هل ستضمن إسرائيل بقاءها؟

على هامش المشهد

 

 

 

أنفاق غزة ستكون المحور المركزي في عمل لجنة تحقيق إسرائيلية حول الحرب الحالية

 

 

 

عندما انتهت حرب لبنان الثانية، في العام 2006، كانت إسرائيل في وضع أفضل مما يبدو وضعها الآن، رغم أن الحرب على غزة، التي تطلق عليها إسرائيل اسم "الجرف الصامد"، لم تنته بعد. ففي حينه، انتهت حرب لبنان بقرار صادر عن مجلس الأمن الدولي، القرار 1701، وأهم ما جاء فيه كان منع حزب الله من التواجد عسكريا في المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني. ومنذئذ امتنع حزب الله عن إطلاق صواريخ أو المبادرة إلى هجمات علنية ضد إسرائيل، إلا أن الأخيرة تتهم الحزب بتنفيذ عملية بورغاس، لكن الحزب يمتنع عن الاعتراف بوقوفه خلف هذه العملية.

 

 

وفي أعقاب صدور القرار 1701، كررت القيادة الإسرائيلية، السياسية والعسكرية، الحديث عن أنها حققت الهدوء عند حدودها الشمالية مع لبنان وردعت حزب الله. لكن هذا لم يمنع تشكيل لجنة تحقيق، هي "لجنة فينوغراد"، في إخفاقات الحكومة والجيش خلال هذه الحرب. وتوصلت "لجنة فينوغراد" إلى استنتاجات خطيرة، بينها أن الحكومة لم تناقش تقارير قدمها الجيش حول العمليات العسكرية ولم تطالب ببدائل للخطط العسكرية المطروحة وأن مجلس الأمن القومي لم يعمل بصورة سليمة، وغير ذلك. وكانت النتيجة المباشرة والملموسة لتقرير "لجنة فينوغراد" استقالة وزير الدفاع، عمير بيرتس، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي، دان حالوتس. وعلى ضوء تقرير اللجنة تعالت مطالب بأن يستقيل رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، أيضا، والذي باتت شعبيته في الحضيض، بحيث أنه عندما بدأت تظهر شبهات ضده بالفساد، طالبه وزراء حكومته، وعلى رأسهم وزيرة الخارجية، تسيبي ليفني، ووزير الدفاع، إيهود باراك، بالاستقالة فورا.

 

وفي الحرب الحالية التي تشنها إسرائيل ضد غزة، لا يبدو أنها حققت شيئا سوى استهداف المدنيين الفلسطينيين وقتل أكثر من 1700، غالبيتهم العظمى من المدنيين، وبينهم مئات الأطفال والنساء والمسنين، وتدمير بيوتهم ومؤسساتهم. لكنها لم تحقق شيئا في الجانب العسكري، ولا حتى الهدف المعلن، وربما المتواضع أيضا، وهو تدمير الأنفاق التي تمتد من قطاع غزة إلى جنوب إسرائيل.

 

ولم يمنع هذا الوضع الحكومة الإسرائيلية السياسية - الأمنية المصغرة (الكابينيت) من اتخاذ قرار بالسعي إلى إنهاء الحرب بصورة أحادية الجانب، بادعاء أنها تعمد بذلك إلى ردع حماس. وتحدثت تقارير عن أن قوات إسرائيلية بدأت بالانسحاب من داخل القطاع والانتشار خارجه، خلال نهاية الأسبوع الماضي.

 

وأعلن رئيس حكومة إسرائيل، في مؤتمر صحافي، مساء السبت الماضي، أن "العملية العسكرية البرية ستقلص بصورة أحادية الجانب" وأن "الجيش الإسرائيلي سيستعد لمواصلة العملية العسكرية وفقا للاحتياجات الأمنية فقط"، رغم أنه خلال الأيام الأخيرة التي سبقت ذلك لم يحدث تطور لافت باستثناء مقتل المزيد من الجنود الإسرائيليين وأنباء متناقضة حول أسر الضابط هدار غولدين، واستمرار المقاومة في استخدام الأنفاق في عملياتها. وهدد نتنياهو بأن الطيران الحربي الإسرائيلي سيستمر في شن الغارات في حال استمرار إطلاق الصواريخ من قطاع غزة باتجاه إسرائيل.

