شخصيات في "العمل" تتلمس طريق الهرب تحسبا من تهاوي الحزب

على هامش المشهد

 

تلوّث الهواء في إسرائيل ـ من الأعلى في العالم

 

 

 

 

*تقرير منظمة الصحة العالميّة حول التلوّث البيئي في مدن مختلفة في شتى أنحاء العالم: إسرائيل تحتل المرتبة الـ 12 في مستوى تلوث الهواء من بين 91 دولة شملها التقرير*التقرير يؤكد معطيات خطيرة كان "الائتلاف من أجل صحة الجمهور" كشف عنها في تقرير نشره قبل بضعة أشهر وعنوانها: ثمة ارتفاع حاد ومطرد في انتشار بعض الأمراض الخطيرة جدا بل الفتاكة في إسرائيل من جراء مستويات التلوّث البيئي المرتفعة فيها!*

 

 

 

مستوى تلوُّث الهواء في إسرائيل هو من بين الأعلى في العالم وهو يعادل أضعاف مستويات التلوث في كبريات المدن في العالم فيما تحتل إسرائيل المرتبة الثانية عشرة من حيث مستويات تلوث الهواء فيها، وذلك من أصل 91 دولة شملها المسح ـ هذه هي النتيجة التي خلص إليها تقرير جديد نشرته منظمة الصحة العالمية، مؤخرا، ويشمل عرضا للأوضاع البيئية في 1600 مدينة في 91 دولة مختلفة في شتى أنحاء المعمورة، من بينها 16 مدينة في إسرائيل.

 

ويؤكد التقرير أنّ تلوُّث الهواء في جميع المدن الرئيسة في دول العالم عموما يشهد تفاقما متواصلا في الفترة الواقعة بين الأعوام 2008 و 2013.

 

وأظهر المسح، الذي أجرته منظمة الصحة العالمية، أن مستويات مرتفعة جدا من تركيز المادة الجزيئية (PM10) ومدى انتشارها في الجو سجلت في جميع المحافظات في دولة إسرائيل. ويعتبر تركيز هذه المادة مؤشرا معتمدا في مختلف أنحاء العالم إلى مستوى تلوث الهواء.

 

ويظهر من التقرير أن مدينتي عسقلان (أشكلون) وموديعين هما المدينتان اللتان لا يوصى، قط، باستنشاق الهواء فيهما إذ يبلغ تركيز المادة الجزيئية في الأولى (عسقلان) 75 وفي الثانية (موديعين) 70. وتليهما، على مسافة غير بعيدة في التدريج، مدينة بئر السبع، ثم مدينة بيت شيمش، فكيبوتس "إيرز" في جنوب البلاد، ثم مدينة تل أبيب، حيث يتراوح مستوى تركيز المادة الجزيئية فيها بين 67 و 68. وهذا، بينما يتراوح تركيز هذه المادة في مدينتي حيفا والخضيرة بين 45 و 46 "فقط"، علما بأن منظمات بيئية عديدة شنت معارك واسعة بغية الإعلان، رسميا، أن هاتين المدينتين منكوبتان بالتلوث الهوائي!

 

وتكتسب هذه المعطيات دلالات أكثر خطورة وإثارة للقلق على خلفية كون المدن الإسرائيلية عامة، والتي شملها المسح خاصة، أصغر من المدن الرئيسة في مختلف أنحاء العالم بكثير جدا، وبكل المقاييس: من حيث المساحة، عدد السكان، حجم النشاط الاجتماعي ـ الاقتصادي والصناعي فيها. ومما يوضح هذا الفارق الشاسع، ويؤكد مدى خطورة هذه النتائج بالتالي، أن مستوى تركيز الجزيئات في العاصمة الألمانية برلين، مثلا، بلغ 24 فقط، ومثله بالضبط في العاصمة الفرنسية باريس، بينما بلغ في العاصمة البريطانية لندن 22 وفي العاصمة الأسترالية سيدني 9 فقط!!

