سجل القوانين الإسرائيلي لا يتضمن تشريعاً يحظر ارتكاب جرائم حرب ويعاقب عليها باعتبارها كذلك

على هامش المشهد

 


جدل حول هدف الدراسة الجامعية في إسرائيل: تأهيل الطالب للعمل بمجرد تخرجه أم تحسين شروط تطور مستقبله المهني؟

 

 


مع افتتاح العام الدراسي الأكاديمي الجديد في إسرائيل، أول من أمس الأحد، طفت على السطح المشاكل التي يواجهها الخريجون، وخاصة النقص في أماكن العمل. كذلك تم الكشف عن صراع بين الجامعات، وعددها سبع، وبين مجلس التعليم العالي، حول منح صلاحيات للكليات، وعددها أكثر من ستين، وخاصة فيما يتعلق ببرامج تسمح للكليات بالتدريس للقب الدكتوراه واحتمال تحول إحدى هذه الكليات إلى أول جامعة إسرائيلية خاصة.

وتشير تقارير إسرائيلية تم نشرها بالتزامن مع افتتاح العام الأكاديمي إلى أن اللقب الجامعي الأول، البكالوريوس، والثاني، الماجستير، لم يعودا كافيين لإيجاد عمل، الأمر الذي يثير قلق الشبان الذين يعتزمون بدء دراستهم الجامعية، وخاصة ما إذا كان الموضوع الذي اختاروا دراسته سيكون كافيا لتأهيلهم للعمل في المجال نفسه. ورغم ذلك، فإن هناك نقاشا في الأكاديميا حول ما إذا كانت الدراسة الجامعية غايتها تأهيل الطلاب للعمل بعد تخرجهم، أم أن غايتها فتح الطريق أمامهم نحو التقدم في الحياة المهنية.

وأظهر استطلاع أجراه موقع "Alljobs" الالكتروني، وهو عبارة عن محرك للبحث عن عمل، وشارك فيه 500 شخص حصلوا على شهادة البكالوريوس منذ ثلاث سنوات، أن أكثر من 40% لم يجدوا عملا في مجال تعليمهم. وحتى أولئك الذين وجدوا عملا، فقد حصلوا عليه بعد عملية مضنية طالت أكثر من عامين.

وتبين من الاستطلاع أن 72% من خريجي العلوم الاجتماعية لم يجدوا عملا أو أنهم لا يعملون في مجال دراستهم. كذلك فإن 56% من خريجي كليات الآداب واجهوا وضعا مشابها، بالإضافة إلى و54% من خريجي كليات الطب والصيدلة و47% من خريجي كليات الحقوق. وتمكن ربع خريجي موضوع العمل الاجتماعي من إيجاد عمل في مجالهم بعد سنة من تخرجهم.

وقالت مديرة المضامين والأبحاث في "Alljobs"، عيناف بويمفيلد، لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، إن "نسبة كبيرة من الطلاب يخرجون في نهاية دراستهم إلى عالم العمل الذي لا توجد فيه وظائف كافية في مجال دراستهم. والنتيجة هي أن شبان اليوم مثقفون أكثر، لكنهم يدرسون مواضيع لا يوجد طلب عليها في السوق ويصلون إلى وضع لا يدرّ فيه اللقب الجامعي دخلا ماليا عليهم".

 


الجامعات لا تدعم الطلاب!

 


وقال 43% من المشاركين في الاستطلاع إنه لو توفرت لديهم خبرة عملية في مجال دراستهم لكان حظهم أفضل في إيجاد عمل. وعبر ربع الخريجين عن قناعتهم بأن التأهيل المهني الفعلي سيكون أنجع في حصولهم على عمل.

وشددت مديرة "Alljobs"، ماشا ديشكوف، على أن المشكلة تبدأ من أن المؤسسات الأكاديمية تدرس مواضيع لا يوجد طلب عليها في سوق العمل. وقالت إنه "لا يوجد اليوم حوار بين سوق العمل ومؤسسات التعليم العالي. وهذا نابع من حقيقة أن الشبان لا يدققون مسبقا وبصورة عميقة في العلاقة بين واقع سوق العمل والمجال الذي يعتزمون دراسته، إلى جانب الحقيقة أن المؤسسات الأكاديمية تحصل على الميزانيات وفقا لكمية الطلاب، ولا تعمل بموجب عدد الأماكن في الصف الدراسي مقابل كمية الوظائف الشاغرة في سوق العمل المتعلق بالمجال المهني الذي يُدرس".