 

ويجمع المحللون الإسرائيليون على أن لجنة تحقيق في الحرب على غزة ستشكل لا محالة. ورغم أنه يصعب التنبؤ الآن باستنتاجاتها، لكن ثمة مؤشرات على أن هذه الاستنتاجات ستكون خطيرة وجدية. وكتب محلل الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس"، يوسي فيرتر، أول من أمس الأحد، أنه "إذا استمر إطلاق الصواريخ من الجنوب أيضا بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع، فإن نتنياهو قد يُعتبر كمن يقود إسرائيل إلى مذلة قومية، الأمر الذي سيتسبب بفقدانه لدعم الأغلبية في حكومته وحزبه، وفقدان الحكم لاحقا".

 

إخفاق الأنفاق

 

يبدو، بحسب التقارير الإعلامية الإسرائيلية، أن أحد أبرز المواضيع التي ستطرق إليها لجنة تحقيق مستقبلية سيكون موضوع الأنفاق. وتبين أن هذا موضوع معقد وشائك، وفي حال تناولته لجنة تحقيق فإنها ستتعامل مع عدة جوانب فيه:

 

أولا: هناك اتهامات لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بأنها لا تملك معلومات كافية حول الأنفاق في قطاع غزة. ولذلك، فإنه لم يكن بإمكان سلاح الجو تدمير الأنفاق لأنه مكانها ومسارها ليس معروفا. واستمر الجيش الإسرائيلي في مواجهة مصاعب في كشف الأنفاق في أعقاب شن العملية العسكرية البرية أيضا، رغم أنه تمكن من كشف جزء منها، بعد الدخول إلى بيوت في القطاع، حُفرت أنفاق تحتها.

 

ثانيا: أعلن نتنياهو أن هدف الحرب على غزة، وخاصة الاجتياح البري للقطاع، هو تدمير "الأنفاق الهجومية"، أي تلك التي بدايتها في القطاع ونهايتها في إسرائيل، وربما تمتد تحت بلدة إسرائيلية قريبة من الشريط الحدودي. وتحدث مسؤولون في الحكومة عن عدم اطلاعهم على تهديد الأنفاق. لكن ضباطا في الجيش الإسرائيلي سارعوا إلى التأكيد على أن موضوع الأنفاق تم طرحه خلال اجتماعات الحكومة والكابينيت منذ عام تقريبا، وأن الحكومة لم تهتم بتحذيرات الجيش. ما يعني أنه يوجد تناقض هنا بين روايتي المستويين السياسي والعسكري.

 

ثالثا: حتى بعد أن أعلن ضباط أمام المراسلين عن تدمير أنفاق، تبين أنه لم يتم تدميرها بالكامل وأنها لا تزال تعمل. وأبرز مثال على ذلك هو قول أحد الضباط الإسرائيليين إن بلدة في جنوب إسرائيل باتت في مأمن من تهديد أحد الأنفاق، لكن بعد مرور ساعة واحدة خرج مقاتلون فلسطينيون من النفق نفسه وقتلوا أربعة جنود إسرائيليين.

 

وفي هذا السياق، نقل موقع "هآرتس"، يوم الخميس الماضي، عن ضابط إسرائيلي كبير قوله إنه منذ بدء الاجتياح البري للقطاع دمر الجيش الإسرائيلي ما بين 80 إلى 90 بالمئة من الأنفاق المعروفة له. لكن الضابط اعترف في الوقت نفسه بأنه ما زالت لدى حماس قدرة على شن هجمات في الأراضي الإسرائيلية من خلال الأنفاق. وقال إن "ثمة احتمالا بأنه بقيت هناك مخارج أنفاق أخرى، لكنها قليلة إن وجدت".