 

ومما "يعزي" إسرائيل في معطيات هذا التقرير ونتائجه شديدة القتامة، أن ثمة مدنا في العالم "تسبق" المدن الإسرائيلية من حيث مستويات تلوث الهواء فيها. فقد وجد المسح أن مستوى التلوث الهوائي الأعلى في العالم، قاطبة، هو في أفغانستان، التي وصل تركيز المواد الجزيئية فيها إلى 334(!!) مما يشكل خطرا جسيما، جديا وملموسا، على صحة المواطنين فيها. وتليها إيران التي يبلغ فيها تركيز المواد الجزيئية 320، ثم الهند التي يبلغ فيها تركيز هذه المواد 200، تليها بنغلاديش والسنغال ومنغوليا. أما في الصين، فيبلغ مستوى تركيز المواد الجزيئية في الهواء 121 فقط (في العاصمة بكين).

 

ويوضح التقرير أن نحو نصف سكّان المدن معرّضون لمستوى مرتفع بشكل خاص من تلوث الهواء، بما لا يقلّ عن 5ر2 ضعف من المستويات الموصى بها من قبل منظمة الصحة العالمية. ومن شأن هذه الحقيقة ـ طبقا لما تؤكده منظمة الصحة العالمية ـ أن تعرّض سكّان العالم إلى مخاطر صحّية شديدة الخطورة وبعيدة المدى. هذا، في الوقت الذي تبين ـ من التقرير ـ أن 12% فقط من المدن التي تم فحصها ومسحها بيئيا تتمتع بمستويات منخفضة من تلوث الهواء، أقل من الحد الأدنى الذي وضعته المنظمة، باعتباره مستوى غير ضارّ بالصحّة.‎ ‎

 

وتقدّر المنظمة العالمية أن تلوُّث الهواء كان مسؤولا عن 7ر3 مليون حالة وفاة في العالم خلال العام 2012، وخاصة بين الأشخاص الذين هم دون سنّ الـ 60 عاما. وتشدّد المنظمة أيضًا على أنّ تضافر تلوّث الهواء البيئي العام مع تلوث الهواء الداخلي يشكل واحدا من مسببات الوفاة الأكثر خطورة في العالم.

 

وفي مقارنة مع سنوات سابقة، تبين أنّ تلوُّث الهواء يزداد تفاقما، وذلك بسبب العناصر المصنّعة الكثيرة التي تساهم في ذلك، بما في ذلك استخدام الوقود الأحفوري (Fossil fuels)، مصانع الفحم الحجري، كثرة استخدام المركبات الخاصة، وانعدام الكفاءة في استخدام الطاقة في المباني. وحسب أقوال خبراء من منظمة الصحة العالمية، يمكن تحسين مستوى التلوّث بواسطة وضع سياسات تنظيمية، كما حدث فعلا في بعض المدن في العالم.

 

 

التلوث البيئي وارتفاع كبير في انتشار أمراض فتاكة في إسرائيل

 

ويأتي تقرير منظمة الصحة العالمية هذا ليؤكد المعطيات المقلقة التي كان "الائتلاف من أجل صحة الجمهور" (وهو جمعية مستقلة تعمل لخفض نسبة ومستويات المرض من جراء التلوث البيئي) قد كشف عنها في تقرير نشره قبل بضعة أشهر، وعنوانها: ثمة ارتفاع حاد ومطرد في انتشار بعض الأمراض الخطيرة جدا، بل الفتاكة، في إسرائيل من جراء مستويات التلوث البيئي المرتفعة فيها!

 

وتحدث تقرير "الائتلاف من أجل صحة الجمهور" عن أمراض عينية، بشكل خاص، أبرزها سرطان الرئتين، سرطان الدم، سرطان الغدد الليمفاوية وغيرها. وأشار التقرير إلى حقيقة أن أكثر من خُمس المصابين الإسرائيليين بسرطان الرئة، بشكل خاص، ليسوا من مدخني السجائر، ما يعني أن عوامل تلويثية أخرى كانت السبب المباشر، أو غير المباشر، في الإصابة بهذا المرض.

 

ولفت التقرير إلى أن أبحاثا عديدة أجريت في مختلف أنحاء العالم أثبتت وجود علاقة مباشرة وقوية بين نشوء مرض السرطان وتطوره وبين التعرض إلى ملوثات بيئية مختلفة "تدخل إلى جسم الإنسان عن طريق التنفس، ومن هناك إلى الدورة الدموية، لكنها تدخل أيضا من خلال أغذية مختلفة، وخاصة الخضروات والفواكه التي يتم رشها بمبيدات الحشرات أو تلك المزروعة في مناطق ملوثة، أو من خلال تناول لحوم كائنات حية تعرضت لملوثات بيئية".

