحاب رأس المال في اسرائيل الذين نشروا عرائض في الصحف تطالب نتنياهو بالاستمرار في منصبه وعدم الاستقالة، من "أجل مواصلة ثورة الاصلاح الاقتصادي" من وجهة نظرهم، وقد ارسل هؤلاء محللين وكتبة في الصحف يحذرون من ان خروج نتنياهو من وزارة المالية سيشكل ضربة للاقتصادي الاسرائيلي على حد زعمهم، وهناك من ذهب بعيدا ليعلن ان القلق وصل الى مؤسسات مالية عالمية ومتمولين اجانب في اسرائيل.

لقد أدرك نتنياهو في ركضه نحو رئاسة الليكود انه يركض في ماراتون قبل اطلاق صفارة البدء، وفي كل مرة يبدأ الركض فيها ينتبه الى ان السباق لم يبدأ بعد، ويضطر للعودة الى نقطة البدء، هادئا منتظرا فرصة أخرى، ولكن كل قفزة من هذا النوع الى حلبة السباق تكلفه نقاطًا يكسبها في المقابل شارون.

ويقول المحلل الاقتصادي شتراسلر ان نتنياهو "لم يعد يتجول في أروقة وزارة المالية متأبطًا سكين التقليصات ويعلن عن اصلاحات جديدة، فقد بات قلقا وخائفا على مكانته بين الجمهور الواسع كمرشح لرئاسة الحكومة، وهو يخاف من ان يشوه رئيس الهستدروت عمير بيرتس صورته ويجعلها سوداوية"، وهذا كان احد اسباب موافقته على الاتفاق مع الهستدروت.

ولكن ليس نتنياهو وحده الذي ادرك وضعيته وقرر اعادة ترتيب الاوراق ليحصد نقاطا جديدة لنفسه بين الجمهور الواسع، فإن رئيس الحكومة اريئيل شارون بحث ايضا عن الهدوء في حزبه "الليكود"، وخاصة بعد ان حقق نجاحا في الحزب، الذي عاد ومنحه فرصة التفاوض مع حزب "العمل"، ويريد شارون فترة هدوء، التي قد تستمر في افضل الأحوال لفترة ثلاثة اشهر، حين يأتي موعد اقرار الحكومة لخطة اخلاء مستوطنات قطاع غزة واقصى شمال الضفة الغربية، وأول ما فعله شارون في هذا الاطار انه ثبت لحزبه الحقائب الوزارية الأرفع، الأمن والمالية والخارجية والتعليم، وهي الحقائب التي يتولاها اصحاب مراكز القوى في "الليكود" شاؤول موفاز وبنيامين نتنياهو وسيلفان شالوم وليمور ليفنات، وأبقى لحزب "العمل" حقيبة الداخلية بما تحمله من مصاعب وشحة ميزانيات، بالاضافة الى حقائب أخرى.

كما أن شارون لا يريد الظهور كالزاحف وراء "العمل"، فهو منح موافقته لسياسة نتنياهو الاقتصادية، ويريد الاصرار على دعمها لكي لا يسجل نقاط ضعف أمام حزب "العمل"، الذي يطالب باجراء تعديلات في ميزانية الدولة وتحويل مخصصات أكثر للشرائح الاجتماعية الفقيرة، علما ان هذا مطلب يلوح به بشكل دائم وزيرا الليكود، شاؤول موفاز وايهود اولمرت.

 

اتفاق يسهل إقامة الائتلاف

 

لقد فتح الاتفاق المذكور، وعلى الرغم من هامشيته، قناة اتصال جديدة بين بيرتس ونتنياهو، وهذه القناة سيستفيد منها حزب "العمل" أمام الجمهور، فعمير بيرتس حلّ حزبه "عام إيحاد" ليضم كوادره الى حزب "العمل"، وسيدخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ في مطلع العام المقبل، وكان بيرتس من اشد المعارضين للانضمام الى حكومة شارون بسبب السياسة الاقتصادية، ولكن الظروف الناشئة، ورياح الانتخابات، وإن بدت انها مبتعدة، إلا أنها لم تتلاش وهي عائدة لا محالة قريبا، جعلت الكثير من السياسيين يعيدون حساباتهم وترتيب اوراقهم، فعمير بيرتس يريد التنافس على رئاسة حزب "العمل" العائد اليه حديثا، وهو يعلم انه بعيد عن تحقيق نصر، ولكنه لا شك في انه سيحصل على نسبة مئوية تضعه في أولى مراتب الصف الاول في الحزب، ويثبت مكانته هناك، ولهذا فإنه هو أيضا لا يريد عقبة أمام قرار الحزب بالانضمام إلى الحكومة.