تقرير "مركز طاوب": تآكل أجور المستخدمين الأكاديميين وارتفاع غلاء المعيشة يبعدان العائلات الشابة عن الطبقة الوسطى

على هامش المشهد

 


النقاش أصبح في مركز الحلبة السياسية

 


إسرائيل بحاجة إلى "ثورة أخلاقية كبرى" لمنع استمرار هجرة اليهود منها

 

 

 

 


يبدو أن النقاش حول الهجرة من إسرائيل عاد إلى مركز الأحداث. وذكرت القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي أن الحديث حول هجرة اليهود من إسرائيل إلى الولايات المتحدة وأوروبا تزايد في الفترة الأخيرة، بما في ذلك على خلفية الحرب على قطاع غزة.

 


وعلى ضوء هذا النقاش، نشرت القناة الثانية استطلاعا للرأي، في بداية شهر أيلول الحالي، وبعد عشرة أيام تقريبا على انتهاء العدوان على غزة، تبين منه أن 30% من الإسرائيليين لن يترددوا في التفكير في الهجرة من البلاد في حال سنحت لهم الظروف. بينما قال 56% فقط إنهم لن يهاجروا من إسرائيل حتى لو سنحت لهم الفرصة.

 


وتبين من الاستطلاع أيضا، أنه تراجعت نسبة الإسرائيليين الذين ينظرون بشكل سلبي تجاه أولئك الذين يبدون استعدادا للهجرة، وبلغت نسبتهم 36%. بينما أجاب الباقون، 64%، بأنهم إما ينظرون إلى الذين يفكرون بالهجرة بشكل إيجابي أو بعدم مبالاة.

 


وهناك أسباب عديدة تدفع الكثير من الإسرائيليين إلى الهجرة إلى الدول الغربية المتطورة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا. وتتمحور هذه الأسباب حول الوضع السياسي – الأمني وغلاء أسعار الشقق وعدم توفر العمل للأكاديميين ووضع جهاز التعليم والفساد والعنف. ويأتي تجدد الحديث حول الهجرة بعد مرور ثلاث سنوات على الاحتجاجات الاجتماعية، في صيف العام 2011، التي انتهت بتشكيل لجنة تقصي حقائق لم ينتج عنها شيئا.

 


وتطرق إلى موضوع الهجرة من إسرائيل كبير المعلقين في صحيفة "ذي ماركر" العبرية الاقتصادية، غاي رولنيك، في مقاله الأسبوعي، يوم الأربعاء الماضي. واستعرض الكاتب 13 نقطة يتعين تصحيحها لأنها من أكثر المواضيع التي تؤثر على الهجرة من إسرائيل. وهو يسلط الضوء من خلال هذه النقاط على المشاكل التي تدفع الإسرائيليين إلى الهجرة.

 


وحذر رولنيك من "هجرة الأدمغة". وكتب أن "علينا أن ندرك ونذوّت أن توجه نسبة معينة من ذوي القدرات الفائقة إلى خارج البلاد هو أمر مطلوب وهو جزء طبيعي من ضخ المعرفة والقدرات والقوة البشرية في أي اقتصاد جر. والسؤال هو كيف نبقي كل الباقين في إسرائيل، وكيف نعيد أولئك الذين غادروا وكيف نجلب أفضل القدرات إلى هنا".

 


وطرح رولنيك النقاط الثلاث عشرة وهي برأيه بمثابة تصحيح لمسار الدولة:

 


1.عملية السلام: اعتبر رولنيك أنه لم يعد بإمكان الإسرائيليين محاولة إقناع أنفسهم أو الآخرين بفكرة أن الطريق لحل جميع مشاكل إسرائيل تمر من خلال شرق أوسط جديد أو تسوية سلمية. وأن السلام والتسوية "لا يمكنهما أن يكونا على رأس خطة عملنا، لسبب بسيط ليس لدينا سيطرة عليه".

وأضاف أن هناك أطراف عديدة في الحرب والسلم في المنطقة، وأن إسرائيل هي أحد هذه الأطراف وحسب، وهي ليست الطرف الأكثر تأثير بالضرورة. فهناك الولايات المتحدة وروسيا والسعودية وإيران وقطر. ورأى أن خريطة المصالح الاقتصادية والسياسية في الشرق الأوسط أصبحت أكثر تعقيدا من أي وقت مضى. وأضاف أن احتمال أن تنجح الحكومة والجمهور والمجتمع المدني في إسرائيل ببلورة شرق أوسط جديد يراوح الصفر. كما انسحابا أحادي الجانب من الأراضي المحتلة لم يعد خيارا، خاصة بعد "الصيف الدموي الأخير في غزة"، الذي جاء بعد عقد تقريبا من تنفيذ خطة الانفصال.

 

رغم ذلك، دعا رولنيك إلى السعي من أجل السلام وإنهاء الاحتلال، لكن "من خلال الإدراك أن هذا ليس السيناريو المركزي الذي تستند إليه خطتنا بتحويل إسرائيل إلى مكان جذاب أكثر قياسا بالخيارات الموجودة خارج البلاد. وقد استخدمت العملية السياسية والصراع بين اليسار واليمين سنوات عديدة كستار دخاني أعفى السياسيين من التعامل مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية في إسرائيل".

