المحكمة العليا تبقي "أمر الساعة" القاضي بمنع توثيق التحقيقات التي يجريها الشاباك

على هامش المشهد

 

المحكمة العليا تأمر الحكومة بالتوقف عن دفع مخصصات ضمان الدخل لطلاب الكليات الدينية الحريديم

 

 

 

أمرت المحكمة العليا الإسرائيلية، يوم 25 أيار الأخير، وبإجماع أعضاء الهيئة القضائية السبعة جميعهم، بإلغاء قرار الحكومة الإسرائيلية القاضي بدفع مخصصات "ضمان الدخل" لتلاميذ المدارس الدينية الحريدية، وذلك ابتداء من مطلع كانون الثاني 2015، نظرا لما ينطوي عليه هذا القرار من مس خطير بمبدأ المساواة.

 

وكانت المحكمة العليا قد أصدرت، قبل أربع سنوات، قرارا تؤكد فيه حصول التمييز بمَنح التلاميذ الحريديم في المدارس الدينية مخصصات "ضمان الدخل"، فيما يحرَم منها التلاميذ الآخرون في المؤسسات التعليمية الأخرى في إسرائيل.

 

وفي حينه، قبل أربع سنوات، اتخذت المحكمة العليا قرارها هذا بأغلبية ستة قضاة مقابل معارضة قاضية واحدة (هي رئيسة المحكمة العليا السابقة، دوريت بينيش)، وذلك بعد نحو عشر سنوات على تقديم التماس إليها بهذا الشأن، من جانب عضو بلدية القدس آنذاك، أورنان يكوتيئيل (حركة "ميرتس")، الذي توفي في تلك الأثناء.

 

وفي قرارها ذاك، أكدت المحكمة أن هذه المخصصات، التي تمنحها الحكومة بموجب بند خاص في قانون الميزانية العامة للدولة، تتعارض مع "قانون ضمان الدخل" الذي يشمل معايير مختلفة لتقديم مثل هذه الإعانات الاقتصادية.

 

كما أكدت المحكمة، أيضا، ضرورة إجراء تعديل قانوني يتيح للحكومة دفع هذه المخصصات وفق معايير موحدة ومتساوية، إذا كانت السلطة التشريعية (الكنيست) تختار ذلك.

 

الحكومة تضرب بقرار المحكمة عرض الحائط!

 

وردا على قرار المحكمة العليا هذا، وبدلا من سير الحكومة في المسار التشريعي ـ كما أوصت المحكمة ـ اختارت الحكومة الالتفاف على قرار المحكمة وتوصياتها، وذلك بواسطة تشكيل لجنة خاصة ("لجنة غباي") لفحص الموضوع وتقديم توصيات بشأنه إلى الحكومة. وفي كانون الأول 2010، قدمت هذه اللجنة توصياتها إلى الحكومة التي اتخذت، على الفور، قرارا بتبنيها بصورة رسمية.

 

وكان أهم تلك التوصيات، كما انعكست في قرار الحكومة في الموعد المذكور، مواصلة دفع هذه المخصصات لمدة أربع سنوات، لكن تحت مسمى آخر هو "منحة تعليمية لتشجيع دمج طلاب الكليات الدينية في سوق العمل"، على أن يجري تخفيضها إلى 75 بالمئة في السنة الخامسة مع إفساح المجال أمام التلاميذ الحريديم في المدرسة الدينية للخروج إلى العمل، بالتزامن مع مواصلة التعليم بشكل جزئي، وعلى أن يتم التوقف عن دفع هذه المخصصات بصورة نهائية في نهاية السنة الخامسة.

 

لكن قرار الحكومة المذكور استثنى من هذه "التقييدات" في دفع / تلقي مخصصات "ضمان الدخل" جميع التلاميذ الحريديم فوق سن الـ 29 عاما، وهم الذين يشكلون نسبة تقارب الـ 80 بالمئة من مجمل الحاصلين على هذه المخصصات. كما استثناهم من واجب الخضوع للتأهيل المهني شرطا للحصول على هذه المخصصات.

