سجالات واتهامات متبادلة ومصالح ذاتية في طريق تعيين الحاخامين الأكبرين لإسرائيل

على هامش المشهد

 

اتساع ظاهرة المحامين الإسرائيليين الجنائيين الذين يعملون كرجال مافيا

 

 

 

اتسعت في الآونة الأخيرة في إسرائيل ظاهرة المحامين الذين يمثلون نخبا سياسية وأثرياء، ويشتبه بهم بارتكاب مخالفات قانونية من أجل زيادة أرباحهم. وأشار تقرير نشرته صحيفة "هآرتس"، يوم الجمعة الماضي، إلى أن المحامي رونيل فيشر كان سيلقي محاضرة، يوم الخميس الماضي، أمام منتدى المحامين الجنائيين في نقابة المحامين، بعنوان "اتهامات جنائية لمحامين في إطار أدائهم لمهماتهم".

 

 

وكان يفترض أن تكون القضية المركزية في المحاضرة التحقيق الجديد الذي فتحته الشرطة ضد رئيس الحكومة السابق، ايهود أولمرت، في "قضية تالانسكي"، المعروفة أيضا بقضية المغلفات المالية التي اتهم فيها أولمرت بالحصول على رشاوى. وحول التحقيق الجديد وكيل أولمرت، المحامي نيفوت تل تسور، إلى مشتبه به بتشويش مجرى المحكمة وإقصاء شاهدة، كما أن هذا التحقيق الجديد ضد أولمرت أدى إلى استدعاء وكيله في "قضية هوليلاند"، المحامي روعي بلاخر، إلى التحقيق كمشتبه، واستدعي للتحقيق أيضا المحامي ميخا فطمان، وكيل سكرتيرة أولمرت، شولا زاكين، التي شهدت ضد رئيسها، لأن فطمان تلقى أجره من أولمرت.

 

لكن المحاضر، المحامي فيشر، اضطر إلى التغيب عن المحاضرة، لأنه كان معتقلا بشبهة التوسط في إعطاء وتلقي رشوة في إطار تحقيق الشرطة في قضية رئيس نقابة العمال في ميناء أسدود، ألون حسن، المشتبه به بالسيطرة على أعمال في الميناء وتقديم خدمات لشركات ومنع آخرين من الدخول إلى هذه الأعمال.

 

ووفقا للصحيفة فإن ثمة قاسما مشتركا واحدا بين فيشر، المشتبه به بالتوسط لدفع رشاوى بين موكله وبين أفراد شرطة وتشويش مجرى المحاكمة، وبين المحامي تل تسور، الذي عمل لصالح أولمرت وحاول منع زاكين من التوقيع على صفقة ادعاء مع النيابة العامة تجرم أولمرت، والتعهد لها بأن أولمرت سيرتب لها "دعما اقتصاديا سخيا جدا". والقاسم المشترك هو أن المحاميين يدعيان أن كل ما فعلاه يعتبر شرعيّا وأنهما مثلا قياديين في الحكم في إسرائيل.

 

وإلى جانب أولمرت، فإن المحامي تل تسور يمثل الوزير السابق وعضو الكنيست من حزب العمل، بنيامين بن إليعازر، المشتبه به بتلقي مبالغ طائلة كرشوة من رجل أعمال. كذلك يمثل هذا المحامي رؤساء بلديات متهمين بتلقي رشاوى، ويمثل أيضا داني دانكنر، وهو أكبر رجال الأعمال في إسرائيل، وكان قد مثل في الماضي رجل الأعمال دودي أبل، الذي اشتبه بدفع رشوة وارتبط اسمه بقضايا فساد كان رئيس حكومة إسرائيل الأسبق، أريئيل شارون، مشتبها بها.

