الأكاديمي الإسرائيلي زئيف شتيرنهل: إسرائيل فاشية لأنها تحارب التنوير والقيم الكونية

على هامش المشهد


كتب التدريس في جهاز التعليم الحريدي تتجاهل وجود العرب وتشجّع على كرههم

 

 

عندما يتناول كتاب مدرسي إسرائيلي موضوع نكبة فلسطين فإنه يثير زوبعة وسجالا عاما، ولو لفترة قصيرة. هكذا حدث عندما صدر كتاب "نبني دولة في الشرق الأوسط"، قبل أربع سنوات. وبعد ذلك قررت وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية مصادرة نسخ هذا الكتاب من الحوانيت، رغم أنه قبل صدوره حصل على كافة التصاريح المطلوبة من الوزارة نفسها.

لكن سجالا عاما كهذا حول مضامين الكتب المدرسية في جهاز التعليم الحريدي هو أمر غير وارد حتى الآن. فكتب التدريس في هذا الجهاز لا تشرف عليها وزارة التربية والتعليم، واحتمال نقدها من جانب ذوي التلاميذ أو جهات أخرى، ضئيل ويكاد يكون معدوما.

وأفاد تقرير نشرته صحيفة "هآرتس"، في 5 أيلول الحالي، أنه في ظل الاستقلالية التربوية، ينمي قسم كبير من الكتب المدرسية الحريدية جهلا وكراهية تجاه العرب، وأحيانا تجاه اليسار الإسرائيلي أيضا. وتجدر الإشارة إلى أن 29 بالمئة من التلاميذ اليهود يتعلمون في إطار جهاز التعليم الحريدي.

وقالت الصحيفة إنه يصعب العثور في الكتب المدرسية الحريدية على أوصاف تتعدى تعظيم الجانب اليهودي ونفي العرب. وهذا قالب دائم، كأنه تم تحديده منذ القدم وسيكون ساري المفعول إلى الأبد. والمتغير الوحيد هو هوية "المعتدي": العماليق، هامان الشرير، النازيون أو العرب. ولا تخلو الكتب المدرسية في مواضيع التاريخ والمدنيات والجغرافيا في جهازي التعليم الحكومي والحكومي - الديني من أنماط كهذه، لكنها تبرز بشكل بالغ في جهاز التعليم الحريدي.

وتتمتع سلسلة كتب "البلاد وسكانها"، التي تستخدم في تدريس موضوع الموطن، بشعبية بالغة. وكُتب في الكتاب الأول من هذه السلسلة، الذي يُدرس في الصف الثاني الابتدائي، في سياق حرب حزيران العام 1967، أن "الدول المحيطة بإسرائيل – مصر، سورية والأردن، التي يكره سكانها العرب اليهود، ويبحثون دون كلل عن فرصة للمس بها وبسكانها، تحالفوا الآن".

ويسهب الكتاب للصف الرابع بصورة أوسع حول الموضوع، وجاء فيه أن "إسرائيل هي دولة فتية ومحاطة بالأعداء. وفي أي جهة هناك دول معادية وتحيك مؤامرات وتنتظر فرصة سانحة وحسب من أجل تنفيذ نواياها. وكحمل صغير بين الذئاب، موجودة إسرائيل بين الدول العربية".

وتخلو الخرائط في سلسلة كتب "البلاد وسكانها"، بصورة تكاد تكون كاملة، من أي ذكر لمدن أو قرى عربية داخل الخط الأخضر أو خارجه. وكُتب في الفصل حول مدينة الخليل، أنه في هذه المدينة "يسكن العرب وعدة عائلات يهودية. وبالقرب من الخليل يوجد حي يهودي كبير اسمه كريات أربع (المستوطنة)، ويحضر سكانها في أحيان متقاربة للصلاة في مغارة المكفيلا (الحرم الإبراهيمي) القريبة. والسكان في الخليل وكريات أربع يعانون كثيرا من جيرانهم العرب".