 

وتنفيذا لقرار الحكومة هذا، رصدت في العام 2011 ميزانية بلغت 110 ملايين شيكل في بند تحت عنوان "منح تعليمية للتلاميذ الحريديم في المدارس الدينية"، ثم تم رصد مبلغ مماثل (110 ملايين شيكل) في العام التالي، 2012، أيضا، في بند تحت عنوان "ضمان دخل الحد الأدنى للتلاميذ الحريديم في المدارس الدينية".

 

وفي معرض تسويغها رصد هذه الميزانيات، أشارت الحكومة في قرارها إلى أنها "تعتبر اندماج الوسط الحريدي في العمل هدفا مركزيا لسياستها، باعتباره أداة لكسر دائرة الفقر والتعلق بالمخصصات الحكومية، والتي يبلغ عدد متلقيها من بينهم نسبة مرتفعة من بين مجمل السكان، كما تعتبره عاملا مساعدا في تحقيق المساواة في توزيع العبء الاقتصادي في إطار الاقتصاد الإسرائيلي، وعاملا مساعدا في اندماج الوسط الحريدي في النسيج الاجتماعي في إسرائيل، سوية مع المحافظة على المميزات الخاصة للمجتمع الحريدي ودعم استمرار وتقوية جهاز التعليم التوراتي، إلى جانب تقديم الدعم لمجموعات أخرى من الدارسين في مؤسسات التعليم العالي"!

 

وعلى خلفية هذا القرار، وضده، تقدمت مجموعة من المنظمات الإسرائيلية (اتحاد الطلاب الجامعيين، الجمعية من أجل حرية الدين والمساواة، المركز للتعددية اليهودية، حركة أومتس ـ مواطنون من أجل الإدارة السليمة والعدالة الاجتماعية والقضائية وحركة "إسرائيل حرة")، في كانون الثاني 2011، بالتماس إلى المحكمة العليا بادعاء أن قرار الحكومة يناقض قرار الحكم الذي أصدرته المحكمة العليا (كما ورد آنفا) ويكرس التمييز المرفوض بين الحريديم والطلاب الجامعيين الآخرين.

 

كما ادعى الملتمسون بأن قرار الحكومة ينطوي على تمييز ضد مجموعات سكانية مختلفة، أبرزها: النساء، أبناء الديانات الأخرى وأبناء تيارات أخرى في اليهودية. وإضافة إلى هؤلاء، ينطوي القرار على تمييز، أيضا، بحق الأشخاص الذين يحصلون على "مخصصات ضمان الدخل" بموجب "قانون ضمان الدخل"، نظرا لأن التلاميذ الحريديم ليسوا مطالَبين بإثبات "قدرة على الكسب من العمل" شرطا للحصول على هذه المخصصات ـ كما يلزم القانون الآخرين ـ بل العكس تماما، إذ يُمنَعون من العمل ويتوجب عليهم الدراسة في الكليات الدينية طوال اليوم. وادعى الملتمسون، أيضا، بأن التسوية التي وضعها قرار الحكومة ليست مقرّة في نص تشريعي، بل في قرار حكومي فقط، مؤكدين عدم قانونية إدراج تسوية مناقضة لنص قانوني صريح (قانون مخصصات ضمان الدخل) في إطار بند خاص في قانون الميزانية، مثلما فعلت الحكومة.

 

وفي شهر كانون الأول 2011، أصدرت المحكمة العليا أمرا احترازيا يلزم الحكومة بتقديم تفسيراتها وتعليلاتها لعدم تنفيذ قرار المحكمة السابق ولجوئها إلى قرارات التفافية عليه. ثم تم تحويل الالتماس إلى البحث أمام هيئة قضائية موسعة مكونة من سبعة قضاة أجمعوا، في قرارهم النهائي الصادر يوم 25 أيار الأخير، على رفض نهج الحكومة الالتفافي وإلزامها بإلغاء قرارها السالف، وذلك ابتداء من مطلع كانون الثاني 2015.

