المراسل السياسي والدبلوماسي في صحيفة هآرتس: أتوقع أن ينتهي اللقاء بين نتنياهو وأوباما بمزيد من النفور

على هامش المشهد

 

عشر منظمات حقوقية إسرائيلية: شبهات قوية بارتكاب إسرائيل انتهاكات خطيرة للقوانين الدولية

 

 

 

 

اضطرت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، في الأيام الأخيرة وفي خروج خجول عن الإجماع الكاسح الذي يميزها في دعم العدوان الإسرائيلي الحالي على قطاع غزة ـ اضطرت إلى التطرّق إلى ما سيعقب هذا العدوان من حيث خضوع إسرائيل الرسمية، السياسية والعسكرية على وجه الخصوص، لتحقيقات مختلفة الأذرع والمستويات فيتحدث بعض الكتاب والمعلقين فيها عن "تقرير غولدستون الجديد" الذي سيأتي لا محالة وسيكون أشد وطأة وخطورة من "تقرير غولدستون" الذي وضعته "لجنة تقصي الحقائق" في أعقاب العدوان الإسرائيلي السابق على قطاع غزة في العام 2009 ("الرصاص المصبوب" - من 27 كانون الأول 2008 حتى 18 كانون الثاني 2009) واعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في تشرين الثاني من العام نفسه.

 

ويأتي اضطرار بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية هذا على ضوء القرار الذي اتخذه "مجلس حقوق الإنسان" التابع للأمم المتحدة في مقره في جنيف (سويسرا) يوم 23 تموز الأخير والقاضي بـ"تشكيل لجنة تحقيق دولية ذات صفة عاجلة للتحقيق في كل الانتهاكات المرتكبة" خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، علماً بأن هذا العدوان كان قد أوقع، حتى يوم اتخاذ "مجلس حقوق الإنسان" قراره هذا (أي، اليوم الخامس عشر من العدوان، الذي بدأ في 8 تموز) أكثر من 685 شهيدا فلسطينيا، فيما يقترب عددهم الآن من ألفيّ شهيد!

 

وتبنى المجلس، الذي يضم في عضويته 46 عضوا، مشروع القرار الذي طرحته فلسطين بغالبية 29 صوتا، بينها الدول العربية والإسلامية التي انضمت إليها الصين وروسيا ودول أميركا اللاتينية ودول إفريقية، فيما عارضته دولة واحدة وحيدة فقط هي الولايات المتحدة وامتنعت 17 دولة عن التصويت، هي الدول الأوروبية.

 

وندد القرار بـ"الانتهاكات المعممة والمنهجية والفاضحة لحقوق الإنسان والحريات الأساسية نتيجة العمليات العسكرية المستمرة في الأراضي الفلسطينية، وخصوصا الهجوم العسكري الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، والذي يشمل هجمات عشوائية وغير متكافئة يمكن أن تشكل جرائم حرب"! وطالب القرار بـ"إرسال لجنة تحقيق مستقلة ودولية بشكل عاجل للتحقيق في هذه الانتهاكات". ودعا المحققين إلى "إعداد قائمة بالانتهاكات والجرائم المرتكبة وتحديد هوية المسؤولين عنها من أجل محاكمتهم ومنع إفلاتهم من العقاب"!

 

وسبق تبني هذا القرار رسميا بيان دعت المفوضة العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، نافي بيلاي، من خلاله إلى "إجراء تحقيق بشأن جرائم حرب قد تكون إسرائيل ارتكبتها في قطاع غزة"، موضحة أن "هناك احتمالا كبيرا بأن يكون تم انتهاك القانون الدولي الإنساني بطريقة قد تشكل جرائم حرب".

 

وخلال جلسة مجلس حقوق الإنسان، قبل اعتماد القرار، كان وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، بين المتحدثين المركزيين، فقال في كلمته إن "إسرائيل ترتكب جرائم ضد الإنسانية في غزة" ودعا المجتمع الدولي إلى التدخل لحماية الفلسطينيين "من خلال تشكيل لجنة خاصة للتحقيق"، مؤكدا على "ضرورة وضع حد لإرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل والمستوطنون بحق الفلسطينيين".

 

وعلى ضوء اعتماد هذا القرار، وتنفيذا له، ستشرع مؤسسات الأمم المتحدة المعنية بتشكيل هذه اللجنة، تعيين أعضائها، تحديد مهامها والجدول الزمني لإنجازها، في الوقت الذي تحدثت فيه بعض الأنباء عن أن "إسرائيل والولايات المتحدة ستحاولان تأجيل تشكيل هذه اللجنة قدر المستطاع، أو العمل على تقليص مهامها إلى الحد الأدنى الممكن"!

 

ومن جانبه، شن مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، هجوما حادا على قرار مجلس حقوق الإنسان هذا واصفا إياه بأنه "مهزلة" وأنه "يتوجب على كل إنسان منصف في أي مكان في العالم رفض هذا القرار"!