 

وكان فيشر وكيل وزير الرفاه الحالي، مئير كوهين، الذي قدم شكوى ادعى فيها أن مؤامرة حيكت ضده. كذلك كان فيشر وكيل ضباط شرطة وعضو الكنيست عن حزب العمل، ميكي روزنطال، والأوليغارخ اليهودي الروسي أركادي غايدماك.

 

وقالت الصحيفة إن أوساط المحامين تعتبر أن ثمة فرقا بين تل تسور وفيشر، وبينها أن الأول هو محام "متمرس" و"جنتلمان" بينما توجد إشكالية في أداء الثاني. وثمة فرق آخر بين الاثنين، هو أن أوساط المحامين تعتبر أن فيشر تجاوز خطا أحمر، بينما الشبهات ضد تل تسور غير واضحة وضبابية.

 

المحامون ينسقون الإفادات بين المتهمين

 

وفيما يتعلق بالمحامي فطمان، فقد أدرك هذا المحامي بعد أن تولى الدفاع عن شولا زاكين، أنه سيتقاضى أجره من مقربين من أولمرت. وفي الوقت نفسه، قالت له زاكين إنها ستبذل كل ما في وسعها من أجل حماية أولمرت في المحكمة. لكن فطمان يدعي أنه لم يدرك وجود مصالح متناقضة بين الدفاع عن موكلته وبين التزامه لمن يدفع أجره كوكيل لها. وما حصل، هو أن فطمان التقى مع زاكين، في صباح اليوم الذي كانت ستدلي فيه بإفادة أمام المحكمة، حاملا ورقة تضمنت رسائل من محامي أولمرت حول الرواية التي يتعين عليها الإدلاء بها أمام المحكمة بشأن غاية 60 ألف شيكل، كانت قد حصلت عليها من شاهد ملك في القضية، وكانت قد صرحت في إفادتها الأولى أن هذا المبلغ تم تسليمه إلى المحامي أوري ميسر، صديق أولمرت وشريكه السابق في مكتب محاماة.

 

وبعد أن وقعت زاكين على صفقة ادعاء مع النيابة العامة، اعترفت بأنها كذبت بناء على طلب المحامي بلاخر، وكيل أولمرت. وفي ظل هذه الفوضى القضائية التي أحدثتها قضايا أولمرت، أوضحت الخبيرة والمحاضرة في موضوع القانون والمتخصصة في آداب المهنة، الدكتورة ليمور زار غوتمان، أن "مسألة التمويل لم يتم حظرها في قواعد آداب المهنة، بشرط أن هذا الأمر لا يخلق تناقض مصالح وأن يكون ولاء المحامي لزبونه وحسب".

 

ولفتت خبيرة قانونية أخرى، امتنعت الصحيفة عن نشر اسمها، إلى أن تمويل أولمرت ومقربين منه الدفاع عن زاكين أدى إلى عدم كشف حقائق أمام المحكمة. وقالت الخبيرة القانونية إن "النتيجة هي أنه فقط بعد الفصل بين شولا زاكين ونادي محامي الدفاع عن أولمرت، بواسطة استئجار خدمات المحاميين عوفر برتال ودوف غلعاد من جانب قسم المساعدة القضائية في وزارة العدل، تم تسليط الضوء على القضية" وكشف خفاياها.

 

وكشف إعادة فتح التحقيق في "قضية هوليلاند"، التي أدين فيها أولمرت بتلقي رشوة عندما كان يتولى رئاسة بلدية القدس وحكم عليه بالسجن الفعلي لسبع سنوات، عن أن المحامين لم يمارسوا مهامهم وواجبهم، وإنما سعوا إلى تنسيق الإفادات بين المتهمين المختلفين في القضية. وقال الكثير من المحامين للصحيفة إن تنسيق إفادات كهذا هو أمر عادي في قضايا يكون عدد المتهمين فيها كثيرا.