 

في معرض النظر في الالتماس، قدمت الحكومة إلى المحكمة، في تشرين الثاني 2012، ردها التفصيلي على ما تصمنه الالتماس من ادعاءات وطعونها في الدفاع عن قراراتها المذكورة. واعتمدت الحكومة، في ردها، الادعاء المركزي القائل بأن قرارها ذاك جاء "بهدف تقليص الفجوات بين الوسط الحريدي والأوساط السكانية الأخرى في المجتمع الإسرائيلي" وبأنه (القرار) يشكل "رافعة للتغيير الاجتماعي ـ الثقافي الرامي إلى تعميق اندماج الطلاب الحريديم المحتاجين في سوق العمل".

 

وعند هذا الادعاء توقفت القاضية مريم ناؤور، خلال جلسة المداولات في المحكمة، وتساءلت موجهة كلامها إلى ممثل الحكومة: "كيف يمكن لإعطاء شخص ما مبلغا ماليا شهريا أن يساعد في دمجه في سوق العمل؟؟ ... المنطق السليم يفترض العكس تماما: إن لم يحصل على المال، فسيضطر إلى الخروج إلى العمل"!

 

من جهتها، قالت المحامية أورلي إيرز لحوفسكي، ممثلة الملتمسين، إن قرار الحكومة مواصلة دفع المنحة "يشكل التفافا على قرار الحكم الذي أصدرته هذه المحكمة".

 

 

هدف الحكومة المعلَن ـ ضريبة كلامية!

 

كما ذكرنا أعلاه، كانت النتيجة النهائية لقرار الحكم الجديد الذي أصدرته المحكمة العليا، في أيار الماضي، إلزام الحكومة بإلغاء قرارها بشأن منح الطلاب الحريديم "مخصصات ضمان الدخل" تحت مسمى آخر، وذلك ابتداء من مطلع كانون الثاني 2015.

 

وشككت المحكمة العليا، في قرارها، بموقف الحكومة وادعاءاتها، من خلال التشكيك الواضح بقدرة قرار الحكومة على تحقيق غاياته المعلنة.

 

وقالت المحكمة: "ثمة صعوبة بالغة في الادعاء بأن تخصيص هذه الميزانيات للطلاب الحريديم لفترة طويلة كهذه ـ أربع سنوات (الفترة الأولى في المسار الأساس) ـ من دون إلزامهم بالخضوع لدورات التأهيل المهني أو اكتساب مهارات تشغيلية أيا كانت، من شأنه أن يشجع اندماجهم في سوق العمل مع انتهاء تلك الفترة.... دفع هذه المنحة طوال أربع سنوات كاملة لن يساعد، مطلقا، في تحقيق هذا الهدف. والنتيجة، إن فترة السنوات الأربع هذه لا تسهم، إطلاقا، في دمج هؤلاء الطلاب المنشود في سوق العمل"!

 

وأشارت المحكمة (في قرار حكمها، الذي كتبه القاضي المتدين إلياكيم روبنشتاين) في هذا السياق إلى أن عدد الحريديم اليهود المقيمين في مدنية نيويورك (الولايات المتحدة) يبلغ مئات الآلاف، غالبيتهم الساحقة منخرطة في سوق العمل من أجل كسب العيش "أكثر بكثير جدا من نسبتهم في إسرائيل"!

 

وتبين المعطيات التي تم تداولها خلال النظر في الالتماس أن عدد الطلاب الحريديم الذين يتلقون المعونات المالية الحكومية بلغ حتى تموز 2013 نحو 9400 طالب. كما تبين أنه على الرغم من رصد الحكومة مبلغ 110 ملايين شيكل في كل واحدة من السنوات بين 2010 و 2014 منحاً للطلاب الحريديم، إلا أن المبالغ الفعلية التي صرفتها الحكومة (الدولة) لهذا الغرض وصلت إلى 138 مليون شيكل في كل واحدة من السنوات الثلاث 2010 ـ 2012، بينما صرفت 120 مليون شيكل في العام 2013.