 


2.جودة الحياة: دعا رولنيك إلى التوقف عن الترويج لـ"كذبة أمة الستارت أب"، أي تطوير الصناعات الالكتروني الدقيقة والبرامج الالكترونية. ولفت إلى أن 10% من العاملين في إسرائيل يعملون في مجال الهايتيك، ويتقاضون أجرا عاليا، وأن ثمة احتمالا ضئيلا لأن يتغير هذا الوضع.

 

وشدد على أنه يتعين على إسرائيل أن تحسن ظروف سوق العمل فيها من أجل رفع مستوى الحياة وجودتها ورفع مستوى رأس المال الاجتماعي والثقافي. وكتب أنه "علينا أن نضمن مستقبلا اقتصاديا جذابا ليس فقط لمن يعمل في الهايتيك، وإنما لمئات آلاف الإسرائيليين أيضا، الذين يعملون في سوق الخدمات والتجارة والتربية والتعليم والصحة والرفاه. ولن نتمكن أبدا من رفع مستوى جودة الحياة في إسرائيل إذا تواجد فيها مئات آلاف في سوق يشبه العالم الثالث".

 


3.الفساد: الفساد موجود في دولة كثيرة بمن فيها الدول المتطورة. لكن المحلل اعتبر أنه "إذا كانت إسرائيل راغبة في العيش فإنها ملزمة بأن تتحول خلال عقد واحد إلى أكثر الدول المتقدمة في العالم من ناحية تحسين رأس المال الاجتماعي ومحاربة الفساد القانوني والإصلاحات في القطاع العام وإفساح المجال أمام المنافسة في القطاع التجاري ورفع مستوى التعليم. وقد وصلنا إلى الوقت الذي فيه يتعين على اليهود في صهيون أن يكونوا نورا للأغيار من أجل البقاء. وهذا ليس المسار الذي نتحرك فيه حاليا".

 


4.سوق العمل: دعا رولنيك إلى تأسيس سوق عمل جديد في إسرائيل "لا يكون محصورا بالمقربين ومن لديهم واسطة، ولأولئك الذين ولدوا في العائلة الصحيحة، وإنما أن يستند إلى القدرات. ومن أجل تنفيذ ذلك، يجب كسر المركزية (أي حصر الصلاحيات الاقتصادية بأيدي مجموعة ضيقة) في القطاع التجاري وضخ الأكسجين والانفتاح للقطاع العام".

 

ورأى أنه من أجل تحقيق ذلك فإنه "ثمة حاجة إلى ثورة في القطاع العام، تمكن من استيعاب المواهب الشابة الأفضل. وعلينا أن نفتح صفوف القطاع العام ليس فقط للمقربين والأعضاء في النقابات والسياسيين وكبار الموظفين، وإنما أمام كافة المواهب، وخاصة أولئك الموجودين في البلاد ويدرسون إمكانية الهروب إلى الخارج، وأمام أولئك الذي يتخرجون بتفوق من أفضل الجامعات في العالم وعليهم أن يقرروا العودة إلى إسرائيل".

 


5.غلاء المعيشة: كذلك دعا رولنيك إلى "ثورة في غلاء المعيشة في إسرائيل وفي نوعية الخدمات الاجتماعية. إما أن نخفض بصورة دراماتيكية أسعار المنتجات والخدمات وغلاء المعيشة، أو نحسن بصورة دراماتيكية شبكات الأمان والأمن التي تزودها الحكومة ونوعية الخدمات الاجتماعية، وفي مقدمتها التعليم، البنى التحتية البلدية وفي مجال المواصلات". كما دعا إلى شن حرب ضد البيروقراطية.

 


6.أسعار السكن: مشكلة السكن هي واحدة من أكثر المشاكل التي يواجهها الإسرائيليون، وبسببها انطلقت الاحتجاجات الاجتماعية قبل ثلاث سنوات. ودعا رولنيك إلى خفض أسعار السكن بنسبة 30% على الأقل. وأشار إلى أن أسعار السكان في إسرائيل هي الأعلى في العالم قياسا بعدد الرواتب المطلوبة من أجل شراء أو استئجار شقة، الأمر الذي يمنع الشبان من التقدم اقتصاديا. وأضاف أن هذه المشكلة "تخلد التقسيم الطبقي في المجتمع وتوسع الفجوات بصورة دراماتيكية".

 


7.جهاز التعليم: كذلك جهاز التعليم يحتاج إلى ثورة، وفقا لرولنيك. وكتب أن "علينا أن نُخرج منه المعلمين السيئين والمتوسطين وإدخال معلمين لامعين وجيدين مكانهم. وعلينا أن نحسن مكانة المعلم، وتحويل التعليم إلى مهنة مطلوبة وذات دخل جيد". ورأى أن الإصلاحات التي أجريت في جهاز التعليم، في السنوات الخمس الأخيرة، ليست كافية. "وعلى جهاز التعليم أن يحقق إنجازات وتفوق ومكانة مرموقة. أي عكس الوضع اليوم تماما".