 

وكان من بين الأبحاث الرئيسة التي أكدت العلاقة المباشرة بين الملوثات البيئية وبين انتشار هذه الأمراض سلسلة أبحاث أجريت بمبادرة وتمويل الحكومة الفرنسية وتم خلالها فحص التأثيرات الصحية لانبعاث مستويات مرتفعة من مادة كيماوية تسمى "ديوكسين" من المحارق التي يجري فيها إحراق النفايات المنزلية. فقد أظهرت هذه الأبحاث أن السكان الذين كانوا يقطنون في مناطق قريبة من المحارق كانوا معرضين لمستويات مرتفعة جدا من "الديوكسين" فكانوا، بالتالي ونتيجة لذلك، أكثر عرضة بـ 3ر2 مرة للإصابة بسرطان الغدد الليمفاوية من السكان الذين كانوا يقطنون في مناطق بعيدة عن تلك المحارق فتعرضوا لمستويات متدنية جدا من هذه المادة الملوثة.

 

وتبين من مقارنة المعطيات الخاصة بالوضع البيئي في إسرائيل مع المعطيات حول الوضع ذاته في 15 دولة أوروبية أن نسبة الوفيات بين النساء الإسرائيليات من جراء مرض السرطان تندرج في المرتبة السادسة، وهي مرتبة مرتفعة نسبيا، بينما كانت نسبة الوفيات بين الرجال الإسرائيليين من جراء المرض نفسه في المرتبة الـ 14.

 

وحذر الائتلاف من أجل الصحة البيئية من أن هذه المعطيات الخطيرة جدا "لا تشغل بال أحد في المؤسسات الحكومية والرسمية المختلفة... فالظاهرة لا تحظى بأي تحرك لائق، إذ أنها ليست على جدول أعمال وزارة الصحة، لا في مجال إجراءات الرقابة ولا في مجال رصد الموارد والميزانيات ولا في مجال رفع الوعي بين المواطنين".

 

ويؤكد قادة هذا الائتلاف أن "مكافحة تفشي هذه الأمراض تستدعي، بالضرورة، تحركا حكوميا ورسميا إسرائيليا فوريا وحازما في اتجاه إدخال تغيير جوهري، بل دراماتيكي، في مقاييس التلويث البيئي، وهي مسألة معقدة وموضع خلاف كبير".

 

 

مناطق ليس من الصحيّ السكن فيها!

 

يشير تقرير "الائتلاف من أجل صحة الجمهور" إلى أن "منطقتي حيفا وعكا، بوجه عام، تحتلان صدارة المناطق الأكثر عرضة للإصابة بأمراض السرطان والموت من جرائها. وعند الحديث عن سرطان الرئتين وسرطان الغدد الليمفاوية، تنضم إليهما أيضا مناطق صفد، طبريا، العفولة، تل أبيب وبئر السبع"!

 

وعلى خلفية تراجع نسبة المدخنين في إسرائيل باستمرار خلال السنوات الأخيرة، وكذلك في المناطق التي سجل فيها ارتفاع في مستويات الإصابة بهذه الأمراض، "فمن المرجح الافتراض بأن عوامل جغرافية هي التي تقرر في هذا الشأن، علاوة على كون هذه المناطق معرضة للتلوث البيئي، الذي يسهم في رفع نسبة الإصابة بالمرض".

 

ويقول التقرير إن "المشكلة الرئيسة والأكبر في منطقة تل أبيب، مثلا، هي محاور المواصلات الرئيسة الشديدة الاكتظاظ، ما يشكل مصدرا أساسيا للتلوث البيئي. أما في منطقة حيفا، فعلاوة على مشكلة المواصلات وما ينبعث منها من ملوثات، هناك عدد كبير من المصانع المتخصصة بالصناعات الكيماوية والثقيلة، وهي قريبة جدا، نسبيا، من المناطق والأحياء السكنية".

 

وأما في المناطق الشمالية من إسرائيل، فهناك ـ كما يقول التقرير ـ "نشاط مكثف جدا في مجال محارق النفايات المنزلية والزراعية، فضلا عن مصانع صلب، صغيرة وكبيرة على حد سواء، من دون أية رقابة رسمية، ناهيك عن أعمال رش المبيدات التي تجري هناك بوتائر عالية جدا".