وقال 71% من المشاركين في الاستطلاع إن المؤسسة الأكاديمية التي درسوا فيها لم تدعمهم أبدا في إيجاد عملهم الأول كخريجين من مجال معين. وكان هذا رأي 100% من خريجي العلوم الاجتماعية، و88% من خريجي العلوم الدقيقة، و87% من خريجي موضوع العلوم السياسية.

وفي موازاة ذلك، فإن الشهادة الجامعية تكون عاملا مساعدا على القبول للعمل في المواضيع التي تكون فيها الدراسة غير نظرية فقط، أي في المجالات التي يكتسب فيها الطالب الخبرة من خلال الدراسة. وينسجم هذا مع السجال الذي دار في الحكومة الإسرائيلية، الأسبوع الماضي، حول ضرورة تعزيز التعليم التكنولوجي – المهني. ووفقا لخطة وزارة التربية والتعليم في هذه الناحية، فإنه لا ينبغي توجيه سكان البلدات في أطراف إسرائيل فقط إلى الدراسة التكنولوجية – المهنية، وأن الغالبية العظمى من الطلاب الذين تعلموا مهنا مثل النجارة والحدادة وما شابه، سيجدون عملا في مجالهم.

ويرى البعض أن هذا التوجه الجديد، الذي يبدو أن الحكومة تشجعه، يعيد العجلة إلى الوراء. ففي الماضي كان الأهالي يوجهون أولادهم إلى دراسة مهن تجعلهم ينخرطون في سوق العمل فور إنهائهم الدراسة، مثل كهربائي وهندسي وما إلى ذلك. وفي العقدين الأخيرين أو أكثر بقليل، بات الأهالي يوجهون أولادهم لدراسة مواضيع مثل الحقوق والطب والمحاسبة.

إلا أن ديشكوف أشارت إلى أنه "توجد وظائف أخرى مطلوبة في دائرة العمل، مثل بناة مواقع وبرامج ومضامين الكترونية. وأصبح عدد غير قليل من المدارس الثانوية، اليوم، أدخلت مسارات تعليم حديثة كهذه. وخسارة أن المؤسسات الأكاديمية لم تستوعب هذا الأمر".

الشهادة الثانوية لم تعد كافية

رغم أن ديشكوف عبرت عن موقف عملي ويتعلق بالحياة العملية بعد التخرج، إلا أن المواقف في الأكاديميا تخالفها الرأي، وتعكس وجهة نظر أخرى. وقالت العالمة الاجتماعية والمحاضرة في كلية التربية "بيت بيرل"، الدكتورة شلوميت باخر، إن موقف ديشكوف متطرف. وتساءلت باخر "هل ينبغي إغلاق مجالات التعليم التي لا يوجد فيها عمل؟ هل يحق للمجتمع أن يمنع الأفراد من الدراسة وإثراء أنفسهم في المجالات التي يريدونها رغم عدم وجود طلب عليها في سوق العمل؟ هل بالإمكان إلزام شخص بدراسة مجال لا يريده ولكن يوجد فيه عمل؟".

وخلصت باخر إلى "أننا نعيش في مجتمع الشهادات. ففي كل مكان يطلبون منا شهادة تدل على تعليمنا ومعرفتنا. وسوق العمل تتوقع الحصول على عاملين متعلمين. ولكن إذا كان في الماضي يكفي أن تحمل شهادة إنهاء 12 عاما دراسيا لكي تعمل بوظيفة متدنية في بنك، فإن الوضع اليوم هو أنه حتى شهادة بكالوريوس غير كافية. فقد ارتفع سقف القبول للوظائف".

وقال عميد قسم الدراسات المتقدمة في جامعة حيفا، البروفسور يتسحاق هارباز "لست شريكا في الرأي الذي يعتبر أن هدف المؤسسة الأكاديمية هو تأهيل خريجيها لسوق العمل. فالمؤسسة الأكاديمية ليست مدرسة مهنية أو معهد هندسة. إن هدف جامعات الأبحاث والسبع والستين كلية التي تعمل في إسرائيل هو إعداد خريجيها للتقدم في الحياة المهنية وليس لسوق العمل".

