سجالات واتهامات متبادلة ومصالح ذاتية في طريق تعيين الحاخامين الأكبرين لإسرائيل

على هامش المشهد

 

اتساع ظاهرة تبييض الأموال في إسرائيل عبر الجمعيات ووكالات الصرافة والمجوهرات

 

 

 

 

 

*التقرير السنوي لـ "سلطة مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب" الإسرائيلية يؤكد ملاحقة قضايا فساد تورط فيها مسؤولون *تقرير دولي ينتقد تقصيرات إسرائيل *وتقرير آخر يؤكد أن إسرائيل ملجأ لمتهربي دفع الضرائب اليهود في العالم*

 

 

 

 

 

 

كتب ب. ج:

 

 

 

 

 

قال التقرير السنوي لـ "سلطة مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب" الإسرائيلية إن هذه السلطة باتت تبذل جهدا أكبر في ملاحقة الفساد الذي تتورط فيه شخصيات رسمية وعامة، في حين أشار التقرير إلى استفحال ظاهرة تبييض الأموال عبر الجمعيات الخيرية، وقطاع المجوهرات، إضافة إلى استمرارها في القنوات "التقليدية"، وأبرزها وكالات الصرافة، في حين أشار إلى انتقادات دولية لتقصيرات إسرائيل في ملاحقة جوانب من ظاهرة تبييض الأموال، خاصة وأن تقريرا سابقا كان قد أظهر إسرائيل كملجأ لمتهربي دفع ضرائب في العالم، وخاصة من الأثرياء اليهود في العالم.

 

 

 

وعرض التقرير السنوي مصادر تبييض الأموال، أو تمويل ما تسميه إسرائيل "إرهابا"، إلا أنه حسب التقرير فإن نسبة تمويل ما يسمى بـ "الإرهاب" من إجمالي ما تم ضبطه يقل عن 17% بقليل، بينما النشاط الأكبر للسلطة كان في مجال تبييض الأموال، وكان التبييض عبر نقل الأموال نقدا فاق نسبة 15%، يضاف إلى نسبة 2% بالتعامل بالعملة الأجنبية، أما وكالات الصرافة قد فاقت نسبتها 11%، ونسبة مماثلة كانت من خلال شركات وهمية، وأقل من 10% عبر تحويلات مالية بين بنوك في الخارج، وأقل من 8% من خلال جمعيات خيرية وجمعيات أخرى، وقرابة 7% من خلال حسابات بنكية، و3% عبر تنقلات مالية بين عدة أشخاص.

 

 

 

وقد خلا تقرير السلطة ذاته من معطيات محددة لحجم الأموال التي تم وضع اليد عليها في إطار تبييض الأموال، وكما يبدو فإن مثل هذه المعطيات يُحظر نشرها، لكن ما تبين من التقرير هو كثرة الإقبال على تقديم تصاريح بالنشاط المالي. وقال التقرير إنه في العام الماضي تلقت السلطة ما يقارب 6ر1 مليون تصريح "عادي" عن النشاط الاقتصادي بموجب القانون القائم، مقابل 2ر1 مليون تصريح مشابه في العام 2008، كذلك تلقت السلطة تصريحات عما يزيد عن 50 ألف نشاط اقتصادي ومالي استثنائي، مقابل 20 ألف تصريح كهذا كان في العام 2008، وجاء هذا الارتفاع بسبب تعديل القانون الذي يلزم جهات ومؤسسات بتقديم تصاريح كهذا تبين مصدر الأموال ووجهتها.

 

 

 

مجالات العمل الأبرز

 

 

 

وجاء في التقرير أن استخدام الجمعيات عامة والجمعيات الخيرية لتبييض الأموال وتمويل "الإرهاب" خاصة، هو طابع عمل معروف عالميا، لأن النشاط المالي فيها كثيف بالأموال نقدا، ما يفسح المجال أمام عمليات تمويه متشعبه، وخاصة في بند التبرعات، وقد استمر هذا النهج في العام الماضي- 2013، كما هو حاصل في العالم عامة.

 

 

 

ويشير التقرير إلى أن المجال الأكبر في عمليات تبييض الأموال نجده في حركة تنقل الأموال، إما من خلال وكالات وجهات الصرافة، أو حركة الأموال النقدية بين الأفراد، وفي هذا المجال يتغلغل عالم الإجرام بشكل خاص، وكانت تقارير إسرائيلية قد تحدثت في الأسابيع الأخيرة عن أن شبكات الاجرام المنظم في إسرائيل تنشر وكالات صرافة عديدة، تسهل عليها حركتها المالية.