 

رابعا: الاستخبارات الإسرائيلية تقول إن حماس بدأت تستعد للحرب الحالية منذ نهاية العام الماضي. والسؤال الذي يطرحه محللون عسكريون هو لماذا لم يستعد الجيش لذلك، وهل كانت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية على علم بأن حماس اتخذت قرارا استراتيجيا بالمبادرة إلى شن هجمات عبر الأنفاق؟.

 

ويتوقع أن تتناول لجنة التحقيق امتناع الحكومة الإسرائيلية عن توسيع الاجتياح البري، إذ أن قرارا كهذا كان محل توتر بين الحكومة والقيادة الميدانية للقوات الإسرائيلية، بعد تجنيد 86 ألف جندي احتياط. وبرز هذا التوتر بأقوال ضابط كبير لوسائل الإعلام بأن على الحكومة أن تقرر إما توسيع العملية العسكرية البرية أو سحب القوات من القطاع.

 

إخفاق الشاباك و"يوم غفران" ثانٍ

 

ورأى محلل الشؤون الأمنية في "هآرتس"، أمير أورن، أن جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، كونه جهاز أمن وقائي والمسؤول الأول عن الحلبة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، أخفق بشكل كبير في الحرب الحالية على غزة. ولاحظ المحلل أن الشاباك "تحول إلى ضابط السلوك للاحتلال" في الضفة والقدس خصوصا.

 

واعتبر أورن أن "الشاباك فوت المعاني الحقيقية للتطورات في غزة منذ الأعوام 2005 – 2007، وهي الفترة التي بلورت الواقع الجديد: انسحاب الجيش وفوز حماس بالانتخابات وسيطرته بالقوة على القطاع. ولم تعد حماس منظمة إرهابية تنفذ عمليات، وإنما تحولت إلى دولة صغيرة لديها جيش صغير. وعشرات الأنفاق التي تتوغل إلى إسرائيل ليست مجرد حفرة تحت الجدار، وإنما هي، وفقا لتسمية الجيش، ’اختراق المجال’، وهي بُعد آخر في القتال – أي غواصات برية".

 

وأضاف أورن أنه "أمام عدو كهذا، ويعمل بهذه الطريقة، ثمة حاجة لمؤهلات استخبارية يفتقر لها الشاباك الذي اكتسب مجده بتفعيل عملاء من أجل إحباط عملاء... ولا توجد للشاباك أية أفضلية نسبية في جمع معلومات استخبارية خلال القتال، وهو أمر يستوجب خبرات أخرى... ورئيس الشاباك، يورام كوهين، المتحصن في عزبته، يخضع بشكل مباشر لبنيامين نتنياهو. وكلاهما، كوهين ونتنياهو، مسؤولان عن فشل الشاباك في غزة".

 

وفي موازاة الاتهامات لأجهزة الأمن بالفشل في الحرب على غزة، رأى الباحث والمحاضر في قسم العلوم السياسية في جامعة حيفا، الدكتور أوري زيلبرشايد، في مقال نشره يوم الخميس الماضي، في موقع "يديعوت أحرونوت" الإلكتروني، أن إسرائيل فوجئت في الحرب الحالية مثلما فوجئت في حرب "يوم الغفران"، أي حرب أكتوبر العام 1973.

 

وكتب أن "خطوات نتنياهو ويعلون في حرب غزة الحالية تشبه إلى حد بعيد خطوات (وزير الدفاع في حينه) موشيه دايّان قبل حرب بوم الغفران وخلالها. ومن شأن إعادة إدارة الحرب إلى أيدي الحكومة فقط، بموجب القانون، أن يضمن إدارة سليمة للحرب".