ويتم التشديد في الخرائط التي تتضمنها سلسلة الكتب المذكورة على ثلاث مدن هي القدس والخليل والمدينة الحريدية بني براك في وسط إسرائيل. وتوجد خرائط مشابهة في الكتب المدرسية الأخرى للمرحلة الابتدائية. كذلك فإن الرسالة التي تبثها جميع هذه الكتب متشابهة، وجاء فيها أنه "على الرغم من توقيع اتفاقيات سلام بين إسرائيل وبين مصر والأردن، لكن بالإمكان أن نشعر أن هاتين دولتين يعيش فيهما الأعداء".

 

"العرب هم مشكلة

ينبغي حلها"

 

إن محو الخط الأخضر موجود في معظم الكتب المدرسية اليهودية وليس الحريدية فقط. وهذه الكتب، خاصة التي تُدرس في جهازي التعليم الحكومي والحكومي – الديني، صدرت بمصادقة وزارة التربية والتعليم. وقالت الباحثة في موضوع التربية والمحاضرة في الجامعة العبرية وكلية "دافيد يالين" في القدس، البروفسور نوريت بيلد – إلحنان، إن التطرق إلى العرب عموما والفلسطينيين خصوصا في هذه الكتب يكون سلبيا بصورة عامة ويعبر عن فكرة أن العرب هم "مشكلة ينبغي حلها". وأنه مع مرور السنين "يختفي العرب من كتب التدريس".

وأضافت الباحثة أن هذه الكتب "تتعامل مع الفلسطينيين على أنهم مجموعة لا وجه لها. ولا يوجد في هذه الكتب تعامل مع العرب كأفراد عاديين. وهذا الوصف بالكلام والصور يعلم أبناء الشبيبة أن الواقع خال من العرب".

وقال الباحث في موضوع التربية، البروفسور دانيئيل بار – طال، إن "كتب التدريس في الوسط الحريدي تمرر الرواية اليهودية – الإسرائيلية بتطرف أكبر (من كتب التدريس في جهاز التعليم الحكومي). وهذه الكتب مليئة بالأفكار المسبقة السلبية عن العرب، وفي بعض الحالات يوجد فيها تعبير عن نزع الصفة الإنسانية (عن العرب). ويوجد تجاهل لوجود القومية الفلسطينية، بالمضامين والخرائط التي تصور المنطقة من النهر وحتى البحر أنها منطقة يهودية".

ووفقا لعاملين في جهاز التعليم الحريدي، فإن الكتاب المدرسي "تاريخ الأجيال الأخيرة" يعتبر أداة مركزية لتدريس موضوع التاريخ، ويستخدم في الصفوف العليا في المدارس الابتدائية. ويبدأ هذا الكتاب بالثورة الفرنسية وحتى بداية العقد الماضي. وصدرت الطبعة الأخيرة من هذا الكتاب قبل ست سنوات.

وقالت "هآرتس" إنه في كل ما يتعلق بالأحداث خلال ال25 عاما الأخيرة فإن الأوصاف السلبية ضد العرب قد اتسعت، وتم تطبيق ذلك أيضا على "جميلي النفوس من اليسار، الذين أشفقوا على القساة وعارضوا الطوق (الأمني على الضفة الغربية) لأنه قلص مجال كسب الرزق للعرب".

ويتردد في الكتاب وصف اليسار الإسرائيلي بأنهم "محبو العرب". وجاء فيه أن "عمليات الجيش الإسرائيلي في الانتفاضة (الثانية) صعد التوتر بين أحزاب اليسار واليمين. واليسار راعى بقدر كبير وضع العرب، واليمين أراد قبل أي شيء آخر أن يدعم دولة إسرائيل والشعب اليهودي الذي يسكنها... وكان يبدو في أحيان كثيرة أن اليسار الإسرائيلي كان قلقا أكثر حيال الوضع الاقتصادي للعرب من قلقه من الوضع الأمني لليهود".