 

 

 

وقال التقرير إن من الظواهر التي استفحلت في السنوات الأخيرة كانت الفواتير الوهمية، للتغطية على الأموال، إضافة إلى فتح شركات وهمية، وهذه تدار من مبيضي أموال "مهنيين" قادرين على التحايل على السلطات الرسمية بطرق جديدة يبتكرونها باستمرار، ولكن القطاع الذي برز في العام الأخير لتبييض الأموال، حسب التقرير، كان أيضا قطاع المجوهرات، وتبين لسلطة منع تبييض الأموال أن في هذا القطاع مخاطر كثيرة ومتزايدة، تشارك فيها أوساط عالمية، ولذا فقد عملت السلطة على توسيع دائرة معلوماتها، كما أن السلطة عززت من تعاونها واتصالاتها مع مؤسسات دولية مختصة، بهدف تبادل المعلومات في هذا المجال.

 

 

 

أما في مجال ما تسميه إسرائيل "الإرهاب"، فيقول التقرير إن العمل في هذا المجال أكثر تعقيدا من غيره، إذ أن التمويل الأساس لهذا النشاط يأتي من التبرعات، أو من التمويل الذاتي للجهات التي تصفها إسرائيل بـ "الإرهاب"، أو من خلال السندات الأكثر تعقيدا من ناحية إسرائيل، وهي "الحوالات المالية"، وأحيانا تشارك حكومات دول في تحويل أموال لتلك الجهات.

 

 

 

إلا أن التقرير يدعي أن جهات إجرام تشارك هي أيضا في عمليات تمويل ما يسمى بـ "الإرهاب"، من خلال الاتجار بالمخدرات، أو شراء وبيع أدوية مزيفة، أو إقامة شركات وهمية تخدم الاتجاهين في آن واحد.

 

 

 

ويذكر هنا أن إسرائيل اتهمت قبل أكثر من عام عمالا أجانب من المتسللين من إفريقيا بأنهم يحولون أموالا إلى دولهم عبر تحويلها إلى جهات في الضفة، في حين أن تلك الجهات تضمن وصول أموال بالقدر ذاته لعائلات العاملين في دولهم.

 

 

 

 

انتقاد جهات دولية

 

 

يعرض التقرير بعضا من انتقادات المنظمة الدولية MONEYVAL، التي زار مندوبون عنها إسرائيل في العام الماضي 2013، وأجروا فحصا في شكل عمل السلطة، وكانت الزيارة السابقة للمنظمة قد جرت في العام 2008، وركزت المنظمة فحصها في المجال الاستخباراتي وتبادل المعلومات المحلي والعالمي، في مجال منع تبييض الأموال وتمويل "الإرهاب".

 

ويقول تقرير السلطة إن تقرير المنظمة الدولية امتدح عمل السلطة الإسرائيلية في نواح عدة، وأشار إلى التقدم في عمل مكافحة تبييض الأموال على وجه الخصوص، ولكن في المقابل تلقت إسرائيل انتقادا حادا لكون السلطة المختصة لم تعمل بالشكل الكافي في المؤسسات غير المالية، والتي فيها تجري عمليات تبييض أموال، مثل مكاتب محاماة ومراقبة حسابات، ووسطاء عقارات. كما انتقدت المنظمة الدولية السلطة الإسرائيلية بأنها لم تطبق أنظمة دولية بالشكل المطلوب لمراقبة المؤسسات المالية، مثل وكالات الصرافة وغيرها، إلى جانب المماطلة الإسرائيلية في اجراء التعديلات القانونية التي من شأنها محاصرة ظاهرة تبييض الأموال.

 

وأعلنت سلطة مكافحة التبييض في تقريرها، أنها بعد تبني تقرير MONEYVAL تعهدت للمنظمة الدولية بتقديم تقرير للمنظمة حتى نهاية العام المقبل- 2015، يبين التجاوب مع كل الطلبات وتصحيح الأخطاء التي أظهرتها تلك المنظمة، ومن بينها استكمال تشريع قوانين جديدة، تخص بالذات فرض أنظمة منع تبييض الأموال على المؤسسات غير المالية، كتلك السابق ذكرها.

 

وقالت السلطة الإسرائيلية إن متطلبات المنظمة الدولية أدت إلى خلق تعاون وتبادل معلومات مباشر بين السلطة لمنع تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وبين أجهزة المخابرات الإسرائيلية المختلفة، وخاصة جهاز الاستخبارات العسكرية، وجهاز المخابرات الخارجية "الموساد"، ومجلس الأمن القومي.

 

 

ملجأ ضريبي

 

 

لكن في الوقت الذي تعلن فيه اسرائيل حملتها لمنع تبييض الأموال، فإن تقارير أخرى أثبتت أنها تمد يد المساعدة لمتهربين من دفع الضرائب في دولهم، خاصة الأثرياء اليهود. وكان تقرير لصحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية الإسرائيلية قبل فترة قد أكد أن إسرائيل باتت "دفيئة لمتهربي دفع الضرائب" من يهود العالم، الذين يستفيدون من قانون أقرته إسرائيل قبل نحو عشر سنوات، بهدف تشجيع كبار أصحاب المال اليهود في العالم على الهجرة إلى إسرائيل، وعلى الرغم من أن إسرائيل تدعي أنها تنصاع للقانون الدولي، فإن الصحيفة تؤكد عكس ذلك بناء على الوقائع.

