شلومو ساند: "الصهاينة الجدد" اخترعوا "أرض إسرائيل" كمصطلح جيو - سياسي عصري

على هامش المشهد

 

عقيد احتياط وقع في الأسر: استخدام "إجراء هنيبعل" جريمة أخلاقية تنبع من وجهة نظر فاشية

 

 

 

 

*الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية: فائدة "إجراء هنيبعل" مشكوك فيها، في حين أن ضرره كبير*

 

 

دعت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إلى إعادة النظر في استخدام "إجراء هنيبعل" ومسؤوليته عن الضرر الإنساني غير المحتمل الذي لحق بالسكان الفلسطينيين الأبرياء في قطاع غزة.

 

وجاء ذلك في افتتاحية خاصة أنشأتها الصحيفة تحت العنوان "ماذا جرى في رفح؟" يوم 5/8/2014، وأكدت فيها أن العملية التي قام بها الجيش الإسرائيلي في رفح قبل ذلك التاريخ بعدة أيام تتطلب تحقيقاً جذرياً وشاملاً.

 

وأضافت: إن الشك بأن الضابط من فرقة غفعاتي هدار غولدين، قد خُطف وأُسر دفع قادته إلى استخدام "إجراء هنيبعل" المعدّ لإحباط عمليات الخطف، والذي تُرجم بقصف مكثف للأحياء السكنية في رفح. وقتل من جراء هذا القصف فقط، من 130 إلى 150 فلسطينياً بينهم الكثير من النساء والأطفال. واستمر القصف حتى بعد إعلان الجيش مقتل غولدين، وقصفت مدرسة تابعة للأونروا لجأ إليها آلاف اللاجئين، مما أدى إلى مقتل عشرة منهم. في هذه الأثناء ما يزال الجيش يحقق في هذه الحادثة. وكان الفلسطينيون تحدثوا قبل ذلك عن حادثتين أخريين قتل خلالهما تسعة أفراد من أبناء عائلة واحدة، وثمانية من عائلة أخرى بنيران مدفعية الجيش الإسرائيلي. ويتحدث سكان رفح عن وقوعهم وسط فخ من النيران حين أخذ الجيش يقصف المنازل ويهدمها على رؤوس ساكنيها من دون تمييز. وعندما حاول هؤلاء الفرار من المنازل تعرضوا للقذائف وهم في الشوارع.

 

وتابعت الصحيفة:

 

تبدو التقارير والصور من رفح قاسية، وقد استخدمت وزارة الصحة الفلسطينية برادات الخضار من أجل حفظ جثث القتلى بعد نفاد الأماكن الخاصة بذلك في المستشفيات. وحتى الجيش الإسرائيلي يعترف بأن استخدام "إجراء هنيبعل" كان عنيفاً وأدى أكثر من أية مرة ماضية إلى سقوط أبرياء. ويفسر الجيش وقوع عدد كبير من القتلى في عملية رفح بأنه عائد إلى الحاجة إلى عزل المنطقة ومنع هرب الخاطفين مع الجندي الأسير حتى يتضح مصيره. لكن على الرغم من ذلك، يعترف الجيش بأن القصف استمر بعد العثور على أدلة تشير إلى مقتل غولدين، ورداً على عناصر "حماس" الذين حاولوا الرد على النار.

 

وأشارت الصحيفة إلى أن من واجب إسرائيل الأخلاقي أن تدرس ما الذي حدث في رفح بدقة. ويجب أن يتضح ما إذا كانت رئاسة هيئة الأركان والقيادة السياسية على علم بما كان يحدث وقت إطلاق النار الكثيف على الأحياء السكنية ونتائجها المأساوية، وهل كانتا على علم بقوة الهجمات على رفح بعد إعلان مصير الضابط غولدين.

 

وختمت: لقد أدانت الإدارة الأميركية والأمين العام للأمم المتحدة بشدة قصف المدرسة. ووصف بان كي مون هذا القصف "بالعمل الإجرامي والفضيحة الأخلاقية". لكن من دون أي علاقة بالمطالبة الدولية في التحقيق بالشكوك في وقوع جرائم حرب، يتعين على الجيش الإسرائيلي والطبقة السياسية في أعقاب الأحداث في رفح إعادة النظر في استخدام "إجراء هنيبعل" ومسؤوليته عن الضرر الإنساني غير المحتمل الذي لحق بالسكان الأبرياء.

 

من ناحية أخرى قال أوري عراد، وهو عقيد في الاحتياط وقائد طائرة فانتوم أسقطت خلال حرب تشرين/ أكتوبر 1973 ووقع حينها في الأسر، في سياق مقال نشره يوم 12/8/2014 في الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، إن استخدام "إجراء هنيبعل" لمنع وقوع جندي في الأسر جريمة أخلاقية لا تحترم حياة الفرد.