 

ورأى مكتب نتنياهو، في بيان خاص حول هذا القرار، أنه "بدلا من التحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها حماس، التي تختبئ خلف سكان مدنيين وتطلق القذائف على المدنيين، يدعو المجلس إلى التحقيق مع إسرائيل التي تبذل قصارى جهدها لتجنب المس بالمواطنين الأبرياء"! وأضاف مكتب نتنياهو القول أن "نهاية هذه اللجنة ستكون مثل نهاية لجنة غولدستون، إذ تنصل رئيسها القاضي ريتشارد غولدستون من غالبية ما ورد في تقريره"!

 

 

عشر منظمات حقوقية

 

إسرائيلية: انتهاكات خطيرة!

 

 

 

وقبل يومين اثنين من التئام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة واتخاذ قراره السالف، أي يوم 21 تموز المنقضي، وجهت عشر منظمات حقوقية إسرائيلية "رسالة عاجلة" إلى المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية، يهودا فاينشتاين، ونسخة عنها إلى رئيس النيابة العسكري، داني عفروني، كان عنوانها "شبهات حول انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي خلال عملية الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة"، وذلك "في أعقاب معلومات وتقارير حول طابع الهجمات وحجم الإصابات بين المواطنين المدنيين".

 

والمنظمات الحقوقية العشر التي وجهت هذه الرسالة باسمها هي: "بتسيلم" (مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة)، "غيشاه" ("مَسلَك ـ مركز للدفاع عن حرية الحركة")، اللجنة الشعبية لمناهضة التعذيب في إسرائيل، "هموكيد" (مركز الدفاع عن الفرد)، "يش دين" (منظمة متطوعين لحقوق الإنسان)، "عدالة" (المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل)، "محسوم ووتش" (لا للحواجز)، "شومري مشباط" (حاخامون من أجل حقوق الإنسان)، "أطباء لحقوق الإنسان" و"جمعية حقوق المواطن في إسرائيل"، التي تولت مديرة "دائرة حقوق الإنسان في المناطق المحتلة" فيها، المحامية تمار فيلدمان، كتابة الرسالة نيابة عن هذه المنظمات وباسمها، جميعا.

 

وطالبت هذه المنظمات العشر المستشار القانوني للحكومة بإصدار تعليماته إلى الحكومة بالامتناع عن انتهاك قوانين الحرب وبالعمل الفعلي لفحص مدى قانونية سياسة الهجوم وتعليمات إطلاق النار التي يعتمدها الجيش الإسرائيلي. كما طالبته، أيضا، بإبلاغها ما إذا كان قد اهتم بمراقبة وفحص ماهية الاستشارة القضائية التي قدمتها النيابة العسكرية لقادة الجيش في إطار الحرب الحالية، داعية إياه إلى التحرك من أجل تشكيل هيئة تحقيق خارجية، مستقلة وفاعلة، تناط بها مهمة الفحص المعمق لقرارات القيادة السياسية والقيادة العسكرية، طبقا لما يوجبه القانون الدولي ولما أكدته المحكمة العليا الإسرائيلية في عدد من قراراتها.

 

وأشارت الرسالة إلى أنه "منذ بدء عملية الجرف الصامد، قتل ما يزيد عن 400 إنسان، غالبيتهم الساحقة من الفلسطينيين، وأصيب الآلاف. من بين القتلى الفلسطينيين، هناك أكثر من 80 طفلا. وطبقا لتقديرات الأمم المتحدة، فإن نسبة المواطنين المدنيين من بين القتلى تبلغ 70%، بينما تقول معطيات المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان إن المواطنين المدنيين يشكلون أكثر من 80% من القتلى". وهذا مع التذكير، طبعا، بأن هذه الرسالة أعدت يوم 21 تموز، أي في اليوم الثالث عشر من بدء العدوان (يوم 8 تموز) وفي اليوم الخامس من بدء التوغل البري في إطاره (يوم 17 تموز).

 

ولفتت الرسالة إلى عدد من الحالات التي تم فيها استهداف المواطنين العزل، أبرزها مجزرة حي الشجاعية في مدينة غزة، إذ "تكشف المعطيات التي تم جمعها صورة قاسية جدا عن قتل عشرات الفلسطينيين، من بينهم 17 طفلا و 14 سيدة، على نحو يثير تخوفا عميقا وكبيرا حول قانونية هذه العملية، بل يثير بالتحديد شبهات قوية بانتهاك مبادئ أساسية في القوانين الإنسانية وأن هذا الانتهاك أدى إلى مقتل عدد كبير من المواطنين". وأكدت الرسالة أن المنظمات الموقعة عليها "تصر على ضرورة الإحجام عن تنفيذ عمليات لا تتيح التمييز بين المقاتلين وبين المواطنين وتقليص حجم المسّ بالمواطنين إلى الحد الأدنى الممكن".

 

وأكدت رسالة المنظمات الحقوقية إلى المستشار القانوني أن "تحذير السكان المدنيين (بأن يخلوا منازلهم لأنها ستتعرض للقصف) لا يحوّلهم ومنازلهم إلى هدف عسكري شرعيّ ولا يعفي الجيش من واجبه بشأن تجنب المس العشوائي بالمنطقة التي يقطنون فيها، مضيفة أنه "في غياب منطقة آمنة يستطيع هؤلاء السكان الوصول إليها بصورة آمنة، بحيث تشكل ملاذا آمنا لهم وموئلا لتلبية احتياجاتهم الإنسانية، ليس في وسع القائد العسكري الادعاء بأنه اتخذ ما يكفي من تدابير الحذر ووسائل الحيطة لمنع وقوع هذا المس وتجنبه".