ورأى هارباز أن أساس المشكلة يكمن في النقص في ملاءمة التوقعات بين الطلاب والأكاديميا وأماكن العمل. واعتبر أن "التوقع أن اللقب الجامعي سيؤمن للخريجين عملا هو أمر خاطئ من أساسه. واللقب الثاني هو أكثر مهنية ومرغوب الحصول عليه، وليس بالضرورة يجب أن يكون في الموضوع نفسه الذي تمت دراسته في اللقب الأول. وعلى سبيل المثال، لا يوجد لقب أول لدينا في كلية إدارة الأعمال والإدارة في جامعة حيفا... انطلاقا من المفهوم الذي يرى أن الطالب يجب أن يدرس موضوع الإدارة بعد أن عمل في هذا المجال ثلاث سنوات. وبهذا الشكل تكون دراسة الإدارة ذات معنى أكبر من أن تكون مباشرة بعد المدرسة الثانوية والخدمة العسكرية، حيث لا يكون لدى الطالب أية معرفة حول كيف يبدو العالم التجاري".

نسبة تسرب مرتفعة

تشير المعطيات إلى أن الكثيرين من الطلاب في الجامعات والكليات يغيرون مواضيع دراستهم أثناء الدراسة للقب الأول. وفيما قال 94% في استطلاع للاتحاد القطري للطلاب الجامعيين في إسرائيل إنهم يدرسون المواضيع التي يريدونها، إلا أن المعطيات تشير إلى أن 34% من الطلاب يتسربون من مقاعد الدراسة. وهذه واحدة من أعلى النسب بين دول منظمة التعاون والتنمية (OECD). ويتبين أن السبب الأساس للتسرب هو انعدام الاهتمام بالموضوع الذي يدرسه الطالب، أي بسبب عدم الملاءمة بين توقعات الطالب والمواد التي يدرسها.

وقالت الدكتورة باخر حول ذلك، إنه "توجد توقعات بين الشبان أن الدراسة للقب الأول هي نوع من التأهيل المهني الفوري لسوق العمل. إنهم يريدون كل شيء بسرعة، وخلال وقت قصير، وباستثمار ضئيل. وهناك أجواء سائدة لدى الجيل الشاب، وهي تتغلغل لدى شرائح من الجيل الأكبر سنا، حول الحاجة والشرعية ’ لتحقيق الذات’. والشبان يتحدثون عن الرغبة في أن يكونوا سعداء والاستمتاع من مجال عملهم. وهذا المبدأ يسبق المبادئ الأخرى. والشبان مستعدون ألا يعملوا في مجال لا يثير اهتمامهم رغم أنهم تأهلوا للعمل في هذا المجال وهم جيدون فيه وأن يدفعوا ثمنا اقتصاديا لقاء ذلك. وعلى هذه الخلفية، بات تغيير مواضيع الدراسة والانتقال من مجال إلى آخر ظاهرة مقبولة".

وهناك ظاهرة أخرى تدل على حدوث تغيير في مجال الدراسة الأكاديمية وتتعلق بانتشار الكليات. فقد أظهر الاستطلاع الكبير الذي أجراه مؤخرا الاتحاد القطري للطلاب الجامعيين في إسرائيل، أن 45% أفادوا بأن اسم المؤسسة الأكاديمية التي درسوا فيها لا يمنحهم أية أفضلية. وهذه النسبة ترتفع إلى 75% لدى خريجي كليات الحقوق.

ويرى الخبراء أن هذه الظاهرة "هي نتيجة لتحول المجتمع الإسرائيلي إلى مجتمع أكاديمي أكثر". وقال المدير الأكاديمي لمركز التطور في الحياة المهنية في جامعة تل أبيب، البروفسور يونتان سميلانسكي، إن هذه الظاهرة "بدأت من أنه في الماضي كان 20% فقط من السكان البالغين في إسرائيل الذين درسوا في الجامعات، وحتى أن إنهاء المدرسة الثانوية والحصول على شهادة بجروت (توجيهي) كان يعتبر انجازا جيدا. واليوم ضاعف هذا الرقم نفسه ليصل إلى حوالي 40%. هذا أمر رائع. ورغم أن حجم الجامعات بقي كما كان، إلا أن الكليات هي التي تطورت وكبرت، الأمر الذي أدى اليوم إلى وجود طلب أكثر من العرض على الوظائف في السوق، في الوقت الذي فيه عدد أماكن العمل في إسرائيل لم يكبر".