 

وأضاف عراد: يستحق الضابط الذي دخل نفق "حماس" محاولاً إنقاذ هدار غولدين، الثناء على الرغم من عصيانه الأوامر. فمن خلال عمله الشجاع طبق القاعدة الأخلاقية التي تربت عليها أجيال عديدة من المقاتلين والتي تقضي بعدم التخلي عن جنودنا. وتختلف عن هذا جذرياً العملية المشتركة التي قام بها الجيش الإسرائيلي في رفح من أجل الغاية نفسها، ولكن من خلال تطبيق "إجراء هنيبعل" وكان هدفها منع وقوع الضابط المختطف في الأسر حتى لو كان الثمن تعريض حياته إلى خطر حقيقي، وهذا ما لم تكذبه أطراف عسكرية أو سياسية.

 

وقال إن المغزى الفعلي لهذا الإجراء الذي يرى أنه يجب استخدام جميع الوسائل لإحباط الخطف حتى لو تطلب الأمر تعريض حياة جندي للخطر، يشكل خرقاً للثقة حيال الجندي وعائلته، وتنكراً من جانب الدولة لواجبها ببذل كل شيء من أجل إعادة المقاتلين إلى وطنهم. ليس هناك أهل يفضلون موت ولدهم على وقوعه في الأسر. من هنا، فإن محاولة منع الأسر بثمن تعريض حياة المقاتلين للخطر جريمة أخلاقية تنبع من وجهة نظر فاشية تعطي الأولوية للدولة على الفرد. وهذا الفرد المستعد لأن يعرض حياته للخطر دفاعاً عن الدولة، يفعل ذلك وهو يعلم أن الدولة ستفعل كل ما في وسعها لإعادته حياً، وأنها لن توجه سلاحها نحوه.

 

وختم قائلاً: إن اليمين المتطرف لم يصل إلى سدة الحكم بعد، لكن مما لا شك فيه أن رؤيته الفاشية للعالم استقرت في أفئدة كثيرين. والمجتمع الإسرائيلي يتطرف بسرعة، وظواهر العنصرية، وكم الأفواه والعنف الموجه ضد العرب واليساريين، والتحريض وإقصاء الأقليات، أصبحت أموراً روتينية. إن هذا كله لا يحدث من فراغ، والخطاب السائد اليوم في إسرائيل هو خطاب أشخاص رؤيتهم الشاملة قومية متطرفة، لكن المسؤولية على ما يقع يتحملها أولاً وقبل كل شيء رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.

 

على النسق ذاته دعا الجنرال احتياط شلومو غزيت، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية ("أمان")، في مقال نشره في صحيفة "هآرتس" يوم 12/8/2014 إلى إلغاء "إجراء هنيبعل".

 

وأشار غزيت إلى أن هذا الإجراء أثار خلال الأعوام الثلاثين الماضية نقاشاً عاماً ذا أبعاد أخلاقية بشكل أساسي. ويقتضي التطبيق الضمني له القيام بما يمكن فعله لإحباط عملية الاختطاف، ومن ضمن ذلك إطلاق نيران على الخاطفين قد تصيب الجندي الأسير أيضاً. وبكلام أقل دبلوماسية، الوصف الملائم لتفسير الإجراء هو التالي: "الجندي القتيل خير من الجندي الأسير".

وأضاف أن أهمية "إجراء هنيبعل" تكمن في الردّ الفوري للقوة العسكرية المنتشرة في مكان الحادثة. وهو يرتكز على فرضية أن كل تأخير في الردّ يفضي إلى أمر واقع، وإلى عدم القدرة على إحباط عملية الأسر. وهذا ما يفسّر أيضاً بموجب الإجراء، نقل صلاحية الردّ من القيادة إلى الوحدة العسكرية في مكان الحادثة، وأحياناً تطبيق الإجراء من قبل قائد ميداني لا يحمل رتبة ضابط.

وقال غزيت إنه في جميع الحالات التي تم فيها تطبيق "إجراء هنيبعل" لم ينجح في إحباط أيّ عملية خطف. ويبدو أنه على الرغم من نيات صائغي الإجراء الحسنة، فإن فرص نجاحه في إحباط عمليات الخطف قليلة جداً. في المقابل وعلى حد علمي، لم يُناقش هذا الإجراء على المستوى الحكومي قبل إقراره منذ ثلاثين عاماً، ولم تُدرس الانعكاسات السياسية- الاستراتيجية لتطبيقه من دون رقابة. وفي حالتين من الحالات التي طُبق فيها قررت قيادة المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي شكل الردّ الذي أدخل الدولة في حرب لبنان الثانية ووضع الحكومة أمام أمر واقع، وفي الحالة الثانية، في قضية الضابط غولدين، أضرّ تطبيق الإجراء والردّ القاسي بعلاقات الدولة الخارجية، مما تطلب تبريراً لهذا التصرف أمام الجهات الدولية ومواجهة تحقيقات لا تنتهي.

وختم غزيت: يبدو الاستنتاج من ذلك واضحاً، وهو ضرورة إلغاء "إجراء هنيبعل" والتفكير في إجراء بديل. وأكد أن فائدة الإجراء مشكوك فيها، في حين أن ضرره كبير.