باحث في "معهد أبحاث الأمن القومي": نتنياهو يستغل الأحداث في سورية والعراق من لتبرير سياسته تجاه الفلسطينيين
*"ندفع ثمنا باهظاً في الحلبة الدولية بسبب سياسة حكومة إسرائيل الحالية، لكنني أعتقد أن الأثمان التي ندفعها الآن يمكن تحملها بالنسبة لهذه الحكومة"*
كتب بلال ضاهر:
دعا وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، الحكومة الإسرائيلية إلى دراسة إعادة احتلال قطاع غزة. وادعى ليبرمان أن دعوته هذه تأتي في أعقاب إطلاق صواريخ من القطاع باتجاه جنوب إسرائيل. وقال ليبرمان في مقابلة أجرتها معه إذاعة الجيش الإسرائيلي، أول من أمس الأحد، إن "علينا أن نقرر في ما إذا كنا سنذهب إلى بديل يتمثل باحتلال كامل للقطاع. وقد رأينا أن عملية عسكرية محدودة النطاق إنما تعزز حماس ولذلك فإن البديل واضح، ولا يوجد أي سيناريو وسطي".
وفي اليوم نفسه، هدد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، لدى افتتاح اجتماع حكومته الأسبوعي، قائلا "إننا مستعدون لتوسيع نطاق هذه العملية وفق الحاجة. وأود أن أذكّر بأن منذ تشكيل حكومة التحالف الفلسطينية مع حماس، استلمت السلطة الفلسطينية المسؤولية الفعلية عن منع إطلاق الصواريخ على أراضينا من أراضي قطاع غزة". وكان يشير نتنياهو إلى الحملة العسكرية الواسعة التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية في أعقاب اختفاء آثار المستوطنين الثلاثة وإعلان إسرائيل أنهم خطفوا وتحميل حركة حماس المسؤولية عن الاختطاف.
وقال نتنياهو في خطاب ألقاه في "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، إنه "لا توجد قوة في يهودا والسامرة (أي الضفة الغربية) يمكنها ضمان أمن إسرائيل باستثناء الجيش الإسرائيلي"، مضيفا أنه "في أي اتفاق مستقبلي ستكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح. في أي تسوية مستقبلية ستضطر إسرائيل للسيطرة على مناطق على نهر الأردن لوقت طويل جدا. وعندما نعود إلى المفاوضات سيتعين علينا معالجة الترتيبات التي تضمن سيطرتنا الأمنية على نهر الأردن. ولا أحد يمكنه أن يقوم بالمهمة بالنيابة عنا. والفلسطينيون لا يستطيعون تنفيذ ذلك".
وتطرق نتنياهو إلى التطورات الحاصلة في المنطقة، في أعقاب سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) على مناطق واسعة في العراق وسورية وإعلانه عن قيام "الدولة الإسلامية" فيها. وقال نتنياهو إنه "مرة تلو الأخرى يثبت أنه بعد انسحاب القوات الغربية لا يمكن الاعتماد على قوات عربية في كبح الإسلاميين المتطرفين. وهذا ما حدث في لبنان وغزة وما يحدث في العراق الآن. وعلينا أن ندعم الجهود الدولية لدعم الأردن ودعم طموح الأكراد للاستقلال".
وتحدث نتنياهو عن الحاجة لإقامة جدار أمني على الحدود الشرقية لإسرائيل، معتبرا أن"التحدي الأول هو الدفاع عن حدودنا" وأن "قوات الإسلام المتطرف تطرق بابنا في الشمال والجنوب، وأهم شيء في هذه المرحلة هو بناء الجدار في الشرق".
وفي هذه الأثناء توجه وفد إسرائيلي، أول من أمس، إلى واشنطن من أجل إجراء محادثات وسط تحسب إسرائيلي من إمكانية توصل الدول العظمى إلى اتفاق دائم مع إيران حول البرنامج النووي للأخيرة.
وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن الوفد الإسرائيلي برئاسة وزير شؤون الاستخبارات، يوفال شتاينيتس، ويشارك فيه رئيس مجلس الأمن القومي، يوسي كوهين، ومسؤولون من وزارة الخارجية ومندوبون عن الموساد وشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) ولجنة الطاقة النووية. ومن المقرر أن يلتقي الوفد في واشنطن مع مسؤولين أميركيين بينهم رئيسة طاقم المفاوضات الأميركي مع إيران، ووندي شيرمان.
وقالت الصحيفة إن إسرائيل قررت إيفاد الوفد إلى واشنطن لإجراء محادثات اللحظة الأخيرة بسبب تحسب من أن الدول العظمى، الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وألمانيا، قد "تتساهل أكثر مما ينبغي" من أجل التوصل إلى اتفاق دائم مع إيران. وأضافت الصحيفة أن إسرائيل تتخوف من أن تكون الدول العظمى مستعدة للموافقة على أن تبقي بأيدي الإيرانيين قدرة على تخصيب اليورانيوم "بشكل يتعدى الحد الأدنى المطلوب من أجل تفعيل البرنامج النووي لأغراض سلمية".
حول هذه المواضيع، أجرى "المشهد الإسرائيلي" المقابلة التالية مع رئيس دائرة العلاقات الإسرائيلية – الفلسطينية في "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، العميد في الاحتياط شلومو بروم.
(*) "المشهد الإسرائيلي": ليبرمان يدعو إلى إعادة احتلال غزة، ونتنياهو يهدد بتصعيد وتوسيع الحملة العسكرية في الضفة الغربية، في أعقاب اختطاف المستوطنين الثلاثة. ما هي وجهة إسرائيل الآن؟
بروم: "يبدو من خلال الشكل الذي تتدحرج فيه الأمور الآن، أن ثمة احتمالا كبيرا بألا تتجه الأمور في اتجاه عملية عسكرية مثل ’الرصاص المصبوب’ أو ’عمود السحاب’. ولا أعتقد أن ثمة أحدا يدرس بجدية إعادة احتلال غزة".
(*) اهتمام المجتمع الدولي بقضية اختفاء المستوطنين الثلاثة، وإعلان إسرائيل أنهم اختطفوا، ضعيف جدا، وفي مقابل ذلك هناك محاولات لتمرير مشروع قرار لإدانة إسرائيل في مجلس الأمن الدولي بأنها تنفذ عقابا جماعيا ضد الفلسطينيين، كما أن الدول الأوروبية الخمس الكبرى تحذر من عقد صفقات تجارية مع المستوطنات، وهذا نوع من المقاطعة ضدها. ماذا يعني ذلك بالنسبة لإسرائيل؟
بروم: "هذا يعني أننا ندفع ثمنا غاليا في الحلبة الدولية بسبب سياسة حكومة إسرائيل الحالية. لكني أعتقد أن الأثمان التي ندفعها الآن، بالنسبة لحكومة إسرائيل، هي أثمان بالإمكان تحملها. ولا يبدو لي أن هذه الأثمان ستؤدي إلى حدوث تغيير في سياستها الأساسية".
(*) كيف تنظر إلى استقالة مارتين إنديك من منصبه كمبعوث أميركي إلى المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين؟
بروم: "لا أعتقد أن استقالة إنديك فاجأت أحدا، وهذه الاستقالة كانت متوقعة. فقد انضم إلى طاقم وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، من أجل المشاركة في المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين. وفي اللحظة التي توقفت فيها المفاوضات، فإنه رأى أنه لم يعد هناك أي سبب للبقاء في منصبه. وهو سيعود الآن إلى منصبه السابق في معهد بروكينز".