 

ووصف رئيس المنتدى الجنائي في نقابة المحامين الإسرائيلية، المحامي أفي حيمي، تزايد الحالات التي جرى فيها التحقيق مع محامين حول أدائهم خلال قيامهم بمهامهم بأنه "ظاهرة". ورأى أنه ينبغي تنظيم الحدود الضيقة جدا بين المشورة القانونية والمخالفة الجنائية. وأوضح أنه "جدير بأن تصوغ نقابة المحامين والمشرع والنيابة العامة ميثاقا يتم من خلاله توضيح قواعد العمل بصورة واضحة وصافية".

 

 

ظاهرة منتشرة في قضايا المنظمات الإجرامية

 

ظاهرة تنسيق الإفادات بين المتهمين، وتمويل الدفاع القانوني عنهم من جانب جهات لديها مصالح، منتشرة بالأساس في القضايا الضالعة فيها منظمات إجرامية. لكن في إسرائيل، تم الكشف عن قضايا ذات طبيعة مختلفة، وهي أن محامين قدموا خدمات قانونية لعائلات إجرامية تحولوا لاحقا إلى شركاء نشطين في تلك المنظمات الإجرامية.

 

وأحد الأمثلة على ذلك، وفقا لتقرير "هآرتس"، هو باراك بوفمان، الذي كان يملك نوادي في تل أبيب ومحام شاب، لديه شبكة علاقات واسعة، وارتبط لاحقا بإيسي أبوطبول، زعيم منظمة إجرامية في مدينة نتانيا، وأصبح قياديا في هذه المنظمة الإجرامية. وفي حالة أخرى تمكنت النيابة العامة، في العام 2005، من تجنيد محامي المنظمة الإجرامية لعائلة موسلي، وكان شريكا في أعمالها، ليصبح شاهد ملك.

 

وبين المحامين المشتبه بهم بأنهم استغلوا مكانتهم خلال منحهم استشارة قانونية من أجل الحصول على امتيازات لزيادة ثرائهم، المحامي روعي بار، الذي عمل كمستشار خارجي للجان التخطيط والبناء في بلديتي رحوفوت وريشون لتسيون، واعتقل في شباط الماضي بشبهة تلقي رشاوى من مقاولين لقاء دفع مصالحهم وبخيانة الأمانة. ويضاف إلى هذه القائمة المحامي آفي لافي، الذي كان وكيل الرئيس الإسرائيلي السابق، موشيه كتساف، والحاخام أبراهام ألباز، وهو أحد كبار حاخامي حزب شاس. وقد هرب لافي من إسرائيل بعد الاشتباه بأنه بيّض 20 مليون دولار في إطار قضية تزوير أعمال فنية.

 

وقال المحامي يوفال إلبشان، الذي يدرس موضوع العقيدة القانونية وأخلاقيات المهنة لطلاب الماجستير "تحدثت أمام الطلاب حول قضية فيشر، وادعيت بصورة بريئة أن هذه القضية ستضره. وقال لي الطلاب، وبعضهم محامون، إن العكس هو الصحيح، وإن القضية التي تورط بها ستجلب له عددا أكبر من الزبائن، لأن الزبائن أصبحوا يعرفون أنه مستعد لفعل كل شيء من أجلهم".

 

وأضاف إلباشان أن "هذا التوجه بأن المحامي الجنائي هو انتحاري مستعد لفعل كل شيء من أجل زبائنه هو توجه جديد. والمحامون لم يفعلوا ذلك في الماضي. فهم كانوا يدركون أنهم يكنون الاحترام لمهنتهم".

 

وخلص إلبشان إلى القول إن "عددا كبيرا جدا من المحامين الذين يوصفون بالكبار، أولئك الذين يكسبون كثيرا ولديهم علاقات واسعة، يتبنون أنماط العمل التالية: القاضي يحاذر منهم، والطرف الآخر يحاذر منهم، ولكن رغم كل الاحترام، هذا ليس أسلوب عمل محام، وإنما هذا أسلوب عمل رجل مافيا".