 

وقالت المحكمة إن الاستنتاج المترتب على الحيثيات والتطورات المختلفة في هذه القضية هو "أن ثمة صعوبة بالغة في اعتبار قرار الحكومة محركا يدفع قطار دمج الطلاب الحريديم في سوق العمل في إسرائيل. وحيال هذا الاستنتاج، ثمة أمامنا احتمالان اثنان لا ثالث لهما: الأول ـ احتمال بائس، وهو أن الهدف الذي صرحت به الحكومة لم يكن سوى ضريبة كلامية استهدفت تمكينها من الالتفاف على قرار الحكم الذي أصدرته هذه المحكمة في قضية يكوتيئيلي. والثاني ـ أن الهدف المعلن عنه هو هدف حقيقي، لكن الوسيلة التي تم اعتمادها لا يمكن أن تخدم هذا الهدف. وعلى أية حال، وأيا يكن الاحتمال الصحيح، فليس في ذلك ما يجيز هذا التعامل التفضيلي مع الطلاب الحريديم. والاستنتاج الواضح من هذا: أن المسار الأول من قرار الحكومة (ما يتعلق بالسنوات الأربع الأولى) ينتهك مبدأ المساواة. أما المسار الثاني (ما يتعلق بالسنة الخامسة) فهو يمس بصورة غير تناسبية بالحق في المساواة، لا يخدم هدفه المعلن، ولذا فليس بالإمكان أن يبقى على حاله"!

 

من جهتها، أشارت القاضية مريم ناؤور (نائبة رئيس المحكمة العليا) إلى أن قرار الحكم الذي أصدرته المحكمة العليا قبل أربع سنوات (في التماس يكوتيئيلي) أكد أن "الهدف من رصد هذه المخصصات للطلاب الحريديم هو هدف أيديولوجي ـ تشجيع التعليم التوراتي، لكن الهدف الحقيقي في الواقع كان تقديم مساعدات اقتصادية، وليس تشجيع التعليم. وأضافت ناؤور أن العنوان الذي يتحدث عن "منحة تعليمية للطلاب الحريديم في الكليات الدينية" و"ضمان دخل الحد الأدنى للطلاب الحريديم في الكليات الدينية"، سوية مع المعايير التي حددت لمنح هذه المخصصات (مثل عدد الأولاد، عدم امتلاك شقة غير سكنية وغيرهما) لا تترك مجالا للشك في حقيقة أن "الحديث هو عن معونات اقتصادية". ومن هنا، خلصت القاضية إلى التأكيد: " لا يبقى ثمة مجال آخر سوى التوصل إلى الاستنتاج الذي توصلت إليه المحكمة في قضية يكوتيئيلي، وللأسباب ذاتها، وهو أن القرار يشكل مسا غير مقبول بمبدأ المساواة"!

 

ورأى القاضي سليم جبران أن "قرار الحكومة يكرس، بدرجة معينة، اعتماد الطلاب الحريديم على مصادر تمويل من الخزينة العامة، وليس من الكسب الذاتي من العمل. وتجدر الإشارة إلى أن دمج الوسط الحريدي في الحياة العامة، بوجه عام، وفي سوق العمل، بوجه خاص، هو مصلحة عليا بالنسبة لدولة إسرائيل. وفي مثل هذه الملابسات، ليست ثمة علاقة موضوعية بين الهدف العلن من وراء قرار الحكومة وبين الوسائل التي اختارت الحكومة اعتمادها لتحقيق هذا الهدف، ولذا فهي وسائل مرفوضة ويتوجب إلغاؤها"!