 

واضطرت هذه الظاهرة المستفحلة إسرائيل إلى الرضوخ لطلب الإنتربول الدولي، الذي داهم قبل فترة عدة بيوت فخمة في واحدة من ضواحي مدينة هرتسليا، التي يسكنها كبار الأثرياء في إسرائيل، وكان الهدف البحث عن أثرياء فرنسيين يهود متهمين بالتهرب من دفع ضرائب بقيمة 5 مليارات دولار، جاؤوا إلى إسرائيل "واختبأوا فيها".

 

وقالت الصحيفة إن جهات قضائية إسرائيلية تدعي أن إسرائيل تتعاون مع جهات دولية لملاحقة متهربي دفع الضرائب، "إلا أن هذا ليس صحيحا، فليس صدفة أن وصل اليهود الفرنسيون، المشتبهون بإخفاء أموال عن سلطات الضرائب، بالذات إلى إسرائيل، وهم ليس من دون سبب يعتقدون ببساطة أن إسرائيل دولة لجوء لليهود". وتضيف الصحيفة أن إسرائيل جعلت من نفسها ملجأ لأمثال هؤلاء مثل برمودا، إلا أن الفرق بين برمودا وإسرائيل هو أن الأولى مفتوحة أمام العالم بأسره، "بينما إسرائيل مفتوحة لمتهربي دفع الضرائب اليهود فقط".

 

وتشرح الصحيفة تعديل القانون الذي تم في العام 2003، وكان ساريا لمدة خمس سنوات، ثم جرى تمديده في العام 2008 لعشر سنوات أخرى، ويمنح المهاجرين اليهود إلى إسرائيل وحتى الإسرائيليين الذين هاجروا قبل سنوات وعادوا إلى إسرائيل، إعفاء من دفع الضرائب على كل نشاطهم الاقتصادي في الخارج لمدة عشر سنوات، حتى وإن كان الأمر متعلقا ببيع عقارات وأعمال في الخارج وما شابه، وهذا أحد الأنظمة التي سنتها إسرائيل في السنوات الأخيرة بحثا عما يسمى "الهجرة النوعية"، بمعنى استقدام مهاجرين يهود من ذوي الامكانيات المالية والعلمية.

 

وبحسب ما جاء، فإن تعديل القانون في حينه كان بقصد تحفيز الهجرة في إسرائيل، التي بدأت في تلك المرحلة بالتراجع بنسبة حادة، مقارنة مع معدلاتها التي كانت قائمة في سنوات التسعين من القرن الماضي، وكان هدف المشرّع هو ضمان تأقلم المهاجرين اقتصاديا في إسرائيل في سنوات هجرتهم الأولى، حسب تعبير الصحيفة، إلا أن هذا التعديل جعل كثيرين من كبار المستثمرين من يهود العالم يرون في إسرائيل "دفيئة لمتهربي دفع الضرائب".

 

وتقول المحللة ميراف أرلوزورف: "ليس صعباً أن نفهم لماذا كل يهودي لديه أملاك في العالم ومعني بالتستر عليها كي لا يدفع الضرائب، يقفز إلى الفرصة السانحة (إسرائيل)، وليس صعباً فهم لماذا يقوم يهود مستقيمون لا يخفون أموالا عن الضرائب (في دولهم) لكنهم معنيون بتقليص حجمها، بالقفز هم أيضا على الفرصة السانحة".

 

وتفند الصحيفة ضمنا مزاعم أجهزة تطبيق القانون الإسرائيلية بأنها تتعاون مع جهات دولية، وتقول إن تهديد جهات دولية ودول أخرى بوقف التعاون مع إسرائيل في قضايا تهريب وتبييض الأموال، قاد إلى أن تبدأ إسرائيل بالتعاون مع الإنتربول في مثل هذه القضايا، ولكن كما يُفهم من التقرير فإن ظاهرة اللجوء إلى إسرائيل بهدف التهرب من دفع الضرائب مستمر.

 

وتقول الصحيفة إن البيوت الفخمة التي اشتراها الفرنسيون اليهود في إسرائيل ساهمت أيضا في ارتفاع أسعار البيوت في إسرائيل، وهذا انعكاس واحد من جملة انعكاسات، لكن الأهم هو أن الإعفاء الضريبي الذي ينص عليه القانون جعل من إسرائيل ملجأ لمن يخفون أموالهم عن سلطات الضرائب في دولهم، وملجأ لمن يعملون في تبييض الأموال، وهذا ما جعل سلطة الضرائب الإسرائيلية تعيد تفكيرها من جديد في الوضع الناشئ، الذي يتسبب بغضب الكثير من دول العالم التي تلاحق أمثال هؤلاء الأثرياء.