أول جامعة خاصة

يدور في إسرائيل في هذه الأثناء صراع مرير بين جامعات الأبحاث وبين مجلس التعليم العالي ولجنة التخطيط ورصد الميزانيات، حول خطة جديدة بادر إليها مجلس التعليم العالي من أجل تحسين برامج الدكتوراه. ويرى المسؤولون في الجامعات أن هدف بنية الخطة الجديدة هو تمكين كليات من منح شهادة الدكتوراه، وهو ما كان حتى الآن صلاحية حصرية للجامعات.

ونقلت صحيفة "هآرتس" عن مسؤولين في الجامعات قولهم إن السماح لكليات بمنح شهادة دكتوراه، يعني إجراء تغيير في التعريف الذي يفرق بين الكلية والجامعة وسلب الأفضلية المركزية للجامعات. وفي المقابل، يرى المسؤولون في مجلس التعليم العالي أن الجامعات أدت إلى نشوء وضع لا يحتمل وتحاول منح إحداث تغيير وفقا لقرار الجهات المسؤولة، وهو أمر ليس ضمن صلاحياتها وبتأثير اعتبارات غير أكاديمية، وإنما سياسية.

ووفقا للصحيفة، فإن هناك اسما يكاد لا يذكر بصوت مرتفع، لكنه عامل مركزي في تغذية هذا الصراع، هو "المركز المتعدد المجالات" في هرتسليا. ورغم أن القلائل في الجامعات مستعدون للاعتراف بصوت مرتفع، لكن التخوف الأساس في الجامعات هو من الاحتمال شبه المؤكد بأن برامج الدكتوراه الجديدة ستمكن هذه الكلية الخاصة من منح الدكتوراه، وأن تطبق ما يعتبره المسؤولون في الجامعات أنه "سيناريو مرعب"، وهو أن يتحول المركز المتعدد المجالات إلى الجامعة الخاصة الأولى في إسرائيل.

وبموجب البرنامج الجديد، فإنه في المرحلة الأولى سيشارك ما بين 15 إلى 20 طالبا متفوقا في الدراسة للدكتوراه في الكلية المتعددة المجالات. وسيحصل كل طالب على منحة لتغطية نفقات الدراسة وعلى راتب شهري بمبلغ خمسة آلاف شيكل، وأن تتم الدراسة بالتعاون والتنسيق مع إحدى الجامعات الإسرائيلية. ووفقا لمجلس التعليم العالي، فإن هذا البرنامج من شأنه أن يضع إسرائيل في موازاة مسارات الدكتوراه المتعارف عليها في الولايات المتحدة.

لكن قسما من الجامعات أعلن أنه لن يكون هناك أي تعاون مع الكليات بتقديم برامج مشتركة للدكتوراه. وعلى أثر ذلك أصدر مجلس التعليم العالي بيانا قال فيه إن التعاون بين الكليات والجامعات في برامج الدكتوراه في الكليات ليس شرطا وأنه بالإمكان الدمج بين الكليات ومؤسسات تعليم عال ليست جامعات.

معطيات عامة

يبلغ عدد الطلاب في الجامعات والكليات الإسرائيلية في العام الدراسي الحالي، الذي بدأ يوم الأحد الفائت، 310125 طالبا. وتبين المعطيات أن الغالبية العظمى من الطلاب يدرسون في الكليات وليس في الجامعات. إذ تفيد معطيات مجلس التعليم العالي بأن 66% من طلاب اللقب الأول يدرسون في الكليات و34% في الجامعات. ووفقا للمعطيات، فإن 194020 طالبا يدرسون للقب الجامعي الأول، و59455 طالبا يدرسون للقب الجامعي الثاني.

وتشكل النساء 57% من الطلاب بشكل عام، ويشكلن 56% من طلاب اللقب الأول و61% من طلاب اللقب الثاني و53% من طلاب اللقب الثالث. ويدرس 18% من الطلاب مواضيع الهندسة، و11% موضوع إدارة الأعمال و3ر8% موضوع الحقوق و7ر7% يدرسون في كليات الآداب.

وأظهر استطلاع نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن 91% من الطلاب يدرسون المواضيع التي تهمهم وتلائم مؤهلاتهم، فيما قال 87% إن الموضوع الذي يدرسونه يمكنهم من تطوير مستقبل مهني واقتناء مهنة، وقال 80% إنهم يدرسون في الجامعة من أجل الحصول على ثقافة عامة.