 

وأشار زيلبرشايد إلى أنه "قبل أسابيع معدودة من يوم الغفران في العام 1973 بدأ الجيشان السوري والمصري بالاستعداد للحرب ضد إسرائيل. واستكملا استعدادهما قبل أيام معدودة من العيد. ووزير الدفاع دايان، السلطة الأمنية العليا، تجاهل ذلك. وحتى بعد وصول المعلومة حول اندلاع الحرب في مساء يوم 6 تشرين الأول، استمر دايان في تأخير تجنيد الاحتياط في الساعات المصيرية. وعبر المصريون القناة واحتلوا ضفتها الشرقية. واحتل السوريون غالبية الأجزاء الجنوبية من مرتفعات الجولان". وعلى ضوء ذلك اقترح دايان انسحاب القوات الإسرائيلية في كلتا الجبهتين، لكن رئيسة حكومة إسرائيل حينذاك، غولدا مئير، ومعها الوزيران يسرائيل غاليلي ويغئال ألون، منعا ذلك، وبعد أن "أزاحا دايان جانبا" بحيث لم يعد "السلطة العليا"، أداروا الحرب بدعم من الحكومة "ودعموا الهجوم المضاد للجيش الإسرائيلي... والشجاعة السياسية والعسكرية للحكومة مقابل ’انهزامية’ القائد الأعلى دايان هي التي أنقذت دولة إسرائيل في حينه".

 

ورأى زيلبرشايد أن "حرب غزة الثانية فاجأت دولة إسرائيل أيضا، والمسؤولان الرئيسيان عن ذلك هما نتنياهو ويعلون. فقد استخفا بأعمال البناء المكثفة لمنظومة الأنفاق، رغم المعلومات الكثيرة التي وصلت إليهما. وقد استعدت حماس لحرب استنزاف ضد إسرائيل، شملت إطلاق قذائف هاون وقذائف صاروخية من داخل القطاع باتجاه مدن إسرائيل وغزوات على البلدات ومعسكرات الجيش القريبة من الشريط الحدودي من خلال مدينة الأنفاق. والجيش الإسرائيلي لم يستعد كما ينبغي لهذه الحرب، وليس بذنبه. فقد بادر نتنياهو ويعلون إلى تصغير جيش البرية وسلاح الجو. وفقط قبل شهرين أمر وزير الدفاع بتقليص وظائف مركزي الأمن الدائمين في البلدات المحيطة بغزة".

 

وأضاف أنه "تم إبعاد الحكومة عن المعلومات وصناعة القرار... وفيما رفض نتنياهو ويعلون مرة تلو الأخرى الانتقال إلى عملية برية، فإنها وافقا على وقف إطلاق نار من دون شن أي عملية برية. وهذه الموافقة، التي تعني انتصار حماس وإبقاء مخزون الصواريخ والأنفاق بأيديها، ليست مختلفة عن اقتراحات دايان بتنفيذ انسحابات عميقة في حرب يوم الغفران وعمليا منح انتصار لمصر وسورية. وعندما رفضت حماس وقف إطلاق النار، وعلى ضوء ضغط شعبي، أمر الكابينيت، الذي ’نسي’ إعادة إدارة الحرب إلى الحكومة المسؤولة عنه، ببدء عملية برية، لكنه خول كلا ’القائدين الأعليين’ بتحديد غايات العملية البرية وحجمها. وحدد الاثنان غاية مقلصة، ورغم أهميتها لكنها ليست كافية، وهي كشف الأنفاق وتدميرها".

 

واعتبر زيلبرشايد أنه "من دون اجتثاث حماس فإنه سيتم إهدار أي انتصار" داعيا إلى "إخراج إدارة الحرب من أيدي نتنياهو ويعلون. ومن شأن انتصار كامل فقط أن يفتح ثغرة لسلام مع دولة فلسطينية على أساس الحدود وترتيبات أمنية لصالح إسرائيل. وكبديل لذلك، تحظر الموافقة على أي اتفاق وقف إطلاق نار لا يشمل نزعا مؤكدا للسلاح في القطاع ومن خلال مشاركة الأمم المتحدة والسلطة الفلسطينية ومصر".