 


8.العنف: دعا المحلل إلى معالجة العنف في المدارس بيد متشددة. "لقد تحول العنف في جهاز التعليم إلى قضاء وقدر، والأهالي والمعلمين والمدراء استسلموا له. وثقافة القوة والعنف تدهور مستوى التعليم وتنتشر في كافة أجزاء المجتمع".

 


9.سلطة العائلات الثرية والبنوك: رأى المحلل أنه يجب تفكيك سلطة العائلات الثرية والبنوك ووقف ظاهرة الأثرياء الذين اغتنوا بسرعة وباتوا يسيطرون في الاقتصاد الإسرائيلي خلال السنوات العشر الأخيرة. "إننا ملزمون بتفكيك المركزية في الجهاز المالي، التي تنعكس على كافة أجزاء الاقتصاد وتهدد الديمقراطية". وأشار إلى أن المركزية الاقتصادية تؤثر على غلاء المعيشة، تشجع الفساد، تدمر استقلالية الصحافة،تتسبب بتدهور رأس المال الاجتماعي، تؤدي إلى وجود قوة سياسية تمنع المنافسة.

 


10. أسعار المواصلات: تكلفة حيازة سيارة في إسرائيل أكثر من تكلفتها في الولايات بمرتين أو ثلاث، كما أن الإسرائيليون يبتعدون عن استخدام المواصلات العامة.

 


11.الحكم المحلي: دعا رولنيك إلى "الإعلان عن حرب ضد الفساد في الحكم المحلي وسوق العقارات، الذي ولّد يأسا واغترابا وغضبا لدى الشبان الذين يحاولون شراء شقق ويواجهون بنى تحتية بمستوى متدن في معظم السلطات المحلية، إن كان ذلك في مؤسسات التعليم، الحياة الثقافية أو الشوارع".

 


12.ميزانية الأمن: كتب رولنيك "نحن ملزمون بتحديد غاية وطنية بتقليص الإنفاق الأمني بعشرات النسب المؤية وتجفيف كافة آبار الدسم والفساد في القطاع العام، لأنه من دون ذلك لن تكون لدينا موارد للإنفاق المدني ولتنفيذ الكثير من التغييرات والإصلاحات المذكورة أعلاه. والميزانية التي يطبخها حاليا رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير المالية، يائير لبيد، معاكسة لكل ما قيل هنا، وهي تسوية سياسية تخدم بقاء الاثنين في مناصبهما. ونتنياهو يبني على توق الإسرائيليين لزعيم أمني قوي ولبيد يبني على الكاريزما وارتباطه بعلاقات جيدة بوسائل الإعلام المركزية. ويعتبر كلاهما أن الجمهور سيستمر في منحهما التأييد في الانتخابات المقبلة، رغم تهربهما من مسؤولية قيادية حقيقية".

 


13.العنصرية: رأس المال الاجتماعي: اعتبر رولنيك أن الفساد والنفاق والعنصرية، والتقدم من خلال علاقات قربى مع مسؤولين موجودة في معظم الدول التي يهاجر إليها الإسرائيليون الذين يملكون الموهبة والقدرات. لكنه أضاف أن هذه الأمور بالنسبة "للإسرائيليين الذين يسكنون في الشاطئ الغربي للولايات المتحدة، برلين أو لندن تزعجهم بصورة أقل مما هو الوضع في إسرائيل، لأن هذا فساد آخرين، ولأناس لا يعرفونهم وليسو مرتبطين بهم تاريخيا وثقافيا.وفي المقابل فإنه يوجد في الولايات المتحدة أمور لن تكون موجودة في إسرائيل أبدا، مثل مساحة البلاد، المساحات الخضراء، التنوع، الهدوء، السكينة والنظافة".

 

وأضاف أن "الفساد في إسرائيل وتراجع رأس المال الاجتماعي يوخز العين، ويزيد اليأس بصورة لا تحتمل. ونحن بحاجة إلى سياسيين لا يأخذون هذه الأمور على أنها مفهومة تلقائيا، وأن يكونوا حازمين في محاربة الفساد، علاقة رأس المال بالحكم، الخدع الإعلامية، الشعارات الجوفاء، ضحالة وبؤس القنوات التلفزيونية التجارية، الأجواء الرهيبة للبهيمية التي بسطت سيطرتها على أجزاء واسعة جدا من الحياة العامة هنا".

 

وخلص إلى أنه "نحن بحاجة إلى مجتمع مدني قوي، يتطلب إجراء تغييرات دراماتيكية في المسار الاقتصادي، الاجتماعي، الثقافي والأخلاقي في إسرائيل، وهذا المجتمع يدرك أن الطريق الوحيدة للاحتفاظ بالأشخاص الجيدين هنا وإعادة الرائعين هي بتنفيذ ثورة أخلاقية كبرى. ولا مفر أمامنا".