 

وأوردت الرسالة جملة من الحالات التي تعرضت فيها أهداف مدنية خالصة وواضحة للأذى، قبل مجزرة الشجاعية، معتبرة أن تلك الحالات أيضا "تثير شبهات قوية بانتهاك قوانين القتال، وفي مقدمتها مبدأ التمييز بين المقاتلين وبين المواطنين". ومن بين تلك الحالات: قصف مقهى "وقت المرح" على شاطئ البحر في خانيونس يوم 9/7/14 والذي راح ضحيته تسعة شهداء مدنيين من أصل 13 مواطنا كانوا يشاهدون مباراة بكرة القدم في إطار "المونديال"؛ القصف من بوارج حربية باتجاه شاطئ البحر والذي أسفر عن استشهاد أربعة أطفال (دون سن الـ 15) أبناء عائلة واحدة وقصف ملجأ ذوي الإعاقات في بيت لاهيا يوم 12/7/14 والذي أوقع شهيدتين من بين النزلاء. وأكدت المنظمات الحقوقية أنه "حتى لو كانت في تلك المواقع التي تعرضت للقصف أهداف عسكرية مشروعة، كما يدعي الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، إلا أن النتائج تثير شبهات قوية بأن الجيش الإسرائيلي لم يتخذ ما يكفي من وسائل الحذر لتجنب المس بالمواطنين وبأن مسألة التناسبية لم تؤخذ في الاعتبار لدى اتخاذ القرار بتنفيذ هذه العمليات".

 

وعرضت رسالة المنظمات الحقوقية الإسرائيلية لعدد من حالات القصف التي طالت مباني سكنية بذريعة أن مقاتلين من فصائل المقاومة كانوا يسكنون فيها، وفق مزاعم الناطق الرسمي بلسان الجيش الإسرائيلي. ومن بينها: قصف منزل عائلة كوارع، في اليوم الأول من العدوان (8/7/14)، الذي سقط جراءه 8 شهداء، من بينهم 6 أطفال، وقصف منزل عائلة حمد، في اليوم ذاته، وراح ضحيته 6 شهداء وهم نيام، ثم قصف منزل عائلة الحاج بعد يومين من ذلك (في 10/7) والذي أسفر عن استشهاد 8 من أبناء العائلة، إضافة إلى قتل 3 من أبناء عائلة شحيبر، هما شقيقان (8 سنوات و 11 سنة) وقريبتهما ابنة الـ 8 سنوات، من جراء "صاروخ تحذيري" أطلق باتجاه منزل مجاور يوم 17/7/14! وتؤكد هذه المنظمات أن مهاجمة مبنى سكني واستهدافه بالقصف، لمجرد كونه مسكنا لناشط في "تنظيم معاد" هو عمل غير قانوني، وحتى لو ادُّعِيَ بأن المنزل يستخدَم لأنشطة عسكرية، فمن الواجب أخذ مسألة التناسبية في الاعتبار قبل اتخاذ قرار بمهاجمته، حيال خطر المسّ بمواطنين مدنيين أبرياء.

 

وقبل أن تختم المنظمات الحقوقية رسالتها بعرض المطالب العينية على المستشار القانوني للحكومة، تؤكد: "كل واحد من الحوادث الواردة في هذه الرسالة، وغيرها أيضا، يستدعي بالطبع فحصا تفصيليا دقيقا ومنفردا بغية التوصل إلى إجابة حقيقية وصادقة على السؤال المركزي: هل تم انتهاك قوانين الحرب، خلالها؟ وإلى جانب هذا، نرى أن تراكم الأحداث يستدعي، بالضرورة، إجراء فحص مستعجل جدا حول الشبهات بانتهاك قوانين الحرب على صعيد سياسة الهجوم وتعليمات إطلاق النار. وكما هو معروف لك، بالطبع، فإن انتهاك قوانين الحرب والقتال من جانب الطرف الآخر لا يبرر ولا يشرعن انتهاكها من جانب إسرائيل"!

 

أما المطالب العينية، فتمثلت باثنين أساسيين هما التاليان: 1. إصدار تعليمات إلى القيادات السياسية والعسكرية المسؤولة عن تفعيل القوات بالامتناع الفوري عن تنفيذ أية عمليات عسكرية يمكن أن تنتهك قوانين الحرب والقتال، والامتناع تحديدا وبشكل خاص عن عمليات تثير شبهة ارتكاب انتهاكات خطيرة لهذه القوانين؛ 2. العمل السريع لتشكيل هيئة تحقيق خارجية، مستقلة وفعالة لفحص قرارات وتوجيهات القيادتين السياسية والعسكرية بشأن إدارة العمليات العسكرية، تمشيا مع مقتضيات القانون الدولي ومع قرارات المحكمة العليا الإسرائيلية.