(*) لكن المثير في الأمر هو تعامل الولايات المتحدة مع إسرائيل. فالولايات المتحدة تعتزم التعاون مع إيران بشأن التطورات الحاصلة في العراق وسورية ومواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش). ويبدو أنها، سوية مع الدول العظمى، تقترب من التوصل إلى اتفاق دائم مع إيران حول برنامجها النووي. هل فقدت الولايات المتحدة حساسيتها تجاه إسرائيل التي تعبر عن قلقها من هذه الخطوات الأميركية؟
بروم: "أعتقد أنه من السابق لأوانه القول إن الدول العظمى الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وألمانيا ستنجح في التوصل إلى اتفاق مع إيران حول الموضوع النووي. وبرأيي أنه طالما لم يتم التوصل إلى اتفاق مع إيران في الموضوع النووي، فإن قدرة الولايات المتحدة محدودة جدا بالعمل سوية مع إيران. ومن الجائز أن يكون هناك تعاون أميركي – إيراني مؤقت، وسيكون مستندا على مصالح مشتركة حيال ما يحدث في العراق. لكن علينا أن نتذكر، في الوقت نفسه، أن هناك مصالح متناقضة بين الولايات المتحدة وإيران في سورية. ولذلك فإني أعتقد أن تعاونا أميركيا – إيرانيا سيكون محدودا للغاية. وقد أطلق مسؤولون في الإدارة الأميركية تصريحات، في الأسابيع الأخيرة، تصب في هذا الاتجاه الذي أتحدث عنه. ولذلك لا أعتقد أنه يوجد أساس لقلق حقيقي في إسرائيل حيال احتمال حدوث تقارب بين الولايات المتحدة وإيران. إلا أنني أعتقد أنه يتعين على إسرائيل أن تكون قلقة من حالة الاغتراب الكبيرة بين حكومة إسرائيل والإدارة الأميركية، بسبب النتيجة التي وصلت إليها المفاوضات مع الفلسطينيين، وبسبب مواجهات سابقة حول الموضوع النووي. وأعتقد أنه بنظرة إلى تاريخ العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة، فإن هذه المرة الأولى التي تصل فيها الأمور إلى وضع لا يوجد فيه حوار بين رئيس حكومة إسرائيلي ورئيس أميركي. وهذا وضع ينبغي أن يثير قلق الإسرائيليين".
(*) وهل هناك إسرائيليون في الحلبة السياسية قلقون من ذلك؟
بروم: "نعم، توجد جهات قلقة. وأعتقد أنه توجد جهات كهذه حتى داخل الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، مثل حزب ’يوجد مستقبل’ وحزب ’الحركة’ ورئيسته تسيبي ليفني".
(*) تطرق نتنياهو خلال خطابه في "معهد أبحاث الأمن القومي" إلى التطورات الحاصلة في المنطقة وقال إن اتفاق "سايكس – بيكو" انتهى. كيف تؤثر هذه التطورات، خصوصا في العراق وسورية، واحتمال تقسيم هاتين الدولتين، على إسرائيل؟
بروم: "ما فعله نتنياهو هو أمر بسيط، وهو استغلال الأحداث في سورية والعراق من أجل تبرير سياسته تجاه الفلسطينيين. وكان ادعاؤه أنه على ضوء ما يحدث في سورية والعراق، فإنه إذا انسحبنا من الضفة الغربية فإن الأمر نفسه سيحدث في الضفة الغربية، وأن من سيسيطر فيها في نهاية الأمر هم الإسلاميون المتطرفون، مثل حماس، وحتى جهات متطرفة أكثر من حماس، ولذلك لن يكون بإمكاننا سحب تواجدنا العسكري من الضفة الغربية. وهكذا، برأيه، حتى لو تم الاتفاق على قيام دولة فلسطينية مستقلة، فإن قوات الأمن الإسرائيلية ستكون مضطرة إلى مواصلة أنشطتها في الدولة الفلسطينية. وهذا يشمل أيضا بقاء الوجود الإسرائيلي في غور الأردن. ولذلك فإنني لا أعرف ما إذا كانت الأحداث في العراق وسورية تؤثر حقا على سياسة إسرائيل، لأن سياسة إسرائيل كانت بهذا الشكل قبل الأحداث الأخيرة في العراق وسورية".