وفيما يتعلق بالمستوطنات، جاء في الكتاب أن "معسكر اليسار رأى بها عقبة أمام السلام مع العرب وأنها عبء لا حاجة له على جهاز الأمن. ورأى معسكر اليمين بهذه المستوطنات أنها قيمة وطنية هامة، وأنها عامل يعزز القدرة الدفاعية للييشوف اليهودي ضد المعتدين العرب".

وأضاف الكتاب تحت عنوان "تناقضات بين اليمين واليسار"، أن "مقتل العرب على أيدي جحافل الكتائب المسيحية في مخيمات اللاجئين ’صبرا وشاتيلا’ أثناء حرب لبنان استُغل أيضاً لغايات سياسية. وشمعون بيريس الذي قاد أحزاب اليسار، أبرز أمام أمم العالم دور أريك شارون في هذه الأحداث. وتسبب هذا العمل من جانب بيريس بتدنيس اسم الرب وتعريض شعب إسرائيل لخطر كبير، ولذلك عارض عبقري الجيل، الحاخام إليعازر شاخ، تأييده من الناحية السياسية.

ويتطرق الكتاب إلى اغتيال رئيس حكومة إسرائيل الأسبق، إسحاق رابين، على يدي يهودي متدين متطرف بجملة واحدة، جاء فيها أن الاغتيال كان نتيجة "أعمال تحريض متبادلة جرت قبل وبعد القتل" وأن هذا هو مثال على "كراهية قديمة في إطار الصراع السياسي".

ويتطرق الكتاب إلى ولاية رئيس الحكومة الأسبق، إيهود باراك، بين الأعوام 1999 و2001. وجاء فيه أن "العقاب" الذي تلقاه باراك بسبب محاولته دفع "ثورة علمانية" كان "ثورة عرب أرض إسرائيل ضد الحكم اليهودي، والتي هددت بالوصول لا سمح الله إلى حجم حرب شاملة (أحداث أكتوبر واندلاع الانتفاضة في تشرين الأول العام 2000). وكان هذا تعبير عن ’رد الصاع بالصاع’ نتيجة لعناية الرب الخاصة بشعبه في أرض إسرائيل". ويعتبر الكتاب المدرسي أن خسارة باراك في انتخابات العام 2001 كانت تعبيرا عن "مطالبة السبت برد اعتباره" في أعقاب "الضربات ضد الجمهور (اليهودي) المتدين، التي كان لها أبعاد خطيرة في فترة باراك".

واعتبر هذا الكتاب المدرسي أن أحداث تشرين الأول العام 2000 داخل الخط الأخضر "وضعت إمكانية التوصل إلى سلام مع عرب أرض إسرائيل محل شك". وأضاف أنه مثلما فعل النازيون الذين "حرضوا الأقليات الألمانية في النمسا وتشيكوسلوفاكيا على العمل ضد حكوماتها، فإن الفلسطينيين قد ينشطون بين عرب دولة إسرائيل".

وأضاف الكتاب حول احتمال التوصل إلى اتفاق إسرائيلي – فلسطيني، أن "الانسحاب من مناطق هو أمر معرّف وملموس، لكن السلام الذي يعد العرب به اليهود هو أمر ليس معرفا ولا ملموسا. والأغيار (غير اليهود)، كارهو إسرائيل، هم الذين يعرفون صفاتهم المروعة وهم الذين يعرفون مدى حجم المعجزات التي نفذها الرب من أجل إنقاذنا منهم. إن كراهية إسماعيل لشعب إسرائيل وصلت حدا عهدناه فقط في أحلك الفترات في شتاتنا الطويل والمر".

وقال مصدر في جهاز التعليم الحريدي للصحيفة، إن "المعلم يلخص الفصول بعدة جمل منه. والأمور التي تقال شفاهيا حادة أكثر بكثير من تلك المكتوبة في كتب التدريس، وهي أيضا تؤثر في التلاميذ".